العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    الجزائر تنسحب من البطولة العربية لكرة اليد    المالية العمومية: النشرة الشهرية للخزينة العامة للمملكة في خمس نقاط رئيسية    الوكالة الوطنية للمياه والغابات: "القط الأنمر" الذي رصد في إحدى الغابات بطنجة من الأصناف المهددة بالانقراض    تتويج المغربي إلياس حجري بلقب القارىء العالمي لتلاوة القرآن الكريم    مكناس .. تتويج 12 زيت زيتون من أربع جهات برسم النسخة 14 للمباراة الوطنية    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    المغرب يصدر 2905 تراخيص لزراعة وإنتاج القنب الهندي إلى غاية أبريل الجاري    بحر طنجة يلفظ جثة شاب غرق خلال محاولته التسلل إلى عبارة مسافرين نحو أوروبا    غدا تنطلق أشغال المؤتمر الثامن عشر لحزب الاستقلال    الفروع ترفع رقم معاملات "اتصالات المغرب"    مطار مراكش المنارة الدولي .. ارتفاع حركة النقل الجوي خلال الربع الأول    ارتفاع أرباح اتصالات المغرب إلى 1.52 مليار درهم (+0.5%) بنهاية الربع الأول 2024    تظاهرات تدعم غزة تغزو جامعات أمريكية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    سيمو السدراتي يعلن الاعتزال    المعرض المحلي للكتاب يجذب جمهور العرائش    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    14 ألف مواطن إسباني يقيمون بالمغرب    تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد    بسبب تعديلات مدونة الأسرة.. البرلمانية اليسارية التامني تتعرض لحملة "ممنهجة للارهاب الفكري"وحزبها يحشد محاميه للذهاب إلى القضاء    تأملات الجاحظ حول الترجمة: وليس الحائك كالبزاز    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    نجم مغربي يضع الزمالك المصري في أزمة حقيقية    بوغطاط المغربي | محمد حاجب يهدد بالعودة إلى درب الإرهاب ويتوّعد بتفجير رأس كل من "يهاجمه".. وما السر وراء تحالفه مع "البوليساريو"؟؟    الدراجات النارية وحوادث السير بالمدن المغربية    عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش الاسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر من نتانياهو    واشنطن طلبات من إسرائيل تعطي إجابات بخصوص "المقابر الجماعية" ف غزة    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    بطولة فرنسا: موناكو يفوز على ليل ويؤجل تتويج باريس سان جرمان    الصين تكشف عن مهام مهمة الفضاء المأهولة "شنتشو-18"    الولايات المتحدة.. أرباح "ميتا" تتجاوز التوقعات خلال الربع الأول    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    أخنوش: الربط بين التساقطات المطرية ونجاح السياسات العمومية "غير مقبول"    بني ملال…تعزيز البنية التحتية الرياضية ومواصلة تأهيل الطرقات والأحياء بالمدينة    المنتخب المغربي ينهزم أمام مصر – بطولة اتحاد شمال إفريقيا    المنتخب المغربي لأقل من 18 سنة يفوز على غواتيمالا بالضربات الترجيحية    ما هو سيناريو رون آراد الذي حذر منه أبو عبيدة؟    تعزيز التعاون الفلاحي محور مباحثات صديقي مع نائبة رئيسة مجلس النواب التشيكي    أخرباش تشيد بوجاهة القرار الأممي بشأن الذكاء الاصطناعي الذي جاء بمبادرة من المغرب والولايات المتحدة    الرئيس الموريتاني يترشح لولاية ثانية    نور الدين مفتاح يكتب: العمائم الإيرانية والغمائم العربية    كأس إيطاليا لكرة القدم.. أتالانتا يبلغ النهائي بفوزه على ضيفه فيورنتينا (4-1)    رابطة للطفولة تعرب عن قلقها من التركيز المبالغ فيه على محور التربية الجنسية والصحة الإنجابية للمراهق في دورة تكوين الأطر    جنايات أكادير تصدر حكمها في ملف "تصفية أمين تشاريز"    عاجل.. كأس إفريقيا 2025 بالمغرب سيتم تأجيلها    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        كلمة : الأغلبية والمناصب أولا !    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مطالب بتقييم جدي لمسار تجربة "الإنصاف والمصالحة" بعد ظهور مزاعم للتعذيب
نشر في لكم يوم 26 - 03 - 2021

تعرف الساحة الحقوقية المغربية نقاشا كبيرا حول مزاعم التعذيب، بعد خروج مجموعة من الأسماء خلال المدة الأخيرة تتحدث عن تعرضها للتعذيب سواء بالسجون المغربية، أو في أماكن الاحتجاز.

