حزب الاستقلال يدعو لجعل 2025 سنة الحسم في قضية الصحراء ويصادق على مذكرة إصلاح المنظومة الانتخابية    "رابطة حقوق النساء" تعتبر اعتقال لشكر انتهاكا لحرية التعبير وتطالب بضمان سلامتها الجسدية والنفسية    الرؤية الملكية تكرس البحر كرافعة أساسية للازدهار الوطني والربط القاري والدفاع عن السيادة (بوريطة)    تقرير: النساء يتقاضين أجورا أقل من الرجال ب42% في القطاع الخاص    الصين تنظم النسخة ال25 من معرضها الدولي للاستثمار في شتنبر المقبل        الدار البيضاء.. توقيف شقيقين من بينهما سيدة بحوزتهما 1720 قرصا مخدرا وشواهد ووصفات طبية مزورة        السكتيوي: تأهلنا إلى النهائي جاء عن جدارة أمام منتخب السنغال القوي            توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء    صحيفة إسبانية: المغرب ضمن أكبر 15 مصنعاً للسيارات في العالم بطاقة إنتاجية مليون سيارة سنة 2025    عبد السلام حكار يتولى رئاسة جمعية ''اتحاد مقاولات المنابر الملائمة بالجديدة    اختتام الدورة الثانية لمهرجان الموروث الثقافي بجماعة الحوزية بايقاعات روحانية و عروض للتبوريدة    عامل الجديدة يدشن مجموعة من المشاريع التنموية والاجتماعية باقليم الجديدة    سكتة قلبية تنهي حياة سائق سيارة أجرة أمام مستشفى القرب بالسعادة الثالثة بالجديدة    عثر عليه بحاوية أزبال.. مسدس "غير حقيقي" يستنفر أمن طنجة            بولتون.. "صقر" يتحول إلى "غراب" في سماء السياسة الأمريكية    توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الثلاثاء    مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد يصدر تقريره السنوي لسنة 2025 حول الجغرافيا السياسية لإفريقيا    التفكير الشعري في الموت    هؤلاء يبيعون لك الوهم ..    جلالة الملك يعزي أسرة الإعلامي الراحل محمد حسن الوالي    الجمارك تحجز 167 مليون درهم من العملات الأجنبية في 2024    بلعامري الأفضل في مواجهة السنغال        مباراة المنتخب.. 2 مليون سنتيم للتذكرة الواحدة وبيع 62 منها    في حصيلة ثقيلة.. طرق المملكة تحصد 27 روحًا و2719 إصابة خلال أسبوع    محمد السادس... شمس لا يحجبها غيم لوموند    إسرائيل تزعم أنها استهدفت "كاميرا حماس" في ضربتين قتلتا 5 صحافيين    بورصة الدار البيضاء تتدثر بالأخضر    25 دولة تعلق إرسال الطرود لأمريكا    ماذا تريد بعض الأصوات المبحوحة في فرنسا؟    المغرب ‬‮:‬ ‬حملات ‬تقتضي ‬رفع ‬درجات ‬الحذر    المترجي يعود إلى الوداد بعقد مدته ثلاث سنوات    شاطئ طرفاية يتحول الى لوحة فنية من إبداع علي سالم يارا    الاجتماع الوزاري لمنظمة التعاون الإسلامي يؤكد على دور لجنة القدس برئاسة جلالة الملك محمد السادس    غزة.. الحصار يرفع حصيلة المجاعة إلى 303 شهداء    القطيع الوطني للماشية: إحصاء أزيد من 32,8 مليون رأس (وزارة)    بريطانيا تعزز مكافحة "جرائم الشرف"    تقرير أممي: ربع سكان العالم يفتقرون إلى مياه شرب آمنة    الصين تحقق سابقة عالمية.. زرع رئة خنزير معدل وراثيا في جسد بشري    ينقل فيروسات حمى الضنك وشيكونغونيا وزيكا.. انتشار بعوض النمر في بلجيكا    بعد غياب طويل .. 320 ألف متفرج يستقبلون سعد لمجرد        بطولة ألمانيا: دورتموند يمدد عقد مدربه كوفاتش إلى غاية 2027    فرقة الراب "نيكاب" تلغي جولتها الأميركية بسبب محاكمة أحد أعضائها بتهمة دعم حزب الله    الصحافي والإعلامي علي حسن في ذمة الله        دراسة: النظام الغذائي النباتي يقلل خطر الإصابة بالسرطان    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق: سفر في قلب الديبلوماسية المغربية

يواصل زعيم الديبلوماسية المغربية سعد الدين العثماني تنقلاته الماراثونية، إذ قطع في أقل من خمسة أسابيع 700.000 كيلومتراً، ملتقياً بالعشرات من زعماء الدول، ومستقبلا لعدد من المسؤولين الأجانب والسفراء المعتمدين بالرباط. بشكل يقود إلى التساؤل عن بواعث هذه الحركية غير المسبوقة، وهو تساؤل تأتي الإجابة عنه من إطار وزاري رفيع يؤكد وجوب عدم توقف الآلة الديبلوماسية بحكم وجود قضية تستلزم المنافحة، و علاقات يتعين تمتينها.
