وزارة الداخلية توقف خليفة قائد للاشتباه في تورطه بجرائم فساد    25 قتيلا و2870 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تفتتح بباكو المعرض الرقمي "الزربية الرباطية، نسيج من الفنون"    أخنوش يراهن على "خارطة التجارة الخارجية" لخلق 76 ألف منصب شغل    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    انتشال جثة غريق بشاطئ رأس الماء    بنيات اجتماعية تدعم أمنيي الصحراء    اليوم بالإسماعيلية .. منتخب الشبان يواجه تونس بحثا عن بطاقة ربع نهائي كأس إفريقيا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    رئيس الحكومة يترأس اجتماعا لتدارس خارطة طريق التجارة الخارجية 2025-2027    تقدم خطوتين فقط بعد جائحة كوفيد.. المغرب في المرتبة 120 عالميا في مؤشر التنمية البشرية لعام 2025    وزارة الشباب والثقافة والتواصل تعلن انطلاق عملية استقبال ملفات طلبات الدعم العمومي لفائدة مؤسسات الصحافة والنشر    مراكش…تسجيل هزة أرضية بقوة 4.6    فرنسا وأيرلندا تدينان خطة إسرائيل لاحتلال غزة    الرجاء الرياضي يحتج على التحكيم    وزير خارجية فرنسا: "الوضع عالق" بين باريس والجزائر    ابتداءً من 8 ماي خط بحري جديد يربط المغرب بإسبانيا في أقل من ساعة    مداخل تنزيل مبادرة الحكم الذاتي المغربية بالصحراء    نيروبي: افتتاح أشغال مؤتمر دولي لليونيسكو حول التراث الثقافي بإفريقيا بمشاركة المغرب    مكونات المعارضة النيابية تنادي بتحرير الجماعات الترابية من "سلطة الوصاية"    متى كانت الجزائر صوتا للشرعية البرلمانية العربية؟ بقلم // عبده حقي    ارتفاع أسعار الذهب إلى أعلى مستوى    موسم طانطان ينطلق في 14 ماي.. احتفاء بتقاليد الرحل وبالثقافة الحسانية    "قفطان المغرب" يكرم التراث الصحراوي    وزير إسرائيلي: "غزة ستدمر بالكامل"    جناح المغرب في معرض باريس يشهد اقبالا كبيرا!    افتتاح فعاليات الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم بالحسيمة    بحث وطني يشمل 14 ألف أسرة لفهم تحولات العائلة المغربية    رونار يكشف: هكذا تصالحت مع زياش في 5 دقائق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    وجهة غير متوقعة تُهدد انتقال سفيان أمرابط إلى الدوري السعودي    غوارديولا يكشف اسم أقوى مدرب واجهه في مسيرته    الفريق الاستقلالي يطالب بإحالة محمد أوزين على لجنة الأخلاقيات    استراتيجية حكومية لضمان تكاثر القطيع الحيواني تغني عن اللجوء للاستيراد    منطقة الغرب.. توقع إنتاج 691 ألف طن من الزراعات السكرية    قمة الأبطال.. حلم النهائي يشعل مواجهة برشلونة وإنتر ميلان فى إياب دوري أبطال أوروبا    "أونروا": مئات الآلاف في غزة يعيشون على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة    العصبة تلزم فرق البطولة بحذف جميع إشهارات الشركات المتخصصة في نقل الأشخاص والوساطة في النقل    زوربا اليوناني    جمهور فنربخشة يطلق صافرات استهجان ضد يوسف النصيري    المعارضة البرلمانية تؤجل إجراءات حجب الثقة عن حكومة أخنوش    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    بحث وطني جديد لرصد تحولات الأسرة المغربية بعد ثلاثة عقود    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    نقابة تعليمية تحشد لعودة التصعيد    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطوة الخطأ في درب الانتقال للمعارضة
نشر في هسبريس يوم 12 - 06 - 2018

قام فريقا حزب الاستقلال للوحدة والتعادلية بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين بتقديم مذكرة إلى رئيس الحكومة يطالبانه من خلالها بمراجعة قانون مالية 2018، وبتقديم قانون مالية مُعدل إلى البرلمان، وذلك تجسيدا للالتزام الحزب في السعي إلى الصالح العام والترافع البناء عن المطالب المشروعة للمواطنين، كما جاء في مقدمة المذكرة.
