لتنزيل التوجيهات الملكية.. اجتماع يجمع وزير الداخلية والولاة والعمال ومسؤولين        بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إبادة إسرائيل للفلسطينيين    برعاية الصين.. منظمة دولية للذكاء الاصطناعي قيد الإنشاء في شنغهاي والدعوة مفتوحة للدول الراغبة في الانضمام    انطلاق أشغال إصلاح المقطع الطرقي المنهار بين الحسيمة وتطوان    مجلس المنافسة ينهي هيمنة "غلوفو"    المغرب، الحليف العريق والشريك "الأساسي" للولايات المتحدة (أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي)    وثائق سرية تستعد للخروج إلى النور.. صحراء المغرب في قلب أرشيف إسبانيا        المغربي حمزة الناصيري ضمن طاقم حكام مباراة افتتاح "الشان" بين تنزانيا وبوركينا فاسو    ارتفاع سعر صرف الدرهم مقابل الأورو والدولار مع نهاية يوليوز وفقا لبنك المغرب    مصرع شاب في حادثة سير مميتة ضواحي سطات    جامعات أمريكا تواجه ضغوطات ترامب    نجم البحر يهدد الشعاب المرجانية في جزر كوك    مبابي مدافعا عن حكيمي: أشرف يحترم النساء حتى وهو "سكران"    محامية حكيمي تتمسك ببراءة اللاعب .. ودفاع المشتكية تنفي الابتزاز    نيوزيلندا تفرض رسوما على زيارة الأجانب للمواقع السياحية الأكثر شعبية    اعتقال صانعتي محتوى لنشر مقاطع فيديو خادشة للحياء في مصر    كيوسك السبت | استثمار إسباني كبير لتحلية المياه والطاقة الريحية بالمغرب    الوداد ينهزم أمام كوجالي سبور في أولى مبارياته الودية بتركيا        المغرب، بقيادة جلالة الملك، نف ذ إصلاحات منهجية موجهة نحو المستقبل (صحيفة صينية)    كرة القدم.. سون هيونغ-مين يعلن رسميا رحيله عن توتنهام    سباق الذكاء الاصطناعي يدفع عمالقة التكنولوجيا إلى إنفاق 344 مليار دولار    "فوج السلطان أحمد المنصور الذهبي".. سليل الناظور أسامة بلهادي يؤدي القسم أمام جلالة الملك    عيد العرش: وزير الداخلية يعقد لقاء عمل مع الولاة والعمال المسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية للوزارة    نيابة نانتير الفرنسية تطالب بإحالة حكيمي على المحكمة الجنائية بتهمة الاغتصاب    في رحيل زياد الرّحْباني (1956-2025) سيرةُ الابْن الذي كَسَّر النَّاي .. ومَشَى    بلجيكا.. اطلاق نار على مراهق في مولنبيك    دراجة نارية مسرعة تصدم شخصين بطريق طنجة البالية وإصابة أحدهما خطيرة    الحدود المغربية الجزائرية في الخطاب الملكي        المنتخب المغربي يدخل "الشان" بخبرة البطولات وطموح التتويج    أمين حارث يُقنع دي زيربي ويعزز حظوظه في البقاء مع مارسيليا    مديرية الأرصاد الجوية تحذر من موجة حر من السبت إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    لقاء سياسي مرتقب بوزارة الداخلية لمناقشة المنظومة الانتخابية المقبلة    الجمارك المغربية تحبط محاولة تهريب أزيد من 54 ألف قرص مهلوس بباب سبتة        تتناول قضية الصحراء المغربية.. الكاتب الطنجاوي عبد الواحد استيتو يطلق أول رواية هجينة في العالم    رشيد الوالي: فيلم «الطابع» تكريم للعمال