الملك يترأس حفل تقديم وإطلاق أشغال إنجاز المركب الصناعي لمحركات الطائرات التابع لمجموعة "سافران"    المنتخب المغربي يصطدم بفرنسا في نصف نهائي مونديال أقل من 20 سنة    العثور على جثة بدون رأس بشاطئ الديزة بمرتيل    أخنوش يدعو إلى تعزيز التنسيق بين المرافق العمومية ومؤسسة وسيط المملكة لخدمة المواطنين    بنسعيد: على الصحافيين تدبير أمورهم دون تدخل للحكومة وقانون "مجلس الصحافة" يعالج الاختلالات    برادة: إصلاح التعليم قد يتطلب 10 سنوات والحكومة عبأت إمكانيات مالية غير مسبوقة لتنزيله    بنسعيد: رهانات 2030 بالمغرب تتطلب تطوير المشهد الإعلامي الوطني    المغرب يسجل عجزاً ب50,5 مليار درهم    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    برنامج "المثمر" يرافق مسار نساء قرويات داخل التعاونيات الفلاحية بالمغرب    820 مليون درهم لتحويل ورزازات إلى وجهة مرجعية في السياحة الثقافية المستدامة    أسعار الذهب والفضة تقفز لمستوى قياسي جديد    "حماس" تسلم الدفعة الأخيرة من الرهائن    نتنياهو يعلن الغياب عن "قمة مصر"    هيئة حقوقية تطالب بمراجعة قوانين التظاهر ووقف متابعة المحتجين السلميين    "بي دي إس": سفينة جديدة ترسو بميناء طنجة محملة بشحنة موجهة إلى إسرائيل    اليساري مصطفى البراهمة في ذمة الله    الكشف عن أثمنة تذاكر "كان" المغرب    المغرب يضرب موعدا مع فرنسا في قبل نهائي كأس العالم للشباب    صحيفة إسبانية: المغرب يفرض نفسه كأبرز المرشحين لكأس العالم بعد أداء "لا يمكن وقفه"    وهبي: يبدو أني الوحيد في جهة الأغلبية .. الجميع اختار صف المعارضة    برادة: الجيل "زد" ينبّه لإكراهات قائمة.. وميزانية الملاعب لا تعطل الأولويات    توقعات أحوال الطقس غدا الثلاثاء    حملات أمنية تمشيطية واسعة بغابات طنجة وتطوان لتوقيف المهاجرين    فوز 3 علماء بجائزة نوبل في الاقتصاد    منعم السليماني يتألق مع نجوم عالميين    لافونتين المغربي والخطاب السياسي..    معايير منح جائزة نوبل بين التشريف السياسي والاستحقاق الأكاديمي    تمديد آجال الترشيح للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة إلى غاية 20 أكتوبر    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    منظمة الصحة تحذر: البكتيريا المقاومة للمضادات تهدد الأرواح    علماء كنديون يكتشفون طريقة بسيطة عن طريق تحليل عينات من أظفار القدم للكشف المبكر عن سرطان الرئة    جائزة نوبل للأدب بيان ضدّ الشعبوية الأوروبية    «بين حبيبات الرذاذ، خلسة صفاء» .. ما بين المبتدأ وشبه الجملة، ينهمر شعر مينة الأزهر    إدغار موران: فيلسوف العصر العاشق للحمراء    جدد مطالبته بالعمل على تأسيس إطار قانوني ملزم للعدالة المجالية في الجبال.. الائتلاف المدني من أجل الجبل يدعو إلى اعتماد سياسة مندمجة تراعي الخصوصيات    المجلس الاقتصادي يعارض عضويته في مجلس الصحافة ويقترح تمثيل جمعيات حماية المستهلك    المغرب يفوز بأربع ميداليات خلال الدوري الدولي المفتوح للكيك بوكسينغ بأوزبكستان    فعاليات المعرض المغاربي للكتاب في دورته الخامسة بمدينة وجدة    روسيا–إيران–الجزائر.. صفقات تسليح سرية: وصحيفة