الباراغواي تعلن اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه وتقرر فتح قنصلية في الأقاليم الجنوبية    هدف حاسم لنايف أكرد ضد باريس سان جيرمان يلحق أول هزيمة للباريسيين هذا الموسم    عثمان ديمبلي بعد الفوز بالكرة الذهبية.. يشكر 4 أندية ويدخل في نوبة بكاء    توقيف فرنسي من أصول تركية بمطار محمد الخامس مطلوب دولياً في قضايا نصب وتبييض أموال                توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء بالمغرب    الأربعاء أول أيام شهر ربيع الآخر في المغرب        الامم الأمم المتحدة.. المغرب يشارك بنيويورك في مؤتمر دولي حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية    حمزة عقاري ينال شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جداً بكلية الحقوق بالجديدة    الدكتور أومالك المهدي مديرًا جديدًا للمستشفى المحلي بأزمور... كفاءة طبية وإدارية لتعزيز العرض الصحي    توقيف مواطن فرنسي من أصول تركية موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    الكعبي أفضل لاعب أجنبي باليونان    الرميد يحذر من "انزلاق خطير" بعد أدعية لجيش الاحتلال في حفل يهودي بالصويرة    ماكرون يعلن أمام الأمم المتحدة اعتراف فرنسا بدولة فلسطين    الأمم المتحدة.. المغرب يشارك بنيويورك في مؤتمر دولي حول التسوية السلمية للقضية الفلسطينية                    حكيمي يحل بالمركز 6 للكرة الذهبية    لامين يامال يحصل على جائزة "كوبا"    وفد دبلوماسي فرنسي يلتقي مسؤولي بعثة "المينورسو" في مدينة العيون    تطور إيجابي.. قاضي التحقيق يأمر يإخراج جثة الطفل الراعي "محمد إينو" من قبرها وإعادة تشريحها    كريم زيدان يعزز التعاون الاقتصادي المغربي مع الصين على هامش المؤتمر العالمي للصناعة التحويلية 2025    المغرب والهند يوقعان مذكرة تفاهم للتعاون في المجالات الدفاعية والأمن السيبراني    سفينة مغربية ترسو بإيطاليا في انتظار استكمال الإبحار نحو قطاع غزة    الرباط.. وزير الدفاع الهندي يزور ضريح محمد الخامس    بورصة الدار البيضاء تغلق على ارتفاع    المثقف المغربي والوعي النقدي    هشام العلوي يرفع دعوى قضائية ضد يوتيوبر رضا الطاوجني    موجة ‬اعترافات ‬تعيد ‬طرح ‬الدولة ‬الفلسطينية ‬إلى ‬الواجهة    هيئة نصرة قضايا الأمة تستنكر منع الوقفات التضامنية مع غزة        معرض "كريماي 2025" .. المغرب يفوز بكأس إفريقيا والشرق الأوسط للطاهيات    مهرجان الدوحة للأفلام 2025 يفتتح فعالياته بفيلم "صوت هند رجب".. تحية مؤثرة للصمود وقوة السينما    زعيم كوريا الشمالية يعلن حصوله على أسلحة سرية    التكريس التشريعي للمرصد الوطني للإجرام في قانون المسطرة الجنائية الجديد يضع المغرب ضمن الدول التي تتبنى أفضل الممارسات في مجال الحكامة الجنائية    الذهب عند مستوى قياسي جديد مع توقعات بخفض الفائدة الأمريكية    وجدة تحتضن النسخة 14 للمهرجان الدولي المغاربي للفيلم    مندوبية التخطيط: تباطؤ معدل التضخم السنوي في المغرب إلى 0.3% في غشت    استمرار الاضطرابات في مطارات أوروبية بعد هجوم إلكتروني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    المغرب ينهزم أمام الأرجنتين في نهائي الدوري الدولي للفوتسال    ترحيب عربي باعتراف المملكة المتحدة وكندا وأستراليا والبرتغال بدولة فلسطين    مدينة يابانية توصي باستخدام الأجهزة الرقمية ساعتين فقط يوميا        ياوندي.. الخطوط الملكية المغربية تخلق جسورا لتنقل مواهب السينما الإفريقية (عدو)    مستخلص الكاكاو يقلل من خطر أمراض القلب عبر خفض الالتهابات    دراسة: الإفطار المتأخر قد يُقلل من متوسط العمر المتوقع    الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    دراسة.. النحافة المفرطة أخطر على الصحة من السمنة    الرسالة الملكية في المولد النبوي        الذكاء الاصطناعي وتحديات الخطاب الديني عنوان ندوة علمية لإحدى مدارس التعليم العتيق بدكالة    مدرسة الزنانبة للقرآن والتعليم العتيق بإقليم الجديدة تحتفي بالمولد النبوي بندوة علمية حول الذكاء الاصطناعي والخطاب الديني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفكار حافية وحُلمان
