أثار حادث السيارة الوزارية التي أوقفها شرطي مرور بالرباط بسبب تجهيزها بأضواء وامضة بشكل غير قانوني، النقاش حول مناط وعلة تجهيز بعض السيارات الرسمية بهذا النوع من الأضواء المنبهة. وأجمعت معظم التدوينات والتعليقات والتغريدات التي صاحبت النقاش العمومي حول هذه القضية، على ضرورة تطبيق القانون في حق مستعملي السيارات المخالفة للضوابط المنظمة لاستعمال الأضواء الوامضة، مهما كانت رتبتهم أو درجات مسؤولياتهم. وقد استأثر هذا الموضوع باهتمام الرأي العام الوطني بسبب شيوع استعمال هذه الأضواء بشكل مسرف وموغل في استغلال النفوذ، إلى درجة أن مستعملي الطريق باتوا أحيانا مطالبين بإعطاء الأسبقية في الطرق السيارة وداخل المدن لسيارات رسمية تحمل أبناء المسؤولين وزوجاتهم خلال تنقلاتهم نحو المدارس والمنتجعات السياحية والأسواق الممتازة! حق الأسبقية.. للإسعاف والأمن الغاية من تجهيز السيارات المخصصة للإسعاف والوقاية المدنية والشرطة والدرك بالأضواء الوامضة هو إعطاؤها حق الأسبقية على الطريق خلال عمليات الإغاثة والإسعاف وأثناء التدخلات الأمنية الطارئة. فمناط استعمال هذه الأضواء هو الإسعاف والأمن، بينما الغاية من استعمالها هي الحصول على الأسبقية على الطريق تحقيقا لمرامي وأهداف أسمى. وحق الأسبقية المرتبط بالأضواء الوامضة هو حق منصوص عليه قانونا، أي إنه ليس استثناء، ذلك أن مدونة السير على الطرق تعطي الأسبقية دائما لسيارات الوقاية المدنية والإسعاف ولمركبات الأمن والدرك. وفي تعليق على هذا الموضوع، أكد مصدر أمني أن الأضواء الوامضة مخصصة بشكل حصري للمركبات الأمنية ولتلك المخصصة للإسعاف والإغاثة، كما يتم استعمالها كذلك في السيارات الرسمية المخصصة لخفر المواكب الرسمية، بغرض الحصول على الأسبقية في الطريق لتأمين هذه المواكب والأنشطة الرسمية المرتبطة بها. وشدد المصدر ذاته على أن استعمال هذا النوع من الأضواء في السيارات الحكومية المخصصة للانتقال الوظيفي العادي، في غير الحالات النظامية المقررة أعلاه، ينطوي على مخالفة صريحة للقانون، ويؤثر في كثير من الحالات، وبشكل سلبي، على السلامة المرورية. فوضى.. شيوع الأضواء الوامضة الملاحظ أن العديد من السيارات الحكومية باتت تجوب الطرق السيارة وتتجول في بعض المدن المغربية، وتحديدا في الرباط، وهي تستعمل الأضواء الوامضة بشكل مفرط، يدفع في كثير من المناسبات مستعملي الطريق إلى محاولة تغيير المسار بشكل مفاجئ لإعطائها حق الأسبقية، مما يتسبب في ارتكاب حوادث مرورية مادية وأحيانا أخرى بخسائر بدنية. لكن المثير هو أن استعمال هذه الأضواء الوامضة أصبح أمرًا مألوفًا داخل الوزارات والمصالح الحكومية. فسيارات المستشارين والمدراء المركزيين والكتاب العامين ورؤساء الأقسام والمصالح أصبحت بدورها تخضع لتغيير واجهتها الأمامية وتجهيزها بهذا النوع من الأضواء، إلى درجة أن مستعملي الطريق قد يصادفون سيارات عادية جدا تزاحمهم في الطريق وتشهر في وجههم تلك الأضواء. أكثر من ذلك، يلاحظ أن تجهيز السيارات الحكومية بالأضواء الوامضة يعرف نوعا من الفوضى، بحيث لا يتم في الغالب احترام طبيعة ألوان الإضاءة المخصصة لكل جهاز، وهو ما يجعل من الصعب تمييز الجهة الرسمية التي تستعمل هذه السيارات، كما أن هناك من يلجأ إلى خدمات محلات غير مرخصة ويقوم بتجهيز السيارات الرسمية بألوان إضاءة تؤثر على الرؤية وتهدد سلامة مستعملي الطريق. ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع، ربطنا الاتصال بأحد مسيري المحلات المرخصة لتجهيز السيارات بالأضواء الوامضة بمدينة الرباط، الذي أكد أن المحل الذي يسيره يتعامل حصريا مع مركبات الأمن والدرك الملكي والقوات العمومية، ويستعمل فقط الأضواء التي تخضع للمعايير المحددة في مجال السير والجولان، قبل أن يستطرد بأنه لاحظ مؤخرا "تواتر طلبات تجهيز العديد من السيارات الحكومية بهذه الأضواء مع الاكتفاء فقط بتقديم تراخيص موقعة من طرف المسؤولين أنفسهم، دون توضيح طبيعة المهام المخصصة لتلك المركبات". استغلال النفوذ وهدر المال العام من جهته، كتب الصحافي رضوان الرمضاني تدوينة على حسابه في موقع "فيسبوك"، قال فيها: "المشكل هو أن تركيب هذه الأضواء غير قانوني، والتكلفة دْيالْ التركيب كبيرة. وطبعا، هاد الشي راه فيه استغلال النفوذ... زعما غير حيث وزير نعطيوك الطريق واخا انت غادي غير لدارك تفطر؟ شدّ الصف مع خّوتك السي الوزير وباراكا من الضياع ديال فلوس المغاربة...". وبالفعل، أثار موضوع "فوضى استعمال الأضواء الوامضة في السيارات المخصصة للاستعمال الوظيفي العادي" نقاشا محتدما حول الغاية من الاستعمال الممنهج لهذه الأضواء، وأيضا حول من يتحمل كلفة تركيب وتجهيز السيارات الحكومية بتلك الأضواء. وأشارت أغلب التدوينات والتعليقات التي تفاعلت مع هذا الموضوع إلى أن "الوزير أو مستشار الوزير أو المدير أو المسؤول كيفما كانت رتبته، الذي يستعمل هذه الأضواء بشكل غير قانوني أثناء تنقلاته، فهو يخرق القانون ويرتكب استغلال النفوذ". ويستند أصحاب هذا الطرح إلى فرضية "أن هذا النوع من المسؤولين عندما يطالبون بحق الأسبقية وهم في طريقهم لمنازلهم أو مكاتبهم، إنما يستغلون صفتهم لشرعنة تجاوز السرعة وعدم الوقوف في نقط التفتيش والمراقبة المرورية". لكن فوضى استعمال الأضواء الوامضة قد تأخذ أبعادًا خطيرة، عندما تتسبب مثلا في وقوع حوادث مرورية بسبب تسرع بعض مستعملي الطريق في إعطاء الأسبقية لهذه السيارات غير المطابقة للقانون. كما أن شيوع هذا الاستعمال يطرح تحديًا آخرا يتمثل في تداخل وتضارب حق الأسبقية بين سيارات الأمن والإسعاف ذات الطابع الطارئ وسيارات المسؤولين المتوجهين لقضاء مآربهم الخاصة! فهل يعقل توقيف سيارة الإسعاف لتمر سيارة الوزير أو مستشاره؟ وفي سياق متصل، طالب العديد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية الوطنية بوضع حد لهذه الفوضى في استعمال الأضواء الوامضة، داعين رئيس الحكومة إلى تعميم منشور يمنع على الوزراء والمسؤولين الحكوميين تركيب هذه الأضواء في سياراتهم بشكل غير قانوني، كما نوهوا كذلك بشرطي المرور العامل بمدينة الرباط الذي تدخل بحزم لتطبيق القانون في حق وزير في الحكومة الحالية.