بوعزة: المغاربة سئموا من انتظار إصلاح قطاع الصحة وترافعي عن شفشاون جلب علي التحريض وافتعال المشاكل    حموشي يبحث في أنقرة آفاق التعاون الأمني ويستعرض ابتكارات "IGEF 2025"        سعر الفائدة الرئيسي لبنك المغرب.. 51 في المائة من المستثمرين الماليين يتوقعون الإبقاء على الوضع القائم    المغرب يحضر مؤتمر الصناعة بالصين    الصين: انطلاق أشغال المؤتمر العالمي للصناعة التحويلية بمشاركة المغرب    شيآن/ الصين.. عمارة يدعو إلى شراكة صينية إفريقية قائمة على المنفعة المتبادلة والازدهار المشترك    الزلزولي بعد اختياره رجل مباراة بيتيس ضد سوسيداد: "لا يهم إذا لم يُحتسب باسمي الهدف المهم أننا سجلنا وفزنا"    نجل زين الدين زيدان يغيّر جنسيته الرياضية ويختار تمثيل منتخب الجزائر    الوداد ينجو من خسارة محققة أمام اتحاد يعقوب المنصور    مصرع مهرب للمخدرات في اصطدام زورق بالحرس المدني الإسباني بمضيق جبل طارق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    قيوح يجتمع بنظيره الدنماركي لتعزيز شراكة تتعلق بالنقل البحري    الحمامي يظهر في السمارة مؤكدا مواصلة مشوار الإصلاح والترافع لقضايا طنجة والوطن    فيفا: 4.5 ملايين مشجع شاركوا في المرحلة الأولى من بيع تذاكر مونديال 2026    قيادي في البام يتهم محسوبين على مورو بممارسة "القمع وتكميم الأفواه".. هل ينفرط تحالف الجرار والأحرار؟    حرب الإبادة في غزة: 39 شهيدا هذا الصباح.. جيش الاحتال يفجر عربات مفخخة وسط الأحياء وتقارير تؤكد أن 15 من كل 16 شهيداً مدنيون    "بشرى لساكنة إقليم وزان".. انطلاق أشغال بناء سوقين لبيع الخضر والفواكه واللحوم    العزلة تفاقم معاناة ساكنة بني جميل مع النقص الحاد في أعداد سيارات الأجرة    انفصال مفاجئ لابنة نجاة عتابو بعد 24 ساعة من الزواج    "العدالة والتنمية" ينتقد "اختلالات" في تدبير الحكومة لتنزيل ورش الحماية الاجتماعية بالمغرب    التوظيف الإيديولوجي لحقوق الإنسان يضع البوليساريو تحت مجهر ندوة دولية    اضطرابات في عدة مطارات أوروبية كبرى بسبب هجوم إلكتروني    بريطانيا تطلق موقعا إلكترونيا على "الإنترنت المظلم" لتجنيد جواسيس    "يوتيوب" يحظر الحساب الرسمي للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو    بورصة البيضاء تنهي الأسبوع بارتفاع        قانون جديد يكرس مهام مرصد الإجرام        ولاية أمن الدار البيضاء تتفاعل مع اتهامات سائح لسائق "طاكسي"    كيوسك السبت | الحكومة تتجه نحو الحد من تغول الوسطاء في أسواق المنتجات الفلاحية    تأهب داخل الحلف الأطلسي.. روسيا تنفي انتهاك مقاتلاتها المجال الجوي الإستوني        الانبعاثات الكربونية في أوروبا تبلغ أعلى مستوى منذ 23 عاما    موسكو تُعيد رسم معالم النقاش حول الصحراء وتُضعف أطروحة الجزائر            الرسالة الملكية في المولد النبوي    كأس العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة (الشيلي 2025) .. تركيز "أشبال الأطلس" منصب الآن على عبور الدور الأول (الناخب الوطني)            سي مهدي يشتكي الرابور "طوطو" إلى القضاء    العداءة الرزيقي تغادر بطولة العالم    "الملجأ الذري" يصطدم بنجاح "لا كاسا دي بابيل"    ترسيخا لمكانتها كقطب اقتصادي ومالي رائد على المستوى القاري والدولي .. جلالة الملك يدشن مشاريع كبرى لتطوير المركب المينائي للدار البيضاء    مساء اليوم فى برنامج "مدارات" : صورة حاضرة فاس في الذاكرة الشعرية    تقنية جديدة تحول خلايا الدم إلى علاج للسكتات الدماغية        المغرب في المهرجانات العالمية    تسجيل 480 حالة إصابة محلية بحمى "شيكونغونيا" في فرنسا    الكشف عن لوحة جديدة لبيكاسو في باريس    350 شخصية من عالم الدبلوماسية والفكر والثقافة والإعلام يشاركون في موسم أصيلة الثقافي الدولي    الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    خبير: قيادة المقاتلات تمثل أخطر مهنة في العالم    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    رسالة ملكية تدعو للتذكير بالسيرة النبوية عبر برامج علمية وتوعوية    الملك محمد السادس يدعو العلماء لإحياء ذكرى مرور 15 قرنًا على ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مريم، أو هند .. وماذا بعد؟!
