الملك محمد السادس: المغرب تمكّن من تعزيز دوره كمحفز استراتيجي للشراكات جنوب – جنوب    دوري أبطال أوروبا.. الدولي المغربي أشرف حكيمي ضمن التشكيلة المثالية للموسم    المغربيان الشيبي والكرتي يتوجان بلقب دوري أبطال أفريقيا رفقة بيراميدز المصري    على بُعد أسبوع من عيد الأضحى.. مظاهر العيد تغيب عن طنجة وسط تشديد الرقابة    انتخاب عياش الزين كاتبا جهويا للمكتب الجهوي لأطر ومستخدمي مطار العيون الحسن الأول    معرض "أخوة الروح بالألوان المائية" يجمع الإبداع والدبلوماسية الثقافية بالرباط    ماذا يعني اعتراف بريطانيا بمغربية الصحراء.. اعتراف من رابطة الكومنولث التي تضم 56 دولة من مختلف القارات    "لا ميريديونال" تعزز أسطولها البحري بسفينة جديدة لتوسيع الربط مع المغرب    المغرب والمملكة المتحدة يعلنان انطلاق مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة والمتينة    بريطانيا تعتبر الحكم الذاتي الحل الأكثر واقعية لملف الصحراء المغربية    مندوبية السجون ترد على تصريحات السجين السابق عمر الراضي بشأن ظروف اعتقاله    بايتاس: كلميم وادنون جهة تجمعية بامتياز ومناضلو "الأحرار" يعتمدون نهج القرب في تواصلهم مع المواطنين    البنك الشعبي يستأنف خدماته الإلكترونية بعد خلل تقني أربك الزبناء    يوميات حاج (2): في الإحرام تتساوى الرتب وتسقط الأقنعة الزائفة    وزراء عرب يدينون منع إسرائيل زيارتهم رام الله ويدعون لوقف حرب غزة    فرق الإطفاء تسيطر على حريق غابة هوارة بعد أسبوع من التدخل المكثف    بنغلادش ترفع حظر الجماعة الإسلامية    لمنور "أفضل مطربة عربية" بألمانيا    حكيمي: لم أحتفل بالهدف احتراما للإنتر    السجائر الإلكترونية المستخدمة لمرة واحدة تهدد الصحة والبيئة!    معهد للسلامة يوصي بتدابير مفيدة لمواجهة حرارة الصيف في العمل    يوم احتجاجي ومراسلة المقررة الأممية وأخنوش.. ائتلاف حقوقي يحتج على حرمان الهيئات من وصول الإيداع    أكاديمي: قضية الوحدة الترابية للمغرب تثير وعيا متزايدا داخل المجتمع الدولي    إسبانيا.. مدينة غافا تعيش على إيقاع الأيام الثقافية المغربية    مع اقتراب العيد.. المغاربة منقسمون بين المصلحة العامة وشعيرة الذبح    نجيب أقصبي.. مثقف عضوي يناضل من أجل "السيادة" في كل المجالات    الشرطي المغربي الذي فر إلى سبتة يتحرر من "الاحتجاز" ويُمنح حرية التنقل في التراب الإسباني    فرنسا.. مقتل شخصين واعتقال 559 عقب أعمال شغب إثر فوز سان جيرمان بدوري الأبطال    عطل تقني يظهر أرصدة زبناء البنك الشعبي ب"صفر درهم" والبنك يوضح    فرنسا.. مقتل شاب بأعمال شغب باحتفالات فوز سان جيرمان    ترامب يُقدم نصيحة لماكرون بعد تلقيه صفعة من زوجته بريجيت    "البوليساريو وإيران": كتاب جديد يفضح أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف    انهيارات أرضية وفيضانات شمال شرق الهند تخلف 28 قتيلا    سبعة قتلى في انهيار جسرين بروسيا    الوفد الرسمي للحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    طقس الأحد.. أجواء حارة نسبيا بعدد من الجهات    توقيف أربعيني بأكادير بتهمة تعنيف فتاتين في