يا وزير التعليم لا تجهز على هويتنا وتقبر التدريس باللغة الوطنية لا نريد من محمد حصاد، وزير التعليم، أن يبدد خطابية التهويل، ولا مشقة التذكير بتكرار شنيع حول مسؤولية العفاريت عن فشل منظومة التعليم، دون أن يتقصد إغراق نظرنا في الحواشي والسطوح المجانبة لصواب تفكيره، ومن حوله من مستشاريه النابغين. نحن نعرف يا سيادة الوزير أن التعليم يؤزم كل شيء، من منطلق انعدام السيرورة في سياسات تدبير القطاع وغياب استراتيجية النهوض بتنمية الإنسان وتأهيله. هل هذا صعب على الفهم؟ آخر خرجاتك تتحدث عن الأمية، في نسق آخر، هو الإجابة عن سؤال: أين وصل المغرب في مشروع محاربة الأمية؟ هذه إجاباتكم الملفوفة في براح الواقع. أما وثوقية الخطاب لديكم فمتعالية إلى درجة التعتيم على الأهم في كل ما يجري ويدور الآن في ردهات وزارتكم! جميل أن نجد أسسا وتقنيات جديدة لتحويل أميتنا إلى مشتل تفكير وإنتاج. لكن إزاء ذلك نحن مطالبون بتحفيز المتفوقين من هؤلاء الضحايا، أقصد ضحايا الأميات المقنعة لمواكبة أحلام الانتماء للتوظيف المواطناتي. لا يكفي استيفاء حدود نظرية وتالفة بين المستنسخات الإدارية وأرشيف الوزارة لمحاربة الأمية وتشجيع التعليم اللانظامي، دون مواجهة التحديات التي تروم تحديد أولويات التعليم كواجهة سوسيو اجتماعية وثقافية وتنموية. إن الانخراط في صياغة بدائل ما بعد تأطير خطة 2030 ليس سوى انتحار إسقاطي يقوض كل التباسات مراحل الفشل التي عاشتها منظومتنا التعليمية. وإذا كان التقصير في إيجاد حلول ذات أولوية استراتيجية في المقام وقفا على ملاءمة القوانين بالقرارات والمذكرات الأخيرة، فإن الرهان على الخطط والبرامج التحذيرية والبعيدة عن مآلات الإصلاح، كما هو مفهوم في الدراسات والأبحاث ذات العلاقة بالبيداغوجيا الوظيفية والتربوية والتعليمية التعلمية، لا يفي البتة بما هو مسموح به في حدود المتداول لإعادة الروح للطريق التي انهرقت رؤيتها قبل نصف قرن ويزيد. أما العيب كل العيب يا سيادة الوزير، فهو التعطيل المخيف للهوية وإقبار مطمح التدريس باللغة الوطنية. ففي الوقت الذي يطالب فيه الشعب، نخبا ونشطاء حقوقيين وخبراء، بتوطيد علاقة التلميذ بلغته كجزء من هويته القومية، تتحدث عن كيفية النهوض بالاستعمال اللغوي للتلميذ المغربي من خلال تطوير الأداء بالعربية واللغات الأجنبية، وعن رؤيتك الاستراتيجية للتناوب اللغوي، كجزء من خطتك الكيدية التي أوصلت إلى باب فرض الفرنسية لغة وحيدة للتدريس. وتحت كل ذرائع التمويه واستغباء الإعلام، الذي لازال البعض منه حليفا فرانكوفونيا طيعا، يجيد التكيف مع البروبغاندا والتصفيق المؤدلج، كان لزاما عليك أيها الوزير أن تسابق الزمن وتحيل الملفات السمينة ذات الأولوية إلى غرفة الإنعاش، حتى تستطيع ربح الوقت وتقطيع ما تبقى من روابط بنائية التعليم، التي أضحت بفعل إيقاع العشوائيات وفوضى الكلام معادية لروح الدستور ومنافية لأخلاق الحوار الاجتماعي والثقافي، ومجانبة للصواب بكل الأبعاد والقطعيات. أين نحن من المبادئ التي أعلنت عنها الحكومة في ديباجة أدبياتها عند تقديم مشاريع القوانين الخاصة بحماية اللغتين الرسميتين والنهوض بهما؟! أين نحن من الدستور نفسه الذي أقر بضرورة الانتماء للثقافة المغربية وهويتها التاريخية والحضارية، لغة وتنوعا ثقافيا؟ ليس كافيا التطبيل ومفاضلة الأهداف دون تدبير عقلاني ومواكبة للمستجدات الكفيلة بتصحيح مسار غارق في التدجين والتبعية وسوء التفكير. فالقدرة على الإنجاز، كما يقول فاكنر ستيغن، لا يمكن إبعادها عن فعالية التخطيط وبرمجة الأهداف. التعليم يا سيادة الوزير يدق آخر مسامير نعشه. والتحضير لدفنه لا محالة يحتاج إلى قرار يرقى إلى مستوى تحريره من اليافطات الكبرى، ومن أخطبوطات استنزفت قواته، أزمنة صارت معها فؤوس الحفر على فنائه متاهة تعوزها الجرأة لإعادة تجسيد روح جديدة في جسد بلا حواس؟! * باحث وإعلامي [email protected] https://www.facebook.com/ghalmane.mustapha