من التماسيح والعفاريت إلى الزلزال السياسي في علم السياسة ليس هناك لا تماسيح ولا عفاريت ولا حتى زلازل سياسية أو براكين، بل إنه علم قائم بذاته ومتقاطع مع غيره من العلوم الاجتماعية، له مفاهيم ومصطلحات دقيقة ليس فيها إيحاءات أو رموز حيوانية أو كوارث طبيعية كالزلازل والبراكين، بل مؤشرات كمية ونوعية ودراسات ونظريات مبنية على مناهج علمية. لكن قد يعترض البعض مستشهدا بكتاب كليلة ودمنة الذي نُقلت ترجمته إلى العربية في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي على يد عبد الله بن المقفع بعد أن اطلع على النسخة الفارسية منه، وأن الحياة السياسية والاجتماعية للحكيم الهندي "بيدبا" مع الملك "دبشليم" مشابهة لما كان عليه الوضع مع "الخليفة المنصور"، الذي كان يُعرف بقوة بأسه وشدته على من يخالفه. فكان بحاجة إلى النصح بشكل غير مباشر، فتميزت ترجمته بخصوصية الظرف الزماني والمكاني. واليوم نحن لسنا في حاجة إلى تحليل الواقع السياسي باستحضار الحيوانات والكوارث الطبيعية، فتشخيصه يجب أن ينبني على دراسات سياسية وفق مناهج علمية نظرية وتطبيقية مؤسسة على مؤشرات وإحصائيات وتقييم حصيلة السياسات العمومية بكل موضوعية بعيدا عن المزايدات والمغالطات وتصفية الحسابات. إن العفاريت والتماسيح التي طالما اشتكى منها رئيس الحكومة السابق يعتبر أمرا مستهجنا في الديمقراطيات المعاصرة، فالإيحاء للخصوم السياسيين بمثل هذه الأوصاف يعتبر من باب التجريح، فالفاعل السياسي حين يدخل في لعبة سياسية يجب احترام قواعدها ومعرفة الأصدقاء والخصوم، أما تبرير عدم القدرة على تفعيل الاختصاصات الدستورية لرئاسة الحكومة بعفاريت الإنس والجن فغير مقبول في علم السياسة. إن إقالة مجموعة من الوزراء من مناصبهم مؤخرا من طرف رئيس الدولة، ليس زلزالا سياسيا، بل هو تفعيل للدستور الذي ينص على أن: "الملك رئيس الدولة... يسهر على احترام الدستور" (الفصل 42)، وتفعيلا للمبدأ الذي يربط المحاسبة بالمسؤولية، ونظرا للاختلالات في تنفيذ "برنامج الحسيمة منارة المتوسط"، التي رفعها المجلس الأعلى للحسابات للمؤسسة الملكية في تقريره، تمت إقالة مجموعة من الوزراء والكتاب العامين يوم الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، بناء على الفصل 47 من الدستور الذي يقضي بأن: "للمك وبمبادرة منه، بعد استشارة رئيس الحكومة، أن يعفي عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم". فهذا تصرف قانوني تفعيلا للدستور ولاختصاصات رئيس الدولة من جهة، وقرار سياسي من جهة أخرى باعتباره من مخرجات "حراك الحسيمة" الذي خلق ارتياحا ورضا شعبيين لدى المغاربة قاطبة وليس فقط سكان الحسيمة والنواحي. *أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات