الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد الاشتراكي
الأحداث المغربية
الأستاذ
الاقتصادية
الأول
الأيام 24
البوصلة
التجديد
التصوف
الجديدة 24
الجسور
الحدود المغربية
الحرة
الدار
الرأي المغربية
الرهان
السند
الشرق المغربية
الشمال 24
الصحراء المغربية
الصحيفة
الصويرة نيوز
الفوانيس السينمائية
القصر الكبير 24
القناة
العرائش أنفو
العلم
العمق المغربي
المساء
المسائية العربية
المغرب 24
المنتخب
النخبة
النهار المغربية
الوجدية
اليوم 24
أخبارنا
أخبار الجنوب
أخبار الناظور
أخبار اليوم
أخبار بلادي
أريفينو
أكادير 24
أكورا بريس
أنا الخبر
أنا المغرب
أون مغاربية
أيت ملول
آسفي اليوم
أسيف
اشتوكة بريس
برلمان
بزنسمان
بوابة القصر الكبير
بوابة إقليم الفقيه بن صالح
أزيلال أون لاين
بريس تطوان
بني ملال أون لاين
خنيفرة أون لاين
بوابة إقليم ميدلت
بوابة قصر السوق
بيان اليوم
تازا سيتي
تازة اليوم وغدا
تطاوين
تطوان بلوس
تطوان نيوز
تليكسبريس
تيزبريس
خريبكة أون لاين
دنيابريس
دوزيم
ديموك بريس
رسالة الأمة
رياضة.ما
ريف بوست
زابريس
زنقة 20
سلا كلوب
سوس رياضة
شباب المغرب
شبكة أندلس الإخبارية
شبكة دليل الريف
شبكة أنباء الشمال
شبكة طنجة الإخبارية
شعب بريس
شمال بوست
شمالي
شورى بريس
صحراء بريس
صوت الحرية
صوت بلادي
طنجة 24
طنجة الأدبية
طنجة نيوز
عالم برس
فبراير
قناة المهاجر
كاب 24 تيفي
كشـ24
كود
كوورة بريس
لكم
لكم الرياضة
لوفوت
محمدية بريس
مراكش بريس
مرايا برس
مغارب كم
مغرب سكوب
ميثاق الرابطة
ناظور برس
ناظور سيتي
ناظور24
نبراس الشباب
نون بريس
نيوز24
هبة سوس
هسبريس
هسبريس الرياضية
هوية بريس
وجدة نيوز
وكالة المغرب العربي
موضوع
كاتب
منطقة
Maghress
المنتخب يرفع نبض الجماهير في وجدة
"الأسود" يشيدون بالدعم الجماهيري بعد الفوز في افتتاح "الكان"
انتصار البداية يعزز ثقة "أسود الأطلس" في بقية مسار كأس إفريقيا للأمم
الاستيطان يتسارع في الضفة الغربية ويقوّض فرص قيام دولة فلسطينية
أزيد من 60 ألف متفرج في المنتخب
رصيف الصحافة: النيابة العامة تنتظر نتائج تشريح جثة رضيعة في فاس
أسود الأطلس يبدأون رحلة المجد الإفريقي بالفوز على جزر القمر
المديرية العامة للأمن الوطني ترفع جاهزيتها لإنجاح العرس الإفريقي
أمطار غزيرة تعم جماعات إقليم الحسيمة وتنعش آمال الفلاحين
تعليق الدراسة بعدد من المؤسسات التعليمية بإقليم الحسيمة بسبب الامطار والثلوج
تصعيد ديموقراطي ضد إدارة ترامب لمحاولتها التعتيم على "وثائق إبستين"
تفوق تاريخي ل"الأسود".. تعرّف على سجل المواجهات بين المغرب وجزر القمر
تصعيد خطير بعد دعوات لطرد الإماراتيين من الجزائر
فرض مبالغ إضافية دون مقابل يثير الجدل في مقاهي طنجة خلال كأس أمم إفريقيا
في الذكرى الخامس للتطبيع.. تظاهرات بالمدن المغربية للمطالبة بإسقاطه ووقف الجرائم في فلسطين
نشرة إنذارية.. تساقطات ثلجية وأمطار قوية أحيانا رعدية وهبات رياح من اليوم الأحد إلى الأربعاء المقبل
وكالة بيت مال القدس الشريف تقدم إستراتيجيتها لدعم قطاع التجارة في القدس برسم سنة 2026
ماكرون يبحث في أبوظبي فرص التعاون
القوات المسلحة الملكية تنشئ ثلاث مستشفيات عسكرية ميدانية بأقاليم أزيلال والحوز وميدلت
إنفانتينو يشيد بالمملكة المغربية مؤكدا قيادتها كرة القدم الإفريقية
دليلة الشعيبي نمودج الفاعلة السياحية الغيورة على وجهة سوس ماسة
أدب ومحاكمة ورحيل
"مجموعة نسائية": الأحكام في حق نزهة مجدي وسعيدة العلمي انتهاك يعكس تصاعد تجريم النضال
"محمد بن عبد الكريم الخطابي في القاهرة من خلال الصحافة المصرية" موضوع اطروحة دكتوراه بكلية عين الشق
أزمة المقاولات الصغيرة تدفع أصحابها لمغادرة الحسيمة ومهنيون يدقون ناقوس الخطر
مغربي مرتبط بالمافيا الإيطالية يُدوّخ الشرطة البلجيكية
ضيعة بكلميم تتحول إلى مخزن للشيرا
التعويض عن الكوارث جزء أصيل من إدارة الأزمة..
