الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تطلق قسما إخباريا حول الذكاء الاصطناعي ضمن منصتها الرقمية    السكوري مطلوب في البرلمان بسبب استفادة مقربين من وزراء من صفقات حراسة ضخمة    عجز السيولة البنكية تفاقم إلى 118 مليار درهم خلال شهري يوليوز وغشت    الصراع مستمر بين المغرب وإسبانيا على استضافة نهائي مونديال 2030    تازة.. توقيف "الوحش البشري" الذي حاول قتل طليقته وشوه وجهها بالكامل    بزشكيان: إيران لا تريد أسلحة نووية    وزارة الصحة تتخذ إجراءات صارمة لضمان جودة الخدمات وتطبيق الانضباط    منتخب أفغانستان للسيدات "اللاجئات" يخوض أولى مبارياته في بدبي    الديمقراطية أمام امتحان السياسة في المغرب… الموت أو التدنّي    سناء العلوي… من تكريم وزان إلى لجنة تحكيم سلا    لامورا.. آخر أعمال الراحل محمد إسماعيل بالقاعات السينمائية    قراءة في مسرحية «عيشه ومش عيشه»: «الوجود الإنساني لا يفهم إلا في ضوء تناقضاته»    تقرير: "آلية تعديل الكربون الأوروبية" ستؤثر على صادرات المغرب وتدفع نحو تسريع إزالة الكربون من الاقتصاد الوطني    عضو الكونغرس الأمريكي 'جو ويلسون': البوليساريو منظمة إرهابية تزعزع السلم والأمن العالميين    الاعتراف بفلسطين بين الرمزية والتواطؤ... الإبادة في غزة كسقوط للأقنعة الدولية    المغرب يجدد بنيويورك تأكيد دعمه لحل الدولتين بشأن القضية الفلسطينية    أخنوش من منبر الأمم المتحدة: حان الوقت لطي صفحة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية في احترام تام لسيادة المملكة ووحدتها الترابية    6 روايات عن العائلة إلى المرحلة النهائية من جائزة "بوكر"    مؤسسة الدوحة للأفلام تسلط الضوء على الأصوات الفلسطينية في مهرجان الدوحة السينمائي    التنسيق النقابي للمتصرفين التربويين يعلن عن سلسلة من الاحتجاجات ويتشبث بالاستجابة لملفه المطلبي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    توقيف حركة السير بعدد من المحاور الرئيسية يوم 28 شتنبر الجاري بالدار البيضاء    "كاف" يطلق جولة ترويجية لكأس الأمم الإفريقية بالمغرب 2025    عمر عزيمان يتوج بجائزة مركز الذاكرة        ملاعب المغرب تغلق مجددا للصيانة استعدادا لنهائيات كأس الأمم الإفريقية            سباق الفضاء الثاني .. الولايات المتحدة تتقدم نحو القمر    استئنافية طنجة تدين "البيدوفيل الألماني" وشريكه المغربي ب12 سنة سجنا نافذة    منظمة الصحة العالمية: لا علاقة مؤكدة بين الباراسيتامول والتوحد        نزيف الطرق متواصل.. 33 قتيلا و3058 جريحا في أسبوع واحد        دراسة: تلوث الهواء قد يضر ببصر الأطفال        أخنوش بنيويورك: المملكة قطعت أشواطا مهمة في مجال الانتقال الطاقي بالمراهنة على الطاقات المتجددة    مطار برلين يشهد اضطرابات مستمرة        الدفاع الجديدي يعلن رسميا استقبال الرجاء بملعب الزمامرة    أخنوش: إفريقيا في صلب المبادرات الدولية الكبرى لجلالة الملك    الملك محمد السادس يعطي اليوم الأربعاء انطلاقة مشروع القطار الجهوي السريع بالدار البيضاء        أخنوش: "المغرب الرقمي 2030" استراتيجية تراهن على استثمار الفرص الاقتصادية الواعدة    سفيرة المغرب في فرنسا سميرة سيطايل بالكوفية الفلسطينية وفي بيت سفيرة فلسطين في باريس.. بعد اعتراف الرئيس الفرنسي بدولة فلسطين    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية        جماعة أولاد حمدان : المصادقة على تحويل الاعتمادات المالية التي كانت مخصصة كمساهمة في مشروع بناء ثانوية تأهيلية.    ترامب يسخر من الأمم المتحدة: كل ما تقوم به هو صياغة رسائل شديدة اللهجة لكنها مجرد كلمات فارغة                المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة (دراسة)    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية    فوز الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني بجائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي في دورتها 13        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل لوطننا موطن؟
نشر في هسبريس يوم 12 - 10 - 2018

ربما يقبع المعنى في أقبح متلازمات العبث. ويصلنا الدرس من فظاعات الفوضى وتأتي الكوارث تباعا لتحل رتابة الزمن واضمحلال الحياة فيه. فمن سنن التاريخ أن يتحرك الموت. وقد صدق من قال إن لا شيء ينضاف ولا شيء يضيع، كل ما يجري هو النقلة من وإلى "لاشيء"... هذا ما يقع في وطن لم يعد لنا فيه سوى بصيص انتماء.