مجموعة من المعتقلين السابقين والحاليين، يتحدثون في تصريحات صحفية وفيديوهات عن تعرضهم للتعذيب، آخرهم علي أعرس المعتقل السابق الذي قضى حوالي 12 سنة بالسجون المغربية على خلفية قضية لها علاقة "بالإرهاب"، وقبله ناصر الزفزافي المعتقل على خلفية حراك الريف والمحكوم ب 20 سنة حبسا نافذا، وقبلهما عبد القادر بلعيرج الزعيم المفترض لما يسمى إعلاميا "خلية بلعيرج"، المحكوم بالمؤبد، ومحمد حاجب، وزكرياء المومني، ومجموعة من معتقلي حراك الريف، وغيرهم.
وفي هذا الصدد، طالب حقوقيون بتقييم جدي لمسار "هيئة الإنصاف والمصالحة" التي استثمرت فيها الدولة الكثير من الجهد والطاقات والمال، معتبرين، أن التجربة لم تستطع تحصين مخرجاتها بإقرار ضمانات حقيقية لعدم التكرار، رغم أنها أحدثت اختراقا إيجابيا في تلك المرحلة، مشيرين إلى أن بعض الانتهاكات حدثت أثناء وبعد فترة اشتغالها.
وقال الباحث خالد البكاري، أنه وبالرغم من كل الملاحظات على عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، يمكن الإقرار أنها أحدثت اختراقا إيجابيا في تلك المرحلة، لكن للأسف لم تستطع تحصين مخرجاتها بإقرار ضمانات حقيقية لعدم التكرار، هذا فضلا على أن بعض الانتهاكات حدثت أثناء فترة اشتغال هيئة الإنصاف والمصالحة.
ونبه البكاري، في تصريح لموقع "لكم"، إلى أن ضمانات عدم التكرار لا ترتبط حصرا بتجويد النصوص القانونية، بل هي محصلة إرادة سياسية في القطع النهائي مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهي الإرادة التي لا أظن أنه قد حصل الاقتناع بها، إذ مع أي توتر اجتماعي، أو توسع لهامش حرية التعبير، تعود القبضة الأمنية لاستعادة ما تعتبره مجالها المحفوظ عرفيا، ولذلك فإن ضمانات عدم التكرار لا يمكن تحقيقها إلا في إطار مسلسل حقيقي للتحول الديموقراطي.
في ذات السياق، أكد عبد الإله بنعبد السلام المكلف بملف التعذيب بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، على أنه من الضروري أن نقف وقفة تقييم جدية بشأن تجربة هيئة الانصاف والمصالحة التي استثمرت فيها الدولة الكثير من الجهد والطاقات والمال، مشيرا إلى أن المال لم يكن من مال الذين كانوا وراء الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان وراكموا الثروات من خلال مراكزهم تلك، وبعدها تم هدر كل ذلك.
وأبرز المتحدث، أنه لا يمكن لمسلسل انطلق في تناقض تام مع الفلسفة التي قام عليها وهي عدم التكرار إلا ان يسقط بنيانه، مشيرا إلى أن المسلسل انطلق وبدأت اشغاله والاختطاف والتعذيب المؤدي للموت حتى، والاعتقالات التعسفية ( بلغت حسب وزير العدل الراحل محمد بوزبع ثمانية آلاف شخص ) والمحاكمات غير العادلة تجري على قدم وساق بعد الاحداث الإرهابية ل16ماي2003 بالدار البيضاء وباقي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مستمرة.
