أصبحت ظاهرة "تحريف ومسخ" العمل النقابي إحدى الإشكاليات البنيوية التي تعاني منها الإدارة العمومية المغربية، حيث تحولت الإطارات النقابية، من فضاءات حيوية للدفاع عن الحقوق والحريات وتبني المطالب العادلة والمشروعة للموظفين، إلى إطارات تنظيمية لجني المنافع الشخضية للمسؤولين فيها، بل تحولت في أحيان كثيرة إلى أداة فعالة لتصفية الحسابات مع المخالفين، وروافد حزبية لخدمة الأجندات الحزبية البعيدة كل البعد عن المصالح الحقيقية للموظفين، وهذا ما تشهد عليه بلاغاتها التي تخلط بين السياسي والنقابي، وتدوينات مسؤوليها في صفحات النقابة، ومجموعاتها بمواقع التواصل الاجتماعي! ويُعد قطاع المياه والغابات نموذجا بارزا لهذا التوجه، حيث يشهد هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، اختلالات واضحة على مستوى الفعل النقابي، وعلى مستوى الفعل الجمعوي المهني الذي يطغى عليه الطابع الفئوي، في إطار استراتيجية فرق تسد، التي لازالت تستهوي البعض للاسف الشديد، دون الاخد بعين الاعتبار الرهانات التنموية الكبرى لاستراتيجية غابات المغرب، كورش ملكي واعد، للحفاظ على الموارد الطبيعية وحمايتها. النقابات في قطاع المياه والغابات ( بدون تمييز) ليست لها رهانات نقابية محظة، بل تعمل من خلال نشاطها النقابي، على تمرير مواقف سياسية، مما يؤثر بشكل مباشر على وحدة الصف النقابي، وعلى فعالية النضال المطلبي، بل يمكن القول، أن بعض الاطراف النقابية (جزء من الكل) أصبحت تكيد المكائد، وتصنع الدسائس ضد كل من يخالفها التوجه، أو الرأي، أو تقدير المواقف بشأن القضايا التي ترتبط بتدبير المصير المشترك داخل الوكالة الوطنية للمياه والغابات، وهذه ممارسات مرفوضة ومدانة، ولا ينبغي السكوت عنها، أو التماهي معها من طرف أي جهة كانت، وتحت أي مبرر كان، لأنها غير اخلاقية وتمس في العمق بحقوق الموظفين! 1. التسييس النقابي وأثره على استقلالية التمثيلية لقد أدى تحريف العمل النقابي في المجمل إلى فقدان الثقة في التنظيمات النقابية، التي باتت تُستعمل كورقة ضغط سياسية، بدل أن تكون جسرا للتواصل بين الموظف والإدارة، لحل الاشكالات المطروحة بكيفية جدية وفي احترام تام لأهداف العمل النقابي الجاد والمسؤول! الإطارات النقابية داخل الوكالة الوطنية للمياه والغابات، وهذا تقدير شخصي مبني على تراكم معرفي لسنوات طويلة من العمل داخل القطاع الغابوي، تفتقد للنفس الديمقراطي، وتحكمها هواجس غير وظيفية في العمق، مما يجعل قراراتها ومواقفها خاضعة لتلك الهواجس، وليس لمصلحة الموظفين الذين تدعي تمثيلهم مؤسساتيا، في ظل عزوف انتخابي غير مسبوق ،في آخر انتخابات للجان الإدارية المتساوية الأعضاء! 2. الفئوية مرض عضال أنهك الجسم الغابوي بجانب الانحراف النقابي، تعرف الوكالة الوطنية للمياه والغابات انتشارا لعدد من الجمعيات المهنية التي يطغى عليها الطابع الفئوي، تأسست في سياقات تاريخية مختلفة، تحت ذريعة الخصوصية المهنية، أو بسبب "الحرمان" من العمل النقابي لدواعي قانونية، في الوقت الذي كان يفترض فيه نبذ هذه (العصبية) والتوجه نحو بناء عمل وحدوي تضامني قادر على استيعاب مطالب جميع الموظفين، بعيدا عن الحسابات الفئوية الضيقة! في تقديري الشخصي المتواضع