إيطالية تؤكّد أن المثلث العسكري الجديد يُقلق الغرب    الرئيس الصيني يدعو إلى مسيرة جديدة لتحقيق المساواة وتمكين المرأة عالمياً    الصين: ارتفاع الصادرات بنسبة 8,3 بالمائة في شتنبر رغم التوترات التجارية مع واشنطن    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    الجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب تعقد جمعها العام العادي    وهبي: نقاتل من أجل المغرب.. وحلمنا رفع كأس العالم    كيوسك الإثنين | تحذيرات من التواطؤ الثابت بين البوليساريو والجماعات الإرهابية    مصرع عون مساعدة بشركة الطرق السيارة في حادثة سير بالقنيطرة    إيطاليا.. العداء المغربي الحسين العزاوي يتوج بطلا للعالم في سباق "غولدن تريل ورلد سيريز"    الفلبين: زلزال بقوة 5,8 درجة يضرب جزيرة سيبو    نجيب أقصبي ل "لوموند": حركة "جيل زد" نتيجة مباشرة ل "رأسمالية التواطؤ" في المغرب التي سحقت الفقراء والطبقة الوسطى    نظام آلي جديد يراقب حدود أوروبا    العِبرة من مِحن خير أمة..    دبي.. انطلاق معرض "إكسباند نورث ستار 2025" للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بمشاركة مغربية    الإصابة بضعف المعصم .. الأسباب وسبل العلاج    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف قضية السرفاتي ومن معه
نشر في هسبريس يوم 19 - 08 - 2011

بدأت المحاكمة في 3 يناير 1977، وعين أحمد الفيزازي رئيسا لهيئة القضاء الجالس التي تكلفت بالنظر في ملف قضية السرفاتي ومن معه كما كان يقال آنذاك. وبلغ إلى علمنا ونحن في سجن غبيلة بالدار البيضاء أن عددا من القضاة لم يكونوا متحمسين لرئاسة الهيئة. بل قيل إن هناك منهم من تهرب من القيام بهذه المهمة. وتحمل مسؤولية البحث في ملف النازلة. كما بلغ إلى علمنا أن الرئيس المعين وعد بالترقية بعد نهاية المحاكمة، وفعلا بعد نهاية المحاكمة تم تعيينه رئيسا لمحكمة الاستئناف بطنجة على ما أذكر، وهذا من شأنه الدفع إلى تصديق ما قيل.
منذ البداية تأكد لنا أن المحاكمة كانت محبوكة لدرجة أن كل الموازين قلبت رأسا على عقب. فمن المعلوم أن الاستنطاق يبدأ عادة بالمتهمين الرئيسيين في الملف لينحدر إلى باقي المتهمين، لكن بالنسبة لمحاكمتنا وقع العكس تماما.
كانت المحاكمة أشبه ما تكون بتمثيلية صاخبة يشاهدها جمهور على علم باللعبة مسبقا، لكن رباطة جأش وصلابة الشباب الذين كانوا يحاكمون أعطيا طعما آخر للمحاكمة، وذلك بتحويل المحاكمة المفبركة إلى محاكمة مضادة، لاسيما عندما قرر المعتقلون مقاطعتها وإعلان كل واحد منهم أمام الملأ مقاطعته للمحاكمة لعدم توفير أدنى شروط الدفاع.
أمام الرئيس، والقاعة غاصة تكلم المعتقلون عن التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له، وأبوا إلا أن يوضحوا ذلك رغم محاولة الرئيس المتكررة إسكاتهم وقمعهم بمختلف الأساليب، من تهديد وتسويف ومحاولات تقليل الشأن، وأحيانا كثيرة حدثت مواجهات بين الرئيس والمعتقلين، وانقلبت الأدوار فأصبح المتهم هو الذي يوجه الأسئلة للرئيس والقضاء الجالس، أسئلة من قبيل: ما رأيكم سيدي الرئيس وما رأي المحكمة الموقرة في هذه العلامات ( إمارات التعذيب البادية للعيان) .
