مغينية: فارق السن والخبرة أثر في النتيجة لكن الأداء كان مشرفا    أمن سطات يوقف أربعيني متورط في قتل زوجته والتمثيل بجثتها    المنتخب المغربي للفتيات ينهزم أمام البرازيل بثلاثية في مستهل مشاركته في كأس العالم    لاعبو الدوري الإسباني يحتجون على إقامة المباريات في الولايات المتحدة الأمريكية    "لا قديم يذكر ولا جديد يعاد".. ادرس لشكر كاتبا اولا للإتحاد الاشتراكي لولاية رابعة    طقس اليوم: سحب وضباب بالسواحل وحرارة مرتفعة في أغلب مناطق المملكة    الدرك الملكي بالجديدة يلقي القبض على شخصين قاما بالتبليغ عن عملية سطو مفبركة    روسيا تشيد بالمبادرات الملكية المتعلقة بالأطلسي والساحل    محاولة انتحار شرطي بعد ارتكابه جريمة قتل بسلاحه الوظيفي بالدار البيضاء    لشكر: أعضاء الحكومة يختبئون وراء الملك واستقلال القضاء صار "سلبيا"    مونديال الفتيات: المنتخب المغربي ينهزم في أولى مبارياته أمام البرازيل    لشكر يندد ب"قمع أردوغان لحزب الشعب" ويؤكد أن القوى التقدمية تواجه لحظة حرجة    غموض لافت في مشروع قرار مجلس الأمن حول الصحراء: بين دعم الحكم الذاتي وضمان حق تقرير المصير    بولس: الجزائر ترحب بتحسين العلاقات الثنائية مع المغرب وواشنطن سوف تفتتح قنصلية لها قريبا بالصحراء    "الأشبال" يستعدون لنهائي المونديال    المصادقة على 344 مشروعا بالشمال    لشكر: صرخة شباب "جيل زد" تعبر عن قلق المجتمع وتسائل آليات الدولة    الشعباني: نهضة بركان على أتم الاستعداد لتحقيق لقب السوبر الإفريقي    التديّن الشكلي ببلاد المهجر    ليلى والذئب ..    عصفورة عمي قدور    الخطوط الملكية تعلن عن رحلات مباشرة إلى الشيلي لمساندة "أشبال الأطلس" في نهائي المونديال    مالاوي تجدد دعم الوحدة الترابية للمغرب    توقيع اتفاق جديد للتعاون في مجال الصيد البحري بين المغرب وروسيا    السلطات المغربية توقف 5000 مهاجر في الشمال لمنع "الحريك" الجماعي    تراجع المنتخب المغربي إلى المركز 12 عالميا في تصنيف الفيفا    25 لاعبا في قائمة الوداد لمواجهة أشانتي كوتوكو في كأس الكونفدرالية    بورصة البيضاء تنهي التداولات بارتفاع    انطلاق فعاليات مهرجان "جسد" للمسرح بمشاركة نوعية    فاطمة الزهراء لحرش توضح بهدوء أسباب طلاقها وتحسم الشائعات    استئنافية الحسيمة ترفع عقوبة سيدة متهمة باستدراج قاصرات لممارسة الدعارة    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    قيوح: تحت قيادة جلالة الملك المغرب جعل من الربط والاندماج القاري خيارا استراتيجيا    حاتم عمور يلتقي جمهوره في أمسية فنية بالدار البيضاء    احتجاجا على سياسات ترامب.. توقع خروج الملايين للتظاهر في عدة مدن أمريكية تلبية لدعوة حركة "لا ملوك"    طنجة البالية: توقيف 3 قاصرين تورطوا في رشق الحجارة قرب مؤسسة تعليمية    مستشار ترامب: واشنطن تقترب من افتتاح قنصليتها في الصحراء المغربية... والملف يسير نحو نهايته    ألمانيا تجيز استخدام الشرطة للصواعق الكهربائية في جميع أنحاء البلاد    أستراليا تفرض أول حد أدنى لعمر استخدام مواقع التواصل الاجتماعي    الأمم المتحدة: 80 في المائة من فقراء العالم معرضون لمخاطر مناخية    الذهب يتجاوز 4300 دولار ويتجه لتحقيق أفضل مكاسب أسبوعية في 17 عاما    انفجار قنبلة أمام منزل أحد كبار الصحافيين الاستقصائيين في إيطاليا    مغربيان ضمن المتوجين بجائزة كتارا للرواية العربية    وفاة والدة الفنانة لطيفة رأفت بعد معاناة مع المرض    شركات كبرى تحتكر سوق الدواجن بالمغرب والجمعية الوطنية لمربي الدجاج تحمّل الحكومة المسؤولية    إسرائيل ترجح إعادة فتح معبر رفح الأحد وحماس تؤكد "حرصها" على تسليم جثامين بقية الرهائن    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته للنمو في آسيا رغم التوترات التجارية الصينية الأمريكية    إصابة 11 شخصا جراء غارات إسرائيلية عنيفة على جنوب لبنان    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيء من "حكومة القضاة"..
