فيضانات تكساس.. حصيلة الضحايا ترتفع إلى 67 قتيلا، والرئيس ترامب يعلن حالة "كارثة كبرى"    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (سيدات).. المنتخب النيجيري يتغلب على نظيره التونسي (3-0)    النواصر: مصرع فتى غرقا إثر سقوطه في حوض مائي غير محروس    فضيحة.. قناة عمومية تبث خريطة مبتورة للمغرب خلال تغطية كأس أمم أفريقيا للسيدات    إيلون ماسك يعلن رسميا عن تأسيس حزب سياسي جديد يحمل إسم "أمريكا"    جيش المغرب في استعراض بموروني    "مساندة الكفاح الفلسطيني" تنعى أندلسي    توقعات أحوال الطقس غدا الإثنين    طنجة تضع توقيعها في خريطة الصناعة النظيفة .. المغرب يدخل عصر السيارات الكهربائية والحلول الذكية للتنقل    بعد إغلاق "لافوكا".. دعوات لتعميم المراقبة على مقاهي ومطاعم طنجة "المحمية بالشهرة"    تلميذ آخر يُنهي حياته بجهة الشمال ويُرجح أن السبب هو الرسوب في الامتحان    توقيف سيدة في معبر باب سبتة مطلوبة للسلطات البلجيكية    الوزيرة السغروشني: الرقمنة والذكاء الاصطناعي قادمان للقضاء على الفساد والرشوة    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية القمر الاتحادية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    "التقدم والاشتراكية": الحكومة فشلت على مختلف المستويات وغيَّبت مكافحة الفساد لأنها واقعة في تضارب مصالح    جمال موسيالا يغيب لفترة طويلة بسبب كسر في الشظية    حرب الإبادة على غزة.. مقتل 54 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على منازل ومدرسة وخيام نازحين    «وليتي ديالي»… إبداع جديد في مسيرة نصر مكري    باسو يشعل الدار البيضاء ب»أتوووووت» بعد نجاح جولته بين باريس ومراكش    لماذا النبش في علاقة الجدلية بين المسرح والديبوماسية، في الدورة 37 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء    فوضى عاشوراء .. انفجارات ومواجهات تثير الرعب    السلطات تُغلق مخيمي "بن صميم" و"خرزوزة" بإفران بسبب افتقارهما لشروط السلامة    كأس إفريقيا للسيدات.. فيلدا: قتالية اللاعبات كانت حاسمة لانتزاع التعادل أمام زامبيا    اللاعب المغربي محمد أوناجم ينضم إلى نادي كهرباء الإسماعيلية    مفاوضات جديدة مرتقبة في الدوحة حول وقف لإطلاق النار في غزة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم للسيدات 'المغرب 2024': المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع نظيره الزامبي '2-2'    ريان إير تعلن عن تعديل جديد يخص أمتعة المسافرين        الحوثيون يقصفون مطار "بن غوريون" في إسرائيل    مشروع طرقي ضخم لتحسين الوصول إلى ملعب الحسن الثاني ببنسليمان    حكيمي يواصل التألق بمونديال الأندية        منتج الكبّار .. تعاونيات تبدع طرقا جديدة للتثمين وأقاليم تتلمّس الطريق    حريق بدراجة مائية في ميناء مارينا الحسيمة والوقاية المدنية تتدخل بسرعة    "حزب الله" يرفض التخلي عن السلاح    "الطعريجة".. رمز متجذر في احتفالات المغاربة بعاشوراء    المغرب يراهن على مليون سائح صيني بحلول 2030    في حوار مع الدار.. الخبير الدولي الصيني برنارد سوك: الصحراء أرض مغربية    إشهار ترويجي لشركة المراهنات "1xBet" يُظهر خريطة المغرب مبتورة على القناة الرياضية يثير الجدل (صورة)    المؤسسات والمقاولات العمومية.. زغنون يدعو إلى حوار إستراتيجي بين القطاعين العام والخاص    القهوة تكشف سرا جديدا.. "إكسير الشباب" يعزز صحة الأمعاء ببكتيريا نافعة    بومداسة يوقع "إثنوغرافيا الدرازة الوزانية"    الهيمنة المسمومة .. كيف دفعت الصين ثمناً باهضاً للسيطرة على المعادن النادرة    إخلاء طائرة رايان إير في مايوركا بسبب إنذار كاذب وإصابات طفيفة بين الركاب    بيان تضامني مع المعتقلة سعيدة العلمي صادر عن هيئات ومنظمات حقوقية وسياسية في أوروبا الغربية    نداء من أجل تأسيس مجلس مغاربي للثقافة موجه إلى وزراء الثقافة المغاربيين    الوعي الزائف:رسالة إلى امرأة تسكنها الأوهام!        غويركات يرثي محمد بهضوض.. "الفكرة التي ابتسمت في وجه العالم"    جامعة محمد السادس تشارك في ابتكار جهاز ينتج المياه العذبة من الهواء دون مصدر طاقة خارجي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشحاذ الهاوي
نشر في هسبريس يوم 23 - 07 - 2013

الشحاذة ظاهرة اجتماعية بغيضة تنخر أوصال المجتمع وتقتل فيه الكرامة وتلغي الإنسانية وتعطي عنه في الخارج صورة مشوهة تثير التقزز والاحتقار.
