رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، حزين وآسف لأن المغرب لم يحقق شيئا في مجال محاربة الرشوة والفساد، حيث لا تزال التقارير الدولية تصنف المغرب على أنه بلد مزدهر ومتقدم جدا في هذا المجال. الذين علموا بحزن وأسف بنكيران فوجئوا، ليس بسبب ارتفاع معدل الرشوة والفساد، بل لأن هذا الرجل، منذ وصوله إلى الحكومة، لم ينجز أية حسنة في مجال محاربة الرشوة والفساد، بل فعل النقيض تماما، وتوج تخاذله عندما أطلق عبارته الشهيرة مخاطبا اللصوص والناهبين: عفا الله عما سلف. بنكيران يعرف أن اللصوص لم يسرقوا جيبه، بل سرقوا جيوب ملايين المغاربة، وإذا كان أحد مخولا بالعفو عن اللصوص فليس رئيس الحكومة، بل المغاربة كلهم، ومن أجل معرفة إمكانية عفو المغاربة عن الفاسدين من عدمها كان يجب تنظيم استفتاء شعبي، لكن هذا لم يحدث، مع أن المغرب نظم كل أنواع الاستفتاءات، بما فيها استفتاءات تافهة وبلا معنى مثل استفتاء الوحدة مع القذافي أو فسخها معه، فلماذا لم ينظم استفتاء حول موضوع العفو عن اللصوص؟ بنكيران يعرف، أيضا، أنه حتى وإن عفا عن اللصوص فإن الأخيرين لن يعفوا عن المغاربة، فالمعركة هي تماما كما وصفها القذافي.. بيت بيت.. دار دار.. زنْكة زنْكة.. فحتى عندما يختبئ المغربي تحت البطانية ويطلب السلام مع اللصوص فإن هؤلاء يرفضون السلام، بما يعني أنها حرب ضروس لا رحمة فيها. الآن، عندما يعبر بنكيران عن أسفه لأن المغرب لم يحقق أي شيء في محاربة الرشوة والفساد، فهو يمارس تماما تلك الحركة الغبية التي تمارسها النعامة.. يدفن رأسه في الرمال بينما رصاصة الصياد موجهة صوب رأسه. بنكيران، الذي يأسف الآن على ما لا يمكن الأسف عليه، هو نفسه الذي كان يوما ما يصف صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، بكونه فاسدا «وما فيْدّوش» ويقول إن شخصيته ضعيفة وإن القرارات تُملى عليه من جهات أخرى. مزوار هذا، هو نفسه الذي اتهمه قياديون في حزب العدالة والتنمية بكونه يسطو على تعويضات مالية كبيرة بطرق غير قانونية، لكنه تحول فجأة من شيطان رجيم إلى ملاك رحيم، ولولا مزوار وصحبه لكانت حكومة بنكيران في خبر كان. والحقيقة أن هذه الحكومة لو كانت في خبر كان لكان ذلك أفضل من أن تكون مجرد كيس رمل بين الشعب والفساد. بنكيران يعرف أنه مباشرة بعد خروج المغاربة إلى الشارع إبان حراك 20 فبراير، كان الكثير من الفاسدين يحزمون حقائبهم أو يستعدون لإعلان التوبة، ولو مؤقتا، لأنهم توقعوا أن «تصُوط» عليهم نفس الرياح التي «صاطت» على تونس ومصر وليبيا، لكن بعد هنيهة جيء ببنكيران ليكون بين الريح وبين الناهبين سدا. يعرف بنكيران أن الذي يهدد هذه البلاد ليس شعارات المغاربة الغاضبين في الشارع، بل الذي يهدد أمن ومستقبل المغرب هم الناهبون الذين يزرعون كل يوم آلاف القنابل النفسية في قلوب وعقول المغاربة، لذلك فإن نعمة الأمن والاستقرار مجرد وهم كبير، لأنه لا أمن مع الفساد ولا استقرار مع اللصوصية ولا مستقبل لأمة تمتد الأيادي السوداء إلى جيوبها صباح مساء. بنكيران، الذي يأسف لأن المغرب تقهقر أكثر في ترتيب البلدان الأكثر فسادا، لا يجب أن يأسف، بل يجب أن يفخر بإنجازاته في هذا المجال، مجال تشجيع الفاسدين، لأنه منذ أن أعلن عن لائحته اليتيمة لرخص النقل الصغيرة تاب توبة نصوحة ودخل في خلواته الرومانسية التي لا تنتهي، فكيف يأسف الآن على ارتفاع معدل الرشوة والفساد في البلاد وكأنه كان يحاربهما صباح مساء وانهزم. بنكيران يعرف أن أسفه لا يساوي جناح بعوضة في ميزان المجهودات التي تقوم بها بلدان كثيرة أخرى لها قادة شجعان خرجوا من رحم الشعب إثر انتخابات حقيقية وليس من رحم الكواليس والتوافقات؛ ويعرف أيضا أن مشكلة المغرب ليست كامنة في ضعف الناتج الخام ولا في بطء النمو ولا في قلة السيولة، بل في كون اللصوص يسرقون أكثر من اللازم. وبنكيران، الذي يحمل اسمه نفس اسم الحزب الحاكم في تركيا، لا بد أنه سمع تصريح ذلك الرجل الطيب فعلا، طيب رجب أردوغان، حين سُئل عن سر نهوض تركيا وغناها المفاجئ، فأجاب: لأن ما في الصندوق يبقى في الصندوق. بنكيران الذي يعرف كل شيء، لا يعرف شيئا واحدا، وهو أين يوجد الصندوق أصلا.