بعد 10 ساعات من المحاكمة... الحبس النافذ ل 16 شخصا في ملف "حراك جيل Z" ببني ملال    المؤرخ بوعزيز يخاطب "جيل زد": المستقبل بين أيديكم.. لا تُعيدوا إنتاج الاستبداد    تمثل 22% من مجموع الإنفاق العام.. ميزانية 2026 ترصد زهاء 167.5 مليار درهم لفائدة نحو 51 "صندوقا خاصا"    مرسوم جديد يحدد شروط إنجاز واستغلال منشآت الإنتاج الذاتي للكهرباء    الخطوط المغربية تطلق 63 رحلة أسبوعياً نحو الأقاليم الجنوبية بأسعار تبدأ من 750 درهماً    ترامب: سأتخذ قرارا بشأن الإفراج عن القيادي الفلسطيني مروان البرغوثي    الأمين العام للأمم المتحدة يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    النيابة العامة تصدر دليلا لوحدة معايير التكفل بالأطفال المهاجرين وحماية حقوقهم    الوداد الرياضي يعلن رسمياً ضم حكيم زياش    الدوري الأمريكي لكرة القدم.. ميسي يمدد عقده مع إنتر ميامي الى غاية 2028    بوريطة يدعو ببروكسيل الفاعلين الاقتصاديين البلجيكيين إلى الاستثمار في الأقاليم الجنوبية    الصحراء المغربية.. الأمين العام الأممي يجدد دعوته إلى الحوار بين المغرب والجزائر    بايتاس: 165 ألف طفل سيشملهم دعم التعويضات العائلية الإضافية    كوتوكو الغاني: سنقاتل أمام الوداد    ايت قمرة.. سيارة اجرة ترسل سائق دراجة نارية الى المستشفى    تداولات بورصة البيضاء تنتهي حمراء    البواري: الحكومة تخصص 12,8 ملايير درهم لمواصلة دعم مربي الماشية    جامعة الكرة تقيم حفلا تكريميا على شرف المنتخب الوطني المغربي للشباب    الدكتوراه تقترب من معاهد التمريض    الرباط ضمن أفضل خمس وجهات عالمية في 2026    وزير الفلاحة: نتوقع إنتاج مليوني طن من الزيتون.. وسعر الكيلوغرام لا يتجاوز حاليا 5 دراهم (فيديو)    طقس الخميس.. سحب كثيفة وكتل ضبابية بعدد من المناطق    القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء توضح ل"اليوم 24" أسباب تأخر مواعيد مقابلات الفائزين في قرعة أمريكا    وفاة الفنان محمد الرزين إثر معاناته مع المرض    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    الفنان محمد الرزين في ذمة الله    جدد المغرب وبلجيكا، اليوم الخميس، التأكيد على إرادتهما المشتركة في تعميق شراكة استراتيجية ومهيكلة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل وتقارب وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية الكبرى    "ميتا" تقرر إلغاء 600 وظيفة في قسم الذكاء الاصطناعي    الرباط تخصص لهم استقبالا شعبيا كبيرا .. أبطال العالم فخورون باستقبالهم في القصر الملكي ويعبرونه حافزا للفوز بألقاب أخرى    كرة القدم ..المغرب يستضيف بطولة " فيفا يُوحِّد: سلسلة السيدات" لعام 2025 يوم 26 أكتوبر الجاري (فيفا)    جلالة الملك يبعث ببرقية تهنئة للأخ الكاتب الأول إدريس لشكر    فقدان آخر للفن..رحيل الفنان محمد الرزين عن 79 عاماً    وللفوز أجنحة الفرح    تحت الرعاية الملكية السامية.. التزام مغربي متجدد لبناء فلاحة إفريقية صامدة ومبتكرة    عاجل.. سكتة قلبية تنهي حياة أشهر "بارون المخدرات بدكالة" حمدون داخل سجن سيدي موسى بالجديدة...    الاتحاد الأوروبي يقر حزمة من العقوبات على روسيا تشمل حظرا على واردات الغاز    مذكرة توقيف دولية ثالثة يصدرها القضاء الفرنسي ضد بشار الأسد المنفي في روسيا    بيلينغهام يمنح ريال مدريد فوزا صعبا على يوفنتوس في دوري الأبطال    الجمعية المغربية لحماية المال العام تتهم الحكومة بحماية "المفسدين" وتعلن تضامنها مع رئيسها الغلوسي    سائق "إسكوبار الصحراء": "مشغلي كان يملك سيارتين تحملان شارات البرلمان حصل عليهما من عند بعيوي والناصيري"    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    تنوع بصري وإنساني في اليوم السادس من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    توأم تونسي يحصد لقب الدورة التاسعة من مبادرة "تحدي القراءة العربي"    هنري يرشح المغرب للتتويج بالمونديال    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تراجع القراءة: ظاهرة عابرة أم خلل مستفحل؟!!!