هروب جماعي نحو البحر، فيأكل منا السمك أعز شبابنا التواق للكرامة، وهي أبسط ما يريد الإنسان امتلاكه. ومتى كان البحر ملاذا سوى لليائسين والمندحرين في الحياة. كثيرا ما أقنعنا أنفسنا بخيلاء غريب أن لبلادنا حظوة جغرافية خاصة تجعلنا أقرب العرب والأفارقة والأمازيغ لأوروبا، إذ لا تفصلنا عنها سوى 14 كلم ليس إلا. لكن لم نكن لنعلم، ونحن ننتشي، أنه كان علينا أن نحتسي ما يفيقنا لنكتشف أنها مسافة "الذل والذعر" بل وأفتك مضيق وأكثرهم قتلا للإنسان. سأل سائل ماكر " ماذا يفصل بين الإنسان والحيوان إذن؟" فأجابه ذلك الذي لم يعد ينظر للحياة إلا في معانيها المباشرة بدون سجع ولا فلسفة " إن الفاصل هو البحر الأبيض المتوسط"
كم أحببت أستاذي صلاح بوسريف، المفكر المنضبط، عندما استغرب عدم مواكبة الأدب لهذه التراجيديا المغربية التي انفطرت "فجأة" من شكلها المحتشم إلى شكلها الخادش، وعجز الفن والمسرح والسينما عن تشخيص وتمثيل وترميز كل هذا الألم المسمى مغربا. ربما نحن أكثر درجة في الألم وأقل درجة في تملكه والوعي به والتعبير عنه. الزهايمر إذن هذا الذي يجعلنا ننسى أو ربما متلازمة نادرة من نوبات الصرع والغيبوبة تجعلنا، لكثرة تردداتها، غير قادرين على الاستيعاب والإدراك والفهم والبوح. ربما صدق من قال انه فقط فاجعة واحدة تكفي لإنتاج أدب فوار: حرب واحدة، إبادة واحدة، قنبلة ذرية واحدة، مجاعة واحدة، استيطان واحد...أما إذا اجتمعت كل هذه الفواجع، سينتهي الأمل في تغريد قصائد الألم وننفق كما تنفق كائنات بدون كينونة.
هل من المجدي أن أذكر كل الفواجع الأخيرة؟ قتل يتيم داخل مؤسسة للرعاية الاجتماعية، وقتل طالبة هاربة في قارب للهجرة السرية، وفرار أكثر من 6000 شاب خلال سنة، وتهجير قسري لأفارقة، وسقوط مهو لكفيف وسط ردهة وزارة؟... وإذا افترضنا جدلا أن كل ذلك "بمحض الصدفة" وهي أحداث متفرقة عابرة (وهو افتراض يغيظني)، ألا يمكن أن نعتبرها فاجعة كبرى تلك المرتبطة "بموت الدولة"؟ اقتلها كما قتل نيتشه "الذات الإلهية" من كثرة تجبر الإكليروس والكنائس الأوروبية بأدلوجات خاوية متسلطة.
ماتت الدولة لأن الأسباب القديمة المبررة لوجودها انقرضت: انقرضت فكرة حماية المواطنين وتعلق المواطنين بها كنبراس للعدالة والحق. كما انقرضت أدلوجة المساواة الشاملة أمام سلطة الدولة وتكافؤ فرصنا جميعا في العيش والكرامة والحقوق. وانقرضت فكرة تميزنا عن جوارنا بالأصالة والتاريخ والثقافة. وأخيرا انقرضت أدلوجة امتدادنا الأفريقي وترحابنا المفرط بالأفارقة إخواننا في المواطنة والأصول. نعم، كثير من المعاني الضالة لعقيدة خاطئة ستصطدم بمبدإ الواقع الذي لا يقبل أن نستمر هكذا: أن ننفق كل ما لدينا في تبرير أشكال بقاءنا وليس تمويل مضامين وجودنا، أن ننفق كل ما لدينا للحفاظ على توازن كرسي مائل خوفا من السقوط، أن ننفق كل ما لدينا لتبرير وجود ديمقراطية بمؤسسات كثيرة وباهظة وغير ناجعة فقط لأننا نعتبرها فاتورة وجب تأديتها لا غير، أن نتعامل مع المدرسة بذرائعية ونفعية "سوقية" فقط لأننا نعتقد أنه بنينا مدارس ووزعنا حقائب بالمجان. المدرسة ليست هي جدرانها، والمسرح ليس هو البهو الفسيح والخشبة الفخمة والحكومة ليس هي عدد وزراءها وعدد اجتماعاتهم وتقاريرهم...
المدرسة رسالة لتحقيق هدف حضاري، والمسرح فاعلية في الفن والتعبير أينما حل الإنسان وارتحل، والحكومة حكامة مشروع رصين وذكي في التنمية. أسأل الله أن يكون ميولنا وانبهارنا للبنايات والمنتجعات والقطارات السريعة والصور والأشكال، فقط نزوة عابرة. لا مناص لنا أن نعود حتما وفورا للإنسان المغربي ونجعله يشارك في كل ما يدور حوله. وليشارك عليه أن "يقرأ" وهو الشرط الوحيد "للدعوة والدين والجنة"، وليشارك عليه أن "يعلم"، وتصله أهم المعلومات المرتبطة بمصيره، وليشارك عليه أن يحاسب " يحاسب من فوضه أموره" بشكل سياسي وليس إلهي. هجرته وهروبه وانتكاسته آتية من تعسف "عقيدة الدولة" عليه... المغربي المسكين يبحث الآن عن عقيدة بديلة حتى ولو كانت مميتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.