الملك يبعث برقية تهنئة مختصرة إلى إدريس لشكر في صيغة بروتوكولية مغايرة للبرقيات السابقة    مولاي الحسن يترأس حفلا على شرف أعضاء المنتخب الوطني بطل العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة    استقبال شعبي جماهيري بالرباط ل"أشبال الأطلس" أبطال العالم لأقل من 20 سنة    فرنسا تجدد التأكيد على موقفها الثابت الداعم لسيادة المغرب على صحرائه    دوري أبطال أوروبا.. بايرن يحافظ على سجله المثالي بفوز كبير على بروج    جلالة الملك: عبد القادر مطاع قامة مبدعة تركت أثرا كبيرا في الفن المغربي    استقبال شعبي جماهيري بالرباط ل"أشبال الأطلس" أبطال العالم لأقل من 20 سنة    رئيس النيابة العامة: ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وشفافية التدبير مدخل أساسي لتحقيق التنمية المستدامة    Mocci يكشف عن أغنيته الجديدة "Tes7arni" بين العاطفة والقوة    محكمة العدل الدولية تقول إن إسرائيل لم تثبت أن بعض موظفي الأونروا أعضاء في حماس    العدالة والتنمية يتحفظ بخصوص دعم الحكومة لترشح الشباب المستقل    تقرير يسجل ارتفاع معدل التضخم مقارنة ب2024    تراجع أسعار بعض الخضر واستقرار الفواكه بسوق الجملة بالدار البيضاء    "الجوائز الكاف".. بونو والمحمدي ينافسان على جائزة أفضل حارس أفريقي    حكيم زياش يوقّع للوداد    ريال مدريد يضع عثمان معما تحت المجهر .. مواهب المنتخب الوطني للشبان تخطف أنظار العالم    في ثاني مباريات بالمونديال المنتخب الوطني للسيدات لأقل من 17 سنة ينهزم أمام إيطاليا    مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة بالدار البيضاء    مشروع قانون المالية 2026 يسعى لتحصيل مزيد من الضرائب دون تخفيف كلفة المعيشة    اتحادات المقاولات بالمغرب وإسبانيا والبرتغال تنشئ لجنة مشتركة لتعزيز أثر تظاهرة كأس العالم 2030    دار الراوي تحتفي برواية «حساء بمذاق الورد» للكاتب سعيد منتسب    في الذكرى80 لرحيل الشاعر العراقي معروف الرصافي    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    لقاءات تجارية تجمع تعاونيات مغربية وفعاليات دولية بمعرض أبوظبي للأغذية    الدعم العمومي لغاز البوطان يتجاوز نسبة 55% من سعر البيع بالمغرب    نصف طلبة الجامعات المغربية يدرسون العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية    "سخاروف" تكرم صحافيين مسجونين    التنافس يطبع نهائيات "تحدي القراءة"    "المدى" تحتفي بخريجي أكاديمية الفنون    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يفصل بيانات قضايا الطلاق في المغرب    تكريم "جمال سليمان" وعروض أولى وخاصة بمهرجان الدوحة السينمائي    رسميا.. ملعب الأمير مولاي عبد الله معقل مباراة الجيش الملكي و حرية الغيني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    التكلفة الإجمالية للنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بلغت ما يفوق 17 مليار درهم (برادة)    260 سنة سجنا في حق 33 متهما بأحداث العنف التي رافقت احتجاجات "جيل زِد" بسوس ماسة    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    بكين تستضيف جلسة خاصة لتخليد ذكرى عودة تايوان إلى الوطن الأم    الصين تختبر أسرع قطار فائق السرعة في العالم ب 453 كيلومتر في الساعة    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش... نُحِبّك مَيتاً!
نشر في هسبريس يوم 10 - 08 - 2018

لا يستقيمُ الوفاء لروح محمود درويش إلا باستحضار لحظة غيابه التي توافق التاسِعَ من غشت- أغسطس. وبين الفقد والتجلي، أشعارٌ وقصائدُ. إلقاءاتٌ هنا وهناك. حرية وسِلمٌ. فلسطين والإنسانية. وها هو تاريخ من الكتابة يُعيدُ نفسَه أمام عينيك إشراطاً ودعوةً إلى التأمل في شسوع منجز درويش الإبداعي وتتبع "رحلته الأولى إلى المعنى".