هكذا، يسعى الرجل الثاني في حزب العدالة و التنمية إلى رفع التحدي في شغل منصبه، محدثاً نوعاً من الاختلاف مع نهج سلفه الطيب الفاسي الفهري الذي أصبح مستشاراً ملكياً. بعد أن ظلت وزارة الخارجية و التعاون لمدة تربو على الثلاثين عاماً بمثابة وزارة سيادية يديرها تكنوقراط مرتبطون بالبلاط بولايات يصل معدل أمدها إلى عشر سنوات، قاوموا فيها التعديلات الوزارية و نجوا منها، و تهربوا من وصاية الوزير الأول في ظل ديمقراطية هجينة.
كما أن رئيس الحكومة الإسلامية عبد الإله بنكيران، تلقى الضوء الأخضر عقب لقاءاته الأولى مع محمد السادس لمباشرة ملفات على رأس مصالح وزارتي الداخلية و الخارجية، شريطة التنسيق ذوي الاختصاص كالشرقي الضريس و يوسف العمراني اللذين تم تعيينهما وزيرين منتدبين لدى وزارة الداخلية، و وزارة الخارجية و التعاون. و هو أمر كفيل بإفراز تجاذبات على أرض الواقع.
مقعد لثلاثة أشخاص؟
اتضحت الصورة مع الزيارة الأخيرة التي قامت بها هيلاري كلينتون إلى المغرب. إذ تم استقبال كاتبة الدولة الأمريكية من قبل الفاسي الفهري، قبل أن تتناول الغذاء على طاولة سعد الدين العثماني و يوسف العمراني. بما يدفعنا للتساؤل عما إذا كنا إزاء ديبلوماسية برؤوس ثلاثة؟ يبتسم الوزير للسؤال، موضحا أن مسؤوليات كل طرف محددة بوضوح. و تبقى مصلحة الوطن في الختام هي الأساس. و"إن تمت خدمتها من قبل من لديه الخبرة فنحن لا نملك إلا أن نشيد بذلك".
يبدو الجواب مغرقاً في الديبلوماسية، و إن كان العثماني قد خلف انطباعاً طيباً في أروقة مبنى وزارة الخارجية بالرباط. تبقى مقارنته بالفاسي الفهري أمرا صعبا، بحكم أن الأخير قضى حياته في مجال الديبلوماسية، كما يؤكد موظف سام وإن كان يرى في العثماني رئيساً جيداً يتعلم بسرعة.
في الواقع، ليس لدى وزير الخارجية هامش كبير للتحرك لأن التوجهات الاستراتيجية للدولة وتحالفاتها الدولية لا تتغير. وإن كان سعد الدين العثماني قد أقر في الغالب أسلوباً جديداً في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، فإنه سيوجه ولو خلال الأشهر الأولى من قبل آلة معقدة، وراسخة إلى حد كبير، فضلاً عن كونها فعالة على نحو متنامٍ.
والجدير بالذكر أن الآلة الديبلوماسية قد سجلت خلال السنوات الماضية بعض النجاحات، كاتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة، فضلاً عن الاتفاقية الفلاحية و وضع الشريك المتقدم مع الاتحاد الأوربي، دون إغفال مسألة انتخاب المغرب في مجلس الأمن، إذ أنه بإعلان نتائج التصويت اغرورقت عيون أعضاء الوفد المغربي بالدموع، في حين قفز آخرون من شدة الفرح " فقد كان حدثا لا يتكرر مرتين في حياة ديبلوماسي، ثم إن التصويت جاء ثمرة ثلاثة أعوام من العمل الشاق و المباحثات الصعبة مع دول لم تكن دائماً في صفنا" يشير أحد الأعضاء الذين توجهوا آنذاك إلى نيويورك.