وأشار المسؤول بالجمعية الحقوقية، إلى أن الدولة أخلفت وعدها مع الضحايا بالإنصاف الكامل لهم، فلم يجدوا أنفسهم في مجتمع أمن يحسون فيه بالحرية والديمقراطية التي ناضلوا من أجلها وضحوا بشبابهم وفقدواأعزاء وعزيزات من أجلها، ومع المجتمع لم تتصالح الدولة مع مواطناتها ومواطنيها الذين لازالت تعتبرهم رعايا ، ولازالت تضطهدهم في حرياتهم وفي حقهم في العيش الكريم، وما نعيشه يوميا من الاعتداء على الحقوق والحريات لدليل على عدم مصداقية القائمين على شؤون البلاد والعباد في هذا الوطن العزيز، حسب بنعبد السلام .
بدوره، أكد محمد رشيد الشريعي رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، أن المغرب فشل في ضمان عدم تكرار التعذيب، بعد الانصاف والمصالحة، مبرزا أن كل الوقائع وكل المؤشرات المرتبطة بتنامي ظاهرة الإجهاز على ما تبقى من المكتسبات عبر حملة الإعتقالات شملت الصحفيين والحقوقيين والمنتمين للحركات الإحتجاجية ثبث ولامجال للشك أن المغرب ومن خلال هذه المهجية المتبعة في قمع وإسكات كل الأصوات الحرة والنزيهة هو دليل على الفشل الذريع لضمان عدم تكرار ماضي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
وأكد الشريعي، أن المطالب واضحة للعيان نريد وطن يتسع للجميع مطلبنا هو التنزيل الحقيقي لمضامين القوانين والإتفاقيات المرتبطة بحقوق الإنسان، نريد مغرب الكرامة يزخر ويتمتع فيه المواطن المغربي بكافة حقوقه، مؤكدا على ضرورة الإسراع في التنزيل الفوري لمضامين توصيات الإنصاف والمصالحة وكذا تقرير الخمسينية الذي أعد من قبل خبراء في مجال حقوق الإنسان أستحضر فيه كل النواقص وأجاب عن كل الاختلالات وطرح البديل لذلك، مؤكدا على أن هذا هو المغرب الذي نريده جميعا، تسريع وثيرة تحقيق كل المطالب الاجتماعية وإعلان المصالحة الحقيقية من خلال الإفراج الفوري على كافة المعتقلين الصحفيين والحقوقيين وكل معتقلي الحراك وهو مؤشر على استجابة الدولة لطي صفحة الماضي وفتح أوراش حقيقية تهم مختلف المجالات بإشراك كل الأطياف وذلك من أجل بناء المغرب الجديد مغرب دولة الحق والقانون ومغرب يتسع لجميع المغاربة.
الانتهاكات مستمرة
من الأمثلة التي تصدرت واجهة الأحداث مؤخرا، والتي تشير حسب العديد من المراقبين إلى استمرار الانتهاكات، ملف المعتقل السابق علي أعراس، الذي صرح مؤخرا لصحف بلجيكية تعرضه للتعذيب، وسجل الحقوقي الباحث خالد البكاري بعض الملاحظات بخصوصه، أنه حين طلب المغرب تسلمه من إسبانيا (هو مواطن مغربي بلجيكي كان يقيم بين إسبانيا وبلجيكا)، تم تقديمه أمام القاضي "بالتسار غارسون" المكلف بملفات الإرهاب، مشيرا إلى أن هذا القاضي معروف بصرامته وبتشدده كثيرا، بحيث في قضايا الإرهاب قد يدين أشخاصا لمجرد وجود شبهات، لدرجة أن منظمات حقوقية إسبانية أثارت مخاوفها من طريقة تعامله المتشدد في هذه الملفات، ورغم ذلك يضيف البكاري، حين عرضت عليه قضية علي أعراس قرر عدم متابعته، لانتفاء أي دليل يدينه.