مسلحون مجهولون يفتحون النار على المارة في جنوب إفريقيا
السعدي: أعدنا الاعتبار للسياسة بالصدق مع المغاربة.. ولنا العمل وللخصوم البكائيات
"فيسبوك" تختبر وضع حد أقصى للروابط على الصفحات والحسابات المهنية
حركة "التوحيد والإصلاح" ترفض إعلانًا انفصاليًا بالجزائر وتدعو إلى احترام سيادة الدول
مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة
اختتام حملتي "حومتي" و"لقلب لكبير" بجهة طنجة تطوان الحسيمة: مسيرة وطنية بروح التضامن والعطاء
نقابة التعليم بالحزام الجبلي ببني ملال تنتقد زيارة المدير الإقليمي لثانوية بأغبالة وتحمّله مسؤولية تدهور الأوضاع
أجواء ممطرة في توقعات اليوم الأحد بالمغرب
"تيميتار" يحوّل أكادير عاصمة إفريقية
"أفريقيا" تحذر من "رسائل احتيالية"
خطر التوقف عن التفكير وعصر سمو التفاهة
أكادير تحتفي بالعالم بصوت أمازيغي
الدرهم في ارتفاع أمام اليورو والدولار
مهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي في دورته الثانية يشرع في تلقي الأفلام
كأس إفريقيا .. مطارات المغرب تحطم أرقاما قياسية في أعداد الوافدين
الفنانة سمية الألفي تغادر دنيا الناس
البنك الدولي يوافق على منح المغرب أربعة ملايين دولار لتعزيز الصمود المناخي
فتح الله ولعلو يوقّع بطنجة كتابه «زمن مغربي.. مذكرات وقراءات»
الشجرة المباركة تخفف وطأة البطالة على المغاربة
العاصمة الألمانية تسجل أول إصابة بجدري القردة
من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟
السعودية تمنع التصوير داخل الحرمين خلال الحج
منظمة الصحة العالمية تدق ناقوس انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا
7 طرق كي لا يتحوّل تدريس الأطفال إلى حرب يومية
سلالة إنفلونزا جديدة تجتاح نصف الكرة الشمالي... ومنظمة الصحة العالمية تطلق ناقوس الخطر
استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل
سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟
الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
كلُّ منّا يَحْمِلُ صَخرَتَه على كتفه وَيَمْضِي!
لكم
نشر في
لكم
يوم 16 - 11 - 2022
لقد أصبحنا نشكو من كلّ شيء، من وجودنا، من، أنسفنأ من أهالينا، وأقاربنا، وذوينا، وساستنا، وأولادنا، وأصدقائنا، وخلاّننا، وأساتذتنا، ومُعلّمينا، ومَعارفنا، وجيراننا، ومن العاملين معنا، إننا نشكو من إرتفاع الضرائب، وغلوّ الغرامات، وغلاء المعيشة، وضآلة الأجور،وتفشّي البطالة،واستفحال العطالة، ومن سياسة الحكومات الهشّة، ومن مواقف المعارضة السلبية، وتذبذب الأحزاب السياسية المنبطحة في بلداننا ، إننا نشكو من السّائقين، ومن المارّة، والرّاجلين، نشكو من الإكتظاظ، والإزدحام، من الضوضاء، والغوغاء، ومن الصّخب، واللّجب، والدّأب، ومن منبّهات السيّارات، وضجيج القطارات، وهدير الطائرات، وزئير الدبابات، إنّنا نشكو من غضب الطبيعة التي تعصف بنا وبأولادنا وأقربائنا وبني جلدتنا، نشكو من حالات الطقس، ومن الفيضانات المدمّرة، من هبوب الرّياح، وقيظ الصّيف، والتصحّر، والجفاف، ومن زمهرير الشتاء، وحساسيات فصل الرّبيع، وشحوب الخريف، نشكو من الحرّ، والقرّ، من نزلات البّرد التي تعصف بنا، وتقضّ مضجعَنا، من رطوبة الجوّ وتقلّباته، ومن النّاس أجمعين، فكأنّما كلّ شيء في هذا العالم المترامي الأطراف الذي نطلق عليه جزافاً واعتباطاً «الوطن » بات يبعث على
الشكوى والتذمّر والنقمة ..!
الإنسان غالباً ما يغالط نفسَه، ويخادعها، فقد تلتقي صدفةً بصديقٍ لك في أيّ بلدٍ أو سواه وما أن تسأل عنه، وعن صحّته، وعن لونه، وأحواله حتى يبادرك بالقول دون تفكير أو رويّة منه أنه وعشيرته على خير ما يرام، في حين أنّهم قد يكونوا غارقين في بؤسٍ، وحزن، وهمومٍ، وأسىً ليس له قرار...! وإذا عاد الواحد منهم إلى بيته في المساء، يؤوب وقد شحن رأسه بالعديد من الأفكار، والأقوال والمفاجآت، والمعايشات، والمشاكسات، والمناوشات، والمنغّصات التي مرّت به طوال اليوم، لابدّ أنه يظلّ يشعر بضيقٍ ما لم يركن إلى جوار أحد أقاربه، أو معارفه، أو ذويه ليملي عليه شريط أحداث يومه التي تعاقبت عليه .
كثيراً ما يتبادر إلى أذهاننا في حياتنا اليوميّة المتواترة التساؤل التالي: هل أصبح الإنسانُ في العصرالحاضر مخلوقاً حزيناً، شاكياً، باكياً، شقيّاً، متذمّراً، سيزيفيَّ النّزعة بطبعه..؟ الجواب هو بدون تردّد: أجل هذه حقيقة لا مِراء فيها ولا يمكن نكرانها، كلّ عربيّ أمسىَ اليوم يشعر بهذه الشكوى في قرارة نفسه، ويلمسها في الآخرين، نظراً للظروف الصّعبة، والمشاكل المستعصية، والقلاقل الوخيمة، والمستجدّات الخطيرة التي أضحى يتخبّط فيها في زمننا هذا الكئيب.
الإنسان إجتماعيّ بطبعه!
ثمّ ماذا يفيد الإنسان من أيّ عِرقٍ كان من شكواه..؟ في ظاهر الأمر يبدو أنه لا يفيد طائلاً يُذكر، وهو إنما يقوم «بعملية التنفيس عن النفس»، وكلٌّ منّا مهما كانت مكانته، وملكاته، وقدراته العقلية أو النفسية لا يستطيع أن يكبح في قرارة نفسه هذه الرّغبة الجامحة، والغامضة، التي لا يمكن نكرانها، فالضغط يولّد الإنفجار كما يُقال.وكلّ انسان يريد أن يحكي، ويشتكي، وما على الآخرين إلاّ الإنصات أو الإصغاء، وعليهم كذلك مقاسمته مشاعرَه، ومشاركته معاناته، ومشاطرته أشجانَه، وذلك حتّى يحافظ على توازنه وثباته، وسلامته النفسية، والعقلية في آنٍ واحد. وما هؤلاء المساكين الذين يُوسمون بالحمقى، أوهؤلاء الذين بهم مسّ من الجنون إلاّ أناس لم يوفّقوا في العثور على مَنْ يُصغي إلى شكواهم، وأنّاتهم، وآهاتهم فخلقوا لهم من أنفسهم شخصياتٍ ثانوية، أو مزدوجة جعلوا لهم منها أصدقاءَ وهمييّن، أوإفتراضيّين، لذا تراهم في كلّ حين يتحادثون، ويتحاورون، ويتهامسون، ويتشاورون، ويفكّرون بصوت جهوريّ عالٍ وحدهم أو مع ذواتهم، وقد أوجدوا لها «عالماً خاصّاً» بهم يأسَف له وعليه «العقلاء»، أمّا هم فلا أحد يدري ما هو شعورهم الحقيقي تجاهه.كان أرسطو يقول إنّ الإنسان على وجه العموم مدنيبطبعه وكان إبن خلدون يقول إنّ الإنسان (إجتماعيّ بطبعه)، يحبّ التجمّع، والحضارة، والعمران، والإختلاط، وإعمار المدن والحواضر، ويمقت العزلة، والتهميش، والبعاد عن النّاس، ومن ثمّ ظهرت التجمّعات البشرية، ونشأت الضّيع، والقرىَ، والمداشر، والعشائر، والأسواق، والمواسم، والمدن، والحواضر الكبرى، هذه حقيقة لا مراء فيها، ولكنّها قد تغيب عن كثيرين منّا فيعرّضون أنفسَهم