نشر في هسبريس يوم 08 - 01 - 2019

Reading decline: A transient phenomenon or a prolonged problem?!!!
"مشات لقراية مع ماليها" !!! عبارة كثيرا ما ترددت على مسامع العديد منا بدون شك كلما أثير موضوع القراءة والكتب!، وفي حقيقة الأمر أنني بدوري أتعاطف مع جزء كبير من تلك الشريحة من المجتمع التي تقر بأن هنالك بالفعل معضلة: فمعدل القراءة سواء لدى الكبار أو الصغار في تراجع مخيف!. فأين يكمن الخلل إذن؟ وما هي الأسباب وراء ذلك؟ أهي ظاهرة عابرة كما يقول البعض، أم هي مشكلة مستفحلة كما يقول البعض الآخر؟. فبالنظر لزمن غير بعيد يكاد الجميع أن يجزم أن مسألة القراءة كانت جزءا لا يتجزأ من حياة الأفراد، بل كانت تشكل هاجسا عند الكثيرين من ذلك الجيل لأن القراءة كانت الوسيلة الأولى في كسب المعرفة والتبحر في أغوارها. نعم كان الكتاب فعلا "خير أنيس"، فازدهرت الكتابة والتأليف والإبداع في شتى مناحي ودروب العلم والأدب والفنون، وتتلمذ ذلك الجيل على يد معلمين وأساتذة شغوفين بالقراءة بدورهم ويطلعون باستمرار على كل ما هو جديد، ويشجعون تلامذتهم وطلابهم على ذلك، فأنجبت لنا المدارس آنذاك كتاب وأدباء وفنانين لا زال التاريخ شاهدا على إبداعاتهم. فما الذي تغير إذن؟...هل لأننا نمتلك وسائل ترفيه وتواصل اجتماعي وتكنولوجيا أغنتنا عن الكتب والجرائد والمجلات؟، أم لأننا أسئنا استخدام تلك التكنولوجيا فأصبنا بتخمة المعلومات جعلتنا ننفر من القراءة وكل ما هو أدبي أو فلسفي؟...
هل تغير مفهوم القراءة لدى المجتمع اليوم؟:
لا شك أن مفهوم "القراءة" على مر الأجيال والعصور قد ظل لصيقا بمفهوم "التعلم" مهما كان الهدف، لأن التعلم في حد ذاته قد يكون مباشرا أو غير مباشر، أو مقصود أو غير مقصود، بمعنى أن الفرد يقرأ من أجل أن يتعلم، ويمكن أن يقرأ ويتعلم من غير قصد (كمن يقرأ من أجل التسلي فحسب). وقد أشار بعض العلماء في مجال التربية والتعليم بأن هنالك أنواع من القراءة، فالقراءة الإجبارية على سبيل المثال هي ما يلزم به الطالب أو التلميذ داخل وخارج حجرة الدرس، أما القراءة الاختيارية فهي ما هو موجود خارج المقرر أو المنهج الدراسي؛ كما أن هنالك القراءة من أجل تنمية المعرفة، والقراءة من أجل التسلية، والقراءة من أجل التنمية الذاتية واكتساب المهارات، والقراءة من أجل الاطلاع، والقراءة من أجل حب الاستطلاع أو النبش في أسرار المجتمع والكون، وغيرها...كما يقر العلماء المختصين في مجال القراءة بأن هناك ما يسمى بالقراءة "السطحية" وهي التي يم فيها الفرد مر الكرام على أشياء قد لا تهمه بتلك الدرجة، أو هو غير ملزم بالتمعن والغوص فيها (كقراءة عناوين الصحف والمجلات أو ما يرد عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي)؛ والقراءة "المعمقة" التي يكون للفرد فيها هدف أو أهداف محددة تقتضي الغوص في مكامن النص والخروج بحصيلة معرفية وآراء.