نشر في هسبريس يوم 21 - 11 - 2018

لقد مضى على احتفاء المغاربة وانتشائهم بإنجاز الطفلة المغربية مريم أمجون، حفظها الله، في مسابقة تحدي القراءة العربي وقت كاف تعمدته أن يمر، ليكون كافيا لكي يخفت أوار الانفعال، ووطيس العاطفة والحماسة، ولكي تتمكن هذه الطفلة البريئة من النزول من فوق الأكتاف المحتفية، وتتخلص من الأيادي، والنظرات، والعدسات المعجبة والفضولية، والتجارية، وتخرج من ضجيج الهتافات، والزغاريد، والألوان الكرنفالية، والاحتفالية الموالية للحظة التتويج والعودة إلى أرض الوطن.. ولكي لا أفسد على الطفلة وعلى أسرتها نشوة النصر المستحق.. ولكي لا أفسد على الوجدان المغربي زهوه وانتشاءته الطفولية...
والآن وبعد أن بدا لي أن هذا الوجدان قام بما يكفي من عملية التفريغ، والتنفيس، وفرغ من عملية التعويض النفسية التي حول بها كل كبواته، وانتكاساته، وإخفاقاته الحضارية، التي يعد الإعراض عن القراءة، بل القطيعة معها سببا أساسا فيها إلى نصر، وفتح مبين.
وكي لا تنفلت الفتوى من عقالها، فتشرد شأن كثير من فتاوانا الشاردة، فيصبح ما قامت به هذه الطفلة المصون، والتي ما زالت تحت عتبة التكليف فرض كفاية تتكفل أيامنا القادمة وعاداتنا الرتيبة بإسقاطه عن الباقي منا، اخترت أن أعود إلى الموضوع لنبشه ثانية، بعين مغايرة ومخالفة..
إن من الأخطاء المهلكة أن نتعامل مع موضوع القراءة، وهو موضوع في غاية الصعوبة والتعقيد على أنه موضوع وشأن فردي أو حتى فئوي. إنه قضية بنيوية ترتبط بالمجتمع بأسره، إنه من القضايا الوطنية الأولى - إن لم نعتبره قضيتنا الأولى والمصيرية - حيث تتداخل فيه الواجبات والاختصاصات والمسؤوليات.. وأي إخلال في تحمل المسؤولية تجاهه من أي طرف كان سيكون له الأثر الكبير، والانعكاس الخطير عليه..
فكيف يمكن أن يقرأ المرء الراشد بَله التلميذ، وتصبح القراءة عادة من عاداته المتحكمة في حياته وسلوكه داخل مجتمع لا يقرأ، وداخل أمة لا تقرأ، ولا تعبأ بالقراءة.. داخل بيت لا مكان فيه للقراءة.. داخل مؤسسة لا مكتبة فيها.. داخل قرية أو مدينة كل غريب قد يصبح عندها مألوفا ما عدا الكتاب..