نشر في هسبريس يوم 05 - 08 - 2017


قراءة نقدية في قرار المحكمة الدستورية رقم 31/17
أصدرت المحكمة الدستورية قرارا بتعذر البت على الحالة في القانون الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي أحيل عليها من طرف رئيسها للنظر في مدى مطابقته للدستور وللقانونين التنظيميين للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة.
وقد ذهبت بعض التعليقات إلى إثارة الانتباه إلى إغفال المجلس الأعلى للسلطة القضائية للإجراءات اللازمة لإقرار ووضع النظام الداخلي للمجلس وضوابط وشكليات تعديله من جهة أخرى.
ولذلك هذا القرار يثير نقاشا أعمق مما سبق وأن طرح بخصوصه؛ لأن النقاش يمتد إلى اختصاص المحكمة الدستورية وأحقيتها في الاستنكاف عن الفصل في مسألة دستورية ومطابقة القانون الداخلي أمام إغفال المجلس الأعلى للسلطة القضائية لأجرأة مقتضى يتعلق بالتعديل، مما يجعل من المحكمة الدستورية محكمة النظر في الدستورية والمطابقة من جهة، ومحكمة إجبار ومراقبة على المجلس الأعلى للسلطة القضائية إن قصر في ممارسة اختصاصه في تنظيم ما أوجب المشرع القيام به في التنظيم القضائي من جهة أخرى.
وقد يفهم من قرار المحكمة الدستورية أن ولايتها في البت في الدستورية والمطابقة للنظام الداخلي رهين بشكلية إجرائية سابقة، تتمثل في أن يحتوي القانون الداخلي المحال عليها كاملا ومحتويا لتنظيم جميع الإجراءات التي تؤطره تحت طائلة تعذر البت في الدستورية والمطابقة ونظم وأجرأة غالبية المقتضيات المرتبطة به.
من خلال قراءة قرار المحكمة الدستورية نجده مشوبا بعيب الاختصاص في صورته السلبية والايجابية ومخالفا للقانون وموسوما بتجاوز السلطة وفساد التعليل الموازي انعدامه، لكن قبل بحث تفاصيل المؤاخذات والملاحظات المثارة على القرار (العنوان الثاني) يتناسب بحث المآخذ المبنائية (العنوان الأول)، والكل وفق التفصيل الآتي:
العنوان الأول: المآخذ المبنائية على قرار المحكمة الدستورية:
إن المأخذ الأساسي الذي ركزت عليه المحكمة الدستورية هو أن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية جاء خاليا من تبيان إجراءات إعداده وتعديله خرقا لمقتضيات المادة 49 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في ما يتعلق بوضع وتعديل النظام الداخلي، دون أن يبين بوجه هذه الإجراءات اللازم اتخاذها.
إلا أنه وقبل الدخول تفصيليا لتشخيص أعطاب القرار، التي تكاثرت حتى تجاوزت عتبة "الدستورانية" نفسها وأعادتنا إلى مرحلة لوفيتانية المحكمة الدستورية، نود التركيز على متغيرين تحققا في النازلة الحالية وبمناسبة هذا القرار موضوع القراءة النقدية.
