نشرة إنذارية: موجة حر من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    الملك يشيد بالصداقة مع مونتينيغرو    إسبانيا.. أمطار غزيرة تتسبب في فقدان شخصين وتعليق القطارات بكتالونيا (فيديو)    مدرب المغرب يشيد بأداء الدفاع بعد الفوز على السنغال في كأس أمم إفريقيا للسيدات    توقعات أحوال الطقس الأحد    منفذ "هجوم مسلح" ينتحر في النمسا    ألمانيا تدعو إلى إجراء مفاوضات عملية وسريعة لحل النزاع التجاري مع الولايات المتحدة    جسم غامض خارجي يقترب من الشمس بسرعة خارقة يثير حيرة العلماء    الرابطة المغربية للشباب والطلبة تختتم مخيم "الحق في الماء" بمركب ليكسوس بالعرائش    سوريا تسيطر على معظم حرائق الغابات    شفشاون: يوم تواصلي حول تفعيل مضامين الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب ودوار الزاوية    محكمة جرائم الأموال تؤيد الحكم الابتدائي الصادر في حق مسؤولي بنك اختلسوا أموالا كبيرة    محكوم ب 27 سنة..بلجيكا تطلب تسلم بارون مخدرات مغربي من دبي    "بوحمرون" يسلب حياة طفل في مدينة ليفربول    صدور كتاب عن قبيلة "إبقوين" الريفية يفكك الأساطير المؤسسة لقضية "القرصنة" عند الريفيين    يديعوت أحرونوت: موجة هجرة إسرائيلية غير رسمية نحو المغرب في خضم الحرب    صحافي أمريكي: الملياردير جيفري إبستين صاحب فضيحة شبكة الدعارة بالقاصرات كان يعمل لصالح إسرائيل    الدفاع المدني ينعى قتلى بقطاع غزة    أزيد من 311 ألف ناجح في البكالوريا برسم دورة 2025 بنسبة نجاح بلغت 83.3%    غرق شاب بشاطئ تمرسات بالبركانيين وعملية البحث عن جثته متواصلة    أقدم مكتبة في دولة المجر تكافح "غزو الخنافس"    تقرير: المغرب ضمن 3 دول أطلقت سياسات جديدة لدعم الزراعة الشمسية خلال 2024    طنجة.. إغلاق مقهى شيشة بمحيط مالاباطا بعد شكايات من نزلاء فندق فاخر    حادث خطير داخل "الفيريا" بمرتيل يُخلّف إصابات ويثير مخاوف الزوار    من ضحية إلى مشتبه به .. قضية طعن والد لامين جمال تتخذ منحى جديدًا    فيلدا: فخور بأداء "اللبؤات" أمام السنغال        الطالبي العلمي: المغرب يجعل من التضامن والتنمية المشتركة ركيزة لتعاونه جنوب-جنوب    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم سيدات.. المنتخب المغربي يتأهل إلى دور الربع نهائي بعد فوزه على نظيره السنغالي (1-0)    خطوة مفاجئة في إسبانيا .. ملقة ترفض استقبال مباريات "مونديال 2030"    لبؤات الأطلس يتأهلن إلى ربع نهائي "كان السيدات" بعد فوز صعب على السنغال    أسعار الذهب تتجاوز 3350 دولارا للأوقية في ظل التوترات التجارية العالمية    الملك يهنئ رئيس ساو طومي وبرانسيبي    المغرب يفتح باب الترخيص لإرساء شبكة 5G    تقرير دولي يضع المغرب في مرتبة متأخرة من حيث جودة الحياة    الصندوق المغربي للتقاعد يطلق نسخة جديدة من تطبيقه الهاتفي "CMR" لتقريب الخدمات من المرتفقين    فاس تحتضن لقاء لتعزيز الاستثمار في وحدات ذبح الدواجن العصرية    دراسة: التلقيح في حالات الطوارئ يقلل الوفيات بنسبة 60%    مهرجان "موغا" يعود إلى مدينته الأصلية الصويرة في دورته الخامسة    اجتماعات بالرباط للجنة التقنية ولجنة تسيير مشروع أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي                الطبخ المغربي يتألق في واشنطن.. المغرب يحصد جائزة لجنة التحكيم في "تحدي سفراء الطهاة 2025"    أغنية "إنسى" لهند زيادي تحصد نسب مشاهدة قوية في أقل من 24 ساعة    عبد العزيز المودن .. الآسَفِي عاشِق التُّحف والتراث    أخرباش تحذر من مخاطر التضليل الرقمي على الانتخابات في زمن الذكاء الاصطناعي    بورصة البيضاء .. أداء أسبوعي إيجابي    نحو طب دقيق للتوحد .. اكتشاف أنماط جينية مختلفة يغيّر مسار العلاج    علماء ينجحون في تطوير دواء يؤخر ظهور السكري من النوع الأول لعدة سنوات    الدوري الماسي.. سفيان البقالي يفوز بسباق 3000م موانع في موناكو    من السامية إلى العُربانية .. جدل التصنيفات اللغوية ومخاطر التبسيط الإعلامي    باحثون بريطانيون يطورون دواء يؤخر الإصابة بداء السكري من النوع الأول    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجال دولة للاستهلاك
نشر في لكم يوم 14 - 09 - 2013

يرى كريستيان سالمون في كتاب «La Cérémonie cannibale» الصّادر مؤخّراً عن منشورات «فايار» أنّ التواصل السياسي لم يعد يرمي إلى تنسيق اللغة فحسب، بل إلى تحويل رجل الدولة إلى سلعة استهلاكيّة. ويحلّل العملية التي من خلالها يميل السياسي إلى تبنّي خطاب يتيح له الحفاظ على السلطة الوحيدة المتبقّية له، بعد أن جُرِّد تدريجيّاً من سلطته الأصليّة الكامنة في قدرته على التأثير فعليّاً في نفوس الناخبين. وهو يُحكم سلطته هذه من خلال سرد أسطورة عن حياته وعن مصير البلاد التي يعتزم حكمها وعن الشعب الذي يزعم تمثيله. وقد أسهمت الصدمات النفطية ونشأة الاتحاد الأوروبي وتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في حرمان رجل السياسة من دوره كزعيم، وأرغمته على الرضوخ لإملاءات «النيوليبرالية»، مع كلّ ما يستتبعه ذلك من سردٍ قصصي، وبريق منسَّق، و«تقادُم مبرمَج». وينتهي الكتاب إلى الفرضيّة الأوّليّة، ومفادها أنّ رجل السياسة ستبتلعه في نهاية المطاف السّلطة التي يخال انّه يمتلكها.
يصف سالمون في كتابه «احتفال أكل لحوم البشر»، المشهد السياسي الجديد في العالم، حيث تتجسد مأساة «التهام» رجل السياسة كما عرفناه
منذ أكثر من مئتي عام، وذلك بتأثير السياسات النيوليبرالية وثورة الاتصالات التي دفعت الساحة السياسية إلى الانتقال من المواقع التقليدية لممارسة السلطة إلى وسائل الإعلام و«الإنترنت» وشبكات التواصل الاجتماعي، وطغت الشبكات الإخبارية المتواصلة ذات التغطية المباشرة على النقاش الديموقراطي الطويل، فأصبح رجل السياسة أقرب إلى سلعة استهلاكية، أو شخصيّة تقدّم أداءً محدَّداً في مسلسل تلفزيوني، منه إلى شخصية تتمتّع بنفوذ فعليّ.
ولا يستخفّ سالمون بالأداء الذي يقدّمه رجل السياسة، بل يعترف بأنّه أداء معقَّد لا يقتصر على سرد قصّةٍ فحسب، بل يشمل السيطرة على الأجندة الإعلامية، وتأطير النقاش العامّ من خلال العزف على وتر الاستعارات ومكوّنات اللغة، وخصوصاً إنشاء مساحة تتيح نشر رسائل معيّنة تنتقل كالعدوى مُلهبةً مشاعر المستمعين، كالخوض في الجدل المصطنع حول «اللحم الحلال» في الحملة الرئاسية العام الماضي على سبيل المثال.