لمخاطر قد تعود عليهم بما لا يُحمد عقباه. فعلى الرّغم ممّا يسود (المدنية) في عالمنا من نفاق، وريّاء، وتفاوت، وتعنّت، ومداهنة، ومصانعة، وتناقضات، وفروق، ومخاطر، وشرور، وويلات فإنّها مع ذلك تسهم بشكل أو بآخر في إزاحة ستائر الإستلاب الذي يحجب الواحد منّا عن الآخر، هذا التجمّع والإتصال لابدّ أنّهما يخفّفان عن المرء وطأةَ الشّعور بالمأساة، وفداحة الإحساس بالقلق والحيرة، لذا نراه يحاول بشتّى الطرق، وبمختلف الوسائل تجنّب ذلك وتفاديه، والإندماج في كلّ ما من شأنه أن يُقصي عنه شبحَ هذه العزلة القاتلة، والوحدة المميتة، والإضطرابات النفسية كمصاحبة الأصدقاء، ومخالطة الخلاّن، والمشاركة في مختلف الأنشطة، والتظاهرات، والمنتديات، والملتقيات، والإحتفاليات، ويتردّد على النوادي، ويرتاد الملاعبَ، وينخرط في الجمعيات، كما أنّ هناك من يفضل أن يؤمّ المقاهي للعب النرد، والطاولة، والورق، وما أكثرها في عالمنا العربي.!
وما «الزّواج» في آخر المطاف إلاّ فرار من العزلة الخانقة، والبحث عن العِشرة، والمعاشرة، والأنس والمؤانسة، والإختلاط مع الآخر، ومعنى الكلمة اللغوي يؤكّد جوهرَه، فقد جاء هذا المعنى مفصّلاً بإفاضة في معظم المعاجم العربية. فكلّ واحد من الزّوجين أَيضاً يسمّى زَوْجاً، ويقال: هما زَوْجان للإثنين وهما زَوْجٌ، كما يقال: هما سِيَّانِ وهما سَواءٌ؛ والزَّوْجُ هو الفَرْدُ الذي له قَرِين. والزّوج أو جوج (بعد أن قلبت الزّاي جيماً) يعنى في العاميّة المغاربية (إثنان)، وعلى الحدود البرّيّة الشرقية المغربية الجزائرية مكان أو موضع معروف يسمّى (جُوجْ بغال) (أيّ بغلان) وهو محلُّ تندّرٍ وسخريةمن طرف مواطني البلدين الشقيقين. في حين يعبّر إخواننا المشارقة عن «جوج» بكلمة (
إثنان، أوإتنين، أو ثنتيْن.
الشّقاء
. وأقصوصة «الشّقاء» أو «الأشقياء» للكاتب الرّوسي الذّائع الصّيت أنطون تشيخوف تصوّر حالنا وحالة كلّ عربي في حاجته الملحّة إلى الشكوى، والإفصاح، والتنفيس عن النّفس تصويراً دقيقاً تكاد تنفرد به بين باقي الآداب العالميّة. فأيّونا بوتابوف رجل مسنّ يسوق زحّافة تجرّها مهرتُه الهزيلة الهرمة، يظلّ يجوب شوارع المدينة الكبرى المترامية الأطراف، ويقطعها شرقاّ وغرباً وفي كلّ إتّجاه، ينقل الناسَ في زحافته من مكانٍ إلى آخر ليمنحوه نظير ذلك ما لا يسمن ولا يغني من جوع، ولكنّ المسألة ليست هنا، بل إنّ له إبناً مريضاً في البيت، وهو في مُقتبل العُمر، وأيّونا، يقول: كان من المفروض أن يكون إبني هو الذي يسوق هذه الزحّافة، ويعمل لا أنا. ولكنّه مريض ومُقعد، هذه أيضاً ليست هي المشكلة..! معضلته الحقيقية التي تؤرقه، وتعذّبه، وتضنيه كونه يريد أن ينقل هذا الخبر، أو بالأحرى هذه الشكوى إلى أحد، أيّ أنه يبحث عن الآخر الذي يقاسمه محنته، ويشاركه مأساته، ويشاطره معاناته، ويخفّف عنه الآلام التي أخذت منه كلّ مأخذ، والتعب، والإنهاك اللذين يهدّان كيانَه، ويصغي إلى شكواه...