لماذا ثمة شيء من "حكومة القضاة"؟
يقول الأستاذ محمد أتركين بخصوص ولادة القضاء الدستوري إن "ميلاد هذه المؤسسة قد اعتبر من قبل الفقه الدستوري الكلاسيكي سقوطا في حكومة القضاة واستقالة للسياسي ومراقبة أطراف معينين لممثلين منتخبين، في غياب استحضار التطورات التي عرفتها المؤسسات الدستورية وتأثيرات نمط الاقتراع والفعل الأغلبي التي جعلت البرلمان لم يعد مجالا للنقاش السياسي ولا فاعلا في مستويات التشريع والمراقبة بسبب هيمنة السلطة التنفيذية التي جعلت مبدأ فصل السلط يعيش أزمة تنظيم المجال الدستوري"، خالصا إلى أن "إدماج هذه المؤسسة في البناء الدستوري إلى تغيير مفهوم الدستور ذاته بتحويله إلى وثيقة قانونية يستوجب عدم احترامها عقوبة قانونية، وخلخلة لتماهي الحاكمين والمحكومين عبر مقولة الإرادة العامة وهندسة لفصل جديد للسلط قائم على الزوج حكومة/برلمان في مواجهة القضاء الدستوري". فهذه الخلاصة التي نوه إليها أستاذنا في كتابه، سوف نجدها تقف تنطعا معرفيا في قلب القرار الصادر.
بمراجعة القرار الصادر عن المحكمة الدستورية سوف نعاين أنه من جهة الاختصاص نوه إلى أن المادة 49 منحته صلاحية النظر في النظام الداخلي والبت في نقطة "المطابقة مع الدستور" و"المطابقة مع القانون التنظيمي"، وأنها على هذا الأساس تقول بقيام اختصاصها في "التفصيلتين" معا.
لكن حيث إنه بمراجعة مقتضيات المادة 132 من دستور المملكة المغربية سوف نجد بأنها تشير إلى أنه "تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة إليها بفصول الدستور، وبأحكام القوانين التنظيمية..."، مما يجعل من دائرة الصلاحيات المشار إليها حتى وإن اتسعت لا تهم إلا نقطة "المطابقة مع الدستور" ولا تمتد إلى مجال آخر في غياب نص دستوري؛ لأن توسيع الصلاحيات وإن كان من حيث المبدأ ممكنا إلا أنه لا يمكن أن يقع في عرض النص الدستوري نفسه؛ فالقوانين التنظيمية من حيث المبدأ يشترط في تمريرها أن تكون مطابقة للدستور، كما أشار إلى ذلك الفقيه فرانسوا لوشير عندما صرح: "في المقابل، وفي المجالات غير المضمنة بالدستور، القانون التنظيمي لا يمكنه الزيادة في صلاحيات المجلس، ليس لأنه مجلس دستوري، ولكن لأن مجال القانون التنظيمي محدود بالدستور نفسه" )فالقوانين التنظيمية حتى في دائرة توسعة الصلاحيات تظل مقيدة بالنص الدستوري ولا يمكنها تجاوزه).
وبالتالي المادة 49 من القانون التنظيمي التي أحالت الاختصاص للبت في المطابقة مع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، مع تعليق التطبيق على قرار هذه الأخيرة، هي في حد ذاتها مادة غير دستورية، ومن وجهين:
الوجه الأول: أن البت في المطابقة مع القانون التنظيمي لم يشر إليه الدستور من أساسه ولا ضمن بالقانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، وبالتالي لا يتيسر لأي قانون تنظيمي أن يزيد أو يوسع من صلاحيات المحكمة الدستورية بعيدا عن المتن الدستوري نفسه، وأن أقصى ما يفهم من صريح المادة 132 هو بحث جنبة "المطابقة مع الدستور" كما يظل ناضحا في طول المادة، ولا تنجر إلى "المطابقة مع القانون التنظيمي"، ومن هنا يكون سابقة القول بدستورية هذه المادة بمناسبة النظر في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية مثيرا للكثير من الإشكاليات والملاحظات، لا نرى ضرورة للتعمق بخصوصها.