فوائد القراءة المعمقة والإطلاع:
يقول أحد الخبراء في مجال التربية والتعليم بأن من سمات المدير التنفيذي الناجح على سبيل المثال، قدرته على الجمع بين تسيير الشركة أو المنظمة أو المقاولة أو المؤسسة وتخصيص الوقت الكافي للقراءة والإطلاع على المواضيع ذات الاهتمام وذات الصلة بطبيعة عمله من أجل تسيير ذلك العمل أو المهمة بالشكل الصحيح الناجع، مشيرا أن معدل عدد الكتب التي يقرأها بعض المدراء من هذا الصنف في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال يناهز 150 كتاباً في السنة، والمقصود هنا القراءة "العميقة"، أي بتمعن وتحليل ذاتي للمحتوى والخروج بحصيلة معرفية. وجدير بالذكر أن القراءة العميقة من شأنها تحفيز الدماغ، كما أنها تجبرنا على التركيز والتذكر وأداء تمارين العضلات أو الخلايا العقلية المختلفة. والقراءة العميقة توفر فوائد هائلة، لكنها ليست بالعملية السهلة، وهذا هو السبب في أن القراءة المكثفة كما كنا نعرفها من قبل تتلاشى اليوم وبشكل غريب. لكن الغريب في الأمر أيضاً هو أن العديد من الناس يجهل حقيقة أن القراءة في حد ذاتها هي علاج، إذ أكدت دراسات مختلفة على أن القراءة تقلل من الإجهاد، كما أنه قد تبين من خلال إحدى الدراسات حسب الباحث ستيف ماكسيليسترم (Steve Mcellistrem 2015)، أن الأمر استغرق من بعض القراء 6 دقائق فقط لتحقيق انخفاض في معدل ضربات القلب وتوتر العضلات. ونحن كمسلمون نقول بأن الله عز وجل أسدى النصح لأمته وحثهم على مداومة القراءة في مواطن شتى في المصحف الكريم تحث المسلم على تلاوة القرآن والمداومة على قراءته:] إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ يُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ. [ سورة فاطر، الآية 29، 30. ويرى البعض أن المداومة على القراءة تزيد من قوة الدماغ وتجعله حاداً على وجه التحديد لأن عملية القراءة كما أشرنا سابقاً ليست بالسهلة بل هي أصعب بكثير من مشاهدة التلفزيون أو ممارسة الألعاب الإلكترونية أو القراءة من خلال الهواتف الذكية أو غرف الدردشة التي غالباَ ما تطغى عليها اللغة العامية. ويرى البعض أيضاً أن القراءة العميقة قد تساعد أيضاً في الوقاية من مرض العصر في فقدان الذاكرة أي الزهايمر، على الرغم من أنه لم يتم إثبات ذلك بعد. ومن المتعارف عليه أيضاً أن القراءة العميقة من خلال الكتب الورقية (بعيداً عن أي شيء إلكتروني كالحاسب الآلي أو الهواتف الذكية) تساعد الفرد على النوم بشكل أفضل وأريح وتزيل عن المرء هموم اليوم وأحزانه إذ تتيح للعقل أن يسبح في دنيا الخيال وفضاءه الواسع، فما بالك إن كانت من المصحف الكريم.