ثمّ ينتقل الكاتب إلى «السرد القصصي» معتبراً أنّ النجاح الذي حقّقه هذا المفهوم منذ خمس سنوات، عزّز اعتقاداً جديداً مفاده أنّ على رجل دولة أن يروي قصّةً ما على مسمع الأمة. وبدا فوز باراك أوباما في العام 2008 انتصاراً «للسرد القصصي» في السياسة، لا بل غدا وكأنّه وصفة سحرية بين أيدي المستشارين، فاقمت فقدان الثقة في الخطاب العامّ. ويُفضّل سالمون تعبير «الأداء السردي» على «السرد القصصي» لأنّه يضمّ عناصر السينوغرافيا، وتأثيرات «الإنترنت»، وتفاعل القصص بعضها بالبعض الآخر في وسائل الإعلام العالمية. فقد فات الزمن الذي كان فيه الحاكم يخاطب شعباً ساكناً وساذجاً، ذلك أنّ كل الشخصيّات الإعلاميّة (من سياسية، ورياضية وغيرها) باتت عرضة للنّقد الذي لا يرحم على شبكات التواصل الاجتماعي، وأبرزها «تويتر» و«فايسبوك»، فكأنّها سوقٌ كبير يدخل مُعتركه عددٌ لا يُعدّ ولا يُحصى من القصص التي يتشاركها الأشخاص ويختلفون بشأنها. ولا تشكّل القصّة عصا سحرية في يد هؤلاء الأشخاص، بل وسيلة نضالية. فجميعنا منخرطون في استراتيجيّة سرديّة.
أمّا عن تاريخ هذه الظاهرة، فيعزو كريستيان سالمون نشأتها إلى تحوّلين رئيسَين طرآ على ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم، هما: الثورة النيوليبرالية وثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وقد رمت النيوليبرالية إلى تسليم سُدة الحكم لمسؤولين تمحورت مهامّهم حول مفارقة ثلاثيّة هي: تفكيك سيادة الدولة، ونزع سلاحها، وتجريدها من جوهرها. والنتيجة أمام أعيننا: ضعف السيادة الوطنية أينما كان من خلال اللامركزية من جهة، ونشأة المؤسسات الأوروبية والشركات المتعدّدة الجنسيات والأسواق المالية من جهة أخرى... إذا، بات يصعب على رجال الدولة أن يمارسوا السلطة وأن يمثّلوا أي شرعية بعد التغيّر الذي شهدته رمزيّة السلطة: من تجسيد الوظيفة الرئاسيّة إلى التركيز على عرض شخص الرئيس. وتبدّى ذلك من خلال ظهور جيل جديد من السياسيين على رأسهم بيل كلينتون، وسيلفيو برلوسكوني، وتوني بلير، وجورج بوش، ونيكولا ساركوزي، وهم جميعاً مؤدّون يتميّزون بإطلالاتهم التلفزيونية المكثّفة، وبقدرتهم على جذب الانتباه، وبحرصهم على زيادة معدّلات المشاهدة، بحيث تجوز تسميتهم خبراء استراتيجيّين في التوتّر السردي.
ويشرح سالمون أيضاً كيف يفضي هذا الأداء إلى التهام الذات، باعتباره ينطوي على تناقضات عدّة. المفارقة الأولى هي أنّ تضخيم القصص يدمّر مصداقيّة الراوي، وخير مثال على ذلك نيكولا ساركوزي. المفارقة الثانية هي أنّ التعبئة الشديدة للمشاهدين في أثناء الحملات الانتخابية يؤدّي إلى إدمان حقيقيّ ينتهي باكتئاب، كما هي الحال عند تعاطي المخدرات. وينعكس هذا الاكتئاب الديموقراطي مشاركةً متدنّية في الانتخابات النصفية، وهبوطاً في نسبة المشاهدة، وفقدان الثقة في الخطاب العام... إذا، سوف يحظى السياسي بالشعبية طالما أنّه لا يتسلّم السلطة. وتكمن المفارقة الثالثة في «النزعة الإرادية العاجزة»، أي تعويل رجل السياسة على الإرادة عندما تفتقر السلطة إلى الوسائل الضرورية لإنجاز عملٍ ما، واعتماد شعارات حماسيّة تدعو إلى التغيير، على غرار «نعم، نستطيع ذلك!» ولكنْ، سرعان ما يلمس هذا السياسي المُنتخَب الواقع المرير والجمهور المنقسم. فلا يبقى أمامه سوى المزايدة للتعويض عن فشله في تحقيق أي إنجاز يُذكر.