من الناحية السياسية يمكن "تفهم" المبادرة التي قام بها حزب الاستقلال بحكم الوضعية والمخاض الذي مر به والمواقع السياسية المختلفة التي وجد نفسه فيها بحكم التحولات السريعة والتفاعلات التي عرفتها الساحة الوطنية، والتي بدأت بانتخاب الأستاذ شباط على رأس الحزب، وبخروجه غير المفهوم وإلى حد الآن من حكومة بنكيران في 2013، وشنه معارضة شرسة عليها بعدما كان ركيزة أساسية فيها. وبعد نتائج انتخابات 2015 الجماعية تحول الحزب إلى موقع آخر وبدأت الخلافات بينه وبين الأحزاب التي تحالف معها، والتي استفادت من رصيده الانتخابي. ومباشرة بعد الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2016 انتقل حزب الاستقلال إلى موقع رابع وأصبح قاب قوسين من دخول الحكومة. ومرة أخرى، وبعد إعفاء الأستاذ عبد الإله بنكيران وجد الحزب نفسه في مشهد جديد وتبنى "مساندة نقدية" لحكومة العثماني. ورافق هذا الموقف نقاش داخلي ونقد ذاتي لمسار الحزب، أدى إلى التعجيل بذهاب الأستاذ حميد شباط وانتخاب الأستاذ نزار بركة بدله. وفي أبريل 2018 قرر حزب الاستقلال تغيير موقفه السياسي والانتقال مرة أخر إلى موقف المعارضة التي وصفها الحزب بأنها ستكون "استقلالية ووطنية".
وعلى هذا الأساس، فطبيعي من الناحية السياسية أن يُدشن حزب الاستقلال معارضته للحكومة بهذا المذكرة، والتي ستُمكنه من العودة إلى الساحة الإعلامية، ومن الحصول على موطئ قدم في المشهد السياسي الوطني، ومن كسب تعاطف جزء من المواطنين واسترجاع ثقة أعضائه والمتعاطفين معه؛ بالإضافة إلى أنها ستمكنه من بعث رسائل إلى الداخل والخارج مفادها أن حزب الاستقلال لم يترهل بعد؛ مازال حزبا وطنيا متجذرا، ومازال يحافظ على إرثه النضالي، وقادر على المبادرة وعلى لعب أدوار متقدمة وريادية في معارضته هاته للحكومة، خصوصا بعد الأداء الضعيف للحزب المعارض الوحيد.
تمثل هذه المذكرة مبادرة محمودة ينبغي التنويه بها، نظرا لمساهمتها المحتملة في الرفع من مستوى المعارضة البرلمانية والنقاش السياسي الذي يقوم على الاقتراح والتدافع الحزبي النوعي، بدل أسلوب الصراخ والصدام والتهديد واختلاق سيناريوهات بئيسة أفقدت أوساطا كبيرة من الشعب المغربي الثقة في العملية السياسية وفي دور المؤسسات المنتخبة وفي وساطة الأحزاب الوطنية، وجعلت هذه الأخيرة متجاوزة أمام المبادرات الشعبية الراقية، التي تفاعلت مع السياسات العمومية والقطاعية بذكاء وبمسؤولية وبنفس المنطق الذي أصبح يحكم السوق والمشهد السياسي.