وليس الفقر والعوز عيبا ما دام الله عز وجل قد قدر بين الناس أقواتهم ورفع بعضهم فوق بعض درجات على أن لا يبخل الذين فضلوا بالزكاة على من دونهم، ولكن العيب كل العيب هو أن يهدر المرء ماء وجهه ويمد يده طالبا وملحا في الطلب، بينما هو قادر على أن يأكل من عمل يده وتحصيل كفايته بعرق جبينه، متأسيا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما أكل أحد طعاما خيرا من أن يأكل من طعام يده، وإن نبي الله داوود كان يأكل من طعام يده.
"لقد تناسل بيننا الشحاذون كما يتناسل الذباب في المزابل، واختلط فيهم الحابل بالنابل فلم تعد تدري من هو المحتاج ومن هو المحترف، ومن هو المريض ومن هو المتمارض، وصارت لهم حيل في منتهى المكر يصعب على المرء استكشاف مسالكها، وطرق غاية في الدهاء يعسر على أي كان فك شفراتها، بها يستدرون عطف الناس ويستجلبون شفقتهم إلى أن يجعلوا أكبادهم تنصهر كمدا وتعاطفا، فيقبلون على البذل والعطاء وفيهم من هو أولى بالصدقة منهم.
وحيثما وليت اليوم وجهك وجدتهم يعترضون سبيلك ويعرقلون مشيتك، على قارعة الطريق، وفي مدارات السيارات، وفي محطات القطار والحافلات ومداخل المستشفيات والمؤسسات...
ظاهرة مخجلة صار المغرب يتميز بها على باقي الدول المغاربية وكأن مسؤولينا باتوا عاجزين عن احتوائها وإيجاد حلول ناجعة لها.
وهذه الظاهرة المزرية، هي في حقيقة أمرها معيار رئيسي يعتمد عليه في تشخيص مدى ترابط المجتمعات أو تخلخلها، بل هي المرآة الصافية التي تعكس لنا وجهنا بلا زواق ولا ترميم ولا زخرفة.
وليس هدفنا هنا ادعاء تحليل هذه الظاهرة الخطيرة لأن مسؤولية ذلك منوطة بأولي العلم من جهابذة علماء الاجتماع والاقتصاد وغيرهم ممن تنوء جماجمهم الغليظة بالعلم والمعرفة ، وإنما نريد فقط أن نبسط هنا مثلا من الأمثلة الغريبة في الشحاذة، تلك التي يمارسها بعضهم ليس بفعل العوز والفاقة وإنما بدافع الهواية التي تصبح مع مرور الأيام بلية من البلايا المستعصية، كالقمار والتدخين والعربدة.
كان أحدهم فلاحا يسكن في أعالي الجبال ويحيا حياة الضنك على غرار جل الفلاحين البسطاء، وشاءت الأقدار أن تجعل من ذريته نسلا صالحا ارتقى بفضل كده واجتهاده أسمى الدرجات الاجتماعية.
وكان لزاما بعد وفاة زوجته أن ينزل من جبله ويسكن في الدار البيضاء مع أحد أبنائه الذين ابتسمت لهم الحياة بعد طول عبوس.
وبعد مدة، لم يطق الشيخ على فراق بلدته صبرا، فأراد الرجوع إليها ليستأنف مشوار حياته على النمط الذي تعود عليه، إلا أن أبناءه انتصبوا جميعا في وجهه مدعين أنه تعذب ما فيه الكفاية وآن الأوان آن له لكي يرتاح من شظف العيش بعدما توفرت له سبل العيش الكريم.
وذات يوم، صادفه أحدهم في حي بعيد عن الحي الذي يقطن فيه وهو جالس على قارعة الطريق يستجدي المارة، فثارت ثائرته بعدما التبست عليه الأمور، ثم استصحبه بالحسنى إلى البيت وحاول مع باقي إخوته ثنيه عن تلك العادة السيئة التي صارت تهدد سمعتهم وتعطي للناس عنهم انطباعا خاطئا قد ينعتهم بالتفريط والعقوق.
فادعى الشيخ التوبة، ثم سرعان ما عاد إلى الشحاذة من جديد كما يعود المدخن المقلع عن التدخين إلى سجائره المعشوقة ذليلا مهانا...
والغريب العجيب هو أن ما كان يجمعه من كيلوغرامات الدراهم لم يكن ينتفع به شخصيا وإنما كان يعيد صرفه على الفقراء والمساكين بأريحية منقطعة النظير...
وبقي هكذا متذبذبا بين التوبة والعودة إلى أن ذاق به أولاده ذرعا وتركوه لحال سبيله بعدما استعصت عليهم الحلول وعزت الحيل.
فأصبح يتنقل بين البادية والمدينة، ولم يعد يعثر على راحته لا في هذه ولا في تلك، وحيثما وجد، لا يلقى أدنى حرج في مد يده وتكفف الناس.
وهو اليوم قطرة من بحر الشحاذين الذين تفيض أمواجهم على الطرقات والأسواق والأماكن التي تعج بالسياح...
ولما سأله أحد معارفه مازحا عن أي المدن والشرائح الاجتماعية أشد كرما، أجاب بلهجة العارف المطلع:
أما المدن، فلا مدينة في المغرب يضاهيها كرم البيضاويين، وأما الناس،
فهنالك السكارى ثم السكارى ثم السكارى...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.