الحسيمة.. شخص يُضرم النار في جسد آخر وسط الشارع العام    حركة شباب z توقف احتجاجاتها مؤقتا وتستأنفها الخميس    إيداع رئيس جماعة القصيبة إقليم بني ملال السجن المحلي    الملك يستقبل بالدار البيضاء مبعوثا من عاهل السعودية ومن ولي عهده    الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي يستقبل ناصر بوريطة بدكار    جيل زد.. حين تكلم الوطن من فم    التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال 2026 .. المغرب يستضيف أربع مباريات لحساب الجولتين التاسعة و العاشرة    بعد الجدل حول "خروقات التخرج".. إدارة ENCG طنجة ترد وتوضح    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    تحفيز نسوة .. تعاون مغربي إسباني يمنح المرأة القروية مفاتيح الريادة الاقتصادية    بتعليمات سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس، يشارك ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، اليوم الثلاثاء، بدكار في أشغال منتدى " إنفست إن سينغال ".    أزمة سياسية غير مسبوقة في فرنسا    اتفاقية شراكة وتعاون بين الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها وقطب الأمن الوطني و«الديستي»    جيل الغضب وسفينة الحكومة: حين تهتزّ مسؤولية التحالفات وتتعالى أصوات الشباب    مهرجان الإسكندرية السينمائي .. المخرج المغربي حكيم بلعباس ينشط ماستر كلاس حول الإخراج    نجوى كرم تشعل دبي أوبرا بحفل فني استثنائي    خمسة عشر فيلما وثائقيا طويلا تتنافس في الدورة 25 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    تربية المواشي تقرب بين المغرب وفرنسا    مجلس جهة الشرق يصادق على 80 نقطة لدعم مشاريع تنموية كبرى بمختلف أقاليم الجهة        استمرار اختطاف غالي وبن ضراوي يشعل موجة تضامن واسعة وتنديد بالصمت الرسمي المغربي    اليماني: سعر المحروقات يبنغي ألا يتعدي 10 دراهم وتحرير القطاع لم ينعكس على الصحة والتعليم    التغيير في المغرب.. غير ممكن !    ماتيوس: بايرن هو الأفضل في أوروبا    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية واسعة للتحسيس والكشف المبكر عن سرطاني الثدي وعنق الرحم    استئنافية الرباط تؤيد حبس الناشطة ابتسام لشگر سنتين ونصف    مونديال كرة القدم لأقل من 20 سنة (ثمن النهائي).. نزالات قوية لتأكيد التفوق والعبور إلى دور الربع    بركة يتحدث بلسان الحقيقة والمسؤولية لجيل يبحث عن الثقة    "الجمعية" تعقد لقاء مع بوريطة بشأن استمرار احتجاز غالي وبن الضراوي في السجون الإسرائيلية    فيفا يطرح تذاكر مباريات كأس العالم ابتداء من 20 درهماً    الركراكي يهنئ لاعبي المنتخب المغربي على انجازاتهم الفردية رفقة أنديتهم    النيابة الإسبانية تطالب ب50 سنة سجنا لمغربي متهم بتنفيذ هجوم إرهابي        وزارة النقل توضح موقفها من خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية    محكمة تونسية تطلق سراح مواطن حُكم عليه بالإعدام بسبب انتقاده للرئيس    67 قتيلا حصيلة انهيار المدرسة في إندونيسيا مع انتهاء عمليات البحث    مولودية وجدة يحقق فوزه الأول وشباب المحمدية يتعثر    تقرير غوتيريش يوصي بتمديد ولاية "المينورسو" ويكشف موافقة أممية على بناء ملاجئ عسكرية مغربية في الصحراء    المفوضية الأوروبية تشيد بتوقيع الاتفاق الفلاحي المعدل مع المغرب    من باريس إلى الرياض.. رواية "جزيرة القارئات" الفرنسية بحرف عربي عبر ترجمة مغربية    انطلاق "دوري الملوك" في السعودية    حركة "جيل زد" تلجأ إلى سلاح المقاطعة للضغط على أخنوش    مباحثات إسرائيل و"حماس" "إيجابية"    ارتفاع الذهب إلى مستوى قياسي جديد وسط الطلب على الملاذ الآمن    هذا الموريسكي .. سر المخطوط الناجي (2)    دراسة: التدريبات الرياضية تقلل الإحساس بالجوع    الخلايا التي تمنع أجسامنا من مهاجمة نفسها.. نوبل الطب 2025 تكرّم اكتشاف "فرامل المناعة"    أهم نصائح التغذية لشهر أكتوبر    عنوان وموضوع خطبة الجمعة القادمة    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    دراسة: فحص بسيط يكشف عن خطر الإصابة بالخرف قبل عقود من ظهور الأعراض    العلماء يدرسون "التطبيب الذاتي" عند الحيوانات    وزارة الأوقاف تخصص خطبة الجمعة المقبلة: عدم القيام بالمسؤوليات على وجهها الصحيح يٌلقي بالنفس والغير في التهلكة    بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاولة لفهم جرأة بنكيران في الرفع من الأسعار
نشر في هسبريس يوم 16 - 09 - 2013

لا شك أن كثيرا من المتتبعين وعموم المواطنين يتساءلون من أين يستمد رئيس الحكومة كل هذه "الجرأة" وحس المغامرة، ليس السياسية أو التدبيرية بل الاجتماعية والأمنية، والتي تطبع قراراته المتكررة في الزيادة في الأسعار وخاصة أسعار المحروقات.
فطوال أكثر من عشرين سنة الماضية، وفي عز الأزمات والتقلبات التي عرفتها أسعار النفط في العالم نتيجة الحروب والصراعات في الشرق الأوسط، اعتُبرت أسعار المحروقات والقدرة الشرائية لعموم المواطنين الخط الأحمر في القرار الاقتصادي والمالي، وكان مجرد إضافة سنتيمات قليلة يتطلب معارك وصولات وجولات من الحوار الاجتماعي والتفاوض مع النقابات واستشارة الأحزاب وجس نبض المواطنين والمواطنات، والاستعلام عن حجم النتائج السياسية والاقتصادية لقرار من ذالك القبيل وعن تبعاته الأمنية المحتملة وتداعياته على سِلم اجتماعي كان دائماً ولا يزال دقيقا.
قبل أن نحاول تحليل خاصية السرعة الحكومية التي تطبع القرارات التي اتخذها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في الشأن الوحيد الذي اتخذ فيه قرارات "جريئة" فعلاً خلال قرابة السنتين المنصرمتين من عمر حكومته الأولى، وهو رفع الأسعار والتردي بمستوى المعيشة، للوقوف على حقيقة هذه الارتفاعات والغلاء الذي يستشري في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية. يجدر التذكير بما دأبت الحكومة تروج له باستمرار، خاصة على لسان وزير الاتصال الناطق الرسمي باسمها والوزيرين المنتدبين المكلفين بالشئون العامة والحكامة وبالميزانية، ناهيك عن باقي "المتحدثين الغير الرسميين" من البرلمانيين وأبناء الجماعة وما أكثرهم، ومفاده أن ارتفاع الأسعار مجرد دعاية لا أساس لها من الصحة، فيتم اعتبار الكلام عن ذالك أو التصريحات التي تؤكده سواء من طرف السياسيين والنقابيين والصحافة، مجرد دعاية مضادة وتشويش من أعداء الإصلاح على الأداء الحكومي البارع، أو أحيانا مجرد انفلات محدود ومضاربات جانبية ستواجهها الحكومة بحزم.
غير أن الفاصل، بطبيعة الحال، في تبيان حقيقة الغلاء وارتفاع الأسعار من عدمه بعيدا عن ضوضاء ومراوغات الحكومة هو جيوب المواطنين، فكل الآباء والأمهات، والأفراد وأرباب الأسر، وكلنا منهم، عندما يقصدون بقال الحي أو مساحة كبرى لاقتناء مستلزمات اليومي بداً من أبسط مادة غداء أو تنظيف... وصولاً إلى اللوازم المدرسية وألبسة الأطفال كما يجري هذه الأيام، أو شبابيك أداء فواتير الماء والكهرباء، يعرفون حقيقة الغلاء الذي يكتوون به والأسعار التي لا طاقة لجيوبهم بها.