لمْ يكُفّ محمود درويش، في مسيره الإبداعي، عنْ عدِّ قصيدته مُختبراً شعريّاً؛ ذلك أن تجربته الشعرية أخذت تلجُ عَوالِمَ جديدةً للكِتَابَة في أشْكالِها المُختَلِفة، عوالِم تنْخَرِطُ بها ومن خلالها في البَحْثِ الجمالي والفنِيّ، وفي تَطْويرِ شكْل القصيدَة، واسْتِكْشافِ آفاقٍ أرْحَبَ لتقاطع الشّعر والنّثْر. ويبدو للمتأمل في أعمال محمود درويش، أنّ الشَّاعر قد راهَنَ، في ممارسته النصية، على المُغَايَرة والاختلاف؛ فهُو لاَ يَنْفَكّ يَنتقِدُ نصّه، ويذهب بالأسئلةِ إلى أبْعَدِ الحدود.
إنَّه القلقُ الذي يقيمُ في ذاتِ الشَّاعر، ويَجْعلُه، في كل مرة، أمام سؤال التَّجريب. وبذلك يصبح النصَّ مُختبراً حيوياً لمخْتلِف العناصر البَانية للقصيدة؛ يشي بمَلْمَحٍ أساسٍ في حياة محمود درويش الشعرية، وهو اتسَاع دائرة القراءَة لَديه، لتَشْملَ حقولاً معرفيةً متعددةً؛ كالفلسفةِ، وعلْم النَّفس، والأسَاطير الكونية، وتجارِبِ الشُّعوب وآدابها، والنَّظريات المُرتبطة بالشِّعر، وهي التي ظهَرت في كثيرٍ من أعمال الشاعر ك "مديح الظل العالي"، و"حصار لمدائح البحر"، و"أحد عشر كوكباً"، ومروراً بتجارب "جدارية"، و"حالة حصار" و"لا تعتذر عمّا فعلت" و"كزهر اللوز أو أبعد"، وانتهاءً ب "في حضرة الغياب"، و"أثر الفراشة"، و"لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي".
على أن المجموعات الشعرية الأولى التي تلَت "أوراق الزيتون" تظل تجارب حاول، من خلالها درويش، أن يرسم ذاتيته في الكتابة الشعرية المعاصرة؛ لذلك فهي طرحت أسئلة الكتابة وإعادة الكتابة، وقضية التصنيف، والهجرة المتبادلة بين الشعر والنثر، ثم سعى إثرها إلى الخروج من دائرة التعبير عن القضية الفلسطينية التي سيّجه فيها بعض النقاد والمتلقين على السواء، فكانت المواجهة، في البداية، صعبةً إلا أن فنية الشاعر وجمالية إلقائه، جعلتاه قادراً على تحويل الذائقة الشعرية لجمهوره والارتقاء بها.
يدركُ قارئ درويش أنه لم يكتُب دراسة نظرية مؤسّسة، وإنما نهض مُنجزه النّصي، نفسُهُ، بتأمُّلِ القَضايَا الشعرية. وقدْ اتّخذَ ذلك شَكليْن غير مُنفصِليْن؛ إمّا تصْريحاً، وإمّا انطلاقاً من اختبارِ عُنصرٍ بِنَائي، في علاقَتِه بباقِي العناصِر الأخرى، في عملٍ شعري أو مجموعةٍ من الأعْمال. وقد تبدّى ذلك في مفاهيمِ الشِّعر والنّثر والصّورَةِ والإيقاع واللّغة، وهو ما جعل الشاعر يمارس التنظير من داخل قصائده بحيث يصبح النصُّ مصدرَ القراءة وغايَتها في آنٍ؛ من خلاله تنشأ الأسئلة، وتُسافر من المكان الشعري إلى الأمكنة المتباعدة.
من جهةٍ أخرى، يضَعُنا الخطابُ الشعري لمحمود درويش أمامَ سؤال الحُدود بيْن الأجناس. ويبدو ذلك من خلال الإحالاتِ الواعيةَ التي كانَ يفتَحُها الشاعر في اتجاهِ المسرح والسّرد، بعْدما ترسّخَ لديه أنّ في الشعر تَنْتَفِي الحدودُ بين الأجناسِ. وهكذا أصبح درويش، وجهاً لوجه، أمام سؤال النص الشعري القادم، بعدما بلَغ الفِعلُ الشعري أزْمَتَه، وعاش متاهَاتِه، وكشفَ عنْ قلَقٍ في الكِتابَةِ وأسئلتها المُتَعَدِّدة والمرتبِطة بطبيعَةِ الكتابَةِ ذاتِها وأُفُقِها في آنٍ.
هو ذا محمودٌ. منفلتٌ من الذين يحبونه ميتاً، وفيٌّ للرحيل. وفي الرحيل وحده يسكن. عشْرُ سنوات على انتهاء مغامرته الشعرية، فيما صداها ما يزال مُمتداً في وجداننا؛ قراءةً ودراسة، مفتوحاً على إمكانات تؤكّدُ قابلية نصِّه للقراءة من زوايا مختلفة بمناهجَ وأدوات قرائية جديدة تُسَائلُ لا نهائية قصيدته.
*ناقد من المغرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.