"مخاضُ التَّحول الديمقراطي في المغرب لا يزالُ عسيراً.. هذا إن لمْ يكنْ بعيدَ المنال"، ذاكَ ما أكّده التقرير السنوي لمجموعة التفكير الإستراتيجي حول "الحالة الجيواستراتيجية للمنطقة العربية"، الذي أوردَ أن "المغرب متردد ديمقراطيًا وأن أبرز الوقائع التي شهدها المغرب على المستوى السياسي خلال عام 2017 تشكل امتدادًا لحالة من التردد لازمتْ سلوك النظام السياسي المغربي منذ عام 2013 إلى اليوم". الوثيقة ذاتها توقفت، في تحليلها للوضع السياسي العام بالمملكة، عند ما اعتبرته "عدم انخراط المغرب بشكل كلي وصريح في موجة الارتدادات على مكتسبات الربيع الديمقراطي في المنطقة العربية"، معتبرة ذلك أنه "أمر إيجابي"؛ غير أنها انتقدت غياب الإرادة السياسية الحقيقية لتأمين الديمقراطية الناشئة وصيانة اختيار المغرب لمسار الإصلاح في ظل الاستقرار"، وهو الوضع الذي قد يؤدي إلى "الهدر التدريجي للرصيد الذي راكمته التجربة المغربية بعدما كانت مصدر إلهام لعدد من الدول في المنطقة". إشادةُ التقرير بالمغربِ كنموذجٍ استطاع أنْ يصلح بأقل الخسائر الممكنة لمْ يمنعه من انتقاد التجربة السياسية الحالية، وقال إن "استمرار الاستهداف الممنهج للفاعل الحزبي وضرب استقلاليته سيؤدي لا محال إلى تعطيل فعالية المؤسسات الحزبية في التأطير والتمثيل والوساطة بين المواطن والدولة، ودفع الناس نحو العزوف عن المشاركة وفقدان الثقة في المؤسسات وفي مخرجات العملية السياسية". وإن كان من بينِ أهم العراقيل التي أثخنت الجسم السياسي بالمغرب في الآونة الأخيرة مسألة البلوكاج الحكومي وما أفرزه من تعطل للمؤسسات الدستورية والاقتصادية، فإن التقرير الاستراتيجي لم يستثنِ "الزلزال السياسي" من هذه العراقيل، حيث ظلت "أهدافه ملتبسة بين عدم وضوح بِخصوص أسبابها وبين تفاعلات عموم سياقها". وفيما يعتبر المراقبون أن البلوكاج أضّر كثيرا بصورة الحزب الحاكم لدى الرأي العام فإن التقرير يذهب بعيداً في هذا التحليل بالقول إن "الأزمة انتقلت بشكل فعلي إلى داخل حزب العدالة والتنمية التي تجلت على شكل حالة من الانقسام المعنوي في صفوف الحزب قيادة وقواعد، والاختلاف الحاد حول تقييم المرحلة السابقة وغياب التبرير المعقول للقبول بالاشتراطات التي كانت سبباً في الأزمة". من جهة أخرى، لفت التقرير الإستراتيجي، الذي عكف على إنجازه باحثون من مختلف الأقطار العربية، الانتباه إلى موجة الاحتقان المتصاعدة منذ سنة 2016، وقال "إن السنة الماضية كانت سنة تصعيد الاحتجاج الاجتماعي بامتياز، بالنظر إلى حجم الوقائع المرتبطة بتعدد بؤر التوتر الاجتماعي وطبيعة التفاعلات التي عرفها هذا الملف، سواء بالنسبة لاحتجاجات الريف أو احتجاجات زاكورة أو اندلاع احتجاجات جرادة". وانتقد معدو التقرير "سيطرة القبضة الأمنية في الميدان الاحتجاجي المغربي، في الوقت الذي أخذ فيه الحراك مساراً تصعيدياً أخفقت معه كافة المبادرات المدنية التي سعت إلى إيجاد حلول للأزمة من خلال الوساطة، كما رفضتْ تغليب المنطق الأمني والقضائي على الاستجابة السياسية والحلول التنموية. "المقاربة الأمنية للدولة، أسهمتْ في تصعيد الاحتجاجات المناطقية، كما شوّشتْ على بعض الحلول المقترحة من قِبل الحكومة"، يضيف أصحاب الوثيقة، في وقت كشفت فيه الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة عن خطورة ضعف الوساطة الحزبية والمدنية، بحيث صارت حركة الشارع وجهاً لوجه أمام الدولة، وهذا يمثل نتيجة طبيعية للتبخيس الذي طال المؤسسات الحزبية والهيئات المدنية الجادة. ويخلص التقرير السنوي لمجموعة التفكير الإستراتيجي حول "الحالة الجيواستراتيجية للمنطقة العربية"، في تحليله للوضع السياسي العام بالمغرب، إلى أن "الدولة تظل عاجزة عن معالجة جذور الأزمة الاجتماعية من خلال إعادة التفكير في طبيعة الأعطاب التي تعتور النموذج التنموي المغربي، وإعادة توجيه السياسات العمومية والبرامج التنموية نحو حاجات الناس الحقيقية".