إننا نؤثث بيوتنا بأصناف من الأثاث والتجهيزات والديكورات، ولكن لا نفكر في تأثيثها بالكتب.. نرمم بعض مؤسساتنا المهترئة بالرمل والإسمنت، ونسيج بعضها، ونفكر في تغيير صباغة بعضها؛ لكننا لا نفكر في تجهيزها بالكتب المناسبة، والمختارة، والمفيدة، بشكل يناسب عمر التلميذ وقدرته النمائية.. نؤثث مدننا بالأرصفة، والنصب التذكارية، والورود، والأزهار، وأسماء زعماء التاريخ، وأحيانا ببعض أخطاء وخطايا التاريخ؛ لكننا لا نفكر في تأثيثها بمكتبات عمومية، عامة، وخاصة بالأحياء، ولا نفكر في تأثيث شوارعها إلا نادرا بأسماء الأدباء والشعراء والمفكرين والفلاسفة والمثقفين..
إن القراءة كي تصبح عادة متمكنة ومتحكمة في صاحبها رهينة باستشعار لذتها ومتعتها، وهذه اللذة مخالفة لسائر اللذات.. إنها لذة أشبه ما تكون باللذة التي يحس بها المولعون بتسلق الصخور والجبال الشاهقة الحادة، حينما ينتهون إلى القمة في أمان.. إنها لذة عاشق المغامرات، الذي تتجدد لذته بتجدد درجة المغامرة والمخاطرة ونوعها، وبهذا المعنى لا يمكن أن يمكن المرء من عادة القراءة بيسر، ودون تخطيط، واستراتيجية محكمة. كما لا يمكن تمنيعه من أجلها بالحقن والأمصال على شاكلة تمنيع الأجسام ضد الحميراء والحصبة والكزاز... وغيرها. إنه تمنيع يحتاج فيما يحتاجه إلى سياسة علمية مدروسة من قبل الدولة بمؤسساتها المختلفة، وإلى القدوة، والمثال، والنموذج من الأسرة والمدرسة، والوسط بأكمله. فأين هي سياسة الدولة وتخطيطها؟؟ ومَن مِن هذا الوسط يقدم النموذج؟؟ من منا، نحن الآباء، يقدم النموذج؟؟ ومن منا، نحن المسؤولين، يقدم النموذج؟؟ ومن منا، نحن المدرسين، يقدم النموذج؟؟ كم كتابا يقرؤه الراشدون منا في اليوم.. في الشهر.. في السنة.. في العمر؟؟
لا أريد أن أعمم، ولكن الأفضل ألا نجيب؛ لأن الإجابة طبعا ستكون صادمة وصادمة جدا.
لا يمكن أن تصبح القراءة، ولا أن تمسي عندنا بخير وعلى خير ما لم تعتبر من الأمور الأساس التي يهتم بها الكبير قبل الصغير، فترصد لها ميزانيات مناسبة لمقامها على المستوى الوطني والجهوي والمحلي، وما لم يكن لها النصيب الأوفى في برامج التنمية الوطنية والجهوية والمحلية، وما لم يكن لها حيز الأسد في وسائل الإعلام، وما لم يكن لها مكان جدير بها في كل سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والأسرية وغيرها.
لقد كثر الحديث عندنا في الآونة الأخيرة عما يسمى "التنمية البشرية"، وصار على أرضها كل من أخذ يتعلم الركوب، وصال وجال وأثار ما يقدر حافره على إثارته من نقع وغبار، حتى لم يعد للحافر موقع يقع عليه غير حافر من سبقه، وأي مفهوم لهذا النوع من التنمية سيظل ناقصا وأعرج وأرعن إذا انحصر همه في إمداد السكان ببعض العربات الصغيرة أو برؤوس من الماعز والأبقار الحلوب أو بفضاءات لمزاولة بعض الحرف والمهن المحلية.. إن أرقى فهم للتنمية البشرية هو ذلك الفهم الذي يستهدف بها جوهر الإنسان - عقله - هذا الجوهر الذي لا يمكن أن يخرج من عطالته، وألا يصبح فعالا إلا بالقراءة...
فمتى يمكن لوطننا الحبيب ان يستفيق ذات صباح وفي يده كتاب؟؟
*ممارس ومهتم بالتربية.
إيموزار كندر: 21 نونبر 2018م.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.