الجواز المغربي في المرتبة 67 عالميا.. وهذه قائمة الدول التي يمكن دخولها    ابتداء من 25 مليون.. فرصة ذهبية لامتلاك سكن بمواصفات عالية في الناظور    أسعار الفواكه الموسمية تلتهب في الأسواق الوطنية والناظور تسجل أرقاما قياسية    نهائي "كان" أقل من 20 سنة.. المغرب ينهي الشوط الأول متعادلا أمام جنوب إفريقيا    آسفي.. إحباط محاولة تهريب طن و54 كلغ من الشيرا وتوقيف أربعة أشخاص في عملية نوعية    انقلاب حافلة محملة بكمية كبيرة من مخدر الشيرا (صور)    لأول مره في تاريخه.. اتحاد يعقوب المنصور يصعد للقسم الاحترافي الأول    إحباط محاولات اقتحام جماعية لمدينة سبتة    مزراوي يكشف سر نجاحه مع مانشستر    البطولة: رجاء بني ملال وأولمبيك الدشيرة يخوضان مباراتي السد أمام حسنية أكادير والسوالم    أنظمة مراقبة تتعطل بمطار "أورلي"    مسؤول أمني: انعقاد جمعية الأنتربول بمراكش يُجسد مكانة المغرب كفاعل موثوق في الأمن الدولي (صور)    أخنوش يمثل أمير المؤمنين جلالة الملك في حفل التنصيب الرسمي للبابا ليو الرابع عشر    عروض تفضيلية لموظفي الأمن الوطني لشراء السيارات بموجب اتفاقية جديدة مع رونو المغرب    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    إسرائيل تعلن بدء عملية برية موسعة في قطاع غزة    إشادة دولية واسعة بنجاح النسخة 87 من مؤتمر الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية بالرباط    المغرب يعيد فتح سفارته في سوريا.. نظام أحمد الشرع يستعد للاعتراف بمغربية الصحراء    الوداد يرفض التعاقد مع ميندي وبيدرو في "الميركاتو" الصيفي    البواري: "موسم طانطان"، حدث ثقافي بارز يجسد عراقة التراث والقيم الأصيلة لساكنة الأقاليم الجنوبية عبر التاريخ    مع انطلاق مهامه رسميا ...بابا الفاتيكان الجديد يبدأ بانتقاد تجاوزات النظام الرأسمالي    حموشي يوقع اتفاقية مع "رونو المغرب" لتوفير عروض تفضيلية لموظفي الأمن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    الحسيمة تحتضن مؤتمرًا دوليًا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    في عرض افتتاحي حالم إحياء جمال الروح في لحظة واحدة    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنتخب مكتبها التنفيذي    بركة: الحكومة لم تحقق وعد "مليون منصب شغل" في الآجال المحددة    معين الشعباني:نهضة بركان قادر على خلط أوراق "سيمبا" في مباراة الإياب    كلمة عبد الجبار الرشيدي رئيس المجلس الوطني لحزب الاستقلال خلال انعقاد دورته العادية الثانية    انتخاب المغرب على رأس شبكة هيئات الوقاية من الفساد    القنصلية المغربية تقرّب خدماتها من الجالية في وسط إسبانيا    مسؤول أمني: المديرية العامة للأمن الوطني تشجع على الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة    "الزنزانة 10" تحذر من تجاهل المطالب    رقمنة القوة: دور الشركات الكبرى في السياسة الدولية    الجديدة : انطلاق تصوير الفيلم الجديد ''ياقوت بين الحياة والموت'' للمخرج المصطفى بنوقاص    الهابيتوس عند بيار بورديو بين اعادة انتاج الاجتماعي ورأس المال الثقافي    في سابقة خطيرة..