وبالعودة إلى الزيادة غير المسبوقة في المحروقات والتي تجرأ رئيس الحكومة على رفعها درهمين (2) دفعة واحدة وبكل ثقة في النفس وفي الشعب الذي "يحب رئيس الحكومة ويتفهم قراراته" كما قال بنكيران بكل زهو في إحدى الجلسات الشهرية بالبرلمان! وبالتوقف عند قرار الزيادة الجديدة التي طالت ثمن المحروقات والمغلفة بمسمى "المقايسة" وبالكثير من المراوغات، من الواضح أن هذه الزيادات لم تضر فقط بالقدرة الشرائية للطبقة الوسطى ودون المتوسطة التي تستطيع أن تملك سيارة مستعملة أو جديدة عبر سندات سلفات الأبناك، بل مست كل الطبقات والمستويات الأخرى، وكانت السبب في ارتفاع أسعار العديد من المواد والخدمات بما في ذلك الإسمنت والخضر والفواكه والحليب والنقل...
كيف يمكن إذن تفسير إقدام حكومة "العدالة والتنمية" على اتخاذ مثل هذه القرارات ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة بكل أريحية، خاصة في الظرف الاقتصادي الراهن والسياق السياسي الوطني والإقليمي المطبوع بزخم الاحتجاج والمطالبة بالتوزيع العادل للثروات وإسقاط مختلف أشكال الريع التي تستشري في العديد من مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والمؤسساتية؟ وهي الأخطار التي لا يبدو أنها تقض مضجع الحزب الحاكم كثيراً، هذا إن لم يكن يراهن بشكل من الأشكال على تبعاتها تلك.
التفسير الأول يمكن أن نستشفه من التصريح المتكرر للسيد عبد الإله بنكيران والذي يخبرنا فيه بأنه هو الذي أوقف حركية الاحتجاج في شوارع المغرب بعد وصول حزبه إلى رئاسة الحكومة ! هذا بينما يعلم الجميع أن حزب "العدالة والتنمية" هو أكبر من استفاد من الحراك الذي قاده شباب المغرب ومن ورائهم المواطنون والمواطنات من كل الفئات والأعمار في نضالهم واحتجاجهم من اجل التغيير الحقيقي وإسقاط الفساد والاستبداد، وهو الحزب السياسي الوحيد الذي أعلن معارضته لحراك شباب 20 فبراير ولم يتردد بنكيران في وصف المحتجين ب"الطبالة والغياطة" وزايد بموقفه ذاك في تفاوضه، أو بالأحرى تزلفه للسلطات والقصر، دون أن يمنعه ذالك عن التلويح المتكرر ب"النار الكامنة تحت الرماد" وب"الاستقرار الهش" وخطأ مقولة الاستثناء المغربي والتهديد بالشارع كلما اختلطت عليه الأمور، والمزايدة الدائمة بما يقول أنه توقف للاحتجاج ببركة وصوله إلى السلطة والحكم !
ليس المهم في تشخيص شكل هذه المزايدة والامتهان السياسوي لسياق بأكمله توضيح الواضحات التي يعلمها الجميع، بل الأهم أن كيفية التعاطي مع هذا السياق ونتائجه هي التي تفسر تهور الحزب الحاكم في اكتساب ثقة زائدة ستمكنه من تحقيق "إنجازات" غير مسبوقة في التجرؤ على السلم الاجتماعي وعدم الاكتراث لخطورة ضرب القدرة الشرائية للمواطنين ولعواقب الغلاء وارتفاع الأسعار. وبهذا المعنى فكلما استمر توقف الاحتجاج وخفوت صوت حركة 20 فبراير والقوى السياسية والنقابية المعارضة، كلما استمر السيد بنكيران وحكومته في اعتبار أرزاق المغاربة الحائط الأقصر وتمادوا في الارتفاع والتحليق على شكل أسطورة "إيكار" الذي انبهر بالتحليق والاقتراب من الشمس فنسي أن أجنحته من شمع، حتى تفاجأ عندما ذاب جناحاه وهوى أرضاً. ولا شك أن سقطة حزب "العدالة والتنمية" ستكون مدوية، سقوطه السياسي، ولفظه المخزني أقصد.
السبب الثاني الذي يمكن أن نسوقه هنا في محاولة لفهم الجرأة الزائدة لدى الحكومة في ضرب القدرة الشرائية للمواطنين، هو أن حزب "العدالة والتنمية" الذي قضى سنوات في معارضة دعوية للفعل السياسي، لا يملك الكفاءة السياسية والأطر المتمرسة ولا التصور التدبيري الذي يخوله تحمل المسؤوليات وتدبير الشأن الاقتصادي والمالي بالخصوص. لهذا جاءت مقاربته وقرراته المالية والتدبيرية خلال السنتين الماضيتين وسياسته الاقتصادية شبيهة باقتصاد البقال l'économie d'épicier كما يقول الفرنسيون، أو عقلية "مول الشكارة" كما يقول المغاربة. فللحد من الأزمة أو لتوفير بعض المال يتم اللجوء إلى توقيف الصرف والحد من النفقات وتأجيل الفواتير والأجراء أو الرفع من الأسعار، دون الحديث عن التهافت المحموم على الاستدانة الخارجية. هذا تماما ما يحصل مع حكومة "العدالة والتنمية" التي يتضح يوما بعد يوم أنها جوقة من أطر مبتدئة ويتبدى جليا في عقلية وتصور السيد بنكيران ويتجسد في سياستها المالية وقراراتها الاقتصادية، كما تتضح من خلال تخفيض أو بالأحرى تعطيل ميزانية الاستثمار بشكل غير مسبوق، والرفع المستمر من أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وخفض مناصب التوظيف وفرص التشغيل، وتجميد الأجور وسلم الترقيات...
أما التفسير الثالث والأخير للجرأة غير المسبوقة لحزب "العدالة والتنمية" ورئيس الحكومة في اتخاذ مثل هذه القرارات، فلا يمكن فهمه إلا في إطار الفكر اللاعقلاني lالمؤطر للممارسة السياسية المرتكزة على الديني وإيديولوجيات "المهمة المقدسة" والصراع الوجودي بين "الأنا الخيرة" و"الآخر الشيطاني"، ومقولات "العزم والتوكل المبني على الإيمان" كما يفهمه دعاة الإسلام السياسي، والتمثل التام لفكرة "التفويض الإلهي". أليس عبد الإله بنكيران نفسه من قال بأن مشروعيته لا يستمدها من صناديق الاقتراع وحدها وبأن وصوله للسلطة تجسيد للإرادة الإلهية؟! فلا يخفى أن تمثلات من هذا القبيل تجعل معتنقها في قطيعة مع الواقع بكيفية تقلب ممارسة المسؤولية والقرارات التدبيرية من مجال للتفكير الموضوعي والتشاركي والتدبر الرصين إلى مجال الاعقل، وبذلك تصير الممارسة السياسية ليس مجالا نسبيا لتنافس المشاريع وابتكار الحلول واعتماد آليات التدبير والحكامة والمحاسبة، بل اختباراً لصمود "الفاعل الإلهي" وليس السياسي أمام "الظالمين والمفسدين" والإعراض عن "غيهم و تقولاتهم"!
فبين ضعف الكفاءة والعجز عن إيجاد الحلول الصعبة، وبين غرور السيد بنكيران أمام خفوت صوت الاحتجاج والمعارضة والنقابات، وتوهم التفويض الإلهي ، لا يسع المواطنين سوى انتظار ما تعده لهم حكومته من مفاجآت غير مسبوقة وأيديهم على جيوبهم وعلى قلوبهم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.