الرقم الاستدلالي للأثمان عند الإنتاج الصناعي والطاقي والمعدني لشهر غشت 2025: النقاط الرئيسية في مذكرة المندوبية السامية للتخطيط    الصين تهدف تحقيق نمو يزيد عن 5 في المائة في صناعة البتروكيماويات خلال 2025-2026    كأس العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة .. المنتخب المغربي أحسن استغلال نقاط ضعف نظيره الإسباني (المدرب وهبي)        رؤساء جمعيات آباء وأمهات التلاميذ يتدارسون بالجديدة مشاكل المنظومة التربوية وبنية المؤسسات التعليمية    تقرير: "جنوى" الإيطالي مهتم بزياش    الوداد ينتصر على نهضة الزمامرة    إلياس فيفا يتوج في مدينة البيضاء    عرض "نشرب إذن" ينافس في بغداد    محمدي يجمع الرواية والسيرة والمخطوط في "رحلة الحج على خطى الجد"    القاهرة تكرم الراحلة نعيمة سميح    مراكش تحت أضواء وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية: السياحة، العوائد الاقتصادية وآفاق النمو    قمع مفرط في احتجاجات جيل Z بالمغرب.. بين انزلاقات فردية ومسؤولية مؤسساتية    التضليل الإلكتروني بمؤامرة جزائرية لخلط الأوراق: مشاهد قديمة تُقدَّم كأحداث راهنة بالمغرب    المغرب: الإعلامي والأديب سعيد الجديدي في ذمة الله    احتجاجات شباب جيل "Z" تتسع في البيضاء والسلطات تتصدى بقوة للمحتجين في مدن أكادير وطنجة وتطوان    المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان بالعرائش: الإفراج عن الموقوفين وتغليب مصلحة الوطن أولوية    احتجاجات جيل الشباب بالمغرب: ما بين الحاجة إلى الإصلاح وتحدي ضبط الشارع                وزارة الخارجية الأمريكية تبرز مؤهلات المغرب ك"قطب استراتيجي" للأعمال والصناعة    غاضبون ينتقدون المقاربة الأمنية و"الاستغلالات السياسية" في الدار البيضاء    شفشاون.. الوجهة المفضلة للسياح الصينيين في المغرب        تتويج فائزين في مسابقة حفظ القرآن    مؤتمر "عالم الصيادلة" يتنقد تجاهل الحكومة وإقصاء الصيدلي من المشاركة في بلورة السياسة الصحية    ‬محاولات ‬الاقتراب ‬من ‬جيل ‬z ‬‮..‬ زورو ‬يقود ‬الربيع ‬الدائم‮!‬    "البيجيدي" يحمل الحكومة مسؤولية احتجاجات شباب "z" ويدعو للتعامل معها بأفق استيعابي ومقاربة حكيمة        ترامب يلمح إلى "شيء لافت" في محادثات الشرق الأوسط قبل لقاء نتنياهو    تقرير: طنجة المتوسط يجعل إفريقيا فاعلا رئيسيا في التجارة البحرية العالمية    حرف "زيد " من الحياة عند الإغريق إلى هوية جيل يتبلور في المغرب    دراسة: الموسيقيون يتحملون الألم بشكل أفضل من غيرهم    الرباط تختتم الدورة 27 من مهرجان الجاز بمزيج موسيقي فريد    السينما تلتقي بالموسيقى في برنامج فني إبداعي في مهرجان الدوحة السينمائي        عابد والحداد وبلمو في ليلة شعرية استثنائية بين دار الشعر والمعهد الحر بتطوان    إصابة كارفخال تزيد متاعب الميرنغي عقب الهزيم أمام أتلتيكو    المغرب ومنظمة الطيران المدني الدولي يوقعان اتفاقا لتطوير تعاونهما    طقس الأحد.. رياح قوية وتطاير غبار بعدد من مناطق المملكة    الموت يغيّب الإعلامي سعيد الجديدي    ما هي العقوبات التي أعيد فرضها على إيران؟    