الوجه الثاني: أن دستور المملكة، كما القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية، لم يعلق نفاذ النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى حين البت بالمطابقة مع الدستور؛ فبمراجعة مقتضيات المادة 27 من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية سوف نقف على أن النظام الداخلي لا يتوقف نفاذه ولا يؤثر فيه قرار المحكمة الدستورية إلا عند التصريح بعدم المطابقة للدستور، وبشكل تفصيلي يهم المواد التي شخصت على أنها كذلك.
فالأنظمة الداخلية –عدا تلك المتعلقة بالمجلسين -غير معلقة التطبيق أو إصدار أمر بالتنفيذ كما في القوانين والقوانين التنظيمية، وبالتالي ما لم يصدر قرار قائل بعدم دستورية أحد نصوص النظام الداخلي، يبنى على "أصالة الدستورية" ويدخل حيز التفعيل من تاريخ إصداره.
حيث إن المحكمة الدستورية صرحت بتعذر البت وانتهى الأجل القانوني للنظر في النظام الداخلي، فإنه ولو في غياب النشر بالجريدة الرسمية يظل النظام الداخلي فاعلا، وليس ثمة مأخذ جدي يمكن إثارته بهذا الخصوص.
ذلك أن المادة 22 في فقرتها الأولى خصصت القوانين والقوانين التنظيمية بتعليق التطبيق إلى حين صدور قرار عن المحكمة الدستورية يقول بالمطابقة، كما النظامين الداخليين لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين على وجه الحصر احتراما لمباني الفصل 132 من دستور المملكة؛ ففقط بعد صدور القرار يمكن إصدار أمر بالتنفيذ، لكنها لم تشر إلى واقعة التعليق في ما يتعلق بالأنظمة الداخلية في غيرها من المؤسسات.
وعليه، تكون المادة 49 قد خرقت نصا دستوريا من جهة ترتيب آثار قانونية غير ضرورية ولا مسموح بها دستوريا.
إلا أن المحكمة الدستورية عندما سبق لها وصرحت بدستورية هذه المادة تكون كما لو أنها تأثرت بمخرجات المحكمة الدستورية الجنوب الإفريقية التي جعلت "القاضي الدستوري يمكن أن يمتد عمله ليشمل التشريع الدستوري".
ومن هنا واقعا يرتفع تخوفنا من "حكومة قضاة" تنظر إلى نفسها مؤسسة فوق المؤسسات، بل مؤسسة هي روح -بالمعنى الهيغيلي-لكل المؤسسات، ولو تم القبول بهكذا منزلق فسنضحى أمام دستور أرادته "الإرادة العامة" ودستور يسكن في مخيلة نخبة "دولة القانون" في حرم القضاء الدستوري دون تشخيص لمديات هذه الدولة نفسها.
وكما سبق للفقيه لامبير أن صرح بأنه يجب أن نقف بكثير من الحيطة أمام هكذا سلوكات لأنها لو تسربت إلى المتن الدستوري فإنه سيصعب علينا احتواؤها في دور محدد أو إخراجها بشكل سلمي ودستوري، لنجد أنفسنا بين "دستور" مصوت عليه، و"دستور قضائي" كثير المرونة يقحم المتغيرات حتى يضمحل النص الأساسي في قلب دهاليز حرب الرؤى في القضاء الدستوري.
وواقعا نجد المجهود البحثي للأستاذ محمد أتركين يصب في هذا الاتجاه عندما أظهر امتعاضا من "الإرادة العامة" ونحى نحو "دولة القانون" بوصفها ضابطة للرقابة في دستورية القوانين، التي تستشف في طول المتن المتعلق بالقضاء الدستوري.
