بالنسبة لعبد الغني وعدد من رفاقه في "دوار الكورة" ذلك الحي السكني بوسط الرباط الموغل في الفقر والتهميش تعتبر الانتخابات التشريعية المقررة في 25 من هذا الشهر كمثيلاتها التي مرت على المغرب مجرد "وعود فارغة ورشوة وفقر لا ينتظر منها أي جديد." وقال عبد الغني (20 عاما) وهو طالب في المرحلة الثانوية وقد اتكأ على عمود خشبي فيما احاطت به مجموعة من رفاقه "الرشوة في المغرب لن تندثر ما دام هناك فقر مدقع. لا يجب محاربة الرشوة وشراء الاصوات في المغرب يجب محاربة الفقر أولا." ومن المنتظر أن تخرج هذه الانتخابات التي لم يتبق على موعدها سوى بضعة أيام الى الوجود أول حكومة مغربية ممثلة للشعب بعد تعديل الدستور في يوليو تموز الماضي الذي من المفترض أنه يقلص من بعض سلطات الملك لصالح مسؤولين منتخبين مع ترك القرارات الاستراتيجية بيد عاهل البلاد. يقول رضوان الذي رمز الى اسمه الثاني بحرف س. وعمره 21 عاما "ليس لدي أمل في المغرب هذه الانتخابات لن تكون مختلفة عن سابقاتها لا شيئ يتغير منذ 20 عاما. فتحت عيناي أنا واخوتي الستة في هذه الحفرة القذرة ولم يتغير واقعنا نفس الوجوه ونفس الاحزاب تترشح ولا جديد يذكر." وأضاف "نص الدستور الجديد أعجبني وقمت بالتصويت عليه لانه يظهر أننا سنعيش في ديمقراطية كما الولاياتالمتحدة ولكن واقعنا بائس." ويقول "الناس هنا خاصة النساء حيث تتوحد الامية مع الفقر يحملون أولادهم قبيل بضعة أيام من موعد الانتخابات ويتوجهون الى منزل أحد المرشحين ليأكلوا ويشربوا مجانا ويبحثوا عن رشاوى مقابل الادلاء بأصواتهم." ورغم انه حتى الان لم ير رضوان مثل هذه المظاهر في حيه الا أنه وأصدقاءه الخمسة المتكئين في كسل على أعمدة خشبية وجدران مهترئة لما يعرف محليا باسم "دور الصفيح" لايستبعدون بدء مثل هذه الممارسات قبل أيام قليلة من التصويت. ومضى رضوان يقول "لا أمل لنا في أن يتغير شيئ في واقعنا اليومي هم يعرفون نقطة ضعف الفقير لكن العديد منا قرر عدم التصويت خاصة نحن في دوار الكورة." ويضيف علي وهو عاطل عن العمل عمره 22 عاما قبل أن يحثه أحد رفاقه على أن يفض الجمع على عجل "الشرطة ستأتي الى هنا لتبحث عني." ولما لم يصغوا الى تحذيراته قال موضحا "لقد تعديت منذ قليل على شخص بالسكين." ويعتبر دوار الكورة من بين الأحياء الأكثر فقرا في الرباط أو ما يعرف باسم "دور الصفيح" المنتشرة في عدد كبير من المدن المغربية خاصة المدن الكبرى والتي وضعت الحكومة المغربية برامج للقضاء عليها نهائيا بدءا من عام 2010. كما تشهد مثل هذه الاحياء انتشارا واسعا للجريمة والمخدرات. ويعود تاريخ "دوار الكورة" الى بداية القرن الماضي عندما استقرت به جماعات نزحت من قرى ومناطق مهمشة في المغرب حيث سكنت في خيام في بداية الامر ثم بنت أكواخا من الصفيح والطين. كما كان الحي يضم أكبر سوق لبيع الخردة والاشياء المستعملة في الرباط قبل أن تزيله السلطات في اطار مشروع لاعادة الاسكان وتجميل الحي الذي يوجد في موقع استراتيجي على الكورنيش قبالة المحيط الاطلسي. ويقول عبد الرحمن وهو مسن عمره 85 عاما يعاني من مرض الشلل الرعاش منذ 68 عاما "وأنا أقطن بهذا الحي تحمست للوعود بسكن لائق لما كنت شابا. الامر أصبح سيان عندي الان." غير ان ابنه أضاف أنهم ينتظرون شقة في الدفعة الثانية من المشروع. كانت الحكومة المغربية وضعت خطة زمنية من 2004 الى 2010 للقضاء على المناطق العشوائية في 70 مدينة مغربية بعد أن خرج 14 انتحاريا في عام 2003 من احدى دور الصفيح الشهيرة في مدينة الدارالبيضاء ما ادى الى مقتل 45 شخصا في تفجيرات انتحارية بخمسة مواقع مختلفة من المدينة. ووزعت الحكومة مساكن على عدد من سكان "دوار الكورة" لكنها اصطدمت بمشاكل عدة في التوزيع خاصة أن المسكن العشوائي الواحد أو ما يعرف محليا باسم "البراكة" يأوي في كثير من الاحيان أكثر من عائلة وهو ما جعل السكان يطالبون بمسكن لكل عائلة وليس لكل "براكة" في حين تعتبر الحكومة ذلك فوق امكانياتها. كما يتهم السكان جهات في السلطات بالتلاعب في توزيع المساكن في الدفعة الاولى وتلقي رشاوى واستغلال أمية الاهالي وفقرهم. وقد تعذر الاتصال على الفور بمسؤولين لمعرفة وجهات نظرهم كما ينظر القضاء ملفا يضم المسؤولين الذين أشرفوا على تلك العمليات في بدايتها. ويقول العزيزي حسن وهو من سكان المناطق الفقيرة "لاننتظر شيئا من هذه الانتخابات لا نريد أن نتوجه الى صناديق الاقتراع يجب أن نجد عملا وأن نعيش بكرامة كما بقية البشر. أنا متزوج ولدي أطفال وعاطل عن العمل أعيش عالة أنا وأولادي على والدي." ويختلط الحابل بالنابل في ذلك الحي ويبدأ الناس في سرد مشاكلهم بطريقة أقرب الى الهيستيريا اذ تنهمك فاطمة (40 عاما) وتعمل طباخة في ازاحة أكوام من الحجارة عن الطريق وضعها السكان لجعل الزقاق يرتفع قليلا وتحويل مسار مياه الأمطار التي تغمر في هذا الفصل جل مساكن الحي. وأضافت "حتى مجاري المياه السكان يتضامنون لإصلاحها لا أحد يهتم بشؤوننا." وتقول ان منزلها ليس به مرحاض منذ سنوات حيث تتوجه الى منزل عمتها القريب لقضاء حاجتها. ويمر شاب في مقتبل العمر قائلا بلهجة تنضح بالسخرية "هذا حال شبابنا البحث عن الاشياء المستعملة وبيعها... هل لديكم أشياء للبيع.."