يعتبر كريستيان سالمون أنّنا نشهد عقب أزمة العام 2008 وانحسار موجة المؤدّين من أمثال ساركوزي وبوش وبرلوسكوني، منحىً جديداً يتمثّل في وصول محاسبين يضعون النظارات إلى سُدة الحكم، وعلى رأسهم ماريانو راخُوي وماريو مونتي وفرانسوا هولاند الذي يواظب في مؤتمراته الصحافية على اعتماد خطاب كلاسيكي من الطراز القديم يُظهره على أنّه شخصٌ معتدل ورئيسٌ متوازن يحافظ على توازن الموازنة... فبعد أعوام «الساركوكايين»، أخضع هولاند الفرنسيين لعلاج مضادٍّ للاكتئاب طوال الحملة الرئاسية التي أظهرته على أنّه رئيسٌ عاديّ. قَدّر له الفرنسيّون ذلك حتّى أواخر صيف العام 2012، ثمّ عادوا يطالبون بجرعتهم من القصص والتشويق والفضائح والأحداث المفاجئة، وما انفكّوا يتساءلون «متى سيخبر الرئيس الجديد قصّته». فالسياسيّ الذي لا يروي قصّته، يرويها آخرون عنه...
حتماً، لا يمكن الحديث عن رمزيّة السلطة من دون سيادة حقيقية. ويقدّم سالمون في هذا السياق مثالاً عن فرنسا الفيشية باعتبارها دولة ظاهريّاً، ذلك أنّها لم تكن يوماً سياديّة. ولكنْ، في الوقت نفسه، لا معنى لأيّ سيادة إذا لم تتكامل مع رمزيّة الدولة. فصورُ «الملك» تُعرض أينما كان، ويُطبع وجهه على الأوراق النقديّة، وتُنظَّم إطلالاته العامّة. بيد أنّ العولمة ونشأة الاتحاد الأوروبي فكّتا الارتباط القائم بين السيادة وجهازها التمثيلي، فبتنا نرى قرارات تصدر من دون وجوه من جهة، ووجوه عاجزة عن أي قرار من جهة أخرى...
وقد يخلص القارئ إلى أنّ نظرة كريستيان سالمون إلى السياسة متشائمة جدّاً. فبرأيه، رجل السياسة التقليدي في طور الانقراض. وعبثاً يناضل هذا السياسي للبقاء على قيد الحياة، يبقى خاسراً في المعركة التي يقودها في قلب نظام ينهشه شيئاً فشيئاً.
يرى سالمون أنّ متابعي المشهد السياسي يمكن أن يؤسّسوا لشكلٍ جديد من الأدوار الكلاسيكيّة، شرط أن يمتدّ نطاقها إلى خارج حدود الوطن الواحد، أو حتى إلى خارج الحدود الأوروبية. فنحن اليوم نشهد ولادة عالمٍ جديد وولادة لاعبين جدد في كلٍّ من أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا والعالم العربي. ناهيك عن أنّ الشعوب عادت مجدّداً إلى إسماع صوتها في الساحات العامّة. وسوف يسهم تطوّر تكنولوجيا الاتصالات أكثر بعد في ظهور منابر جديدة للنقاش الديموقراطي، وفي بلوغ ديموقراطية تتخطى الحدود الإقليمية. عندئذٍ، في هذا الفضاء المفتوح، يسعنا أن نجرؤ على تصوّر انتماءات متعدّدة، ومفهوم آخر للمواطنيّة...
ترجمة أسيل الحاج عن الملحق الثقافي لجريدة «لوموند» الفرنسيةا
المصدر: صحيفة السفير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.