شبهة إنكار العدالة:
واقعا عندما نقف أمام منطوق القرار موضوع القراءة النقدية نجد أنفسنا أمام "معضلة" عقلية قانونية بامتياز، فمن جهة المحكمة سمحت لنفسها بحث تفصيلة "المطابقة مع القانون التنظيمي"، إلا أنها سارعت إلى القول بتعذر البت على الحالة في مطابقة النظام الداخلي للدستور أو للقانونين التنظيميين، والحال أن مخرجات تعليلها كلها تسير في اتجاه عدم المطابقة؛ لأن المأخذ الأساسي هو إغفال التنويه إلى كيفية الإعداد والتعديل.
وبالتالي نطرح هكذا سؤال: لماذا لم تخلص المحكمة الدستورية إلى القول بعدم المطابقة مع القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ما دام النظام الداخلي وفق وجهة نظرها لم يحترم مفاعيل المادة 49 من القانون التنظيمي؟
الجواب بسيط جدا، وهو أن المحكمة الدستورية اكتشفت حجم الهفوة التي اقترفت عندما صرحت بدستورية المادة 49 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي وسعت في صلاحيات المحكمة الدستورية خرقا للدستور ورتبت آثارا قانونية بخصوص نفاذ النظام الداخلي غفلا عن التسامح الدستوري نفسه بهذا الخصوص، وهي تفصيلة أضحت واضحة بمناسبة النظر في دستورية النظام الداخلي الذي تمت معاينة عدم قيام أي خرق دستوري له، لكنه قد يفهم منه مساس بالقانون التنظيمي، وبصدور قرار بعدم "المطابقة مع القانون التنظيمي" أن يفتح أبوابا مشرعة أمام شيء اسمه "حكومة القضاة" وحجم التسلطن الذي يمكن أن يستشف أمام هكذا خرق قانوني مبنائي.
فاختارت أن تتنكر لما سبق لها وصرحت بدستوريته، فاختارت الحياد و"تعذر البت".
العنوان الثاني: النعي في التفاصيل:
كما سبق وأوضحنا أعلاه، أوجه النعي المثارة على القرار تنقسم بين فساد في التعليل ومخالفة القانون (أولا)، ثم عيب الاختصاص وتجاوز السلطة (ثانيا) فالوقوف أمام وضع شاذ (ثالثا).
أولا: في فساد التعليل ومخالفة القانون
ذهب قرار المحكمة الدستورية في تعليله إلى أن فحص دستورية النظام الداخلي يشمل مراقبة اجراءات هذا الأخير وجوهره، في حين:
لم ينظم الدستور في مقتضياته أي مقتضيات إجرائية تخص النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ونتيجة لذلك، فكيف للمحكمة الدستورية أن تبسط رقابتها في مطابقة النظام الداخلي للدستور في غياب أي إجراء أو شكليات يحيل عليها الدستور بهذا الخصوص؟
إذ تدعى المحكمة الدستورية إلى فحص الدستورية لو نظم الدستور الجانب الاجرائي لمقتضيات النظام الداخلي، وتبعا لذلك يكون تعليل المحكمة الدستورية بأن فحص دستورية النظام الداخلي يبدأ من الجانب الاجرائي تعليل فاسد وينزل بمنزلة انعدام التعليل؛ لأن موجبات رقابة الدستورية في الشق المتعلق بالإجراءات والشكليات غير قائمة.
ومن غير أن تبين المحكمة الدستورية المقتضيات الدستورية التي نظمت الجانب الإجرائي للنظام الداخلي عرجت مباشرة إلى الاستدلال بالقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وركنت إلى الاستناد إلى القانون التنظيمي، وانتقلت ومن غير تدقيق من فحص الدستورية التي لا يسعفها الدستور في ذلك إلى فحص مطابقة النظام الداخلي للقانون التنظيمي، ومزجت بين فحص الدستورية وفحص المطابقة بين النظام الداخلي والقانون التنظيمي الذي يعتبر قانونا أقل رتبة من الدستور وأكثر من القانون العادي، مما يكون معه قرارها مشوبا بفساد التعليل الموازي انعدامه.
قررت المحكمة الدستورية أحقيتها في مراقبة إجراءات النظام الداخلي، وهذا يفترض وجود هذه الاجراءات والتنصيص عليها لمراقبة مدى إعمالها واحترامها في تضمينات النظام الداخلي، في حين إن القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية نص على اختصاص المجلس في وضع النظام الداخلي دون التنصيص على إجراءات خاصة لوضعه والواجب التقيد بها، وتكون بذلك المحكمة الدستورية تريد أن تبسط رقابتها على معدوم لغياب الإجراءات في القانون التنظيمي لمكنة مراقبة تضمينها في النظام الداخلي بشكل مطابق للقانون الأعلى.
أو الظاهر من خلال القرار المعلق عليه رغبة المحكمة الدستورية إلزام المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالتصريح بكيفية وضع النظام الداخلي من خلال تحريفها لما سمته حقها في مراقبة الإجراءات، مما يشكل مظهرا من مظاهر تجاوز السلطة وبسط رقابتها خارج مجال اختصاصها المتمثل أساسا في القول بدستورية النظام الداخلي ومطابقته للقانونين التنظيميين أم لا.
ثانيا: في عيب الاختصاص وتجاوز السلطة
اعتبرت المحكمة الدستورية أن عدم تضمين النظام الداخلي للضوابط المتطلبة لوضعه وتعديله إغفالا من طرف المجلس الأعلى للسلطة القضائية لقواعد شكلية جوهرية يترتب عن عدم احترامها تعذر المحكمة الدستورية عن البت في النظام الداخلي ومدى دستوريته ومطابقته للنظامين التنظيمين، في حين:
لا يحق للمحكمة الدستورية أن تنصب نفسها مؤسسة مراقبة لممارسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية لاختصاصه الممنوح له بمقتضى القانون التنظيمي، ولا جهة حلول محلها ولا جهة جير وإكراه لها بإرجاء البت في الدستورية والمطابقة إلى حين أن يمارس المجلس الأعلى اختصاصه الأصيل؛ إذ بمنحى المحكمة الدستورية بالقول بتعذر البت إلى حين تضمين النظام الداخلي لمسألة تعديل هذا الأخير، تكون علقت ممارسة اختصاصها في النظر في الدستورية على ممارسة المجلس الأعلى لاختصاصه كاملا، وهذا يشكل في نهائيته مظهرا من مظاهر تسليط اختصاص المحكمة الدستورية على اختصاص المجلس الأعلى للسلكة القضائية، وعيب الاختصاص في أدبيات القضاء الإداري مما يثيره القضاء تلقائيا أنه مقرون بالجسامة في الممارسة.
لا يحق للمحكمة الدستورية أن تقضي بتعذر البت في النظام الداخلي لأن من صميم وظيفتها طبقا للمادة 26 من القانون التنظيمي لها أن تبت في مدى دستورية الفصول المحال عليها ومدى مطابقتها للقانونين التنظيميين من عدمه لا غير، مما يوجب عليها، وفقا لقواعد الاختصاص المؤطرة وبوصفها محكمة ذات اختصاص خاص، أن تنفذ إلى جوهر ما أحيل عليها، وليست محكمة موضوع ذات ولاية عامة تنظر المحال عليها كما تنظر الخصومة القضائية، وتكون بما قضت به تجاوزت اختصاصها وأدى قرارها إلى وضع شاذ عن آليات اشتغال المحكمة الدستورية والغاية من إقرارها دستوريا.
لا يحق للمحكمة الدستورية أن تقضي بتعذر البت في النظام الداخلي بعلة عدم احترام المجلس الأعلى للسلطة القضائية لقواعد شكلية جوهرية؛ إذ كيف للمحكمة الدستورية أن تعتبرها متخلفة والحال أن المجلس الأعلى من عهد إليه وضعها وتسطيرها من جهة، ومن جهة ثانية إذ لو كانت جوهرية إلى هذه الدرجة لكانت المحكمة الدستورية التي حلت محل المجلس الدستوري أن يقرر تضمنها يوم إحالة القانون التنظيمي عليه يومها.