ويذهب ديبلوماسي عمل سابقاً ضمن تمثيلية المغرب في الأمم المتحدة إلى أن الصحراء ظلت القضية الجوهرية و المحددة طيلة مدة تزيد عن الثلاثين عاماً لعلاقاتنا مع باقي دول العالم، فالمغرب لديه قضية جديرة بأن تجعل ديبلوماسيته نشيطة و مكافحة. كما أن تقديم المغرب لمقترح الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء مثل حافزاً لاشتغال الديبلوماسية الوطنية. فالمغرب لم يتوقف عند رفض إجراء الاستفتاء حول تقرير المصير بل سار منذ ذلك الحين إلى اقتراح حل عملي وصفته معظم القوى العالمية ب "الواقعي و البناء".
كان يا ما كان
رأت الديبلوماسية المغربية النور في شهر أبريل من عام 1956، أشهراً قليلة بعد استقلال المملكة، وقد اختار لها الملك الراحل محمد الخامس بعضاً من الأطر المغربية النادرة المشتغلة في الإدارة الفتية للبلاد آنذاك.
"كنت اود متابعة دراستي في ميدان الطب، لكن محمدأ الخامس قال لي: أستطيع إذا ما احتجت إلى العلاج استدعاء أطباء فرنسيين و إسبانيين، لكنني لا أستطيع أن أدع الأجانب يمثلونني في المحافل الدولية" يحكي مولاي أحمد العراقي، وزير الشؤون الخارجية و التعاون في الفترة ما بين 1967 و 1977. و قد ضمت المصلحة آنئذٍ حفنة من الموظفين الذين تجمعوا في فيلا متواضعة بحي أكدال في الرباط. و كان التوظيف يقع عن طريق الاختيار داخل عائلات رباطية و سلاوية. و إن كان المغرب قد افتتح سفاراته الأولى في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي فإن " للمملكة تاريخاً عريقا في مجال الديبلوماسية. إذ سبق و أن جاب مبعوثو السلطان دول العالم، بيد أن بدايات الديبلوماسية بالشكل الحديث ظلت خجولة و صعبة" يقول الديبلوماسي المتقاعد. ثم إن انتقال ملف الخارجية و التعاون من يد إلى أخرى لم يمنعه من أن يظل حكراً على المؤسسة الملكية. ف " الحسن الثاني كان مهتماً بالمنتظم الدولي، وحظر لديه بقوة هاجس تبوئ المغرب مكانته بين دول العالم، بشكل دفعه إلى القيام بذلك انطلاقاً من شخصه" يوضح العراقي.
في أواسط الثمانينيات، عين عبد اللطيف الفيلالي على رأس وزارة الخارجية و التعاون، الذي شرع في تحديث و تنظيم البعثات و القيام بتعيينات لفها غير قليل من الغموض. إذ أن هذه الفترة شهدت بروز هيكل تنظيمي جديد من خلال عملية توظيف واسعة لمئات الشباب الحاصلين على شهادة الإجازة و الذين تم إدماجهم في القطاع. و كان من بينهم أحد المقربين من ولي العهد آنذاك، و هو الطيب الفاسي الفهري الذي كان في انتظار مستقبل واعد. بالموازاة مع ذلك تحركت وتيرة افتتاح سفارات المغرب في الخارج، وقد دأب "جلالته" على اختيار السفراء من داخل الأحزاب السياسية ليصبحوا جزءً من الدولة. و ببلوغنا أواخر الثمانينيات لم تكن سمعة المغرب في العالم رغم جهود التحديث طيبة بسبب ملف حقوق الإنسان و القمع و السجون السرية. مما دفع الحسن الثاني إلى الاعتماد على الكاريزما و شبكة العلاقات الدولية لسد الثغرات والاحتفاظ بالحد الأدنى من المصداقية، وإبراز قبضته على المملكة. في فترة بلغ النهج الأمني فيها ذروته. فبدلاً من خدمة المغاربة المقيمين بالخارج كان القنصليات تقوم بملاحقة معارضي الملك. في غضون ذلك تكلف وزير الداخلية بإدارة ملف الصحراء الذي لم يفلح عبد اللطيف الفيلالي رغم جهوده الحثيثة في إعادته إلى حظيرة وزارة الخارجية، يقول أحد الديبلوماسيين.