بحكم التجربة المتراكمة لحزب الاستقلال، ونوعية الكفاءات الوطنية التي يتوفر عليها، يمكن الجزم بأن هذه المذكرة كان يمكن أن تكون أحسن مما هي عليه الآن، لا من حيث الشكل أو السياق والمنهج والمضمون. وهذا التفاعل مع مذكرة فريقي حزب الاستقلال للوحدة والتعادلية بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين لا يعني بأي حال من الأحوال تبخيس هذا العمل أو التقليل من قيمة التدابير المُقترحة، بقدر ما هو تدافع بناء ونقاش اقتصادي هادئ وتحليل مالي موضوعي ونقذ عقلاني لهذا المجهود المُقدر الذي قام به الأخوة والأصدقاء الاقتصاديون في حزب الاستقلال. ورفقته أبرز الملاحظات على المذكرة:
بداية، أغلب الإجراءات التي تطرقت إليها المذكرة تتمحور حول "مقتضيات ضريبية وجمركية"، وهي موجودة في المدونة العامة للضرائب وتدخل في صميم اختصاص السلطة التشريعية؛ الأمر الذي يتناقض مع مقتضيات القانون التنظيمي للمالية 130-13 ويتعارض مع قرار المحكمة الدستورية رقم 14-950 بخصوص المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية، والتي رفضت فيه "تعديل المقتضيات الضريبية والجمركية إلا بموجب قانون المالية"، واعتبرت الأمر غير مطابق للدستور لأنه "يقيد صلاحيات البرلمان...لاسيما حق أعضاء البرلمان في التقدم باقتراح القوانين المضمون بموجب الفصل 78 من الدستور". لهذا فإن طلب فريقين برلمانيين تعديل هذه الإجراءات الضريبية والجمركية يمكن اعتباره تقزيما للبرلمان وتبخيسا لمسار تعزيز السلطة التشريعية وغير دستوري كما جاء في قرار المحكمة الدستورية؛ وعليه كان على الإخوة في الفريقين البرلمانيين لحزب الاستقلال أن يتقدما بمقترحات قوانين بشكل استعجالي بخصوص هذه التدابير، لا أن يطالبا الحكومة بتعديل قانون المالية من أجل مناقشته أو إدراجه.
في ما يخص محور تحسين الدخل في إطار الحوار الاجتماعي، ومرة أخرى من حيث المنهج، لا يمكن أن نطالب من الحكومة تعديل قانون المالية من أجل زيادة 200 درهم في الأجور، لأن هذا الأمر يتم عبر إصدار مراسيم في إطار الآليات التنظيمية المعروفة. وحتى قانون المالية الحالي يمكن أن يستوعب هذه الزيادة بحكم الهوامش المتبقية في باب نفقات الموظفين. كما يمكن اللجوء إلى إصدار المراسيم المتعلقة بفصل النفقات الطارئة كإمكانية إضافية متاحة لاستيعاب هذه الزيادة. وهنا كان على النقابة التابعة لحزب الاستقلال التفاعل إيجابيا مع مقترح حكومة العثماني الخاص بالحوار الاجتماعي، والذي شكل مساهمة وازنة من أجل الاستجابة للمطالب المعقولة، إذ تم تقديم عرض حكومي غلافه المالي فاق 6 مليارات درهم، ضمنها 4 مليارات درهم للزيادة في أجور 750 ألف موظف، ضمنهم أزيد من 120 ألفا في الجماعات الترابية، وتخصيص مليار درهم للزيادة في التعويضات العائلية لأزيد من 380 ألفا، دون احتساب موظفي الجماعات الترابية، وتخصيص نصف مليار درهم للتعويض عن العمل في المناطق النائية بقيمة 700 درهم. ورغم عدم التوصل إلى اتفاق مع النقابات في هذه السنة الأولى، اتخذت الحكومة قرارا بالشروع في تفعيل الزيادة في التعويضات العائلية بزيادة 100 درهم عن كل طفل، وهو الإجراء الذي يهم حوالي 387.626 موظفا بالإدارة العمومية، بتكلفة قدرها 981.062.400 درهما و68210 موظفين بالجماعات الترابية، بتكلفة قدرها 142 مليون درهم، تعني قرابة 163202 طفل(ة) و129.000 مستخدم بالمؤسسات العمومية، بتكلفة قدرها 320 مليون درهم.
وهنا لا بد من التذكير بأن حكومة بنكيران هي التي حرصت على تطبيق التزامات الحوار الاجتماعي المالية وقامت بتنفيذ التزامات اتفاق 26 أبريل 2011 برصد ميزانية 13.4 مليارات درهم سنويا ابتداء من سنة 2012.