لا يحق للمحكمة الدستورية أن تقضي بتعذر البت في النظام الداخلي بعلة عدم احترام المجلس الأعلى للسلطة القضائية لقواعد شكلية جوهرية في إغفال، والمتمثلة في إغفال نقطة وضع وتعديل القانون الداخلي، لأن لا تأثير لهذا الاغفال على صلاحية المحكمة الدستورية للبت في الفصول الأخرى للنظام الداخلي والبت في الدستورية والمطابقة.
ثالثا: الوضع الشاذ لقرار المحكمة الدستورية
ونحن امام قرار المحكمة الدستورية، ما مآل النظام الداخلي نفاذه ونشره متوقف عليه اشتغال مرفق القضاء بشكل عام؟
لا يحق للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يدخل تعديلا والمطابقة لقرار المحكمة الدستورية لأن ولايته في الإعداد والعرض والاحالة على المحكمة الدستورية قد انقضت بمرور أجل ثلاثة أشهر من تاريخ التنصيب من طرف جلالة الملك.
وقد يغض المجلس الأعلى الطرف عن هذه النقطة، ويعدل النظام الداخلي فيما سجلته المحكمة الدستورية، ويحق لهذه الأخيرة أن ترد النظام الداخلي بعدم القبول لأنه ورد عليها خارج الأجل المقرر في القانون التنظيمي، ويكون عمل المجلس الأعلى أقبح من زلة.
وقد يذهب البعض من غير أساس إلى القول بأن قرار المحكمة الدستورية يؤدي إلى فتح الأجل من جديد لمعاودة عرض النظام الداخلي عليه، مما يتعارض مع القواعد التالية:
- أن مسألة الأجل والإعداد والإحالة حدد لها الدستور والقانون التنظيمي نقطة البداية، وتتمثل في ثلاثة أشهر من تاريخ التنصيب في الحالة الأولى، وأجل ثلاثين يوما من تاريخ الإحالة على المحكمة الدستورية، مما ينشأ بداية الأجل وتمديده خارج ما قرره القانون التنظيمي الذي لا يتصور أن تبت المحكمة الدستورية إلا فيما قرر لها دستوريا وتنظيميا.
- أن المحكمة الدستورية استنفذت ولايتها في النظر في القانون الداخلي وأن الاحالة عليه من جديد لا يمكن تصورها بصدور قرارها والأمر بنشره في الجريدة الرسمية، والحال أن الذي ينشر في الجريدة الرسمية والذي يتحصن من كل طعن القرار الذي صدر في مجال اختصاصها بالقول بالدستورية أو عدم الدستورية، مما لا يتحصن معه هذا الطعن الأخير.
- من الخطأ الاعتقاد أن نفاذ القوانين التنظيمية والقوانين العادية المحالة والقوانين الداخلية يتوقف على قرار صريح من المحكمة الدستورية، وأن غياب مثل هذا القرار الصريح مانع من تنفيذ القانون، مما يجعل من المحكمة الدستورية مؤسسة فوق المؤسسات حين امتناعها عن البت أو إصدار مثل هذا القرار موضوع التعليق.
إذ يفترض في جميع القوانين التنظيمية والقوانين الداخلية أنها موافقة للدستور ومطابقة للقانون، وأن إحالتها على المحكمة الدستورية من شأنه أن يوقف الأمر بتنفيذها إلى حين البت فيها في أجل شهر.
فلا شك أن الإحالة على المحكمة الدستورية موقف اجلها للتنفيذ، إذ بمرور أجل الشهر ولم تقم المحكمة بالبت استصحب الأصل ووقع صدور الأمر بتنفيذ القانون أو النظام الداخلي المحال.
وبذلك، فإن بت المحكمة الدستورية بتعذر البت في القانون الداخلي والحال أنها ملزمة بالبت في جوهر النظام المحال ومرور أجل الشهر من تاريخ الاحالة، يرتب الجزاء المقرر في الفصل 26 من القانون التنظيمي.
ونميل إلى قرار المحكمة الدستورية بتعذر البت ينزل بمنزلة عدم البت داخل أجل الشهر ويصبح النظام الداخلي قابلا للتنفيذ.
*محام بالدار البيضاء وباريس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.