نشر في خنيفرة أون لاين يوم 15 - 10 - 2014

وصلتُ المكان المنشود بعد نصف ساعة من المشي، الشارع خال كما اشتهيتهُ تماما والجو دافئ. نزعتُ حذائي لأريح قدميّ من قسوته وحشرته بحقيبة ظهري، بدا الشارع طويلا لا نهاية له، على أحد جانبيه سلسلة جروف صغيرة تهاوت بعض صخورها. وقفت. تلك الوقفة التي تلي مشيا مرهقا للذهن بشكل لذيذ. كأنني لا أمشي على قدمين من لحم وعظم. هي الأفكار والصور تتزاحم برأسي فتنساب نحو أسفل قدمي وأمتطيها، تذهب بي حيثُ تشاء. أو ربما الأفكار تمشي على الهواء منتعلة رأسي العاري. وقفت. كما أقف دائما.. تلك البرهة الفاصلة بيننا، أحاول فيها أن أستبين من ينتعل الآخر في مشينا المتوازي. من يمتطي الآخر؟ من فوق من؟ من الماشي ومن المتوقف؟ وقفت، لأتنفس عميقا رائحة البحر البعيد ومشيت.
قبل أن يندفع الجميع نحو الخارج جماعات محملين بقوالب السكر ليصلوا الرحم بمناسبة العيد، اعتذرت عن عدم مرافقتهم بادعاء التعب ، لأنهي قراءة كتاب ثقيل أُحَليه بتناول مكعبات من البطيخ الأحمر مستخدمة السكين بدل الشوكة، كانت تلك فرصتي. بسرعة حشرتُ السكين في الصفحة التي وصلتها من الكتاب، صفقة باب واحدة كانت كايفة ليصبح البيت ملكي. أسرعت إلى قنينة النبيذ وعلب السجائر التي أخفيها بدرج مكتبي لحرية كهذه. لكل سيجارة أشعلها قداحة خاصة، سبق أن أخذتها من عابرين، بالصدفة جلهم من المدخنين. الكثير من القداحات بدرج مكتبي. الكثير من الرجال الذين يشبهون النار المشتعلة بكمية محدودة من الغاز، يأتي وقت وينطفئ.. أنا هكذا مجنونة أحب اللعب بالنار دون اهتمام كبير بالنتائج. لكنني ألعب بصدق. أغلقت النوافذ رغم سكننا البعيد عن الناس، كان بيتنا وحيدا معزولا أعلى هضبة تطل على الشاطئ. نزعت عني ثيابي لدفء الجو. التدخين عارية يختلف عن التدخين مثقلة الأكتاف. تمددت على حصير الأرض تحت النافذة وأسندت ساقيّ طولا على الحائط، كانت قدماي عاريتين ومضيئتين باتكائهما على زجاج النافذة. أدخن و أشرب النبيذ بالأنبوب من كوب ماء كبير وضعتهُ قرب رأسي من جهة، ومن الجهة الأخرى فردة حذائي الطويل لأنفض فيه ما احترق من السيجارة.
وقفت. لأتفقد الألم المفاجئ أسفل قدمي، شوكة انغرزت بفكرة ما، وقفتُ على ساق أتمايل و أقاوم السقوط. و أخيرا.. رأس عار وقدم حافية وجها لوجه، خلعت الشوكة بخفة وشجاعة كي لا أتألم. بين إبهام وسبابة مسكتها غير كاملة، فقط رأسها الذي لا أعرف كيف انفصل عن جسده، شجر الأركان المقابل للجروف حرقته الشمس والإهمال، وتناثرت أغصانه وأشواكه نحو الشارع بفعل الرياح. احتفظت بالشوكة بجيب سروالي ثم اِلتفت نحو الخلف للمرة الأولى، وقفتُ برهة. أتأمل المسافة التي قطعتها قبل أن تنغرز الشوكة بقلب الفكرة، ثم مشيت. فكرتُ بمصير الفكرة المجروحة ببطن قدمي، أمازلت تمشي على الهواء منتعلة رأسي بعدما سال دمها؟ أم أن باقي الأفكار تكلفت بكفنها وتشييعها نحو قبر ما؟
أصبح الجو أكثر حرا وضاقت الغرفة بِسُحب أحاول قطف صور من بياضها. كما كنا صغارا نقطف الليمون المتدلي من أسوار الفلل الشاسعة قبل أن ننتقل هنا. نقطف ما يكفي للأكل واللعب و التراشق. ومن يصاب بالليمون على رأسه نسقطه أرضا وننبطح فوقه جماعة، بتلك الطريقة تعلمنا التصويب. رشقت سحب السيجارة بالكلام العميق لتتكون الأشكال وتبادلني الثرثرة. لكنني أخفقت التصويب في كل مرة. أخفقتُ في قطف أحد يثرثر معي بصوت الناي دون أن يزعجني بكلام كثير ولم أنبطح على أحد. لا أدري كيف سيترثر ويصمت في آن؟ والأحد أيضا لا يدري. اختنقت الغرفة بصور السجائر الضبابية، سعلت كثيرا قبل أن أهم بفتح النافذة و أنا عارية.. استلقيت تحتها مجددا وألقيت بقدميّ على حافتها كأنهما تطلان على شيء. أتأمل زرقة السماء التي مازالت متواطئة معي، تشي أن موعد عودة الأهل ما زال بعيدا، أشرب من الأنبوب بهدوء بعد أن أطلقت سراح الصور.