الشارع العام    البرازيل تحقق في 12 إصابة جديدة مشتبه بها بإنفلونزا الطيور    الرباط.. تقديم كتاب "البوليساريو وإيران : أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف" للكاتب الصحفي الجزائري أنور مالك    "الفلاحي كاش" وشركتها الأم "القرض الفلاحي للمغرب" تتعاقدان مع "ريا لتحويل الأموال" لتوسيع أنشطتهم في مجال تحويل الأموال دوليا    بيع فندق "أفانتي" بالمحمدية ضمن مسلسل تصفية أصول "سامير"    سقوط قتلى وعشرات الجرحى بنيران إسرائيلية على نقطة لتوزيع المساعدات في رفح    طنجة تستقبل وفدًا اقتصاديًا من فالنسيا لتعزيز العلاقات الثنائية وفرص الاستثمار    فيتينيا يرد بقوة على ليونيل ميسي بعد تتويج باريس سان جيرمان بدوري الأبطال … !    كم تتخيلون تنقيط حكيمي في لقاء نهاية دوري أبطال أوروبا    لن تتخيلوا من هو أفضل مدافع في الدوري الانجليزي … !    جماهير "باريس سان جيرمان" تطالب بوقف "حرب الإبادة" في غزة خلال نهائي دوري الأبطال (فيديو)    استشهاد الدكتور حمدي النجار ملتحقا بأطفاله الشهداء ال9 في خان يونس    طنجة تسجل أعلى حرارة في تاريخها خلال شهر ماي منذ بدء القياسات    موسم الحج لسنة 1446 ه .. الوفد الرسمي للحجاج المغاربة يتوجه إلى الديار المقدسة    العثور على "حشيش" في مكونات حلوى أطفال شهيرة في هولندا    يوميات حاج (1): في الطريق إلى مكة المكرمة .. رجفة القلب تسبق التلبية    مخترع حبوب الإجهاض الطبي يغادر دنيا الناس    طنجة تحتضن الدورة الثانية لمهرجان السينما والمدرسة    كرنفال الطفولة يختتم فعاليات المنتدى الإقليمي للتنمية البشرية بميسور    رواية جديدة تعالج "طوفان الأقصى" .. الكنبوري "لن يعيش في تل أبيب"        ما لم يُذبح بعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آيت وراين : أبطال سلكوا دروب الحرية.. !
نشر في لكم يوم 27 - 08 - 2012

بالنسبة للأجيال الشابة، وكما يقال فمن لا تاريخ له لا حاضر له، فالإنسان لا يعيش الحاضر مفصولا عن الماضي، لأن التاريخ صيرورة في الزمن لها كبير الأثر على حياة الإنسان اليومية، وتكمن أهمية معرفة التاريخ في تبيان ما إذا كان هذا الإنسان صانع لتاريخه أم خاضع له وفق تمظهرات متعددة. من هنا جاءت الضرورة للنبش في مغارات تاريخ مقبور أُريد له الطيّ والنسيان لأسباب متعددة، هذه الأخيرة تلعب دورا في الاستلاب والمحو، حيث تزيد الخطورة في عصرنا هذا والعولمة تعمل على تسْيِيد الثقافة الواحدة والتاريخ الواحد، وطمس كل أشكال الاختلاف والتعدد والخصوصية، وتُرسّخ لمفهوم التحضر بالمعنى الأجوف.
لطالما ضحّى الأجداد بالغالي والنفيس وعبّرُوا عن نكران ذات قل نظيره في هذا الزمن، قاوموا بإمكانياتهم المتواضعة و شجاعتهم النادرة، و لم يستسلموا في ظروف صعبة حين كانت المعركة غير متكافئة من حيث الإمكانيات و القوة النارية و غياب الدعم من أي جهة، استرخصوا أنفسهم من أجل هذه التربة الطاهرة، لكن في المقابل طال الغبار ملاحمهم ومعاركهم وتاريخهم المشرق بأسمى سماة الشجاعة والبسالة والمواطنة الحقة، مواطنة نابعة من هيام مشتعل بعيد كل البعد عن المفهوم المتدوال اليوم في زمن المذلة والهوان.