ويرى باحثون آخرون أيضاً بأن الكتاب الورقي يجعلك تربط بينك وبينه رابطة عاطفية وقد ينقلك بعيداً عاطفياً، ويساعدك من خلال شخصياته وأحداثه على التعاطف مع الآخرين في مجتمعك والمجتمعات الأخرى بشكل أفضل. وبالإضافة إلى ذلك، فإنه يزيد من عدد المفردات المكتسبة لدى القارئ مما يقوي مهاراته اللغوية فيما يخص فن الكتابة أو التعبير، ناهيك عن تحسن أداء الفرد فيما يخص العمل والسلوك والمعاملات وفنون ومهارات التواصل. ومن جهة أخرى يرى البعض أن القراءة من الكتب الورقية تنمي الذهن والخيال لأنه عندما يقوم المؤلف، على سبيل المثال، بتقديم شخصية أو مواقف اجتماعية، فيجب على القارئ أن ينشئها بنفسه في ذهنه وبذلك فإنه يعطي لخياله الفرصة في أن يحبك تلك الصورة بدلاً من الاعتماد على صورة الكاميرا الجاهزة (Ready-made) كالتلفزة أو السينما أو الإنترنيت.
ما هي أسباب العزوف عن القراءة؟:
كثيرا ما ينسى الكبار أن مشكلة تراجع القراءة هي ظاهرة قد تفشت في فئتهم في المجتمع قبل الصغار وعليه، فحري بنا نحن الكبار أن نقف مليًّا كي نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب غيرنا فيما يخص هجرة الكتب والقراءة، فما هي الأسباب وراء ذلك إذن؟ أهي حُمّى التكنولوجيا والهواتف الذكية التي أبعدتنا عن عالم الفكر والمعرفة، أم هو نمط وأسلوب الحياة الذي أصبحت تتقمصهما الأُسر الحديثة في مجتمعنا؟، أم هو تقاعس قد أصاب الكبار والصغار على حد سواء سببه الجشع وإثارة المال عن باقي سبل الحياة السعيدة!!!...، أم هي المناهج الدراسية التي أصبحت جوفاء ولا تشجع على القراءة ولا التبحر في اكتساب المعرفة، والاكتفاء بما هو مطلوب في حجرة الدرس وكفى!!!...
فالقراءة المستدامة- ومن خلال الكتب الورقية- لها مزايا بما في ذلك تطوير قدرات الفرد وبشكل أكبر من حيث الانضباط، مما يساعده على فهم الثقافات الأخرى بشكل أفضل، وبناء الثقة بالنفس وجعله أكثر إطلاع على مكونات ثقافات الشعوب الأخرى ويستفيد بشكل كبير من تجارب الآخرين. غير أن مجتمعنا اليوم قد أصبح يغمرنا بمُدخلات حسية غريبة ولم يألفها آبائنا ولا أجدادنا. مُدخلات أصبحت تتحكم فيها هواتفنا، وأجهزتنا اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بنا وغيرها، وجميعها توفر لنا إمكانية الاتصال بالعالم الخارجي الأوسع وفي لحظات وجيزة لا تتطلب منا سوى لمسات بأناملنا أو نبرات بأصواتنا. عالَم غريب فعلاَ مما يجعلنا نعتقد أنه نظراً لأننا أصبحنا مرتبطون به إلكترونياً، فلا نحتاج إلى متابعة هذا النشاط القديم، أي القراءة. والغريب في الأمر أن البعض منا أصبح يزعم أو يكذب على نفسه بأنه "يقرأ" بمجرد تصفح ما هو منشور على Facebook أو Instagram أو Twitter ، أو يقرأ عناوين الأخبار أو القصص الوجيزة أو ما يرده عن طريق الWhatsapp، أو بعض المواقع المشابهة، لكن للأسف، هذا في منظور علماء اللسانيات والأدب فهو لا يقرأ ولا يمكن نسبه إلى دائرة القراءة العميقة. على أي حال، يظل صاحبنا هذا "متصفحاَ" وليس "قارئا" لأن ما يقرأه غير مؤهل كي يُنسب إلى القراءة العميقة لأن قراءته لا تستغرق وقتاً طويلاً بما يسمح لدماغه بأن ينغمس أو يغمر نفسه في التجربة...