هل تتغير العقليات بتغير الأسلوب؟
مثل قدوم محمد السادس منعطفاً في تاريخ الديبلوماسية المغربية، فخلافاً لوالده بدا الملك الجديد أقل ميلاً إلى حضور القمم و الملتقيات الدولية. جاعلاً من أولوياته كل ما هو متصل بالشقين الاجتماعي و الاقتصادي. إذ لم يعتمد على نفسه شخصياً في تعزيز صورة المغرب بالخارج. دافعاً في الآن ذاته بالآلة الديبلوماسية المغربية نحو مزيد من المهنية. و تكشف رسالة وجهها إلى ندوة انعقدت بالرباط عام 2000 عن نظرته للسياسة الخارجية. حيث أكد أن أدوات الديبلوماسية التقليدية غدت محدودة، رابطاً الديبلوماسية بالاستثمار و المصالح الاقتصادية، ف "المواجهة بين الدول لم تعد ذات طابع دموي، لكن أضحت من الآن فصاعداً تتم عبر التنافسية الرامية إلى الاستيلاء على الأسواق الخارجية بتنمية الانتاج الوطني، و تبعاً لذلك، لم تعد الديبلوماسية أداة للسياسية الخارجية فحسب بل واحدة من بين وسائل تحقيق أهداف السياسة العامة للدولة" يؤكد العاهل محمد السادس، الذي حدد مهمات جديدة لسفرائه عبر العالم و المتمثلة في جلب الاستثمارات و دعم الإصلاحات التي تمت مباشرتها في البلاد. و عليه يدعو الملك إلى ديبلوماسية براغماتية تنهض على توسيع دائرة العلاقات الاقتصادية و التجارية في الفضاء الأورومتوسطي، و في اتجاه أمريكا و آسيا بغية تنويع الشركاء و ذلك للحد من التبعية و توسيع نطاق التعاون.
في السنوات الأولى من حكمه، قام محمد السادس بزيارات إلى أفريقيا بغية مصالحة المملكة مع القارة السمراء. مما مكن مقاولات مغربية كبرى (عامة و خاصة) من ضمان موطئ قدم لها في عدد من دول غرب إفريقيا بفتح فروع أدرت أرباحاً مهمة. كما أن المغرب لم يتردد في الإسراع بإرسال مساعدات إنسانية و عاملين في المجال الطبي للدول التي تعاني من صعوبات. و قد خلص إلى ابتكار تسمية للتعاون " جنوب جنوب"، فما الذي حققه المغرب؟ بداية، هناك الأرباح التي تجنيها المقاولات العاملة بالخارج، ثم يأتي ملف الصحراء الذي يعد القضية الوطنية الأولى للديبلوماسية المغربية. ثم إنه بفضل هذا التعاون"جنوب جنوب" استطاع المغرب توسيع تحالفاته بشكل مكن من إضعاف البوليساريو و ذلك بسحب مجموعة من الدول اعترافها بما يسمى "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" منذ عام 2000 كالملاوي و كينيا و زامبيا و الرأس الأخضر التي قطعت علاقاتها مع الجبهة الانفصالية التي يتزعمها محمد عبد العزيز.
ديبلوماسية مفلسة؟
مع ذلك، تخفي الحركة الدؤوبة للآلة الديبلوماسية المغربية خلال السنوات القليلة الماضية حقيقة لا تبعث على الرضا، إذ تعاني وزارة الخارجية و التعاون خصاصاً مهولاً في الإمكانيات، فالميزانية المخصصة لوزارة العثماني تبدو مخجلة بالمقارنة مع تلك المخصصة لقطاعات الداخلية و العدل و الصحة. فالمغرب لديه إجمالاً 90 سفارة حول العالم فين حين أن الجزائر مثلاً لديها 150 سفارة، ثم إن أكثر من نصف تمثيلياتنا الدبلوماسية تشتغل بعدد قليل من الموظفين ( بمعدل خمسة أشخاص). ويذهب 70 بالمائة من الميزانية لتغطية رواتب الموظفين، و20 بالمائة لتكاليف الاشتغال، في حين يتم تخصيص 10 بالمائة فقط لأنشطة ذات طابع تواصلي أو تحسيسي. " لا يمكن أن نكون حاضرين في كل مكان، فنحن آلة صغيرة تشتغل بكفاءة وحرفية وفق الوسائل المتاحة" يقول أحد السفراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.