"بناء مستقبل الحريات: حرية التعبير كمحرك لكافة حقوق الإنسان الأخرى"، الشعار الذى اختاره المنتظم الدولي للاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف الثالث من ماي من كل سنة، وهي فرصة للصحفيين وفعاليات المجتمع المدني والسلطات والأكاديميين والجمهور للتداول حول الرهانات والتحديات التي تواجه حرية الصحافة وسلامة الصحفيين واستشراف الحلول الممكنة بمقاربة تشاركية، بهدف توسيع مجال ممارسة حرية الاعلام والصحافة، في ظل عالم متغير. ويتزامن تخليد هذه المناسبة، مع الذكرى 30 لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1993، اعلان يوم عالمي لحرية الصحافة، وهو ما يوهو ما يجعلها تكتسى دلالة خاصة و تشكل كذلك فرصة للتأكيد على ضرورة تمكين الصحفيات والصحفيين بمختلف وسائل الاعلام من ممارسة عملهم بصورة حرة ومستقلة وأمنة وخالية من أي عائق أو تهديد وأعمال انتقامية، إذ أن لا ديمقيراطية بدون حرية الصحافة. اعلام وحقوق انسان إن اختيار " دور الإعلام في تعزيز والنهوض بثقافة حقوق الإنسان "، موضوعا لهذه الندوة، يترجم الارتباط الوثيق ما بين حقوق الانسان وحرية الصحافة التي تدخل في صلب حقوق الانسان، من زاوية حرية التعبير المكفولة كونيا لكافة المواطنيات والمواطنين، وأن حرية الصحافة، التي تظل أم حريات التعبير، وأرقاها، والتي تتكرس بوظيفة الصحافة كسلطة مضادة، ورقابة في تشكيل الرأي العام، ومدافعة ومناصرة لحقوق الإنسان. " لماذا هذا الاهتمام بتحليل العلاقة بين الإعلام المغربي وحقوق الإنسان؟"، السؤال محوري الذي طرحته أرضية الندوة وحددت عناصره الأساسية أرضية اللقاء في شقين، أولهما يهم مسؤولية الصحافي في تمكين المواطنين من المعلومات الصحيحة والمفيدة، وثانيها، في حقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها كمرجع أساسي لأخلاقيات الصحافة، وهو ما يمكن الوقوف عليه في مضامين المرجعيات الدولية، التي تأتي في مقدمتها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الصادر عام 1948 التي تنص صراحة على أن " لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية"، إذن فمنطوق المادة 19 يؤكد على أن حرية التعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان". مقياس الحرية كما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة نصت في القرار رقم 59 (د-1) عام 1946، على " أن حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات". وتعززت العلاقة بين الحقلين الإعلامي والحقوقي، كذلك ب" إعلان المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي، وتعزيز حقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض علي الحرب"، الصادر في 28 نونبر 1978، عن المؤتمر العام لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة ( اليونيسكو ) في دورته العشرين والذي نص في مادته الثانية على " أن ممارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام، المعترف بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، هي عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدولي…وأن وسائل الإعلام، تسهم في كل بقعة من بقاع العالم، وبحكم الدور المنوط بها، في تعزيز حقوق الإنسان". ترابط وتكامل وانطلاقا من هذه المرجعيات الدولية يتضح بجلاء أن العلاقة