في السادس من شتنبر 1912، قاد الشيخ أحمد الهيبة بن ماء العينين جيشا من المقاومين المتحدرين من سوس والصحراء، الحوز والرحامنة وغيرها، لمواجهة المد الاستعماري الفرنسي الذي انطلق مع توقيع عهد الحماية. كان الشيخ أحمد الهيبة، رفقة شقيقه المجاهد مربيه ربه، على رأس المقاومين المغاربة الذين لم يكن تحوزتهم آنذاك سوى بنادق البارود ومئات الخيول الجاهزة لأسلوب الكر والفر لدحر المستعمر، فكانت المواجهة في موقعة سيدي بوعثمان. الهيبة موحد القبائل ضد المستعمر لا يختلف الباحثون والمهتمون بالتاريخ، سواء المغاربة أو الأجانب، وخصوصا الفرنسيون، على كون معركة سيدي بوعثمان التاريخية تعد الأشرس من نوعها والأقوى في تاريخ المقاومة؛ فقد وصفها الكولونيل "مانجان"، الذي كان على رأس الجيش الفرنسي، بكونها الأشرس من نوعها؛ ذلك أن المقاومين اندفعوا نحو جيش المستعمر بشراسة غير مبالين بالأسلحة المتطورة آنذاك من لدنه. ويرى الباحث في علم الاجتماع بكلية الآداب بالقنيطرة عمر الإيبوركي أن الشيخ أحمد الهيبة كان قائدا للمقاومين المغاربة في مواجهة المستعمر الفرنسي، ذلك أنه بمجرد دخوله مدينة مراكش التحقت به كل القبائل، لكونه كان يرفع راية الإسلام والمقاومة والدفاع عن العقيدة. ويؤكد السوسيولوجي صاحب كتاب "السلطة والمجتمع"، والذي أفرد حيزا للظاهرة "القايدية"، أن ما دفع المغاربة من مختلف القبائل بالحواجز والصحراء وسوس وغيرها إلى الالتحاق بجيش أحمد الهيبة القادم من تيزنيت هو النهج الذي اتبعه المقيم العام الفرنسي ليوطي. وقام المجاهد أحمد الهيبة، حسب الباحث نفسه، باحتجاز مجموعة من الفرنسيين في مراكش، ضمنهم القنصل الفرنسي بالمدينة، لاستعمالهم كورقة للدفاع عن المجال الرحماني، مشددا على أن "الشيخ رغم الهزيمة في معركة سيدي بوعثمان بسبب العديد من العوامل، استطاع أن يجمع خلفه القبائل ويوحدها ضد المستعمر الفرنسي". أما الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية محمد عبد ربي فأكد أن هذه المعركة التي دارت رحاها ضواحي سيدي بوعثمان لها رمزيتها ودلالتها بالنسبة للمقاومة المغربية. ويشير أستاذ علم الاجتماع إلى أن أبرز هذه الدلالات تتمثل في كون هذه المعركة شاركت فيها العديد من القبائل من الجنوب والصحراء وسوس ودكالة وعبدة والرحامنة، ما يعني أن هناك رابطا بين كل قبائل المغرب، يؤكد دفاعها عن حرية الوطن وصيانة مكتسباته. معركة الوحدة الوطنية يرى العديد من المهتمين أن هذه المعركة الأولى من نوعها في تاريخ المقاومة بعد توقيع عهد الحماية تستوجب الرعاية والاهتمام، باعتبارها ملحمة ملهمة للمقاومين في تلك الحقبة الزمنية. سيدي علي ماء العينين، الكاتب العام لمؤسسة الشيخ ماء العينين للعلوم والتراث، اعتبر أن هذا الحدث التاريخي يؤكد أن "الشيخ أحمد الهيبة بن ماء العينين جاء يحمل رسالة للعالم مفادها أن المغاربة الأحرار يدافعون عن وطنهم". ووصف حفيد ماء العينين معركة سيدي بوعثمان بأنها "معركة الكرامة والجهاد ضد المستعمر"، ما يستوجب "التفكير الجماعي في تحويل مقبرة شهداء المقاومة إلى مزار تاريخي يساهم في التنمية المحلية لمنطقة سيدي بوعثمان"، وفق تعبيره. أما المندوب