دراسة: المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعدادا للكذب والخداع    "حماس" تنفي تلقي مقترحات جديدة    المغرب يعزز ترسانته العسكرية ب597 مدرعة أمريكية من طراز M1117..        تحليل إخباري: المغرب يواجه هشاشة في سوق العمل رغم فرص التحول المستقبلي        مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو        الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن وكورونا
نشر في لكم يوم 12 - 03 - 2020

لا حديث هذه الايام يعلو فوق أخبار كورونا. هذا الفيروس القاتل أصبح هاجسا مقلقا للعالم بأسره بسبب انتشاره السريع وانتقاله من بلد لآخر بشكل يكاد ينفلت من السيطرة. وبعد قر ار منظمة الصحة العالمية باعتبار كورونا وباء عالميا يبدو أن التعامل مع الفيروس تحول إلى أولوية دولية تقتضي مزيدا من الإجراءات والتدابير الاحترازية والوقائية القاسية في انتظار التوصل إلى لقاح للقضاء على المرض. لذلك فإن حالة الهلع التي تعيشها عدد من الدول التي تعرف ارتفاعا في أعداد المصابين لها ما يبررها، ولا بد أن كورونا سيغير كثيرا من العادات اليومية في عدد كبير من دول العالم بسبب حالة التأهب المعلنة لمواجهة الفيروس. وبما أننا معنيون في المغرب كغيرنا من الدول التي وصل إليها المرض ( تم تسجيل ست حالات مؤكدة إلى حدود مساء يوم 11 مارس 2020)، فإن بعض السلوكات والمواقف المسجلة إزاء كورونا في بلادنا وفي منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط عموما تستحق وقفة للتأمل.
عندما بدأ المرض ينتشر في الصين، تعالت على منصات التواصل الإجتماعي بعض الأصوات السلفية في العالم الإسلامي وفي المغرب أيضا؛ وهي تتحدث عن عقاب وانتقام إلاهيين بسبب القمع الذي تعرض له مسلمو الإيغور على يد السلطات الصينية، وهو تفسير خرافي يجد تربة خصبة في جهل المجتمع وسذاجته واستعداده لتصديق وتقبل هذه الأفكار، ويجعل الفعل الأخلاقي محكوما بغيبيات وأساطير وتحليلات غير عاقلة ولا علمية. وهو ما يضع المسؤولية الأخلاقية موضع سؤال، حيث يحضر الآخر بموجب هذا الخطاب باعتباره غريبا عنا، ولا يمت إلينا بصلة، ولسنا معنيين بالأزمات والكوارث التي قد يتعرض لها مادام مختلفا عنا عقائديا أو عرقيا.
وهذا يعني أن مثل هذا التفكير المنغلق يبني بيننا وبين العالم جدارا يجعلنا غير مهتمين بما يجري حولنا، وكأننا محميون ومحصنون من تلك الأزمات والكوارث… أما وقد تحول الأمر إلى وباء عالمي طفا إلى السطح خطاب يصدر عن ذات العقلية المنغلقة والمهزومة يستخدم تبريرات وقراءات من قبيل الإبتلاء أو المؤامرة وغيرهما. وفي هذا الصدد ارتفعت أصوات بعض السلفيين في الأيام الأخيرة داعية المسلمين إلى إقامة صلاة رفع البلاء، لكن هذه الأصوات تتناسى أنها تسهم في انتشار المرض لأن هذه الصلاة تعني تجمع أعداد كبيرة من المصلين، وذلك في الوقت الذي اتخذت فيه أغلب دول العالم تدابير للحد من التجمعات كإجراء وقائي.