آيت وراين كغيرهم من قبائل المغرب العميق، كانوا أبطالهم زمانهم حين كان المغرب يرزح تحت نير الاستعمار وذل السلطان... نقطة انطلاقهم كانت من فكيك حسب بعض الروايات، استوطنوا أولا بتانشرارامت ثم سفوح بويبلان، بعدها ارتحلوا وتوسعوا ويقطنون اليوم بتاهلة، الزراردة وأهرمومو حتى جرسيف وبركين شرقا. عاشوا تاريخا غير التاريخ الرسمي، حيث جيل اليوم لا يعرف عنه إلا بضعة أسماء مبهمة ومعارك مسماة وأسماء مقاومين أعظمهم المقاوم الشهيد محند أوحمو بوطيب الورايني.
يُعد المقاوم محند أوحمو أحد رموز المقاومة في الذاكرة الشفهية لدى قبيلة آيت وراين، إلى حد القول أنه أسطورة زمانه، يقول ابن عمه السيد بوكرين الساكن حاليا بتاهلة، أنه كان فارسا متمرسا حامل لسلاحه البسيط "تْساعيّا" يصيب العدو بضربة واحدة، وقاوم إلى آخر رمق رغم أن البعض انتهج الصلح بعد ملحمة بوهدلي، التي وقعت رحاها بجبل بوهدلي منطقة باب بويدير سنة 1923، حيث استطاعت فرنسا أخيرا أن تبسط سيطرتها بعد أن قضت على آخر معقل حصين للمقاومة المنظمة في هذه المنطقة بعد مواجهة طاحنة و فاصلة استعملت فيها القوات الاستعمارية لأول مرة بالمغرب القصف بالطائرات واستشهد خلالها أغلب رجال القبيلة، وقد كان محند أوحمو آخر "العازيين" (الرافضين) الذين رفضوا التفاوض والاستسلام، وكان الاستعمار يقتفي أثر كل من يؤمن بفكر هذا المقاوم خصوصا من عائلته التي نالت الحظ الأوفر من التعذيب بالحديد على أعناقهم حتى الموت.
يوم اشتد الخناق على المقاومة احتمى محند أوحمو بكهف 'إفري ن تغاط" رفقة زوجته بنواحي أهرمومو بمنطقة زلول كما تقول بعض الروايات الشفهية فيما ترجح رواية أخرى وجودها بجبل الشعرو، بعد محاصرة المكان اجتمع كل "المصالحين" من القبيلة والجوار منهم آيت سغروشن وغياثة، حيث كان الجنود مرابطين بالمغارة وأحضروا عائلة المقاوم محند أوحمو وقبيلته، وتحكي الروايات أن شخصا من آيت زكُّوت هو من وشى بمكان احتماء المقاوم محند أوحمو، ونادوا على أحد أبناء المحجوب من قبيلة آيت عبد الحميد على أن يقنعه بالاستسلام مقابل تنصيبه قائد على قبائل آيت وراين كاملة بوصاية المستعمر، فرد عليهم بالرفض قائلا : "لن أهادن أحدا من إرومين الذي احتلوا أرضنا"، وتعددت محاولات استمالته لكن دون جدوى، واقترحوا عليه مبادلة سلاحه البسيط بسلاح آخر لكي يؤمن نفسه لكن تشبت بموقفه وقال : "لن يمس أحد سلاحي إلا إذا تكسر أو أموت"، بعد أن فقدوا الأمل في المهادنة تم تبادل طلقات الرصاص من داخل المغارة إلى خارجها وكانت تصيب وتقتل إلى أن تمت إصابة محند أوحمو في كتفه من خلال فجوة صغيرة تطل على داخل المغارة ليصاب على إثرها ويُستشهد، بعد أن تأكدوا من مماته دخلوا المغارة وأخرجوه وزوجته بعد أن حجزوا على كل ما تملك من حلي وسلموها لزوجة "قبطان" التي كانت حاضرة على المشهد ويحكى أن أصلها جزائرية.
ويقال أن امرأة أجنبية كانت حاضرة قصّت قليلا من لحية محند أوحمو واحتفظت به في كيس، معلومة أخرى أضافها السيد بوكرين والتي لا يعرفها الكثير وهي أنه كان لمحند أوحمو ابنة في مقتبل العمر أخذها المستعمر بعد حادثة المغارة، ومنذ ذلك الزمن لم يظهر لها أثر و لا خبر لحد الآن.