حقائق حول أسباب النفور من القراءة لدى بعض الأطفال:
إن مهارات القراءة (Reading skills) أو الرغبة في اكتسابها قد تكون خارجة عن إرادة الطفل أحياناً، ويصعب تحديد أسبابها أحياناً أخرى، ولكن لا بأس من إعطاء لمحة عن بعض الأسباب أو الأعراض المتعارف عليها أو الشائعة ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
يجب أن تكون لنا قناعة بأن القراءة مهارة، وليست موهبة طبيعية المولد ، وأن الأطفال
قادرون على التعلم.
لا يولد الأطفال مع النفور الطبيعي من القراءة، إذ كلنا نعرف ذلك ونرى ما يحدث عندما نقدم
الأطفال الصغار إلى الكتب وكيف يقعون في حبها ويتسابقون في اختيارها.
الصعوبة في رؤية النص والخوف من الاستجواب تجعل الأطفال يخشون القراءة، إذ من
الممكن أن يكون المعلم أو الاختبارات سبباً في تمرد الأطفال عن القراءة.
معاناة بعض الأطفال من آفة عسر القراءة Dyslexia:
قد لا يدري المعلم ولا الآباء أن الطفل مصاب بهذه الآفة المعروفة أيضا باسم اضطراب القراءة، والتي تحد من قدرته على مواصلة القراءة باسترسال على الرغم من الذكاء العادي لديه. وغالباً ما تلاحظ هذه الصعوبات لأول مرة في المدرسة. ويعتقد أن عُسر القراءة ناجم عن عوامل وراثية وبيئية ولها علاقة بالآليات الأساسية ومشاكل في معالجة اللغة في الدماغ. ويجب على المعلم أن يعلم بأن مشكلة عسر القراءة يتم تشخيصه من خلال سلسلة من الاختبارات المتعلقة بالذاكرة والهجاء والرؤية ومهارات القراءة. كما أن عسر القراءة منفصل عن صعوبات القراءة الناجمة عن مشاكل في السمع أو الرؤية أو عن طريق عدم كفاية التدريس، كما يشمل العلاج تعديل طرق التدريس لتلبية احتياجات الشخص (أنظر الموسوعة العلمية Wikipedia).
القراءة تعطي بعض الأطفال صداعًا أو تجعل عيونهم تؤلم:
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين تم تصنيفهم على أنهم معاقون للتعلم يعانون بالفعل من حساسية (خفيفة). هذا ويجد الأشخاص الذين يعانون من حساسية الضوء صعوبة في القراءة وأحيانًا مؤلمة عند طباعة المادة على ورق لامع. وفي حقيقة الأمر فإن الإضاءة الفلورية أو الأضواء الأخرى التي تسبب الوهج على الصفحة تجعل القراءة أكثر صعوبة. كما أن الطباعة عالية التباين، مثل الأحرف السوداء على ورق أبيض ساطع، هي الأكثر صعوبة بالنسبة لبعض الأشخاص الذين لديهم مثل هذه الحساسية . لسوء الحظ ، فإن الجهات المعنية بقطاع التربية والتعليم لا تعير أي اهتمام فيما يخص نوعية الورق للكتب المطبوعة والتي تكون فيها الأحرف والكلمات عالية التباين.
قضية البطء في القراءة وإحساس الطفل بأنه لن يستطيع القراءة بسرعة مثل أقرانه:
كثيراَ ما ينتاب هذا الشعور الأطفال الأبرياء الذين يشهرون دوماَ بأنهم وراء الركب. وهنا يكمن واجب المعلم في إيجاد الحلول السريعة وإدماج تلك الفئة من التلاميذ أو الطلاب مع باقي أقرانهم. ويمكنه على سبيل المثال السماح للطلاب بقراءة ما يناسبهم ، حتى لو كان ذلك يعني السماح لأولئك القراء المبطئين بأن يقرؤوا على وتيرتهم الفردية، إذ من الممكن جداّ بأنهم سوف يتعلمون القراءة بشكل طبيعي لاحقاً.