فيظلّ الوقت بطوله يبحث، ويحاول الكلام أو التحدّث إلى أحد، ولكن لا أحد يريد أن يُصغي إليه، الكلّ يعرض عنه، ويوليه ظهره، وينصرف لحال سبيله، أو إلى عمله، ولهوه، وغيّه، ومجونه، ومروقه، ومشاغله، وإنْ هو في نظر الجميع إلّا عجوز أبله ثرثار...ففى كلّ مرّةٍ كان يحاول فيها تحقيق رغبته كان يخفق في مسعاه، الركّاب اللذين ينقلهم من مكان إلى آخر دائماً هم مشغولون بأمورهم، إنّهم يضحكون، يقهقهون، يصيحون، يمرحون، يتهكّمون، يزدرون، يعربدون،ويسخرون ولا يولونه أدنى إكتراث، وكانت كلماته تطير أدراج الرّياح، وتضيع في غياهب الليل البهيم، وحينما يعود إلى البيت في آخر الليل مرهق الجسم، خائرالقوى، وقد أخذ التعب منه منتهاه، وبينما كانت مُهرته الهزيلة تأكل، وتقضم كومةً من التّين الجافّ في هدوء جلس إلى جانبها، مطأطئ الرأس، منهوك القوى، وحكى لها أوعليها الحكاية كلّها، وهي تُصغي إليه بإهتمام بالغ بعد أن أدارت عينيْها الواسعتين نحوه دون أن تحرّك رأسَها...! تشيخوف في هذه الأقصوصة كأنّه يريد أن يقول لنا: أنْ لابدّ للإنسان أن يشكو، أو يشتكي، وأن يقاسم الآخرين معاناته، وآلامَه، ومآسيه..!. وتصوّر لنا هذه الأقصوصة كذلك مقدارَ الخطورة التي تنطوي عليها هذه المسألة، فإبلاغ الآخرين أفراحَنا، وأتراحَنا، ومشاكلنا، ورغباتنا، ومسرّاتنا، وآلامنا، وأحزاننا، وتخوّفاتنا، ومعاناتنا، ومشاغلنا أمر لا مندوحة لنا عنه.
بؤساء هُوغُو
أمّا الرّوائي الفرنسي الذائع الصّيت فيكتور هوغو صاحب رواية «البؤساء» التي طبّقت شهرتها الآفاق، فقد عبّر عن هذه المشاعر الدفينة في الإنسان في عصره، وفى العصور التي تلته، فبالإضافة إلى ما جاء في روايته الآنفة الذكر، فقد عبّر عن ذلك صراحةً كذلك، وبلغة تقريريّة مباشرة إلاّ أنّها لغة لا تخلو من جمالية، وروعة، وإبداع فريد ضمن خطاب شهير كان قد ألقاه حول (البؤس، والبؤساء) في الجمعية التشريعية الفرنسية، وهي المؤسّسة الشرعيّة التي حلّت محلَّ البرلمان الفرنسي بعد حلّه، في 9 تموز/يوليو 1849 وكأنه خطيب عربي مصقع مفوّه في عصرنا يخاطب قومَه من أعلى أيّ منبر برلماني عربي فيقول في هذا الخطاب المبطّن بفيضٍ هائلٍ من السّخرية، والتهكّم والإزدراء: «أنا، أيّها السّادة، لست ممّن يعتقدون أّنه بالإمكان إزالة الألم من هذا العالم، فالوجع قانون إلهيّ. ولكّنني
من بين الذين يعتقدون ويؤّكدون أّنه يمكننا القضاء على البؤس جيدًا، أيها الّسادة، أّنيّ لا أقول التخفيف منه، ولا التقليل، ولا حصرَه، ولا الحدّ منه. (وإّنما) ّ أقول القضاء عليه. إنّ البؤس هو مرض (أصاب) الجسدَ الاجتماعّي تمامًا مثل الجذام، والأمراض التي كانت تصيب الجسدَ الإنسانّي. فالبؤس يمكن أن يختفي مثلما إختفى الجذام. القضاء على البؤس نعم، هذا ممكن ¡ وعلى المشرّعين والحكّام أن يفكّروا فيه دون هوادة. ففي