في مارس 2021، صدر تقرير عن الغرفة الخامسة للمجلس الأعلى للحسابات حول تدقيق آليات توجيه التلاميذ المعتمدة من طرف قطاع التربية الوطنية. يدور التقرير الواقع في 72 صفحة حول محورين أساسيين. المحطات الإصلاحية الكبرى لمجال التوجيه التربوي والنتائج المحققة في هذا المجال. تتخللها مجموعة من التوصيات انطلاقا من معالجة وتحليل أجوبة الاستبيانات التي تم توجيهها إلى عينة من 1795 متدخلا في التوجيه التربوي بأكاديميتي الرباط-سلا-القنيطرة وفاس-مكناس. ويمتد نطاق هذه العملية الرقابية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000 إلى الموسم الدراسي 2019-2020 وفق المنهجية المعتمدة في مثل هذه العمليات والمذكورة بالتفصيل في الصفحة 11. لا أحد بالطبع سيجادل في القيمة العلمية لهذا العمل الميداني المهم، لذا فملاحظاتنا تأتي في إطار تحديد الوجهة السليمة التي يجب أن تعمل على تنزيل مضامينه على اعتبار أنه موجه وبالدرجة الأولى إلى المسؤولين القائمين على منظومة التوجيه التربوي مركزيا وجهويا وإقليميا وليس إلى أطر التوجيه العاملين بالقطاعات المدرسية فقط كما تحاول المراسلات العديدة في هذا الشأن تكريسه على أرض الواقع كنوع من التملص من المسؤولية والمحاسبة. والمراسلة رقم 1014/21 بتاريخ 17 نونبر 2021 التي تسير في هذا الاتجاه خير مثال على ذلك. ولهذا الغرض ستنتظم ملاحظاتنا في النسقين الإداري والتربوي اللذين تتحرك فيهما الاستشارة والتوجيه وتتداخل مع أطراف عديدة تؤثر إما سلبا وإما إيجابا عليهما. * على المستوى الإداري : يلاحظ التقرير ما يلي.. 1 – معدل التأطير المرتفع يحول دون النهوض بالتوجيه التربوي إذ يبلغ في بعض القطاعات المدرسية ما يناهز 5000 تلميذا للإطار الواحد في التوجيه! 2 – نسبة الاكتظاظ في الأقسام التي تتعدى 40 تلميذا تقارب 40 في المائة! 3 – إكراهات الخريطة المدرسية تفرض منطقها على التلاميذ وتتحكم في اختياراتهم الدراسية. 4 – الخصاص المتزايد في أطر التدريس يؤدي إلى تدني الكفايات الأساسية الضرورية في عملية اتخاذ قرار التوجيه. 5 – غياب التكوين المستمر لأطر التوجيه التربوي منذ 2010 6 – بعض المؤسسات التعليمية لا تستفيد من خدمات الإعلام والتوجيه نظرا لقلة الأطر.. 886 إطارا فقط في التوجيه وطنيا يعملون في القطاعات المدرسية! 7 – إشكالية التأطير والمراقبة لأطر التوجيه الحاصلين على إطار مفتش بالأقدمية والذين يشكلون نسبة 38 في المائة من مجموع الأطر تقريبا. 8 – الوحدة المركزية المشرفة على مشروع الارتقاء بالتوجيه بنية وظيفية منذ 2009 ولا تتوافق مع الهيكل التنظيمي الرسمي للوزارة وهي بنية مؤقتة في انتظار تخصيص بنية إدارية جديدة ينص عليها القانون الإطار الجديد. 9 – خدمات الإعلام والاستشارة المقدمة للتلاميذ وفي ظل هذا الواقع الإداري تطالها مجموعة من النقائص فصل فيها التقرير على الصفحات 57 و58 و59..من صعوبة إيجاد القاعات الشاغرة والحيز الزمني الشاغر وغياب فضاءات مناسبة للتوجيه…إلخ تساؤلاتنا هي كالتالي.. 1 – كيف يمكن مراجعة نظام التوجيه داخل أجل 06 سنوات من 2018 إلى 2024؟ في ظل هذه الإكراهات الإدارية؟ والواقع الجديد الذي أفرزته الحالة الوبائية لسنتين متتاليتين منذ 2020؟ 