صادق المغرب على الإطار القانوني من أجل التأمين وإعادة التأمين التكافلي سنة 2016، تماشيا مع المبادئ الأساسية التي تحكم عمل هذا النوع من التأمينات؛ وذلك بعد مشاورات مع المجلس العلمي الأعلى، قدمت بناء عليها اللجنة الشرعية للمالية التشاركية توصيات من أجل مراجعة الإطار القانوني وإعداد مشروع قانون أحيل على البرلمان الذي ناقشه وصادق عليه في مجلسيه وصدر بالجريدة الرسمية في غشت 2019. وتأتي هذه المصادقة كاستجابة لفئة عريضة من المواطنين المغاربة يرفضون التعامل مع البنوك الكلاسيكية، وتماشيا مع مبدأ من المبادئ التي تقوم عليها المملكة المغربية والذي يتمثل في الشريعة الإسلامية التي يشكل التكافل مبدأ أصيلا يهدف إلى ترسيخ قيم التعاون التي أقرها ديننا الحنيف؛ فهو لا يقوم على مبدأ الربح كأساس، بل على مبدأ التضامن والتآزر بين "المشتركين" (المؤمن لهم) وقت الشدة، كما ورد في أحاديث نبوية كثيرة. وبعد جائحة "كوفيد19" التي ضربت المملكة المغربية وباقي دول العالم، وجد الاقتصاد المغربي نفسه في حاجة إلى إنعاش مؤسساته، فكان التمويل التشاركي حاضرا بقوة لأنه ضخ دماء جديدة؛ وذلك ما تثبته المؤشرات المالية، إذ بلغ إجمالي التمويل التشاركي الموجه إلى الإسكان في إطار منتوج المرابحة العقارية ما مجموعه 14 مليارا و300 مليون درهم في نهاية شهر يوليوز المنصرم. وكان عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أعلن، في كلمة ألقاها في النسخة السابعة من ملتقى الدارالبيضاء للتأمين نهاية شهر مارس الماضي، قرب إحداث التأمين التكافلي المرتبط بالمنتجات التمويلية التي توفرها البنوك التشاركية في المملكة، مؤكدا أن البنك المركزي وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي يعملان معا من أجل إخراج هذا المنتج إلى حيز الوجود والذي يعد صيغة من صيغ التأمينات المخصصة للمالية التشاركية، ويقوم على أساس التكافل بين عدد من الأشخاص من أجل تلافي الأضرار التي يمكن أن تلحق بهم وفق ضوابط الشريعة. عبد الكريم آيت عطا، واحد من المستفيدين من مشروع عقاري أطلقته مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بمدينة مراكش، قال: "نعاني كزبناء للبنوك الإسلامية (التشاركية) من انتظار التأمين التكافلي الذي طال غيابه، ووقعنا التزامات يتعين علينا وفقها إبرام عقود التأمين التكافلي فور دخوله حيز التنفيذ. لذا، نتساءل عن الأسباب الحقيقية لتأخر هذا المنتوج، فهل الأمر مرتبط بما هو شرعي؟ أم أنه ناتج عن مقاومة لوبيات مالية؟ أم أن الأمر إداري وتنظيمي فقط؟". وواصل المتحدث نفسه، في تصريح لهسبريس، قائلا: "في ظل هذه الوضعية، ما مصير المصالح غير المؤمنة للزبناء منذ الانطلاق الرسمي للعمل بالتمويلات التشاركية، دون تأمين يغطي زبائنها وتمويلاتها ضد المخاطر، خصوصا في حالات الموت أو العجز عن السداد؟، وهذا ما يقلقنا أكثر كزبناء للبنوك التشاركية؛ لأن في ذلك ضياعا لحقوقنا في حالة العجز عن إتمام الأقساط مع البنك، بسبب المرض مثلا والإحالة على التقاعد المبكر أو العزل من الوظيفة أو ضياع حقوق الأهل في حالة الوفاة". وأضاف أيت عطا: "نعيش مخاوف كثيرة، وما يثير تذمرنا ويزيد من تعميق القلق السائد لدينا هو التلكؤ في إخراج التأمين التشاركي الذي يشكل حقا من حقوق الزبناء الذين اختاروا التمويلات التشاركية، فهل يمكننا انتظار شروع شركات التأمين التكافلي في توفير هذه الخدمة أم سنضطر إلى اللجوء إلى التأمينات التجارية؟، وكيف ستكون الحالة النفسية لهذه الفئة، حين تلجأ إلى التأمين الكلاسيكي؟". وللوقوف على مآل هذا التأمين التكافلي، قال إطار بنكي بمؤسسة للتمويل التشاركي، إن البنوك الإسلامية (التشاركية) في المغرب غامرت منذ الانطلاق الرسمي للعمل بها برأسمال كبير، دون تأمين يغطي زبائنها وتمويلاتها ضد المخاطر، خصوصا في حالات الموت أو العجز عن السداد. وأرجع الإطار البنكي تأخر هذا المنتوج إلى عدم مسايرة مؤسسات التأمين لحركة التمويلات التشاركية التي تقدر بنسبة 20 في المائة. وتابع: "قمنا بعمل جبار للدفع بالقوانين المرتبطة بهذا التأمين التكافلي؛ لأن المالية التشاركية تضم هيئات كثيرة من قبيل بنك المغرب والبنوك الأم ومؤسسات التأمين، والبنك التشاركي جزء من هذه التركيبة"، ثم طمأن زبناء البنوك الإسلامية (التشاركية) بأن "العمل بهذا المنتوج بدأ يأخذ طريقه الطبيعي، وسيدخل حيز التنفيذ مع نهاية السنة"، وفق تعبير مصطفى سرحان.