وأشار المتحدث، إلى أن ما قدمته السلطات المغربية في مذكرة طلب تسليم أعراس لم يكن يستند على أي دلائل مقنعة، لكن للأسف وفي خطوة غير مفهومة أدانتها المنظمات الحقوقية الإسبانية والدولية قامت حكومة ثاباتيرو بتسليمه للمغرب ضدا حتى على القوانين الإسبانية، وهو الأمر الذي دعا مجلس حقوق الإنسان بجنيف التابع للأمم المتحدة لإصدار مقرر يطالب بالإفراج عنه، وبالمناسبة فمثل هذا القرار أقره المجلس في حالة محمد حاجيب كذلك.
مثال آخر، سجل بشأنه الباحث خالد البكاري، ملاحظة وهو ملف بلعيرج المحكوم بالمؤبد في قضية لها علاقة بالإرهاب، والذي سبق وأن تحدثت منظمة العفو الدولية عن تعرضه للتعذيب، مشيرا إلى أنه وباعتبار أنه حائز على الجنسية البلجيكية، فقد بعثت السلطات البلجيكية فريقا من الخبراء والمحققين للاطلاع على الملف، وتقرير المتعين، وبالفعل حل الفريق بالمغرب، واطلع على المحاضر والشروحات والإفادات من المغاربة، لكنه أصدر تقريرا حين عودته لبلجيكا يفيد أنه لم يجد ما هو مقنع بخصوص تورط عبد القادر بلعيرج في أنشطة إجرامية أو إرهابية.
أما ملف ناصر الزفزافي، أحد رموز حراك الريف، فقد قال البكاري، أن هناك ثلاث محطات بخصوصه، المحطة الأولى مرتبطة بلحظة الاعتقال حيث صرح ناصر الزفزافي أمام المحكمة بتعرضه لتعذيب شديد ومهين للكرامة، لدرجة وجود شكوك حول علاقة مفترضة بين وضعه الصحي المتدهور حاليا وبين الضرب على الرأس الذي تعرض له حين القبض عليه، والثانية مرتبطة بتسريب فيديو له عاريا حين كان متواجدا عند الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالمعاريف الدار البيضاء حسب تصريحه، والمحطة الثالثة هي ما وقع بسجن راس الما بفاس حيث طالب ناصر ورفاقه بالعودة للكاميرات المثبتة في الممر حيث قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب فيه، هذا فضلا عن طول مدة السجن الانفرادي التي عاشها بالسجن المحلي عين السبع بالدار البيضاء.
من جانبه ساق عبد الإله بنعبد السلام المكلف بملف التعذيب بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر، حيث أشار إلى ملف حراك 20 فبراير، معتبرا أن تدخلات القوات العمومية اتسمت بالعنف والإفراط في استعماله وغياب الضرورة والتناسب مادام المتظاهرون كانوا سلميين في تظاهراتهم، مشيرا إلى أن التدخل العنيف بمدينة آسفي أسفر عن إصابات بليغة بل وفيات (كمال العماري) وبمدينة صفرو (كريم الشايب) اما نبيل جعفر وعماد القاضي وجواد بنقدور وجمال سالمي وسمير بوعزاوي فقد وجدوا محروقين ببنك بالحسيمة.
وأشار بنعبد السلام، إلى أنه وبالرغم من تجاهل مجموع الشكايات بهذا الخصوص فقد أقر رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ادريس اليزمي أمام البرلمان سنة 2014، بالاستخدام المفرط للقوة من طرف القوات العمومية المؤدي لموت كمال العماري بآسفي، مبرزا أنه لم تحرك أية مسطرة قضائية في حق الذين تسببوا في مصادرة الحق في الحياة لشاب في مقتبل العمر.