الإقليمي للمندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير بالرحامنة وقلعة السراغنة فاعتبر أن معركة سيدي بوعثمان، التي قادها الشيخ أحمد الهيبة، "من المعارك الوطنية التي يحق لكل المغاربة الاعتزاز بحمولاتها الوطنية والتاريخية". في السياق نفسه، يؤكد الشيخ الكبير ماء العينين، حفيد الشيخ أحمد الهيبة، في حديثه للجريدة، أن "هذه الملحمة أثبتت جانب الوحدة الوطنية؛ فالتقاء الوسط بالجنوب بالشمال هو درس من دروس الوحدة الوطنية التي كرسها الشيخ أحمد الهيبة بن ماء العينين في تلك الفترة". واعتبر ماء العينين محمد تقي الله، الكاتب العام لمعهد الشيخ أحمد الهيبة للدراسات والأبحاث، أن الذين سقطوا في معركة سيدي بوعثمان أمام المستعمر الفرنسي "هم شهداء الإسلام والعروبة، وشهداء الذاكرة والتاريخ الوطني، وشهداء الشرعية الوطنية دفاعا عن حوزة الوطن من المستعمر الفرنسي". وأردف في تصريحه للجريدة بأن ما يؤكد ذلك "وجود تنسيق متواصل بين الشيخ أحمد الهيبة والسلطات المغربية بالمركز، إذ توجد رسالة كتبها السلطان وجهها إلى الشيخ، يخاطبه فيها بخادمه وممثله في تيزنيت، وتم تسليمها في ما بعد للسلطان محمد الخامس". دعوات للإنصاف أمام الحيف الذي عرفته معركة سيدي بوعثمان من طرف مختلف الجهات الرسمية والمدنية، وجه العديد من الفاعلين الجمعويين، على هامش الندوة الفكرية التي نظمتها جمعية رؤى للتنمية، تخليدا للذكرى 107 على مرور هذه الملحمة التاريخية، الأسبوع الماضي، مطالب وملتمسات وتوصيات لمختلف الجهات الرسمية والمدنية. وشددت مداخلات الفاعلين في هذا اللقاء على أن هذه المعركة يجب أن تحظى بالأهمية اللازمة من لدن الجهات الرسمية، وعلى رأسها المندوبية السامية للمقاومين وأعضاء جيش التحرير، من خلال الاحتفال السنوي بهذه المناسبة. وذهب أحد المتدخلين، على هامش الندوة الفكرية، إلى كون هذا الحدث بات من الواجب بعد سنين من النسيان والتهميش أن يتم إدراجه في المقررات الدراسية، على غرار العديد من المعارك التي خاضها المغاربة ضد الاستعمار، منتقدا الطريقة التي تم التعامل بها مع هذه المعركة الأولى من نوعها ضد الجيش الفرنسي. أما ما يتعلق بالمقبرة التي صارت تعاني بدوها من التهميش، على غرار بعض المعالم في المنطقة، والتي لم تعرها وزارة الثقافة اهتماما باعتبارها إرثا تاريخيا وتراثا لا ماديا، دعا نشطاء إلى وضع علامات تشويرية خاصة بها على الطريق الوطنية الرابطة بين الدارالبيضاءومراكش، على مستوى جماعة انزالت العظم؛ وذلك من أجل التعريف بها ولفت انتباه العابرين إليها، قصد التوقف بها وزيارتها، وبالتالي، حسبهم، جعلها معلمة سياحية يمكن زيارتها من طرف المغاربة والأجانب. وشدد هؤلاء على أن "مقبرة الشهداء" يمكن تحويلها إلى مكان سياحي، مع توفير فرص شغل لبعض الشباب في إطار مشروع لإحدى جمعيات المجتمع المدني، إذا ما تم الاهتمام بها باعتبارها تراثا لا ماديا يتوجب العناية به كما دعا إلى ذلك الملك محمد السادس؛ كما طالبوا الجهات المعنية بضرورة تشييد سُور وأبواب لهذه المقبرة وصيانتها، والحفاظ على نظافتها، وذلك تكريما لأرواح العشرات من المجاهدين الذين استشهدوا دفاعا عن حوزة الوطن.