يعتبر الاستفتاء الشعبي من أهم مظاهر الديمقراطية المباشرة، ووِفْق ما ورد في موسوعة ويكيبيديا، فإن الاستفتاء الشعبي " يُعرف أيضًا وفقًا للسلطة القضائية بحق المواطنين في النقض، أو حق النقض الشعبي، أوالاستفتاء النقضي، أو استفتاء المواطنين أو استفتاء الإلغاء، أو الاستفتاء الرافض، أو الاستفتاء المعلق، أوالاستفتاء على القانون". يستمد الاستفتاء الشعبي مشروعيته من الشعب، باعتباره مصدر الشرعية السياسية في الدولة الديمقراطية، التي هي دولة القانون المستمد من الإرادة العامة للشعب، وبالتالي فالشعب هو الغاية أما الدولة فهي مجرد وسيلة لخدمة الشعب. إن وظيفة الدولة من هذا المنظور الديمقراطي هي حماية كرامة المواطن ضد كل أنواع الاستبداد والاستعباد، والانتهاكات والإهانات، بمعنى أن وظيفة الدولة ليست هي تخويف المواطنين، والانحدار بهم إلى "زومبي" وتحويلهم إلى حيوانات وآلات صماء بتعبير الفيلسوف اسبينوزا، وإنما تحرير المواطنين من الخوف والعنف، وتمكينهم من الرشد الفكري والنضج الوجداني، وصيانة الحريات العامة على أساس المساواة في الحقوق والواجبات. في المغرب، وبعد أكثر نصف قرن من الفساد، واحتجاجات الشعب المتكررة ضد الفساد، منذ ستينيات، وسبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وما خلفته المواجهة مع المخزن من سنوات الجمر والرصاص، التي حفرت جراحات نازفة في الذاكرة المغربية، وفتح الشعب المغربي الطيب صفحة المصالحة باسم عهد جديد. معظم المغاربة باتوا مقتنعين بأن ما اصطلح عليه العهد الجديد مجرد أسطورة وقناع جديد للعهد القديم، وأن القطيعة مع إيديولوجيا الممارسات السابقة لم تكن إلا وهما وسرابا، بل إن الفساد أصبح شاملا ومكونا من مكونات مغرب الألفية الثالثة، ومظاهر الفساد بمؤشراتها ومعدلاتها تفصح عن مستقبل زلزالي تمتد تصدعاته إلى كل مناحي الحياة في المغرب، لا يوجد في المغرب قطاع واحد لا ينخره الفساد، بل إن الفساد هو القانون الذي يسير كل المؤسسات المغربية، والنتيجة: تفقير ممنهج ومبرمج، فوارق طبقية فلكية، هيمنة منطق العلاقات والولاءات على منطق الاستحقاقات والكفاءات، ارتشاء في معظم الخدمات، طوابير العاطلين التائهين الحائرين، واغتيال منتظم للحريات العامة. مازال المغاربة متشبثين بأمل العفو عن معتقلي حراك الريف.. اجرادة.. وكل سجناء الرأي، الذين خرجوا في مظاهرات سلمية ضد الفساد، ضد الرشوة، ضد الابتزاز، ضد الاحتقار، ضد التهميش.. ضد تجميد الجهوية المتقدمة .. أين تفعيل الجهوية المتقدمة في غياب مؤسسات استشفائية في المغرب العميق لمُباشرة عملية ولادة أو إجراء أبسط عملية جراحية كانت تجرى في الكثير من المستوصفات القروية قُبيل وغداة الاستقلال؟؟ أين تفعيل الجهوية المتقدمة في غياب مستشفى عمومي واحد يليق لعلاج المغاربة؟؟ في الوقت الذي يستطيع النافذون والأثرياء الحصول على العلاج في أحسن المستشفيات الأوربية. في هذه النقطة بالذات أستحضر معاناة جل المغاربة مع تراجيديا الصحة، وأتذكر ألم ومعاناة وأنين أمي المقاومة المرحومة عيشة الشاوني، بعد ثلاث سنوات من البحث عن علاج شللها النصفي بين ردهات رداءة المستشفيات وكل أشكال الاستفزازات واللامبالاة، وما كانت أمي العزيزة لتصاب بالشلل لو تمَّب تزويدها حين وصلت إلى المستعجلات بالقليل من الأكسجين، لذلك أبكي باستمرار بحزن عميق، أهكذا يكرم الوطن الذين قاوموا الاستعمار؟ أين تفعيل الجهوية المتقدمة في غياب مؤسسات جامعية في الكثير من المدن المغربية.. الحسيمة.. أزيلال.. وزان.. وغيرها من المدن التي قاومت الاستعمار بشراسة.. وقدمت الآلاف من الشهداء؟؟ أين تفعيل الجهوية المتقدمة والموسعة في غياب مؤسسات تعليمية ثانوية وإعدادية في الكثير من المناطق النائية بمسالكها الجغرافية الوعرة وغياب الطرق المعبدة؟؟ أليس هذا هو أكبر أسباب المغادرة المبكرة للمدرسة؟ ما مصير الطلبة وخصوصا الطالبات اللائي يغادرن بيت أسرهن، لمتابعة الدراسة ويجبر بعضهن الواقع المرير بسبب اكتظاظ الأحياء الجامعية وضعف قدرتها الاستيعابية وقوة المحسوبية لولوجها، بالانزلاق إلى عالم الرذيلة جراء الفقر والقهر... أين تفعيل الجهوية المتقدمة والموسعة في غياب مؤسسات لتأطير الأطفال والمراهقين والشباب؟؟؟ أكبر قنبلة موقوتة تهدد السلم الاجتماعي في المغرب هي مأساة المخدرات.. معظم المراهقين والمراهقات والشباب والشابات يتساقطون كأوراق الخريف في مستنقع إدمان المخدرات بمختلف أنواعها وأخطرها أقراص الهلوسة التي حولت الكثير من الشباب المغربي إلى "زومبي" أحياء أموات.. لا يترددون في شق أطرافهم بالسكاكين وشفرات الحلاقة، وهم في غيبوبة التخدير، يمارسون العنف ضد القريب والبعيد.. هذه الظاهرة لا تحتاج إلى خبراء أجانب لحل "شفراتها".. إنه الإحباط الذي يفضي إلى اليأس واليأس هو بوابة العدمية والعنف والرغبة في الموت.. لذلك فالعفو الملكي عن سجناء الرأي وكلهم شباب.. ليس مجرد إطلاق سراح معتقلين، وإنما هو إطلاق دماء جديدة للحياة في شرايين المغرب، العفو هو المصالحة مع الذات.. هو المصالحة مع الوطن.. هو هتاف الشعب المغربي من أجل الحياة.. الشعب المغربي يتشوق لإطلاق سراح سجناء حراك الريف، من أجل عهد جديد حقيقي، يكون فيه المغرب، بيت كل المغاربة، في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ المغرب، بأزماتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتربص أعداء الوطن لنسف البيت الذي يلم شمل المغاربة، وأخطر أعداء الوطن الفساد والمفسدون. لو قامت جريدة هسبريس باستطلاع للرأي حول إطلاق سراح سجناء الريف، لاتضح بجلاء مدى انشغال الشعب المغربي بهذه القضية، ورغبة المغاربة الجامحة في التسريع بتمتيع سجناء الرأي بالسراح والحرية.. أما إذا أُنْجِزَ استفتاء شعبي ستكشف نسبة المصوتين ب"نعم" لإطلاق سراح معتقلي أن الشعب المغربي يقول بصوت واحد الحرية لسجناء الرأي. في الفيلم التاريخي The Eagle بعد رحلة شاقة، العبد إسكا Esca، يسأل المحارب الروماني الشاب ماركوسMarcus Aquila سؤالا ساذجا: كيف يمكن لقطعة معدنية أن تعني له الكثير، فيجيبه Marcus بأن النسر ليس مجرد قطعة معدنية، مضيفا بلهجة صارمة، "النسر هو روما". كان ماركوس يدرك رمزية "النسر" الذي اختفى باختفاء الفيلق التاسع، الذي كان يقوده والده، وجواب ماركوس لمُرافقه إسكا بأن النسر ليس مجرد قطعة معدنية بل هو روما، يٌلخِّص حِكمته في الكثير من المواقف، بدْءا من مخالفته الأعراف والتقاليد الرومانية في مدرجات حلبة المصارعة، ففي الوقت الذي كانت كل الجماهير رجال سلطة، ساسة، نُخَب، شباب وحسناوات، شيوخ وأطفال، تهتف للمُصارع le gladiateur بإنهاء حياة العبد إسكا، بصوت واحد: أقتله، أقتله، أقتله.. في تلك اللحظة سيقف ماركوس وسيصيح بأعلى صوته: الحياة، الحياة، الحياة.. لتردِّد معه الجماهير، رويدا رويدا.. الحياة.. الحياة.. الحياة للعبد إسكا.. هكذا سيكرس إسكا نفسه لخدمة ماركوس.. ماركوس سيمنحه الحرية.. والنتيجة أن Esca سيهب حياته لخدمة روما.. الشعب المغربي يقف اليوم ويهتف: الحرية لمعتقلي حراك الريف، حين شاهدت فيديو المرأة العجوز مي فاطمة البحرية من مدينة طان طان، تتحدث بحرقة، وتقول للملك الشعب معك، الشعب ضد الفساد، الشعب يريد إطلاق سراح سجناء حراك الريف.