وقس على ذلك يضيف المسؤول بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان ملف الزفزافي ورفاقه الذي أثبت تقرير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان من خلال خبرة طبية قام بها أطباء من ذوي الاختصاص وجود أثار تعرضهم للتعذيب، ورغم إحالة هذا التقرير من طرف وزير العدل والحريات على الوكيل العام للملك بالبيضاء، فإن الملف اختفى ولم نجد له أثر، وحتى لما طلب دفاع الزفزافي ورفاقه ضمه لملف القضية، رفض ذلك الادعاء العام، وسارت على منواله هيئة الحكم ، كما اختفت كل الشكايات المتعلقة بتصوير ناصر الزفزافي عاريا.
وفي هذا الصدد، أوضح عبد الإله بنعبد السلام أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان كانت قد وضعت منذ أكثر من سنة دعوى قضائية ضد المتورطين في تعذيب ناصر الزفزافي ورفاقه لدى رئاسة النيابة العامة بمحكمة النقض بالرباط ، الذي أحالها على الوكيل العام للملك بالدار البيضاء ، ولحد اليوم لا جديد حولها، مبرزا أن هناك ملفات أخرى تتعلق بالتعذيب كملفات ما يسمى بمعتقلي السلفية الجهادية الذين مر عدد منهم بمركز تمارة، وملف معتقلي أحداث سيدي افني ، وملف طلبة مراكش، وملف معتقلي اكديم ازيك بالعيون ، وملف أعضاء جماعة العدل والإحسان بفاس، وملف معتقلي حراك جرادة، وغيرهم وهذه الملفات جميعها لم تحرك فيها أية مسطرة بحث وتحقيق ، مؤكدا أن ملفات علي أعراس وعبد القادر بلعيرج ومحمد حاجب لاتختلف عما تعرضنا له سابقا .
أما محمد رشيد الشريعي رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب، فقد اعتبر في تصريح لموقع "لكم"، أن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب، يتسم بالتراجعات الخطيرة في مجال حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه وضع يتسم بالإجهاز على ما تبقى من المكتسبات التي ضحى في سبيلها مناضلون ومناضلات من أجل إخراجها إلى حيز الوجود.
وبخصوص خروج مجموعة من الأسماء في الأشهر الأخيرة، تزعم تعرضها للتعذيب، قال المتحدث، أن الحديث عن هذا الموضوع، يجرنا إلى أن نستحضر أن المغرب صادق على اتفاقية مناهضة كل أشكال التعذيب بعد نضالات مريرة لكل الضمائر الحية في هذا الوطن الجريح وبمعية الحركات الحقوقية، وذلك من أجل طي صفحة الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وبذلك تكون الدولة المغربية قد رفعت يدها عن التعذيب الممنهج تجاه المواطنين.
واستحضر الشريعي، بعض الحركات الإحتجاجية بالريف، مشيرا إلى أنه ومن خلال بعض الممارسات الحاطة من الكرامة التي تمارسها السلطات الأمنية بجميع تلاوينها بدت واضحة المعالم للعيان حين تتعرض الحركات الإحتجاجية للضرب بالعصي والركل والرفس في كل مناحي أجسامهم وقد تسبب أحيانا في وفاة فهو تعذيب جسدي ويعد خرقا سافرا للقوانين المعمول بها، مؤكدا على ضرورة تقديم كل من ثبت تورطه في هذه النازلة للمحاكمة حتى يكون عبرة لمن سولت له نفسه تكرار مثل هذه الممارسات.