2 – ظروف العمل المتردية.. هل هي نقائص في حق أطر التوجيه التربوي أم هي نقائص في حق الإدارة؟ والمسؤولين عن التوجيه مركزيا وجهويا وإقليميا؟ 3 – التأخر في بلوغ أهداف الميثاق الوطني للتربية والتكوين في الرفع من عدد الموجهين للتخصصات العلمية إلى الثلثين 3/2 تطلب 18 سنة عوضا عن 05 سنوات المبرمجة من طرف الوزارة. في ظل النقائص أعلاه، هل يحسب هذا الانجاز للوزارة أم لأطر التوجيه التربوي الذين يشتغلون في غياب تام لوسائل وظروف العمل؟ 4 – هل 178 مفتشا في التوجيه ل886 إطارا عاملا بالقطاعات المدرسية، أي مفتشا واحدا لكل 05 أطر.. هل يحسب هذا من قلة الموارد البشرية في التفتيش؟ كما جاء في جواب الإدارة لفريق التقرير. وإلى ماذا تسعى الإدارة المركزية بالضبط؟ إلى الزيادة من عدد المفتشين إلى معدل مفتش واحد لكل إطار في التوجيه؟؟؟ هل يعقل هذا؟ * على المستوى التربوي : يسجل التقرير ما يلي.. 1 – طلبات إعادة التوجيه مؤشر على مشكل في آليات التوجيه! 2 – ضعف التوجيه إلى الشعب الخاصة كالتكنولوجيا مثلا! 3 – مشكل التلاميذ الموجهين بمعدل يقل عن 20/10 ! 4 – المدرسون أكثر إلماما بقدرات التلاميذ من أطر التوجيه التربوي! 5 – غياب توجيه جميع المستويات الدراسية! 6 – حصص التوجيه غير كافية للتلاميذ! ولتجاوز هذه العقبات يقترح التقرير التوصيات التالية.. 1 – العمل بالمشروع الشخصي. 2 – المواكبة الفردية للتلاميذ في أفق الإدماج في سوق الشغل. 3 – اعتماد عتبة معيارية في توجيه التلاميذ، أي التوجيه بناء على التقييم وليس بناء على اختيارات التلاميذ وأولياء أمورهم. 4 – اعتماد المقابلات الفردية عوضا عن الجماعية. ونطرح بدورنا الأسئلة التالية.. 1 – التوجيه وفق نفس المعايير لجميع التلاميذ وبحصص زمنية قارة لجميع المستويات وتقارير موحدة وبرامج بعناوين ومؤشرات دقيقة بعدد التلاميذ الحاضرين والغائبين وعدد الساعات والسجلات…إلخ أليس هذا نوعا من التدريس للتوجيه؟ وهل أساليب التوجيه هي نفسها أساليب التدريس؟ 2 – لا تتجاوز طلبات إعادة التوجيه 15 في المائة من نسبة التلاميذ الموجهين وهي تدخل في نطاق حرية الاختيار للتلميذ. فهل نلغي هذه الآلية بدعوى خلل مفترض في التوجيه؟ وهل هناك من مشكل أصلا في إعادة التوجيه؟ ألا يدخل في سيرورة التوجيه؟ 3 – هل يعود ضعف التوجيه للشعب الخاصة إلى أطر التوجيه أم إلى عوامل أخرى كمعدلات الانتقاء والطاقة الإستيعابية للمؤسسات المستقبلة…؟ 4 – هل مشكل التلاميذ ′′الموجهين′′ بما يقل عن 20/10 هو مشكل متعلق بالتوجيه أم بعتبة النجاح؟ 5 – كيف يمكن العمل بالمشروع الشخصي والمواكبة الفردية للتلاميذ في ظل معدل التأطير المرتفع جدا؟ 6 – إذا كان المدرسون أكثر إلماما بقدرات التلاميذ في التوجيه من أطر التوجيه أنفسهم، فما الحاجة إذن إلى منظومة التوجيه؟ وإلى المستشارين والمفتشين في التوجيه؟ وإلى بنيات الإعلام والتوجيه إقليميا وجهويا ومركزيا؟ ملاحظة ختامية حول الحكامة بمنظومة التوجيه التربوي : – قد يكون من المفيد جدا التذكير بالمفارقة التالية..ما يتقاضاه مستشارو التوجيه كتعويض عن مهنة الاستشارة والتوجيه وكافة أعبائها المادية والمعنوية لا يتجاوز..260.00 درهما! دون احتساب الاقتطاع الضريبي طبعا!