لقد كان محند أوحمو بمثابة القائد الأكبر والمجاهد الشرس في قبائل آيت وراين بتبنّيه خطا ثوريا ضمن ما سمي ب"العازيين" التي قطعوا على أنفسهم وعد المقاومة حتى الموت، بعد أن استشهد في المغارة وكان ذلك يوم 20 يناير 1927 حسب بعض الرويات، تم نقله تحت حراسة مشددة لمكان آخر ضل فيه عدة أيام، وتحكي الروايات الشفهية أن نورا ساطعا كان يُرى في اليل قرب المكان، في إشارة المكانة الرمزية والأسطورية التي كان يتقلدها هذا الشهيد في مخيلة كثير من الناس نتيجة مقاومته وتعبيره عن استماتة في وجه المستعمر شهد له في حتى الخصوم. بعد أيام تم إحضار جثة المقاوم على ظهر حمار وسلمت لعائلته ليتم دفنه بعد ذلك بمقبرة "مولاي عبد الله الشريف" بتاهلة، وقد سبق أن تمت معاينة قبره بترشيد من السيد بوكرين مشكورا ولاحظنا قبر زوجته قربه حيث لا اسم ولا تاريخ ولا أي شيء يحيل على أية معلومة.
يذكر أن الشهيد كانت له زوجتان، الأولى من قبيلة آيت عبد الحميد والثانية من آيت عصو، وكان له أبناء كثر لكن الذين تحتفظ بهم الذاكرة الشفهية هم فقط "عبد الرحيم وفاطمة" ... هكذا إذا كانت نهاية رجل أربك المستعمر وقاوم حتى آخر نفس وأبى إلا أن يموت بشرف على أن يستسلم، وقد كان من بين المقاومين الآخرين الذي رافقوا محند أوحموا كثيرا "أوراغ وبلحسين من الزراردة"، وقاوموا بجانبه بمنطقة أدرار.
لقد عانت قبيلة آيت وراين وخاصة مقربي الشهيد محند أوحمو الأمرّين، كما تحكي الرواية الشفهية، حيث كانوا يُعذبون كثيرا، ولحد الآن يوجد الكثير من المعطوبين من كبار السن. وقد كان القائد عبروق حسب الروايات يأمر المخازنية ضد عائلة محند أوحمو، حيث كان معاملة المستعمرين أقل بكثير من القياد وأصحاب السلطة المخزنية آنذاك، والذين كانوا يُجبِرون كل اليافعين على الأعمال الشاقة والعمل المضن دون مقابل، وأشكال التعذيب التي كانت تمارس بحفرة توجد بالثكنة العسكرية القديمة بتاهلة والتي لا تزال أطلالها لحد الآن شاهدة.
رغم مساهمتهم في مقاومة المستعمر لمدة فاقت 11 سنة، لم تعر أية جهة أدنى اهتمام لقبيلة آيت وراين ولتاريخها الحافل بالبطولات، والشهداء الذين سقطوا خصوصا خلال معركة بوهدلي الشهيرة، ورغم كل التضحية ونكران الذات والدفاع عن حرمة الأرض، لم يسأل أحدا عن مآل عائلة الشهيد محند أوحمو و لا عن ابنته التي اختطفت و لا يعلم مصيرها أي أحد، بل وحتى صورة للشهيد لا توجد.
قليل هم من تطرقوا لهذا التاريخ المعطّر بآيات الشجاعة والبسالة واسترخاص النفس في سبيل الوطن، مع أنهم يستحقون الكثير الكثير لأنهم وكما قال صديقي غسلوا عار الاستعمار من هذه الأرض بدمائهم الطاهرة، وتركوا لنا إرثا مجيدا يحق لنا الفخر به والوقوف عليه أكثر من وقفة، تاريخ ومعارك ضاهت معارك عالمية قادتها شعوب من أجل الحرية والكرامة... تاريخ يتراءى اليوم في طريقه إلى الطمس والنسيان إن لم نقم بخطوة واجبة للبحث والحفاظ والتعريف به.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.