مركز "تمارة"
وبخصوص إشارة بعض المزاعم إلى تعرضهم للتعذيب بمركز تمارة، اعتبر الحقوقي والباحث خالد البكاري، أن هذه ليست أول مرة يثار فيه اسم مركز"تمارة" باعتباره مركزا للاعتقال خارج القانون، مورس فيه التعذيب، فلقد وثق مواطن فلسطيني اسمه محمد مصدق بن خضراء عن تجربة اعتقاله لمدة 8 سنوات به، في كتابة " تزمارة" ( تركيب بين تزمامارت وتمارة)، كما أثير كذلك في الإعلام الدولي باعتباره المكان الذي تم فيه احتجاز واستجواب القيادي في تنظيم القاعدة اليمني "رمزي بن الشيبة"، وكانت وكالة أسوشيتيد بريس هي أول من أثار الموضوع معززا بشهادات لمتقاعدين من المخابرات الأمريكية، وأثير اسم هذا المركز كذلك في قضية البريطاني من أصول أثيوبية " محمد بانيام" الذي حكى ما هو مشابه لما يقال إنه حدث مع رمزي بن الشيبة، وبالتالي فهذا المركز عرف ليس فقط كمكان للاحتجاز خارج القانون، ولكن كمركز اعتقال واستجواب بالوكالة لصالح المخابرات الأمريكية في حربها على ما تسميه" الإرهاب".
وأضاف البكاري، في تصريح لموقع "لكم"، أنه محليا، سيثار اسم المعتقل في شهادات معتقلي ما سمي بالسلفية الجهادية، وخصوصا شهادة هشام الربجة الذي قام بإنجاز رسم تقريبي للمعتقل السري فوق ورقة بقطرات من دمه، حين كان متواجدا بسجن مول البركي بآسفي، وصرح أنه قضى 3 سنوات بمعتقل تمارة السري، ثم كان كتاب جماعي لمجموعة من معتقلي ما سمي "السلفية الجهادية" تحت عنوان " هكذا عذبونا، وانتهكوا كرامتنا"، يتضمن شهادات ذكرت هذا المعتقل.
وأشار البكاري، إلى أن السلطات المغربية ظلت تنكر دوما وجود هذا المعتقل، وتعتبر أن مركز تمارة هو فقط بناية إدارية تابعة لمديرية مراقبة التراب الوطني، خصوصا بعد الوقفة التي نظمت أمامه داعية لإغلاقه أثناء تظاهرات 20 فبراير، مبرزا أنها ووجهت بقمع شديد، بعدها ستنظم زيارة له بحضور رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان إدريس اليزمي، وكاتبه العام محمد الصبار، والوكيل العام للملك بالرباط لحسن الداكي، حيث سيصرحون أنهم لم يجدوا دليلا على وجود معتقل سري أو غرف للاحتجاز، بل فقط مجموعة من المكاتب الإدارية، لكن اتفاق شهادات المعتقلين المغاربة والأجانب حول نقطة أنهم احتجزوا في مكان قريب من العاصمة، وأنهم كانوا يسمعون أصوات الحيوانات خصوصا بالليل، يعطي مصداقية لشهاداتهم، باعتبار أن هذا المركز كان قريبا من حديقة الحيوانات، وفق المتحدث.
جريمة التعذيب لا يلحقها التقادم
من الملاحظات التي يشير إليها البعض أن حالات التعذيب المعلنة قديمة، وهو ما يرد عليه الحقوقي خالد البكاري، بالقول إنها ليست قديمة، مؤكدا على أنها حدثت في الفترة بين 2008 و 2010، بالنسبة لعلي أعراس وزكريا المومني ومحمد حاجب الذين خرجوا في فيديوهات أخيرا، كما أن مجموعة من معتقلي حراك الريف كذلك تحدثوا عن تعرضهم للتعذيب.
وأبرز المتحدث، أن هناك تقريرا طبيا تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان تحدث عن جدية ادعاءات التعذيب في أكثر من 30 حالة من الحالات التي استطاع المجلس معاينتها، مشيرا إلى أن الفيديو الذي تم تسريبه لناصر الزفزافي إثبات مادي لحدوث التعذيب، الذي يجب الانتباه أنه لا يحصل فقط في مراكز الاحتجاز التابعة للأجهزة الأمنية، بل يستمر بأشكال مختلفة داخل السجون، لأن التعذيب لا يشمل ما هو مادي فقط ، بل يطول كل ضروب المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة الإنسانية.