لقد تحولت مواقع التواصل الإجتماعي إلى منصات للتحليل والتفسير والتأويل؛ بل واقتراح وصفات للعلاج رغم أن المختبرات الطبية المتخصصة في العالم مازالت تسابق الزمن من أجل الوصول إلى لقاح لهذا الفيروس القاتل. كل العالم مجند للتصدي للوباء، وحدهم المسلمون يواجهون الأمر بمزيج غريب من الخوف والإستخفاف واللامبالاة والدعابة والإتجار في المأساة عند البعض. وهكذا أصبح الدعاة والعشابون والدجالون خبراء في كورونا في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون الأطباء والعلماء المتخصصون أكثر حضورا من غيرهم في هذه المرحلة.
إن تردي واقعنا الإجتماعي لا ينفصل عن أزمة العقل الذي استقال عندنا منذ زمن بعيد. ولا يمكن بأي حال من الأحوال تحقيق التغيير المنشود إلا من خلال بديل حقيقي يتحدد في بناء الخطاب العلمي والتفكير العقلاني. وقد أثبتت تجارب الغرب أن ترسيخ الفكر العلمي في العقول هو الكفيل ببث الفكر الأخلاقي في السلوكات والأفعال. والتاريخ البشري شاهد على تلازم مفهومي الفكر والسلوك. لكن الأمر يتعلق بطبيعة الحضور الأخلاقي في وجدان الناس. لذلك تتداخل في هذا الشأن الميتافيزيقا بطريقة التفكير وطبيعة الفعل.
إن أزمتنا القيمية ترتبط بكوننا محكومين بأساس ميتافيزيقي للأخلاق. أي أن أفكارنا وأفعالنا محكومة بمحددات غيبية. وهو ما يعني تبعية الإنسان لقوى لا يستطيع مواجهتها. أي أن الكائن البشري محكوم بنظام محدد للعالم نعبر عنه عادة في الدلالة الإيمانية ب" القدر الإلاهي"، وتترتب عنه تأويلات تبتعد بالكلمة عن معناها الإيماني وتغوص بها عميقا في الخرافة والدجل وتعطيل العقل. وهو ما يعني أيضا أن معنى الإنسان يتحدد في ما يحيط به لا في ذاته. والنتيجة المترتبة عن ذلك هي انعدام المسؤولية الأخلاقية والإلقاء بها على نظام الكون أو الحظ أو الظروف أو المؤامرة بمفردات مختلفة لكنها تؤدي نفس المعنى : الأبراج والنحس والتطير والبركة والجن… و كلها مفردات تمنح المادة الفيزيائية من جهة والقوى الغيبية من جهة أخرى قوة وقدرة على الفعل و التأثير على اختياراتنا وأفعالنا. وهكذا نشهد عددا من الممارسات التي تكرس هذه الحقيقة مثل الربط بين الظواهر الطبيعية والعقاب الإلاهي أو التماس الحظوة والخير عند الموتى والأولياء …
أمام هذه العقلية المتحجرة لا نتفاجأ ببعض الخرجات التي تصف وباء كورونا بأنه " جند من جنود الله"، وأنه بلاء ورسالة من الله بسبب الذنوب والمعاصي، لأن العجز هو الذي يولد مثل هذه التفسيرات الغريبة التي نسمعها باستمرار كلما شهدنا كوارث طبيعية كالزلازل والجفاف والفيضانات… والتكريس لخطاب العقاب الإلاهي يحمل توظيفا إيديولوجيا للدين من شأنه تكريس ثقافة الإستسلام والعجز والخوف، ولا يسمح باستنبات فكر نقدي ينتصر للعلم والعقلانية وينبذ الوهم والخرافة. وإذا كان يحق لنا وللعالم بأسره أن نقلق بشأن المستقبل في ظل تزايد حدة انتشار الوباء، فإن هذا القلق ينبغي أن يكون مضاعفا عندنا في ظل هيمنة التفكير الخرافي الذي يضعنا خارج التاريخ، لأن انتصار الإنسان على كورونا لن يتأتى إلا بالعلم والطب المتخصص. ولا نملك إلا الدعاء لعلماء الغرب بالسداد والتوفيق مادامت عقولنا تداري عجزها بالإعجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.