هذه الجمعيات تحولت في الواقع إلى تنظيمات موازية تمارس نشاطا نقابيا غير معلن، وتركز في (نضالها) على الدفاع عن فئات معينة، لدواعي معينة، وبحسابات معينة، بل إن بعضها أصبح يطالب بنظام أساسي خاص، عوض المطالبة بنظام أساسي عادل ومنصف، يستجيب لطموح وحاجيات جميع الموظفين، مادام أن الجسم الإداري واحد ويشتغل وظيفيا بكيفية تكاملية! هذا المنحى غير الديمقراطي في الفعل (النضالي) الجمعوي داخل الوكالة الوطنية للمياه والغابات، لا يخدم سوى تجزئة الملف المطلبي، وتفكيك وحدة المطالب المشتركة، ويؤدي إلى تمييز غير مبرر بين موظفي نفس المؤسسة، بناء على التكوين، أو الانتماء الفئوي، وهو ما يتعارض مع مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص داخل الإدارة العمومية. 3. إقصاء الموظفين غير "الغابويين" الخطير في هذا السياق هو أن عددا كبيرا من الموظفين غير المنتمين للهيئات الغابوية يجدون أنفسهم خارج دائرة التمثيل بشكل ظالم وغير مفهوم ( مؤسسة الاعمال الاجتماعية نموذجا) حيث لا يتم استشارتهم ولا الأخذ برأيهم في الملفات التي تُطرح باسمهم، مع العلم أن مجال الأعمال ينبغي أن يظل بعيدا كل البعد عن التقسيم الفئوي الذي كرسه القانون المحدث لمؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية والثقافية للمياه والغابات، إسوة بما جاء في القانون المحدث للوكالة الوطنية للمياه والغابات. الأسوأ هو أن بعض النقابات تفرض وصايتها على هؤلاء الموظفين الذين ليست لهم صفة " غابوي" رغم أنهم لم ينتخبوها أصلا لتمثيلهم داخل مؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية والثقافية للمياه والغابات، مما يطرح سؤالا مشروعا حول شرعية التمثيل النقابية داخل اللجنة المديرية للمؤسسة، التي جمعت في تركيبتها بنص القانون بين التعيين ( التمثيلية النقابية) والانتخاب ( الجمعيات المهنية). كان ينبغي أن تكون تمثيلية الموظفين واحدة ومتجانسة لأن مجال الأعمال الاجتماعية للمياه والغابات واضح ولا يمكن بأي حال من الأحوال إخضاعه للتمثيل الفئوي وإلا فما هو المسوغ القانوني لمنح نقابة لها تمثيلية منبثقة عن انتخابات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء في اللجنة المديرية لمؤسسة النهوض بالأعمال الاجتماعية؟ إن ما تعرفه الوكالة الوطنية للمياه والغابات من اختلالات على مستوى التمثيلية النقابية وتكريس الطابع الفئوي فيها، يعكس حاجة ملحة إلى إعادة التفكير في المنظومة النقابية والجمعوية داخل هذه المؤسسة العمومية الاستراتيجية، وضمان استقلاليتها، وتجديد آلياتها لتكون فعلا في خدمة الموظف، لا أداة لخدمة مصالح حزبية أو فئوية ضيقة. الحل لا يكمن فقط في تقنين العمل النقابي أو ضبطه قانونيا، بل أيضا في تعزيز ثقافة الوحدة والعدالة والتمثيل الشامل، وتشجيع النقابات، على الانفتاح على جميع الفئات دون تمييز، حتى تتمكن من لعب دورها الحقيقي كممثل شرعي ونزيه للموظفين. كما يقتضي الوضع دمقرطة العمل الجمعوي بعيدا عن الانانيات المفرطة والمصالح الشخصية الضيقة، لأن الأهم هو إنجاح المشاريع التنموية الكبرى التي تهم قطاع المياه والغابات، وعلى رأسها استراتيجية غابات المغرب، التي تحظى بدعم ورعاية ملك البلاد.