7. الخوف من أن يقرأ الطفل بصوت عال ويضحك عليه الآخرون:
إن الخوف من مواجهة الجمهور (حتى لو كانوا أصدقاء أو زملاء في نفس حجرة الدرس) أمر طبيعي، ويجب على المعلم أن لا يجعله عائقاً وحاجزاً يحول بين الطفل وبين موهبته في القراءة وصقل مهاراته. ويجب على المعلم أن يجعل القراءة بصوت عال طوعيًا تمامًا بين التلاميذ أو الطلاب، ويجعلها بشكل تناوبي ويعمل على إفشاء الخصال الحميدة والتدرب على قبول واحترام بكل خصوصياته، وأن الضحك على الآخرين ليس من شيم المتربين.
الخوف من الفشل: إذ نحن مع الأسف لا نقرأ سوى للاختبار:
مع الأسف الشديد، فمؤسساتنا التربوية والتعليمية لا تشجع على تحسين الطلاب لمهارات القراءة وثقتهم بأنفسهم كقراء، بل تحصر وتربط ما يقرأه الطلاب بالاختبارات، فهم يقرأون من أجل اجتياز الاختبار فحسب وليس للمتعة وتوسيع آفاق المعرفة. وهم بهذا لا يخرجون عن إطار ما هو مقرر ويتوقعون أن يتم اختبارهم على ما يقرأون ويفشلون في الاختبار، فيزداد خوفهم من القراءة ويتعاملون معها بالجفاء وعدم الرغبة. ولذلك على المؤسسات التربوية والتعليمية التفكير في نمط الاختبارات القياسية التقليدية وتحويل بعضها إلى اختبارات "استجابية" لا ترتبط حتماً بالفصل الدراسي، بل ترغب الطالب في المزيد من القراءة والتبحر في كسب العلم والمعرفة.
خوف الطفل من العلامات السيئة وأن آرائه ستكون خاطئة:
لابد من تغيير أساليب التقييم كما قلنا سابقاً وأن لا تكون علامات أو درجات الواجب المنزلي أو الاختبار أداة إحباط بدلاً من أن تكون أداة تحفيز. ويرى العديد من التربويين بأن العلامات والملاحظات التي يضعها المعلم على ورقة أجوبة الطالب المتعلقة باختبار أو واجب القراءة قد تكون سبباً في الحد من رغبة الطالب في القراءة، وحريته في إبداء رأيه والتعبير بكل طلاقة وإبداع لأن ذلك غالباً ما يكون مقروناً بأحاسيس الطالب نحو كرامته وصونها.
عدم وجود مكتبة مدرسية أحياناً وبرامج تحفيزية للتشجيع على القراءة:
قد تستغرب أحياناً حين تجد مؤسسة تربوية أو تعليمية لا تتوفر على مكتبة أو خزانة للكتب، بل وحتى مكان خاص بالقراءة، ناهيك عن عدم تشجيع التلاميذ داخل المؤسسة أو خارجها على القراءة واقتناء المزيد من الكتب.
عدم اهتمام الإعلام بالقراءة:
الكل يلاحظ بأن الإعلام لا يقوم بدوره في تحسيس الأفراد وحثهم على القراءة، كما أن إقحام العامية أو الدارجة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي دعاية التجارية قد أساء بمستوى القراءة والمعرفة لدى الأفراد.
غلاء الكتب والمجلات:
تبقى أسعار الكتب حاجزاً بين أبناء الطبقة الفقيرة والمعوزة وبين تمكينهم من القراءة واقتناء ما يحبون الإطلاع عليه. وفي غياب مهرجانات ومعارض لبيع الكتب المستعملة والجديدة بأثمان رمزية، وفي غياب دور جمعيات المجتمع المدني وجمعيات آباء وأولياء أمور التلاميذ عائقاً فعلياً نحو نشر المعرفة وتمكين كافة شرائح المجتمع منها.