المغاربة في مناجم فرنسا    المهرجان المتوسطي للناظور يختتم نسخته الحادية عشرة وسط حضور جماهيري غير مسبوق    عبد العلي النكاع فنان مغربي يبدع بإلهام في فن التصوير الفوتوغرافي الضوئي    دراسة: مشروب غازي "دايت" واحد يوميا يرفع خطر الإصابة بالسكري بنسبة 38%    رئيس البنك الإفريقي للتنمية: المغرب بقيادة الملك محمد السادس يرسخ مكانته كقوة صاعدة في إفريقيا    الشيخات وجامعة ابن طفيل.. أين يكمن الخلل؟    دراسة تُظهِر أن البطاطا متحدرة من الطماطم    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية البنين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    أسعار الذهب تستقر    "غلوفو" توقع اتفاقا مع مجلس المنافسة وتعلن عن خطة دعم لعمال التوصيل    ديواني: اعتماد الحافلات الكهربائية في المغرب يطرح تحديات متعددة    بعد فصيلة "الريف" اكتشاف فصيلة دم جديدة تُسجّل لأول مرة في العالم        ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جريمة بيئية تنسف غابة في القنيطرة .. ومطالبُ بمعاقبة المتورطين
نشر في هسبريس يوم 18 - 09 - 2019

في ستينيات القرن الماضي، شمّر شباب قبيلة أولاد بورحمة عن سواعدهم، وغرسوا، تطوُّعا، مئات أشجار الكالبتوس في مساحة كبيرة، حملت في ما بعد اسم "جردة الشباب"، أو "غابة الشباب". كبُرت أشجار الغابة وتوسّعت رقعتها إلى أنْ صارت تناهز 65 هكتارا، وكانت مُتنفسا بيئيا للمنطقة ولمدينة القنيطرة التي تعاني من ارتفاع نسبة التلوث، قبل أن تأتيَ جهات مجهولة وتجتثَّ أشجارها عن آخرها.
"جريمة حقيقية"
بكثير من الحنين يسترجع الحاج عبد الكبير خراف، إطار متقاعد، شريط ذكريات الأيام التي قضّاها رفقة عشرات الشباب من أبناء قبيلة أولاد بورحمة، في غرس أشجار غابة الشباب، قبل أن تتغير ملامحه ويغلب عليها الأسى وهو يتحدث عن الجريمة البيئية التي تعرضت لها الغابة، إذ سارت أشجارُها السامقة هباء منثورا، دون أن تتدخل أي جهة من الجهات المعنية لمحاسبة المتورطين، إلى حد الآن.
"إنها جريمة حقيقية"، يقول الحاج خراف، وهو يشير إلى ما تبقى من جذور بعض أشجار الكاليبتوس التي نجت من الاجتثاث، ويواصل حديثه قائلا: "بين عشية وضحاها أصبحت هذه الغابة في خبر كان، فقد تمّ نهبها في ظرف ثلاثة شهور فقط. اكتشفنا هذه الجريمة البيئية بالصدفة، لكن للأسف بعد أن فات الأوان".
تتبع غابة الشباب الواقعة في تراب جماعة عامر السفلية، على بُعد حوالي ثلاثين كيلومترا من مدينة القنيطرة، إلى الأراضي السلالية، ويحزُّ في نفوس أفراد قبيلة أولاد بورحمة الذين التقينا بهم في المكان أنّ الغابة المجتثة أشجارها عن آخرها تقع على مرمى حجر من "القيادة"، وعلى جانب طريق رئيسية مزدوجة، دون أن تتدخل السلطات لحمايتها من عبث العابثين.
يوجّه الفاعلون الجمعويون الذين تحدثوا إلى هسبريس أصابع الاتهام حول عدم حماية غابة الشباب إلى النواب السلاليين الذين لديهم صلاحيات تدبير الأراضي الجماعية، وإلى السلطات المحلية، ممثلة في عامل الإقليم، بصفته رئيس المجلس الإقليمي، والقائد.