مطالب بطرد المهاجرين القانونيين من أوروبا    سوريا.. تشكيل هيئتين للعدالة الانتقالية والمفقودين ل"جبر الضرر الواقع على الضحايا    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    متحف أمريكي يُعيد إلى الصين كنوزاً تاريخية نادرة من عصر الممالك المتحاربة    مأساة في نيويورك بعد اصطدام سفينة مكسيكية بجسر بروكلين تُسفر عن قتلى وجرحى    أوكرانيا تعلن إسقاط 88 مسيّرة    زيارة إلى تمصلوحت: حيث تتجاور الأرواح الطيبة ويعانق التاريخ التسامح    من الريف إلى الصحراء .. بوصوف يواكب "تمغربيت" بالثقافة والتاريخ    تنظيم الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي "ماطا" للفروسية من 23 إلى 25 ماي الجاري    كرة القدم النسوية.. الجيش الملكي يتوج بكأس العرش لموسم 2023-2024 بعد فوزه على الوداد    ندوة ترسي جسور الإعلام والتراث    بعد منشور "طنجة نيوز".. تدخل عاجل للسلطات بمالاباطا واحتواء مأساة أطفال الشوارع    افتتاح فضاء بيع السمك بميناء الحسيمة ب60 مليونا    في طنجة حلول ذكية للكلاب الضالة.. وفي الناظور الفوضى تنبح في كل مكان    طنجة تحتضن أول ملتقى وطني للهيئات المهنية لدعم المقاولات الصغرى بالمغرب    وزارة الصحة تنبه لتزايد نسبة انتشار ارتفاع ضغط الدم وسط المغاربة    بوحمرون يربك إسبانيا.. والمغرب في دائرة الاتهام    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفصل الدراسي في المدرسة العمومية بالمغرب بين العنف والعنف المضاد
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2018

لعل أبرز ما وسم بحر الموسم الدراسي 2017م/2018م، أشرطة ثلاثة انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الإعلام المختلفة، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المتنوعة، ويتعلق الأمر ب:
1- حادثة تعنيف أستاذ من طرف تلميذه بشكل هستيري في غاية الفظاعة والشناعة والاشمئزاز بالثانوية التأهيلية سيدي داود بورزازات بتاريخ: 5 نونبر 2017م.
2- حادثة تعنيف أستاذة بشكل مأساوي يدمي القلب بالثانوية التأهيلية الحسين بن علي بمدينة الدار البيضاء، بتاريخ:22 نونبر 2017م.
3-حادثة تعنيف تلميذة بشكل جنوني هستيري أيضا من طرف أستاذها بالثانوية الإعدادية الإمام مالك بمدينة خريبكة بتاريخ 21 ماي 2018م .
حوادث ثلاث ليست في حقيقة الأمر إلا الأشجار التي تخفي غابات من الآلام والمعاناة، إذ ما خفي أعظم كما يقال، حوادث بقدر ما أثارت نقاشا مجتمعيا حارقا، بقدر ما كشفت عن حقائق خطيرة تدق ناقوس الخطر، بحكم أن الأمر لم يبق مجرد حالات خاصة قد تقع هنا وهناك بشكل عفوي تلقائي، بل إنها أصبحت ظاهرة سوسيوتربوية تحتم إخضاعها لآليات وميكانيزمات البحث السوسيوبوجي الراشد من أجل تدارك الوضع ما أمكن قبل فوات الأوان، ومن أجل وضع النقط على الحروف، وتسمية الأشياء بمسمياتها، وتحميل مسؤولية هذا الانهيار القيمي لمن يجب أن يتحملها، يتعلق الأمر بحقائق ثلاث على الأقل:
1- الحقيقة الأولى: إن الفصل الدراسي الذي كان ذات زمن فضاء للتواصل الإيجابي والتفاعل البناء، وكان محرابا ربانيا لاكتساب العلوم والمعارف، ولغرس قيم الجدية والاستقامة والانضباط والاحترام والعفة واليقظة والبذل والصدق وغيرها من القيم الربانية النبيلة، صار للأسف الشديد حلبة للصراع وتبادل اللكمات والرفسات والطعنات التي وإن لم تؤد إلى الموت الزؤام فإنها تسبب حتما في عاهات نفسية مستدامة وجراح غائرة لن تعالجها وصفات أطباء العيادات الخاصة، و لن تضمدها جلسات مدربي التنمية الذاتية.
2- الحقيقة الثانية: إن العلاقة بين طرفي العملية التعليمية_التعلمية (الأستاذ/التلميذ) لم تعد _كما كانت بالأمس البعيد والقريب_ تنبني على أسس المحبة والتقدير والاحترام الذي يصل أحيانا حد التقديس، بل صارت قائمة على الحقد والضغينة والإقصاء والتحقير والرغبة الجامحة في الانتقام.
3- الحقيقة الثالثة: إن واقع العنف والعنف المضاد صار واقعا مرا فظيعا يتحدى حدود الجنس واللون والسن والجغرافيا... بمعنى أن منظومتنا التعليمية صارت بمذاق العلقم في كل جهات وأقاليم المملكة الشريفة، وصار كل أطرافها (ذكور، إناث، أطفال، مراهقين، شباب، كهول...) ملزمين بتجرع مراراتها...