أما محور حماية القدرة الشرائية للمواطنين، والذي قدم فيه فريقا حزب الاستقلال للوحدة والتعادلية مقترحين حول المحروقات، فمن باب الأفعال أبلغ من الأقوال كان من الأجدر أن يتم اقتراح هاذين التدبيرين -نظرا لأهميتهما- في تقرير المهمة الاستطلاعية الخاصة بأسعار المحروقات من طرف ممثلي فريق الاستقلال في اللجنة (نائبين اثنين)، أو أن يتم طرحهما والدفاع عنهما في إحدى الاجتماعات الماراطونية التي عرفتها المهمة الاستطلاعية، وأنا أحد أعضاء هذه اللجنة وحضرت جميع اجتماعاتها وواكبت جميع جلساتها وحواراتها. ورغم المداخلة القوية والصادقة والمعبرة التي ألقاها رئيس الفريق النيابي للوحدة والتعادلية الأستاذ مضيان بمجلس النواب أثناء مناقشة التقرير المهمة الاستطلاعية، في اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية ليوم 15 ماي 2018، إلا أن فريق حزب الاستقلال لم يتقدم بهاذين المقترحين لإرفاقهما بالتقرير التركيبي للمهمة الاستطلاعية.
ومن حيث المنهج، القول بضرورة تعديل قانون المالية الحالي لأن الفرضيات التي اعتمد عليها قد تغيرت (ارتفاع متوسط البترول ب10 دولارات تقريبا، والتحسن المتوقع المحصول الزراعي من الحبوب لينتقل من 70 مليون قنطار كفردية إلى 90 مليون متوقعة..)؛ وبكل موضوعية فهذا الطرح لا يتماشى مع قواعد المالية العمومية التي تتحكم في تقديرات الميزانية، وإلا فعلى هذا الأساس ستضطر الحكومة لتعديل قانون المالية كل شهر إن هي اعتمدت على قاعدة تغير أسعار البترول التي تعرف تغيرات سريعة بسبب الصراعات الجيوسياسية العالمية. كما أن انتظار تحقيق التقديرات المتوقعة للمحصول الفلاحي من أجل توفير بعض الهوامش سيُربك التوازنات المالية الكبرى للميزانية وسيزيد من تقلب معدل النمو وسيؤدي إلى ارتهان أكبر للاقتصاد الوطني بالقطاع الفلاحي وبنسبة تساقط الأمطار على حساب التحول الصناعي.
وللتوضيح فإن الذي يُلزم الحكومة تعديل قانون المالية أمران اثنان؛ إما أن تكون المداخيل استثنائية ويجب إدراجها، والنفقات كثيرة وسقفها غير محدد، أو حين تنخفض مداخيل الدولة بشكل سريع جدا وغير مضبوط، وتضطر الحكومة إلى مراجعة الميزانية لترشيد وتخفيض سقف النفقات؛ وبالتالي تحقيق توازن الميزانية. وهذه الأعراض غير موجودة حاليا، بل على العكس، تنفيذ الميزانية يسير بشكل عادي. وهنا يمكن الرجوع إلى مذكرة الظرفية لشهر ماي 2018 رقم 255 (وخصوصا الصفحة 37 و38 المجمعة لجدول قيادة الاقتصاد الوطني Tableau de bord de l'économie Marocaine) التي تُعدُّها مديرية الدراسات والتوقعات الاقتصادية التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية، وذلك بالاعتماد على معطيات وإحصائيات ودراسات المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب ومكتب الصرف وتقارير البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي ومذكرات القطاعات الحكومية المعنية، سيتضح جليا أن الوضعية الاقتصادية والمؤشرات المالية تعرف نفس التطور ونفس الأداء بالنسبة لنفس الفترة من السنوات الماضية.