غياب دور جمعيات المجتمع المدني:
كثيراً ما نجد جمعيات المجتمع المدني تنأى بنفسها وتبقى بعيدة عما يجري في المؤسسات التربوية والتعليمية، ولا تتبع مقاربة تشاركية تساهم في تعزيز مفهوم القراءة لدى الصغار والكبار أيضاً. .
خلاصة:
هل فعلا "مشات لقراية مع ماليها" !!! كما يقال بلغتنا الدارجة، أم هو مجرد عذر واهي نحتمي به خوفا من مجابهة الواقع المر؟!!!، أم أن الأمل معقود على وقفة المجتمع بجميع مكوناته ومقوماته وشرائحه بروح وطنية وصدق للتصدي لهذه الآفة والحد من تأثيرها السلبي على الصغار والكبار. على الجهات المعنية بقطاع التربية والتعليم إذن أن تكثف من الدورات التدريبية للعاملين في مجال القراءة ومن الحملات التحسيسية للصغار والكبار وإبراز فوائد القراءة ومزاياها. وعلى الآباء والأمهات أن يكونوا جميعاً قدوة للصغار فيما يخص القراءة والابتعاد قدر المستطاع عن ضياع الوقت في الأشياء المعلبة والتافهة التي تُعرض عليهم من خلال الأجهزة الالكترونية والتي قد لا تجلب عليهم سوى الويلات والإثم أحياناً. وقد حان الوقت كي تساهم جمعيات المجتمع المدني وجمعيات آباء وأولياء أمور التلاميذ وبشكل فعال في تحسيس الكبار والصغار بضرورة الاهتمام باللغة الفصحى واللغات الأجنبية الحية الأخرى، والمداومة على القراءة وخلق منافسات وأنشطة وتظاهرات وجوائز لذلك من خلال وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة أيضا، وإعادة النظر في المناهج والمقررات المدرسية، وتدريب الأسر على قضية القراءة والتعود عليها وجعلها جزءا من مقوماتها وتشجيعها على ذلك، وكذلك خلق مهرجانات لبيع الكتب الجديدة والمستعملة أيضاً من خلال مقاربة تشاركية لتسهيل عملية اقتنائها من أبناء الطبقة الفقيرة والكادحة وعدم حكرها على الأغنياء وأبنائهم فقط. ولاشك أن للتكنولوجيا الحديثة مزايا كثيرة إذا ما استُخدمت في المسار السليم والصحيح، وعلى المجتمع أن يحصن أبنائه من كل الشوائب التي تهب بها رياح الهواتف الذكية. وعلى وزارة الإعلام المساهمة وبشكل مكثف في هذه الحملة فتمد يد المساعدة إلى جميع المؤسسات التربوية والتعليمية وتكثف من الأنشطة المفيدة بدلا من المسلسلات المدبلجة والبرامج المضيعة للوقت أحيانا (فكفانا رقصا وغناء)، وتشجع على إحياء الإذاعة والتلفزة المدرسية التي كانت تعج بالأنشطة آنفا وتخلق روح المنافسة الشريفة بين الطلاب والتلاميذ وكذلك الأساتذة والمعلمين. كما يجب علىينا جميعا أن ندرك بأن العجلة والاختصار في كل شيء بما فيه القراءة يورث أحيانا الجهل وضيق الأفق ونتائج عكسية، وأن القراءة العميقة تزيد من القوة اللغوية لدى الفرد وتوسع آفاق عالم المعرفة والإدراك والخيال لديه، وتشجعه على حب الخير والإحسان، وتسمو بالمجتمع نحو التكافل والتراحم والتآخي والتسامح والانفتاح وحب الوطن والتحلي بالأخلاق الرفيعة والسلوك السوي والبعد عن الغلو والعنف بشتى أنواعه.
وأخيراً "أكعاون ربي"
والله ولي التوفيق،،،
*خبير دولي في مجال التربية والتعليم، مستشار.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.