ما بين الصحافة وحقوق الانسان، علاقة تكامل وترابط على المستويين الموضوعي والنظري، وذات طبيعة محورية ومتعددة الأبعاد، يجعل الإعلام يتبوأ مكانة مركزية في ميدان حقوق الانسان، ليس فقط اعتبارا لموقعه الرئيس في منظومة الحريات العامة، جوهر حقوق الانسان، ولكن كذلك لتأثيره الفعال في معادلات بناء الوعي، وتشكيل الرأي العام، ولدوره الرقابي وقدرته على توفير المعلومات، ومواكبة كافة القضايا ومنها ذات الأبعاد الحقوقية. وفي ظل التطور المتلاحق الذي تشهده منظومة حقوق الإنسان، وظهور أجيال جديدة منها، تحولت معه هذه المنظومة، ما يمكن وصفها ب" موسوعة حقوق الإنسان" لها آلياتها ولجانها وملتقياتها، وتأثيراها الحاسمة في تحديد موقع البلدان وصورتها على الصعيد الدولي. وبالمقابل زادت أهمية الإعلام وتحدياته بفضل الثورة الرقمية، و أضحت العلاقة القائمة بين الإعلام وحقوق الإنسان، ترتدى أهمية متزايدة في العصر الراهن. حياد وموضوعية و بفضل الثورة الرقمية تضاعف تأثير دور الاعلام على كافة المجالات منها حقوق الإنسان، لما للسلطة الرابعة من أهمية في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان ونشر مبادئها، والمساهمة في فضح الانتهاكات التي قد تطالها. وفي هذا السياق، هل يمكن للإعلام أن يلتزم الحياد في التعاطي مع قضايا حقوق الإنسان؟ .لتلمس الجواب عن هذا السؤال، يمكن القول بأنه، بغض النظر عن التعريفات النظرية للحياد والموضوعية في الممارسة الإعلامية، وحدودهما، تظل مسألة مشروعة، ومطلوبة في كل عمل صحافي مهني، يرمى الى البحث عن الحقيقة، ولكون الحياد الموضوعية، في الممارسة الإعلامية، تقابلها بالخصوص المهنية والصدق والنزاهة. إلا أن هذه الحيادية تصير غير ذات معنى عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان. الممكن والمستحيل ولا يمكن الموضوعية في مجال الصحافة، أن تتحقق إلا من خلال حياد الصحفي و المؤسسة الإعلامية التي يشتغل بها، ووقوفهما على مسافة متساوية من جميع أطراف الحدث. وعلى عكس ذلك هناك من يرى استحالة تحقيق ذلك، بدعوى أن التعامل مع الأحداث، تؤثر فيها القناعات الشخصية للصحافي ولتوجهات الوسيلة الإعلامية التي يشتغل لفائدتها. غير أن الموضوعية في الأخبار، تعد أساس الإعلام، وتستلزم في هذا السياق التمييز ما بين الخبر والرأي ونشر المعلومات الموثوق من مصادرها وصحتها، فضلا عن الالتزام بعنصر التوازن لدى عرض وجهات النظر حتى المتعارضة ( الرأي والرأي الآخر ) لدى معالجة أي قضية، تكون محط خلاف داخل المجتمع. وهكذا فوجهات النظر وإن كانت تتراوح ما بين من يقول بإمكان الصحافي والصحافة، أن يلتزما بالحياد والموضوعية، ورافض لموضوعية الخطاب الإعلامي وحياده، بدعوى أن الموضوعية لا توجد الا في العلوم الحقة، فإن الوضعية الاجتماعية والمهنية للصحفيين غالبا ما تجعل من الصحافيين، " حلقة وسطى بين مصادر الخبر وبين الجمهور"، وهو ما دفع بالمفكر الفرنسي جان بول سارتر، الى اعتبار " الصحافي مجرد مرمم (Bricoleur)، يفعل ما يستطيع، انطلاقا من الوسائل التي تتوفر بين يديه" . ويرتبط الحياد في الأخبار، بشكل أساسي بمدى قدرة وسائل الاعلام، التعبير عن حالة الاشياء، كما هي في الواقع قدرة تنحى بموجبها الذات تاركة المجال للخطاب الاعلامي، لكي يعبر عن نفسه بنفسه. اعلام ووظيفة ووفق هذا الرأي، تصبح