أما الحالات التي كانت توجب على الحكومة أن تُعدل قانون المالية فقد عرفها المغرب في 2008، حينما وضعت حكومة عباس الفاسي فرضيات أسعار النفط في 75 دولارا للبرميل، ولكنه تجاوز سقف 133 دولارا (يونيو 2008)؛ ورغم ذلك لم تُعدل الحكومة آنذاك قانون المالية. ونفس الأمر كان ينبغي أن يتم في 2009 حينما بدأ المغرب يتأثر بتداعيات الأزمة المالية العالمية وتراجع الطلب الموجه إليه بنسبة 10-%؛ وانخفض حجم الصادرات المغربية من السلع والخدمات بنسبة -13,1 % وتراجعت تحويلات المغاربة بالخارج ب -5,4%، وانخفضت مداخيل السياحة والمداخيل الجبائية، وتراجعت بشكل قوي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في نهاية شتنبر بنسبة -29,2%. وشمل هذا التراجع أهم الدول المستثمرة في المغرب كفرنسا (-26,1%) وإسبانيا (-57,2%) والمملكة المتحدة (-47,1%)؛ وفي المقابل ارتفعت القروض، وارتفع عجز الميزانية، وسجل قطاع الشغل خسارة صافية بحوالي 53000 منصب شغل. ويمكن العودة إلى مذكرة المندوبية السامية للتخطيط حول أثر الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المغربي بتاريخ 30 يونيو 2010. ورغم هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والاقتصادية الخانقة لم تقم حكومة عباس الفاسي آنذاك بتعديل قانون المالية. وحسب ما جاء في تقرير بنك المغرب برسم سنة 2010 المقدم إلى جلالة الملك فقد تضاعفت تكاليف صندوق المقاصة بالمقارنة مع 2009، ولم تستطع عائدات الضرائب أن تحد من آثار ذلك. هكذا تضاعف العجز مرتين وانتقل من نسبة -2,2% إلى -4,6% في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي؛ كما توقف المنحى التنازلي لنسبة المديونية العمومية المباشرة التي قفزت من 47,1 في المائة سنة 2009 إلى 50,3 في المائة سنة 2010. ورغم هذه الوضعية لم تقم حكومة عباس الفاسي وللمرة الثالثة بتعديل قانون المالية؛ ولهذا ينبغي أن يحكمنا نفس المنطق، سواء كنا في الأغلبية أو المعارضة، خصوصا أن نقترح ذلك في ظل وضعية مالية عادية فيها استقرار وتحسن لغالبية المؤشرات المالية.
الأكيد أن النموذج الوطني يعرف مجموعة من النواقص والاختلالات الاجتماعية، وخير دليل على ذلك الاحتجاجات الشعبية الأخيرة والتقاطبات الاجتماعية التي نراها هنا وهناك، بسبب طابعه الإقصائي، وغياب العدالة الاجتماعية والمجالية والتوزيع العادل للثروة الوطنية. وقد سبق لجلالة الملك محمد السادس أن طرح سؤالا جوهريا مباشرا مفاده “أين هي الثروة”؟ وهل استفاد المغاربة جميعا؟. وعاد وأكد جلالته مرة أخرى على هذا الأمر في خطاب الدخول التشريعي لهذه السنة بقوله "إن نموذجنا التنموي أصبح اليوم غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات، ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية". لهذه الأسباب قررت حكومة الدكتور سعد الدين العثماني توجيه قانون مالية 2018 للأوراش الاجتماعية، مع التركيز على إصلاح وتوسيع منظومة الحماية الاجتماعية، واعتماد سياسة مندمجة وموحدة لها من أجل توحيد طرق الاستهداف وتحقيق الإنصاف في مجال المساعدات الاجتماعية، وتحسين عرض وجودة الخدمات الاجتماعية للقرب، مع إدراج الجوانب المتعلقة على وجه الخصوص بالطفولة والإعاقة والأشخاص المسنين ضمن الأهداف المشار إليها.
