فعلتْها أحزابُ اليَمينِ المتطرّف وأسْقطتْ كلّ الأحزاب اليمينية التقليدية في "امتحان" أوروبي كرّسَ هذهِ المرّة زحْفَ المجموعات الشعبوية والمعادية لفكرة الاتحاد على المشهدِ العامِ في القارة "العجوز"، بعد تصدرها معظم نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي، التي جرت في 28 بلداً عضوا في الاتحاد الأوروبي. وحتّى قبلَ الانتخابات البرلمانية الأوروبية، كانتْ مُعظم استطلاعات الرّأي تكرّس تفوّق الأحزاب اليمينية المتطرّفة على حسابِ باقي المكوّنات السّياسية الأخرى التي يبدو أنها ماضيةٌ في خسارة مزيد من الأصوات، خاصة مع تصاعد المدّ القومي وانكماشِ دورِ القوى التقليدية. ويأتي كلّ هذا وسطَ مخاوف من أنْ تطالَ تداعيات هذا الزّلزال "الانتخابي" الجاليات العربيّة عامة؛ والمغربية على وجه الخصوص. ففي فرنسا مثلاً، تقدم حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف نتائج الانتخابات الأوروبية في فرنسا، بعد حصوله على نسبة 24 بالمائة من إجمالي الأصوات، متبوعا بحزب الرئيس ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" الذي حصل على نسبة تتراوح ما بين 22 و23 بالمائة حسب تقديرات أولية. وجاء في المرتبة الثالثة حزب الخضر، المدافع عن البيئة، حاصداً نسبة 12.8 في المائة. ويرى مصطفى الطوسة، المحلّل السياسي المقيم في باريس، أنّ "المدّ الشّعبوي الذي تعيشهُ حالياً أوروبا، والذي تجسّد بنجاحات بعض القوى الشعوبية في البرلمان الأوروبي، يعتبر خطراً كبيراً وداهماً بالنسبة للجالية العربية والمسلمة في فرنسا، لأن ذلك يؤشّر على تنامي العنصرية ورفض الآخر والحقد على الأجانب". ويشرحُ الخبير نفسه في تصريح لجريدة هسبريس أنّ "الخطاب التي تروّج له هذه القوى في فرنسا مع الجبهة الوطنية وفي إيطاليا وهنغاريا يمثّل أرضية أساسية لاستقطاب الناخبين ومحاولة إقناعهم بأنّ المشكلة التي تعاني منها المجتمعات الأوروبية سببها المهاجرون، ويجب إنجاز سياج حول التّراب الأوروبي لمنع تدفق مزيد منهم". ويشدّد الطوسة على أنّ القوميات الوطنية تدعو المواطنين الأوروبيين إلى "التقوقع حول الذات، وهو ما يشكل في حد ذاته تهديدا خطيرا لمبدأ التعايش السلمي بين مختلف المكونات الأوروبية". ويضيفُ الإعلامي المغربي: "هذا مؤشر خطير"، مستدركاً: "هذا لا يعني أن البرلمان الأوروبي غدا سيعيش زلزالا قوياً أو تغييراً جذرياً في مقاربته، لكن هذه القوى بنجاحاتها الانتخابية المستمرة وبقدرتها على استقطاب شرائح واسعة من المجتمع الأوروبي تشكل مؤشرا سلبيا وخطيراً على أن هذه المجتمعات أصبحت تنظر إلى المهاجر كالمسؤول الأساسي عن أزمته وتناقضاته والأخطار التي تهدد هويته". ويتوقّع الخبير ذاته أن تعيش الجاليات العربية أوقاتاً عصيبة في أووربا، "لكون هذا الخطاب انتصر في بعض الأوساط واستطاع أن يوصل بعض القوى إلى البرلمانات الوطنية أولاً ثم إلى البرلمان الأوروبي ثانياً".