في إحدى الجلسات وقف عبد الله زعزع أمام القاضي وخلع حذاءه. جلس على الأرض ورف قدميه وبين بالملموس ومباشرة لهيئة المحاكمة وللحاضرين، وأغلبهم من عائلات المعتقلين، آثار ما نزل به من عذاب شديد بدرب مولاي الشريف. وبطبيعة الحال حاول الرئيس كعادته التقليل من درامية المشهد لكنه فشل وبدا بوضوح مرة أخرى أن محاكمتنا ليست محاكمة عادية وغنما محاكمة محبوكة الخيوط مسبقا. فكم من مرة لاحظ الجميع خروج رئيس الجلسة عن القواعد المتعارف عليها في مجال القضاء وتوفير شروط وظروف الدفاع بدون قيد ولا شرط، علما أن القاضي، كما هو في عرف الخاص والعام، عليه أن يكون رجلا عادلا مجردا هادئ النفس يزن الوقائع بصدق دون تحيز، ويحرص على العدل والعدالة والإنصاف والحيلولة عن العنت والقهر. في هذا الصدد. رأى أحمد الفيزازي بأم عينيه آثار التعذيب الوحشي والهمجي بادية وواضحة على أجزاء أجسام أكثر من واحد منا...ورغم ذلك أنكر إنكارا تاما وباتا وجود أدن إكراه لانتزاع الاعترافات بالقوة، ولما تبينت عدم قدرته على الإقرار بواقع ماثل للعيان بالحجة والبرهان، تعددت حالات نرفزته وقمعه للمستنطقين لذا فلم نكن ننتظر منه إلا الانتقام في نهاية المطاف. وكم من مرة أظهر الرئيس بوضوح جلي أنه ينطلق ليس من القاعدة الأولى القائلة إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وإنما كان ينطلق من القاعدة المناقضة تماما، أي أنه متهم حتى تثبت براءته، لذلك اجتهد اجتهادا في إبعاد كل ما من شأنه تبرئة المتهم أو تسليط الأضواء على الملابسات وتأكدت اللعبة أكثر عندما لاحظنا استقرار جلادي درب مولاي الشريف بقاعة تقع بالضبط أسفل قاعة المحاكمة للقيام بتسجيل ما يدور بها. وصرح أحد المتهمين أمام الملأ إبان استنطاقه بأن الجلادين الذين تفننوا واجتهدوا في تعذيبنا يوجدون حاليا معنا هنا ( وهو يشير بإصبعه إلى الأسفل).
كانت محاكمتنا صورية بامتياز، شكلا ومضمونا. وحتى الأحكام صدرت انطلاقا من تعليمات ، ولم تكن شروط وظروف الدفاع متوفرة حتى في حدها الأدنى المقبول.
منذ بداية المحاكمة اتضحت اللعبة ، وتبين أنها مسرحية محبوكة الخيوط والديكور ، وأن توقيتها فرض فرضا لذلك كان الانتقام متوقعا، وهذا ما جرني إلى التساؤل ..ما دام الأمر كذلك لماذا من الضروري أن يقوموا بما يقومون به...وكلاء النيابة وقضاة يحققون ومصاريف وحبر وأوراق وضياع الوقت والجهد وذهاب وإياب وحراسة مشددة وتطويق الحي الذي توجد به المحكمة وقطع الطرقات..ما دامت اللعبة انكشفت...فما الداعي لذلك؟..كان يكفي تبليغ العقوبة للمعنيين وتوفير المال والمجهود.
تراوحت الأحكام بين المؤبد وخمس سنوات نافذة وتمت مقاطعة " الوجدي" لأنه تسبب في اعتقال العشرات بتصرف طائش بعد أن أهدى معلومات مجانية للجلادين.
منذ أن علمنا، ونحن نقبع في سجن الدار البيضاء، أن رئيس الهيئة حظي بوعد بالترقية، انتصبت عدة علامات استفهام حول الموضوع، وهذا ما دفع البعض إلى اعتبار أن الأمور كانت " مفروشة" والتعليمات " معطية ". علاوة على أن المحاكمة تمت استنادا على اعترافات منتزعة بسوء المعاملة والتعذيب الوحشي غير المطاق. وبعيدا عن كل ضغينة، أقول إنه لم يفلت أحد ضيوف درب مولاي الشريف من التعذيب، كل ضيف من ضيوفه عزز وكرم تعذيبا وتنكيلا وقهرا، كل واحد منا نال حظه بسخاء ولم يحرم منه حتى الإناث والمرضى والمسنون والمعاقون.