بالإضافة إلى اتخاذ الحكومة الحالية رزنامة من الإجراءات للمساهمة في إرساء العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق بكل أشكالها؛ وتتمثل أبرزها في توفير الموارد المالية لمنحة متدربي التكوين المهني لأول مرة بغلاف 400 مليون درهم لفائدة 70 ألف متدرب، والرفع من عدد الممنوحين الجامعيين إلى 360 ألفا بزيادة 30 ألف طالب جديد، وغلاف مالي يفوق 1.5 مليارات درهم للدعم الجامعي، واستفادة 65 ألف طالب من التأمين الصحي؛ والتقليص من أثمنة 200 دواء سنتي 2017/2018، ليبلغ مجموع الأدوية والمستلزمات المقلص ثمنها 3600 بين دواء ومستلزم طبي؛ علاوة على توفير الدعم المباشر لأزيد من 82 ألف أرملة ولفائدة 140 ألف يتيم، بمنحة 350 درهم شهريا لكل يتيم، مع إدراج الأمهات المعوزات والأمهات الكفيلات ضمن المستفيدات من صندوق التكافل العائلي وصدور 14 ألف مقرر قضائي؛ كما تجاوزت موارده 690 مليون درهم.
كما عجلت الحكومة بتنفيذ برنامج محاربة الفوارق المجالية والاجتماعية بمبلغ 8.3 مليارات درهم، وجهت للطرق والصحة والتعليم والكهرباء والماء؛ بالإضافة إلى تخصيص أزيد من ملياري درهم للمساعدة الطبية "راميد" سنويا في 2017 و2018، ضمن صندوق التماسك الاجتماع، وفتحت سبع مستشفيات، مع تقدم بناء المستشفى الجامعي بكل من طنجة وأكادير..
واعتمدت الحكومة إطارا جديد للتحفيز على التشغيل تم فيه رفع عدد الأجراء المستفيدين من تحمل الدولة التحملات الضريبية والاجتماعية إلى 10 أجراء عِوَض 5 في النظام السابق؛ وذلك لفائدة المقاولات والجمعيات والتعاونيات حديثة النشأة؛ وذلك في حدود أجر 10 آلاف درهم؛ كما عوَّضت 23 ألف مستفيد من التعويض عن فقدان الشغل، مع تسوية الوضعية المادية لحوالي 12 ألف ممرض وممرضة بغلاف مالي يقدر ب250 مليون درهم، وتعبئة 5.5 مليارات درهم لتشغيل 55 ألف متعاقد في قطاع التربية الوطنية مع الأكاديميات بين سنتي 2017 و2018، لسد الخصاص ومواجهة الاكتظاظ، وتوظيف 5500 لسد الخصاص في أطر الصحة لسنة 2017/2018، مع مواصلة التزام الرفع من الحد الأدنى للتقاعد ليصل إلى 1500 درهم، بدءا من فاتح يناير 2018.. بالإضافة إلى إجراءات أخرى، لا يتسع المقام لذكرها، خاصة بدعم المقاولة وتصفية مستحقاتها وتحسين مناخ الأعمال وتحفيز الاستثمار وتقوية الصناعة...
مرة أخرى نُنَوه "سياسيا" بمثل هذه المبادرات التي تقدم بها فريقا حزب الاستقلال للوحدة والتعادلية بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين، من أجل ضخ نفس جديد ودماء نقية في المشهد الوطني، مع التأكيد على أن الواجب في هذه اللحظة هو إرجاع الثقة في المؤسسات المنتخبة، واسترجاع الأحزاب السياسية لزمام المبادرة المجتمعية، والصدق مع المواطن والالتصاق به وخدمته وتلبية حاجياته بدون صفقات أو ابتزاز، والإنصات إليه والتفاعل الايجابي والسريع مع مطالبه، واحترام الثوابت الوطنية التي أجمع عليها المغاربة، مع تعزيز إرادة الإصلاح وتوقير الإرادة الشعبية، وجعل مصلحة المغرب فوق الحسابات السياسية الضيقة، والمزايدات الحزبية الفارغة والصراعات الاقتصادية الجشعة.
ينبغي تضافر جهود جميع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمجتمعيين من أجل إبداع حلول سريعة ومعقولة لمواصلة وتوطيد التراكمات التي حققتها بلادنا منذ الاستقلال، وساهمت فيها جميع الأحزاب السياسية وجميع الحكومات المتتالية وكل القوى الحي الوطنية، تحت القيادة الرشيدة لملوك المملكة.
*خبير اقتصادي وباحث في السياسات العمومية وعضو لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.