"النواب السلاليون هم المفوَّض لهم أمر حماية الأملاك الجماعية، ولكن بْقاو غير كيتفرجو، والسلطة حتى هي مكتدير والو، علما أنّ مكتب القائد يوجد على بعد أمتار قليلة فقط من الغابة"، يقول الحاج خراف، مضيفا: "طرقنا أبواب جميع الجهات المعنية على الصعيد المحلي، ولا أحد حرّك ساكنا، لذلك راسلنا العامل المكلف بالشؤون القروية بوزارة الداخلية، ورفعنا شكاية إلى رئاسة النيابة العامة للنظر في هذا الملف".
شكوك وعلامات استفهام
اجتثاث أشجار غابة الشباب جعل الشكوك تحوم حول وجود مساعٍ إلى تفويتها لمستثمرين لإنشاء مشاريع عقارية، خاصة أنها تقع على ضفة الطريق المؤدية إلى المنطقة الصناعية أولاد بورحمة، المتوقع أن تكون أكبر منطقة صناعية في إفريقيا. تعزز هذه الشكوكَ الطريقة التي تمّ بها قطع أشجار الغابة، إذ لم تترك من جذوعها سوى بضعِ سنتمترات، للحيلولة دون نموّها من جديد، لتصير أرضا عارية.
يشير إدريس عدّة، عضو الحراك المحلي "القنيطرة ماشي للبيع"، وهو حَراك لدعم المواطنين ضحايا السياسات العمومية على الصعيد الإقليمي، إلى جذع شجرة جوارَ سور المستوصف المجاور للغاية، قائلا: "هذه الشجرة يستحيل أن تنمو من جديد، لقد قتلوها كما قتلوا باقي الأشجار، وهذا يعني أنّ استهداف هذه الغابة أمر مقصود، من أجل تفويتها لجهة أو جهات ما، لتحويلها إلى مشاريع عقارية خاصة".
التخوّف نفسه عبّر عنه المحامي محمد بليليطة، محام بهيئة القنيطرة، بقوله: "هناك نية مبيّتة للقضاء على هذه الغابة.. يريدون محوها ومنحها لأباطرة العقار، علما أنها متنفس بيئي مهم، إذ إن كل هكتار يفرز خمسة أطنان من الأوكسجين"، مضيفا: "لقد قطعوا الأشجار بشكل يحُول دون نموّها من جديد، وبعد نشْرنا فيديوهات حول هذه الجريمة، ربما أعطيت الأوامر على الأقل لكي يُحسنوا الذبح (يقصد طريقة قطع الأشجار) باش تْعاود تخلف".
ما يعزز شكوك الفاعلين المدنيين المدافعين عن غابة الشباب بوجود مساع إلى تفويتها إلى جهة ما، حسب إفادة الحاج خراف، أنّ أحد النواب السلاليين استقدم آلية للحفر '(تراكس) إلى الغابة، لاقتلاع ما تبقى من جذوع الأشجار، وحين تم استفساره عمّا سيفعل، أجاب بأن هناك أوامرَ من السلطة المحلية بإنشاء مدرسة في المكان، لكنّ السكان لم يصدّقوه، ووقفوا في وجهه، ما حدا به إلى سحْب الآلية التي استقدمها لاجتثاث ما تبقى من جذوع الأشجار.
يعلق إدريس عدة على الواقعة التي رواها الحاج خراف بالقول: "هكذا يفعلون دائما حين يريدون أن يستولوا على عقار ما.. يُوهمون الناس بأنهم سينشئون عليه مؤسسة عمومية، وفي غفلة من الجميع يتم استغلاله لإنشاء مشاريع خاصة".
من جهته أوضح المحامي محمد بليليطة أنّ أشجار غابة الشباب كانت تُقطع كل عشر سنوات عندما تبلغ حدّها الأقصى في النمو، وتُوكَل عملية القطع لشركة مختصة بعد إجراء مناقصة، وتذهب الأموال إلى خزانة الجماعة الترابية؛ أما الآن فقد قُطعت أشجار الغابة من طرف جهات مجهولة، دون اتّباع المساطر القانونية، ودون احترام حتى معايير قطاع الأشجار، وزاد: "هذا يعني، بما لا يدع مجالا للشك، أنهم يريدون تفويت هذه الغاية ل"أصحاب الشكارة" لتحويلها إلى منطقة إسمنتية"، ويعقّب عليه الحاج خراف بالقول: "ما فيها شك".