وهناك حادثة يمكن إدراجها في إطار المحاكمة المسرحية وهي حادثة مرتبطة بالمعتقل " الوجدي" وهو أحد قياديي منظمة " 23 مارس" وكان هو أول من اعتقل في غضون سنة 1975 صدفة حيث أوقفه شرطي المرور قصد مراقبة أوراق ووثائق الدراجة النارية التي كان يمتطيها إلا أنه حاول الفرار نظرا لعدم توفره على أي وثيقة، علما أنه آنذاك كان يعيش في السرية وكان من الأشخاص المبحوث عنهم. ومن هنا انطلقت سلسلة الاعتقالات. وهكذا استطاع البوليس اعتقال عدة رفاق في فترة وجيزة جدا. آنذاك انطلقت موجة الاختطافات بالجملة ، بالعشرات في اليوم أحيانا، وبدأ تكديس المختطفين ، في البداية بمخفر الشرطة، ثم بدرب مولاي الشريف مباشرة .
ولم يستحسن أغلب الرفاق تصرف " الوجدي" لاسيما وأنه صادر عن مسؤول قيادي آنذاك بمنظمة "23 مارس" ما أدى إلى اتخاذ موقف عزله ومقاطعته منذ وصول المجموعة إلى سجن " اغبيلة " بالدار البيضاء. وما عدا ثلاثة أو أربعة رفاق من ضمنهم المرحوم عبد السلام المؤذن وعلال الأزهر لم يكونوا متفقين على قرار مقاطعة الوجدي وللإشارة فكل هؤلاء كانوا ضمن مجموعتنا (المجموعة 26 ) التي كانت معزولة عن باقي المعتقلين السياسيين بنفس السجن.
كانت اعترافات " الوجدي" أحرجت أغلب المعتقلين، كبلتهم وجعلت مواجهتهم للجلادين بالدرب صعبة للغاية من جراء المعلومات الضافية التي أهداها لهم بسهولة، وأحيانا " مجانا"، رغم أنه كان من القياديين وبالتالي ملزما بالصمود أكثر من غيره كما كان سائدا في اعتقاد الجميع آنذاك.
في بداية المحاكمة صرح " الوجدي" أمام هيئة المحكمة أنه يلتمس مقابلة صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني " لقضية غاية في الخطورة " وقبل مطالبة دفاعه بالخبرة الطبية وقعت حادثة كان لها وقع شديد على جميع المعتقلين آنذاك.
إذ أنه حينما كنا نتأهب للصعود إلى السيارات التي ستقودنا من السجن إلى المحكمة منع " الوجدي" أحد رجال " السيمي " من تكبيله بالأصفاد، وبعد أخذ ورد صاح " الوجدي" قائلا:" الكل على علم الآن أنني أتعامل معكم فلا داعي لمعاملتي مثلهم "...ورفض قبول تكبيل يديه ككل المعتقلين.
وإثر هذا الحادث المتوقع قررت المحكمة فصل ملف " الوجدي" عن محاكمتنا الجارية اعتبارا لخلل عقلي أصابه بحسب قرار المحكمة الموقرة. وهناك حادثة أخرى حولت مجرى المحاكمة رأسا على عقب. ففي جلسة 18 أو 19 يناير 1977، ندد أحد الرفاق بتصرف رئيس الجلسة تجاه أحدنا، فدوت في القاعة صيحة قائلة هادي مهزلة..فاشيستي...
غضب رئيس الجلسة غضبا لم يسبق أن غضب مثله منذ بداية المحاكمة، فقال بالحرف:" لي قالها...إذا كان رجل فليقف...فوقفت القاعة عن آخرها وصاح الجميع " فاشي...نازي...وما كان أمامه إلا النهوض بسرعة وهرول مغادرا القاعة.
وبعد عودتنا إلى السجن طبقت علينا إدارته العزلة ولم نعد نلتقي، فتقرر الدخول في إضراب عن الطعام ومقاطعة المحاكمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.