أما لماذا يتم اليوم العودة لإثارة هذا الملف، وخصوصا شهادات زكريا المومني ومحمد حاجيب وعلي أعراس، قال خالد البكاري، بالنسبة لي كمدافع عن حقوق الإنسان لا أنشغل كثيرا بسؤال التوقيت، أو هل توجد جهة ما ( داخلية أو خارجية) وراء تحريك هذه الشهادات، بل ما يهمني هو مدى مصداقية هذه الادعاءات، باعتبار أن جريمة التعذيب لا يلحقها التقادم، وهذا يقودنا لأمر آخر أكثر أهمية هو أنه بعد انتهاء عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، يتبين اليوم أننا فشلنا في إرساء ضمانات عدم التكرار.
وتأسف الباحث، لكون السلطات عوض أن ترد على هذه الادعاءات بما يدحضها، أو أن تعترف بوجود تجاوزات في هذه الملفات، تقتضي ترتيب المسؤوليات والجزاءات، فإنها تلجأ لاتهام منظمات حقوقية دولية بمعاداة المغرب، مع العلم أنه حين تثير هذه المنظمات ما يقع في الجزائر أو مخيمات تندوف من انتهاكات لحقوق الإنسان يتم الاحتفاء بتقاريرها، وتعمد السلطات إلى دفع معتقلين سابقين في قضايا الإرهاب لتكذيب مزاعم التعذيب، مع العلم أن بعض هؤلاء الذين يخرجون اليوم لتكذيب رفاق الأمس سبق لهم أن تحدثوا عن التعذيب أمام المحكمة أو حين كانوا في السجن، مما يفقد خرجاتهم أي مصداقية، كما أنه من ضمن آلاف الحالات التي تمت إدانتها في قضايا الإرهاب، لم يخرج سوى ثلاثة أو أربعة أشخاص لتكذيب هذه التقارير أو الادعاءات.
وفي ذات السياق، ذهب عبد الإله بنعبد السلام المكلف بملف التعذيب بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، حيث اعتبر أن ملف التعذيب من الملفات التي ستظل تعرف الجدل بين الضحايا والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان والهيآت الوطنية والدولية لحقوق الانسان والاجهزة الامنية والاستخباراتية في الدول ذات الانظمة الاستبدادية، ومرجع ذلك يعود إلى ان هذه الأنظمة تحاول دائما أن تنفي عن نفسها انتهاكات حقوق الإنسان في أبشع صورها.
وأوضح في حديث مع "لكم"، أنه لاغرابة أن تنفي الدولة المغربية ممارسة أجهزتها وموظفيها في أماكن سرية ومعلومة تابعة لها التعذيب كما نفت ذلك على امتداد التاريخ الحديث للمغرب أي منذ 1956 وحتى اليوم، لتأتينا بعد خمسة عقود وتعترف من خلال التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة بارتكابها للاختطاف والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون والإعتقال التعسفي والمحاكمات غير العادلة وغيرها من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، طبعا بعد أن كان اكبر مسؤوليها وعلى رأسهم الراحل الحسن الثاني ينفي ذلك في الاستجوابات مع الصحافة الدولية، مؤكدا على أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان متأكدة من خلال الملفات المتوفرة لديها، أن هؤلاء لم يختلقوا أي شيء.
لجوء بعض المتضررين إلى القضاء الدولي
اعتبر عبد الإله بنعبد السلام، أن اسطوانة الاستقواء بالخارج وان المنظمات الدولية لحقوق الإنسان معادية؛ اسطوانة مشروخة وتستخدم من طرف جميع الدول التي تنتهك حقوق مواطناتها ومواطنيها لعجزها عن الإجابة عن مساءلات آليات الأمم المتحدة ذات الاختصاص بلجان الإتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن هذه الدول تجد نفسها كلما أشادت هيئة من الهيات الدولية بإجراء ما اتخذته إلا ويتصدر نشرات قنواتنا الرسمية ، مما يوضح تناقضاتها المتكررة بهذا الصدد.