وظيفة الإعلام، هي نقل الوقائع كما هي، وكما تجرى على مسرح الأحداث، بحياد، في الوقت الذي يظل دور الصحفي في أي مجتمع، مرتبطا بمسعى البحث عن الحقيقة ، وباعتباره "حارسا للبوابة". وعلى الرغم من التحولات المتسارعة احتفظت الصحافة – بأدوارها منذ غوتنبرورغ إلي زمن الانترنيت كسلطة رقابة، وظلت وظيفتها الرئيسة، هي الإخبار والتثقيف والترفيه، ونقل المعلومات وتعميمها بصدق وأمانة ودقة وموضوعية. الحياد وحقوف الإنسان وإذا كان سؤال الحيادية في الصحافة الاعلام، يظل سؤالا مشروعا، ويحمل بين طياته إشكاليات نظرية وواقعية، وتتراوح وجهات النظر، ما بين ناكرا للحياد في الاعلام، وقائل بإمكانية تحقيق ذلك، فإن تعاطى الاعلام مع قضايا حقوق الانسان تنتفى فيه الحيادية، لعدة أسباب في مقدمتها، أن الصحافة، تدخل ضمن حرية التعبير، وهو يجعل من بين مهام وسائل الإعلام إشاعة ثقافة حقوق الإنسان وفضح الخروقات التي تطالها، والتصدي لكل الممارسات التي تتعارض مع حرية التعبير الرئة التي تتنفس بها الصحافة. إذن فالقاعدة العامة هي الحياد والموضوعية والمهنية والمسؤولية الاجتماعية وتحقيق المصلحة العامة وهي مبادئ يتعين على الصحافة والصحافيين الالتزام بها، ولكن هناك قضايا تتطلب منهما اتخاذ موقف واضح وحاسم في مقدمتها مواجهة الارهاب والتطرف فكرا وممارسة والتصدي لكافة أشكال الكراهية والعنصرية والتمييز، وهي واجبات غالبا ما تتضمنها مواثيق التحرير وأخلاقيات المهنة. وفي الوقت الذي تشجع الهيئات والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، وسائل الإعلام على الاسهام في قضايا حقوق الإنسان والتعريف بمواثيقها وصكوكها وآلياتها، فإن من الأهمية بمكان تركيز الصحافيين والإعلامين في تعاملهم مع القضايا الحقوقية، انطلاقا من طبيعتها الكونية وشموليتها وترابط هذه الحقوق وعدم قابليتها للتجزيء. وفي ظل القصور المسجل في مجال الوعي بقضايا حقوق الإنسان وثقافتها ومفاهيمها، وضعف البحث العلمي في مجال العلاقة القائمة ما بين الاعلام وحقوق الانسان، يظل مطروحا البحث عن السبل الكفيلة بتجاوز ذلك مما يجعل مطروحا أولا التساؤل حول: ماهي طبيعة الاشكاليات المهنية التي تواجه الاعلام في تناول قضايا حقوق الانسان؟ كيفية دعم الاعلام من أجل تكريس احترام حقوق الانسان؟ وما هي الإمكانيات المتاحة في الظرف الراهن لتعزيز العلاقة بين حقوق الانسان والاعلام على النحو الذى يساهم في صيانة الحريات الاعلامية واحترام حقوق الانسان ترسيخ ثقافتها؟ وهذا ما يتطلب وضع الآليات المناسبة التي تضمن الفعالية واستدامة التعاون ما بين المنشغلين بقضايا حقوق الانسان والإعلاميين وهيئاتهم التمثيلية – ولما لا التفكير في خلق تحالف بينهما – لكن وفق أرضية مشتركة واضحة المعالم، وإقرار حوار بينهما، للإسهام في ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان، وتوسيع الحريات العامة، ومنها حرية الصحافة والتعبير التي تعد في مقدمة الحريات وأشدها حساسية ليس فقط لدى الحكومات، والمهنيين، بل في أوساط الرأي العام. رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الاعلام والاتصال مداخلة في ندوة " دور الاعلام المغربي في تعزيز النهوض بثقافة حقوق الإنسان" التي نظمها المنتدى المغربي للصحفيين الشباب، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.