ما زالت بطن قدمي تؤلمني قليلا. مكان الشوكة يخزني، توقعتُ أنه نحيب أقرباء الفكرة، لابد أنهم يحملونها على أكتافهم ويوحدون الله ويكبرون، في جنازة بَكَّاؤوها كثر، يمشون الآن منتعلين رأسي العاري ويبكون بغزارة، لا يمسحون مخاطهم ولا دموعهم، يتركونها تتهاوى على السماء. مشيتي لم تعد مستقيمة ورائحة البحر أقوى. مشيت كثيرا والجو لم يعد دافئا.
وقفت، كما أقف دائما لآخذ نفسي. مغمضة العينين ليسهل على الرائحة نفخي ورفعي كالبالون إلى أقصاي ثم أكَوِّن بفمي فتحة صغيرة كالتي أصنعها بفم البالون، فيخرج الهواء الفاسد ببطء ساحبا معه أصواتا وصورا مزعجة. فتحتُ عينيّ ومشيت. دون أن أرفع سروالي لا قليلا ولا كثيرا، على رمل مبلل كنتُ أمْلحَ منه ثم واصلتُ المسير. مطأطأة الرأس أشاهد كيف يبتعد الماء عن مكان الوطء و أجتهد في التأويل. مشيتُ على بقايا الموج الذي لا أدري لم يرتفع عاليا لينخفض إلى هذا الحد؟ اغتسلت قدماي من تراب الشارع الذي عبرته حافية. مشيت كثيرا ولم أشعر بالوحدة ولا التعب، كان الشاطئ ممتلئا، رائحة تُرتب المبعثر برأسي، ونوارس وشمس وزرقة وبيت وحيد وبعيد على كتف جرف شامخ. كانت نافذته مفتوحة، أمعنت النظر في قدمين عاريتين مقلوبتين تطلان منها، كالرقص تتحركان قليلا ثم تتوقفان برهة لتعودا مجددا للحركة.
واصلتُ المشي بعد أن وقفت قليلا أتأمل القدمين الحافيتين كحلم.الغرفة أصبحت فارغة، كأنني لستُ بها أدخن و أشرب و أغني وأرقص مقلوبة. انسحبَ كل شيء عند أول فرصة. أسحب الدخان إلى قلبي ليدفأ قليلا ويتحرك به الدم.. أصبح أزرق وباردا كجثة. لا شيء باق فيه. أو ربما ما كان يجب أن أفتح النافذة. انتفضت كالغضب نحو النافذة لأغلقها. دلقت كوب النبيذ على الحصير دون قصد وكانت تلك مصيبة كبيرة أقحمتني بعالم الصحو. لم أستطع الوقوف مستقيمة، مسحت النبيذ المدلوق بالملابس التي نزعتها ورأسي الثقيل يغلبني. وضعت أكمام بيجامتي فوق البقعة ورحت أخبطها، ضحكتُ عاليا و أنا أتخيل البيجامة سكرانة بعدما تشربت النبيذ. رأيتها ترفع أكمامها لوحدها وتخبط الحصير السكران أيضا، ثم تقف مستقيمة بشكل لا أستطيعه الآن وتلملم كل ما يحيطني من الفوضى، وتولول بكلام كثير ازدحم بفمها. قصدتُ النافذة لأغلقها عندما تذكرتُ الصور والأسماء التي انسحبت وتركتني. لمحتها بعيدة عند الشاطئ، تمشي وحدها حافية، ضحكت مجددا لأنني سكرانة وعلى الأرجح أنني أتوهم. أسرعتْ نحوي البيجامة لتغلق النافذة لما رأتني أقف عارية، أتأمل القدمين الحافيتين كحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.