رصدت مؤسسة الوسيط استمرار عدد من الاختلالات التي تقوض الفعالية المفترضة لمنظومة التغطية الصحية، مما يحد من الأثر الاجتماعي المرجو منها، وأوصت بإعادة النظر في طريقة تدبير هذا الورش. وسجلت المؤسسة في تقريرها لسنة 2024 تأخر معالجة ملفات استرجاع المصاريف الطبية، مما يثقل كاهل المرضى الذين يضطرون لتحمل تكاليف العلاج لفترات طويلة دون تعويض، ورفض تعويض أدوية باهظة الثمن توصف لعلاج أمراض مزمنة، ما يهدد استمرارية الولوج إلى العلاج لدى الفئات الهشة.
ونبه التقرير إلى أن تدخل بعض صناديق الاحتياط الاجتماعي في قرارات الأطباء، يمس بحرية الممارسة ويضعف الثقة في العلاقة العلاجية بين المريض والطبيب المعالج، كما أن غياب الوضوح بخصوص نطاق الخدمات والعلاجات المشمولة بالتغطية، يربك المستفيدين ويعرقل ولوجهم للخدمة. ولفت ذات المصدر إلى اعتماد نسب استرجاع لا تعكس التكاليف الواقعية للعلاج، الأمر الذي يستدعي مراجعة التعريفة المرجعية الوطنية لتتلاءم مع التحولات الاقتصادية والمعيشية، كما يتم رفض التعويض في بعض الحالات بدعوى حذف الطبيب المعالج من اللائحة المعتمدة، رغم عدم مسؤولية المؤمن له عن هذا الوضع. وأكدت المؤسسة الدستورية أن هذه الاختلالات تمس بشكل مباشر جوهر الحق في الولوج العادل والمنصف إلى العلاجات، وتفرض مراجعة عاجلة لجوانب من منظومة التغطية الصحية بما يعزز بعدها الحقوقي، وفعاليتها الاجتماعية. وفيما يخص تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (AMO)، فقد أبرز التقرير أنه ورغم الأهمية الاستراتيجية كإحدى ركائز الدولة الاجتماعية، ورافعة مركزية لتقليص الفجوة في الولوج إلى التغطية الصحية، خاصة لدى الفئات الهشة، إلا أن التظلمات تظهرمجموعة من الاختلالات التي تعيق التفعيل السليم لهذا الورش، وتحد من فعاليته في ضمان الإنصاف الصحي. وفي هذا الصدد توقف "الوسيط" على صعوبات الولوج الرقمي للتسجيل في خدمات النظام بسبب ضعف الكفايات الرقمية، ما يدفعهم إلى الاستعانة بخدمات وسطاء غير مؤهلين، ينتج عنها إدخال معطيات خاطئة أو استغلال بياناتهم، مما يؤدي إلى حرمانهم من الاستفادة. كما رصد التقرير عدم ملاءمة قيمة الاشتراكات مع القدرة الاقتصادية للفئات المعنية، حيث تحدد هذه القيمة وفق معدلات موحدة لا تعكس التفاوت في الدخل، خاصة لدى المهن ذات الدخل المتقلب أو المحدود، مما يجعلها عبئا ماليا يصعب تحمله، ويدفع بعض المعنيين إلى الانسحاب من النظام أو عدم الانخراط فيه أصلا. كما نبه التقرير إلى وجود تأثير غير عادل لمؤشر الاستهداف، فقد أدى اعتماد بعض المؤشرات في تصنيف الأسر كنوعية الأغراض المملوكة أو التجهيزات المنزلية… إلى حرمانها من الاستفادة من هذا البرنامج رغم هشاشتها الفعلية، وهو ما يطرح سؤال عدالة المنهجية المعتمدة في تحديد الأحقية في الاستفادة. وانتقدت المؤسسة استخدام الدعم الاجتماعي المباشر لأداء اشتراك التأمين الصحي، مما يفقد الدعم جدواه ويثقل كاهل المستفيدين. كما طلب من عدد من الأشخاص المنتمين للقطاع الفلاحي أداء متأخرات الاشتراك للاستفادة من النظام دون وجود آليات تحقق دقيقة بشأن مزاولتهم الفعلية لهذا النشاط، ما ينم عن خلل في مسطرة الاستهداف والتصنيف المهني. وشددت مؤسسة الوسيط على ضرورة إعادة النظر في هندسة الاستهداف وتبسيط مساطر الانخراط، وتوفير مواكبة رقمية للفئات الهشة، مع الحرص على ضمان إنصاف اجتماعي حقيقي يراعي الأوضاع الواقعية للفئات المستهدفة.