قضية كهذه، بقدر ما لا يكون الفعل هو الممكن، فإنّ الواجب يظل منقوصًا». ومن الوقائع التي تلاها « هوغو» في هذا الخطاب: «.. هذه الأيام الأخيرة، (ثمة) أديب، يا إلهي، أديب شقيّ، فالبؤس يصيب المهن الليبرالية بقدر ما يصيب المهن اليدوية، أجل (ثمة) أديب بائس شقيّ مات جوعًا، مات بسبب الجوع فعلًا. وقد علمنا، بعد موته، أنّه لم يأكل منذ ستّة أيام. هل تريدون شيئًا آخرًا أشدَّ إيلامًا..؟ الشّهر الماضي، وخلال تفاقم وباء الكوليرا، وجدنا أمّاً وأطفالها الأربعة يبحثون عن طعام لهم في المزابل...وو»، الكاتب الفرنسي وكأنّي به يخاطب عالمنا العربي إذ ما أكثر المصائب والويلات التي أصبحنا نعاني منها في عصرنا ممّا ذكر، فقد وضع أصبعَه على مكمن الدّاء، فالبّؤس عنده هو «أمّ الرّذائل»، وإلاّ لما وضع رواية ضربت شهرتها الأطناب بنفس العنوان: «البؤساء» ¡ أو بمعنى آخر لقد عرف هوغو أين تولد
الشّكوى حياتنا اليومية في زمنه، وفي زمننا هذا الرّديئ..!
أيّ الناس تَصْفُو مَشَارِبُه ؟
ولا يبقى لنا في آخر المطاف سوى تاريخنا الخالد، وماضينا التالد فما أعظم زهوَنا بهما، إليهما نعود دائماً لنستخرج ونستخلص منهما العبرَ والأمثالَ التي يحفل بها تراثنا المجيد لنتمعّن حِكَمَه المأثورة التي تقول: لا تتحرّجوا، ولا تضطربوا، ولا تُبدُوا صدوداً، ولا نفوراً، أو عبوساً إذا قصدكم صديق، وقد أثقلتْ ظهرَه الهموم، وناءت بكاهله الأحزان، وهدّ كلكلهالعياء، وإسودّت الدّنيا في عينيه، بل إصغُوا إليه، وقاسموه شكواه، وشاركوه همومَه، وشاطروه مآسيه، وخفّفوا عنه معاناته، وإجعلوا من أنفسكم ملاذاً آمناً مطمئنّاً له، ومن صدوركم مأوىً مريحاً لآهاته، وأحزانه، وأتراحه، فقلّما نجد في عالمنا العربي، والأمازيغي ومن كلّ الأعراق، والأجناس، والإثنيات مَنْ لا يشكو، أو يشتكي، وقلّما نعثر في دنيانا على مَنْ( صَفَتْ مَشَارِبُه)، فكلّنا من مناهل، ومن مَشارب (القَذَى) ننهل كلّ يوم أكواباً، و نترع أكؤساً، ونحتسي أوانيَ من بالمرارة، والمضض، والحنظل، يتفاوت طعمها، ويتباين ذوقها عند كلّ منّا من بلدٍ إلى آخر، ولحظة الفَرَج أو الإنفراج بالنسبة لنا، ولبني طينتنا، تلك التي تتهيّأ لنا فيها فرصة إبلاغ أو إفراغ ما في صدورنا، وجوفنا من آلام، أوأنين، أوعتاب، أو شكوى وما أكثرها عندنا .
كاتب من المغرب ، عضو الأكاديمية الاسبانية الأمريكية للآداب والعلوم بوغوطا كولومبيا.
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
هل أصبح الإنسانُ المعاصر مخلوقاً شاكياً باكياً متذمّراً بطبعه..؟
الشّكوى فى حياة النّاس..
كاتبة إسبانية تحلق بجناحي الواقع والإنسانية في سماء المغرب
«تحليق فوق المغرب» للكاتبة الاسبانية «كونشا لوبيث ساراسُّووَا» .. قصص تطفح بمشاعر الحَنين إلى الجُذور
الأدبُ والحياة
أبلغ عن إشهار غير لائق