وأكد الحقوقي، على أنه لو كان القضاء المغربي يضطلع بدوره في حماية الحقوق والحريات وإنصاف المظلومين لما وصلنا إلى ما نحن فيه، معتبرا أن الدولة تضغط دائما على القضاء حتى لا يفتح تحقيقات في ادعاءات التعرض للتعذيب ، وبالتالي تساهم في تشجيع المنتهكين في الاستمرار في الضرب بالقانون عرض الحائط .
واعتبر عبد الإله بنعبد السلام، لجوء المتضررين إلى القضاء الدولي أمر طبيعي جدا عندما لا يتحرك القضاء المغربي ويتحمل مسؤولياته ، ويكون بمقدور الضحايا أو عائلاتهم اللجوء إلى القضاء في دول يحملون جنسية ثانية منها، أو التي خرقت اتفاقية التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة ، وسلمتهم للمغرب كحالة على أعراس مثلا ، مؤكدا على أنه هذا حق يجب على كل من أحس بالظلم أن يتمتع به، وأن لا مكان هنا للحديث عن الوطنية وغيرها من الشعارات التي تستعمل لتضليل الرأي العام وتزييف الحقيقة، والتعذيب في الأول والأخير مجرم في القانون المغربي والمغرب مصادق على الاتفاقية المتعلقة به ، ولا يمكن بتاتا اللجوء إليه في كل الظروف والأحوال.
وبخصوص لجوء مجموعة من الأسماء للقضاء الأوربي على الخصوص، قال الباحث البكاري، هذه الحالات تختلف من ملف لآخر، ولكن يوحدها حصولها على جنسيات دول أوروبية مما يمنحهم حق اللجوء لمحاكم بلدانهم، منبها إلى أن بعض هذه البلدان تتضمن قوانينها المحلية إمكانية متابعة مسؤولين في دول أخرى لانتهاكهم حقوق الإنسان حتى ولو كان الضحايا مواطنون لا يحملون جنسياتها.
وأشار البكاري، إلى أنه في الدول الأوروبية هناك مسافة بين القضاء والدولة، فحقيقة استقلالية القضاء ثابتة، لكن يمكن الالتفاف على أحكام القضاء من طرف الحكومات التي لها مصالح مع بعض الدول، قد تجعلها تتغاضى عن الانتهاكات الحقوقية، ضاربا المثال بحالات حكم فيها القضاء بإنجلترا أو إسبانيا أو فرنسا بإدانة مسؤولين في دول أخرى لتورطهم في انتهاكات حقوقية، ومنهم رؤساء ومسؤولو أجهزة أمنية أو عسكرية، ومع ذلك استمر التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري مع هؤلاء، أقصى ما يمكن حصوله هو عدم إمكانية سفرهم لتلك الدولة التي أصدرت محاكمها قرارات الإدانة.
من جهته، أكد محمد رشيد الشريعي، على أنه يحق لمن تعرض للضرر اللجوء إلى المؤسسات الدولية التي تعنى بحقوق الإنسان من أجل مؤازرته في ما تعرض له من اضطهاد وتعذيب من قبل القوات العمومية، وهو حق من حقوق الإنسان مضمون دوليا من أجل ترتيب الجزاءات لكل من خالف مقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب، وبالتالي اللجوء إلى المنظمات التي تعنى بحقوق الإنسان ليس استقواء بل هو هدفه الوصول إلى الحقيقة.
ويشار إلى أن موقع "لكم"، تواصل مع مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، لأخذ رأيه في مزاعم التعذيب باعتباره الجهة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان، لكنه طلب منا التواصل مع ادارة السجون، مشيرا إلى أنها هي المعنية أساسا بهذه الادعاءات، ويمكنها ان تقدم ما يفيدنا بهذا الشأن، كما تواصلنا مع الإدارة العامة لإدارة السجون في شخص رئيس ديوان مديرها العام، وأيضا مع الناطق الرسمي للمديرية العامة للأمن الوطني، لكننا لم نتوصل بأي تفاعل منهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.