هذه الحقائق الثلاث التي لا تحتاج إلى كبير عناء، ولا إلى خبرات ومهارات تحليلية خارقة من أجل استنتاجها، تقود بالضرورة إلى نتائج كثيرة يمكن اختصارها إجمالا في نتائج ثلاث:
1- النتيجة الأولى: إن مهنة التدريس التي كانت حلما ورديا يداعب شفاه وأخيلة الأطفال منذ مراحل العمر الأولى، فقدت كل جاذبيتها، وكل حرارتها ورمزيتها، وصارت مهنة من لا مهنة له، بحكم أن رجل التعليم الذي كان رمزا للصلاح والاستقامة والبناء الجاد والتغيير الراشد، صار عرضة لشتى أنواع الإهانة والهدر والاستباحة والاحتقار، بل صار جسده مستباحا وحياته على كف عفريت، للأسف من طرف تلاميذ تحولوا في زمن التكنولوجيا هذا إلى وحوش كاسرة.
ولعل ما يزيد الطين بلة كما يقال، هو أن الترسانة القانونية المؤطرة للمنظومة ككل، لا تنصف الأستاذ بالمرة، بل إنها تدينه باستمرار، لأن وقوع هذه الحوادث يعني وفق منطقها غير السليم أنه لا يمتلك المؤهلات التربوية ولا المهارات البيداغوجية التي تمكنه من تدبير وتسيير أمور فصله الدراسي بشكل جيد (تلميذ ورزازات أدين بدرهم رمزي فقط)، وتستمر الحياة المدرسية بشكل عاد لأن الأستاذ هو المسؤول عن المصير المقرف الذي لقيه ذات حصة من حصص الدعم المجانية بطبيعة الحال.
2- النتيجة الثانية: نحن أمام معركة نتائجها محسومة مسبقا، المنتصر فيها منهزم يقينا، الأستاذ والتلميذ صارا طرفي نزاع: أيهما أقوى عضليا ؟ أيهما يستطيع طرح خصمه أرضا بالضربة القاضية ؟ أيهما يستطيع كسر شوكة خصمه وهزيمة كبريائه ؟ للأسف أسئلة غير مستساغة لا عقلا ولا نقلا، وغير مقبولة لا قانونا ولا شرعا... لذلك وجب الاعتراف بأن الأمر أكبر من كل ما نتصور، الأمر يتعلق بمخطط ماكر دُبِّرَ بِلَيْلٍ من أجل نسف المدرسة العمومية ومن أجل القضاء التام عليها، في مقابل تشجيع ودعم التعليم الخصوصي في السر والعلن، الرسالة واضحة: المدرسة العمومية صارت كما ترون، والبديل المحتوم هو التعليم الخصوصي...
3- النتيجة الثالثة: رجل التعليم واسطة عقد المنظومة ككل، كان عبر التاريخ رمز الغد الأفضل، رمز التغيير، رمز الوعي والنضج والفداء، رمز البذل والعطاء، رمز النبل والصفاء... وكان يحظى تبعا لذلك بكل تقدير وبكل تبجيل لأنه كاد فعلا أن يكون رسولا على حد تعبير أمير الشعراء... كل هذه الرمزية ضُربتْ قصدا عُرْضَ الحائط، وصار للأسف الشديد الحائط القصير الذي تحمله الوزارة الوصية مسؤولية فشل المنظومة التعليمية، صار بطلا لا يشق له غبار لطرائف ونواذر البخل والكسل والتسيب والتحرش والخيانة، صار بالجملة عرضة لشتى ألوان الإهانة والهدر والاستباحة والتحقير...
خلاصة القول إن واقع العنف والعنف المضاد الذي أصبح الفصل الدراسي في المدرسة المغربية العمومية مسرحا له، صورة جد معبرة تؤكد الأزمة الخانقة التي تعيشها المنظومة التعليمية المغربية، أزمة لم تزدها مختلف الوصفات التي ظلت تخضع لها منذ ما سمي بالاستقلال إلا استفحالا، مما يقودنا حتما إلى نتيجة مفادها أن وراء الأكمة ماوراءها، الأمر يتعلق بغياب مطلق لإرادة سياسية حقيقية في الإصلاح، بل إن الأمر يتعلق بِنِيَّةٍ مُبَيَّتَةٍ لضرب المدرسة العمومية في الصميم، ومعنى ذلك أننا ملزمون بالحديث عن "نجاح في صناعة الإفشال"، وليس عن "فشل في الإصلاح" كما يحلو لشعراء القبيلة أن يروجوا مكرا وخداعا وتمويها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.