كيف وقعت "الجريمة"؟
السؤال المحيّر الذي يؤرق الفاعلين المتابعين لقضية اجتثاث أشجار غابة الشباب بالقنيطرة هو كيف أنّ عملية الاجتثاث لم تُثر انتباه السلطات إلى أن تمّت. يقول إدريس عدة: "المثير في هذه الواقعة أنّ الجريمة البيئية المرتكبة هنا لا يمكن إلا أن تكون منظَّمة، لأنّ مدة الإنجاز والمساحة كشفتا أن عملية قطع الأشجار استُعملت فيها آليات ليست متوفرة للمواطنين العاديين، كما أنّ عملية نقل الأشجار المقطوعة تتطلب معدّات متطورة، ومع ذلك تمّت العملية دون إثارة انتباه الجهات المسؤولة، وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام".
في السياق نفسه قال المحامي محمد بليليطة: "أنا شخصيا توجهت إلى مقر الدرك الملكي، وأخبرتهم بأن هناك جريمة بيئية تُرتكب في غابة الشباب، وقدَّمت لهم مقطع فيديو يؤكد كلامي، وطلبت منهم أن يتدخلوا لوقف الجريمة.. ذهبوا إلى هناك ولكن جريمة قطع الأشجار لم تتوقف، إلى أن قَضوا عليها جميعها".
عمر الداودي، المحامي بهيئة الرباط، قال إن عملية اجتثاث أشجار غابة الشباب تتوفر فيها كل العناصر المشكلة للجريمة، وزاد في تصريح لهسبريس: "ما وقع في أولاد بورحمة من تعييب مجموعة من الأشجار هو جريمة متكاملة الأركان، من المؤسف أن تقع أمام أنظار السلطات، وأمام أنظار النواب السلاليين الذين يحثهم القانون المنظم للأراضي السلالية، سواء القديم أو الجديد، على حفظ حقوق ذوي الحقوق".
وأضاف الداودي: "نحن لسنا إزاء غابة، بل إزاء أشجار ومغروسات نَمت بفعل الإنسان على أرض سلالية، والاتجار بهذه الأشجار وما تنبته هذه الأرض يجب أن يتم وفق مساطرَ قانونية، ويوزع عائدها على الناس، وهذا ما لم يتم"، مضيفا: "ما وقع جريمة، ويتعين على السلطات أن تتحرك في هذا الملف، وتعاقبَ الفاعلين والمشاركين، كما ينص على ذلك القانون الجنائي".
حسب التقديرات التي قدمها الحاج خراف فإنّ قيمة أشجار غابة الشباب التي تمّ نهبها تصل إلى أربعة ملايين درهم (400 مليون سنتيم)، كان يُفترض أن تذهب إلى صندوق الجماعة، وتستفيد منها المنطقة، لكنّها، عوض ذلك، ذهبت إلى جيوب أشخاص مجهولين.
ضياع 400 مليون لم يعُد يشكل هاجسا بالنسبة للسكان الذين كانوا يستغلون غابة الشباب، إنما هاجسهم الأكبر الآن هو أن يفقدوا غابتهم أيضا،التي هي مورد عيشهم. يقول راعٍ صادفناه وسط الغابة وهو يجري خلف قطيع أغنامه الباحثة عن الكلأ، فلا تجد أمامها غير التراب: "هاد النعجات ها انت كتشوف ما لقاو ما ياكلوا، قطعو الغابة وما خلاو فيها والو. والله القسم إيلا الماكلة اللي كناكل كنفرقها معاهم ونوكلهم".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.