بنكيران: "البيجيدي" هو سبب خروج احتجاجات "جيل زد" ودعم الشباب للانتخابات كمستقلين "ريع ورشوة"    الأقاليم الجنوبية، نموذج مُلهم للتنمية المستدامة في إفريقيا (محلل سياسي سنغالي)    نبيل باها: عزيمة اللاعبين كانت مفتاح الفوز الكبير أمام كاليدونيا الجديدة    اتحاد طنجة يفوز على نهضة بركان    مجلس الشيوخ الفرنسي يحتفل بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    نصف نهائي العاب التضامن الإسلامي.. تشكيلة المنتخب الوطني لكرة القدم داخل القاعة أمام السعودية    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    كرة القدم ..المباراة الودية بين المنتخب المغربي ونظيره الموزمبيقى تجرى بشبابيك مغلقة (اللجنة المنظمة )    بعد فراره… مطالب حقوقية بالتحقيق مع راهب متهم بالاعتداء الجنسي على قاصرين لاجئين بالدار البيضاء    أيت بودلال يعوض أكرد في المنتخب    أسيدون يوارى الثرى بالمقبرة اليهودية.. والعلم الفلسطيني يرافقه إلى القبر    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    حصيلة ضحايا غزة تبلغ 69176 قتيلا    بأعلام فلسطين والكوفيات.. عشرات النشطاء الحقوقيين والمناهضين للتطبيع يشيعون جنازة المناضل سيون أسيدون    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    توقيف مسؤول بمجلس جهة فاس مكناس للتحقيق في قضية الاتجار الدولي بالمخدرات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    مديرة مكتب التكوين المهني تشتكي عرقلة وزارة التشغيل لمشاريع مدن المهن والكفاءات التي أطلقها الملك محمد السادس    عمر هلال: اعتراف ترامب غيّر مسار قضية الصحراء، والمغرب يمد يده لمصالحة صادقة مع الجزائر    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الرئيس السوري أحمد الشرع يبدأ زيارة رسمية غير مسبوقة إلى الولايات المتحدة    أولمبيك الدشيرة يقسو على حسنية أكادير في ديربي سوس    شباب مرتيل يحتفون بالمسيرة الخضراء في نشاط وطني متميز    مقتل ثلاثة أشخاص وجرح آخرين في غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    دراسة أمريكية: المعرفة عبر الذكاء الاصطناعي أقل عمقًا وأضعف تأثيرًا    إنفانتينو: أداء المنتخبات الوطنية المغربية هو ثمرة عمل استثنائي    "حماس" تعلن العثور على جثة غولدين    النفق البحري المغربي الإسباني.. مشروع القرن يقترب من الواقع للربط بين إفريقيا وأوروبا    درك سيدي علال التازي ينجح في حجز سيارة محملة بالمخدرات    الأمواج العاتية تودي بحياة ثلاثة أشخاص في جزيرة تينيريفي الإسبانية    فرنسا.. فتح تحقيق في تهديد إرهابي يشمل أحد المشاركين في هجمات باريس الدامية للعام 2015    لفتيت يشرف على تنصيب امحمد العطفاوي واليا لجهة الشرق    الطالبي العلمي يكشف حصيلة السنة التشريعية    ميزانية مجلس النواب لسنة 2026: كلفة النائب تتجاوز 1.59 مليون درهم سنوياً    تقرير: سباق تطوير الذكاء الاصطناعي في 2025 يصطدم بغياب "مقياس ذكاء" موثوق    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    إسبانيا تشارك في المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء    "أونسا" يؤكد سلامة زيت الزيتون    "يونيسيف" ضيفا للشرف.. بنسعيد يفتتح المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب    بيليم.. بنعلي تقدم النسخة الثالثة للمساهمة المحددة وطنيا وتدعو إلى ميثاق جديد للثقة المناخية    مخاوف برلمانية من شيخوخة سكانية بعد تراجع معدل الخصوبة بالمغرب    تعليق الرحلات الجوية بمطار الشريف الإدريسي بالحسيمة بسبب تدريبات عسكرية    الداخلة ترسي دعائم قطب نموذجي في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض إبداعات المواهب المحلية في برنامج "صُنع في قطر" من خلال عشر قصص آسرة    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    اتصالات المغرب تفعل شبكة الجيل الخامس.. رافعة أساسية للتحول الرقمي    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    فرحة كبيرة لأسامة رمزي وزوجته أميرة بعد قدوم طفلتهما الأولى    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    الوجبات السائلة .. عناصر غذائية وعيوب حاضرة    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعمو: تتبيث قواعد الدولة الإجتماعية تحتاج لمراقبة صارمة وقوية عنوانها ربط المسؤولية بالمحاسبة
نشر في لكم يوم 21 - 11 - 2023

قال عبد اللطيف أعمو، المحامي والحقوقي والمستشار البرلماني السابق، إن توفير منظومة موحدة للاستهداف في البرامج الاجتماعية من طرف الجهاز التنفيذي، الذي هو الحكومة، قد تنقصه النجاعة والفعالية والشمولية، فلسنا ندري لحد الساعة، هل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية المنتظر تنزيله ما بين 2021 و2025 سوف يستفيد من منظومة الاستهداف الاجتماعي؟ أم أننا سنضع العربة قبل الثور؟.
وأوضح عبد اللطيف أعمو النقيب السابق لدى هيئة المحامين بمحاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون، في حوار مع موقع "لكم"، أن "اللغم الأساسي الذي يحاصر أجرأة البرامج الاجتماعية في المغرب هو ضعف الحكامة، بشكل عام، في الأداء العمومي، بجانب ضعف الحكومة نفسها، التي ما زالت مظاهره تهيمن على أدائها، حتى أضحت تتستر وراء يافطة " تدعيم ركائز الدولة الإجتماعية"، حيث يمكن إدراج برامج جديدة في مجال الحماية الاجتماعية، تنضاف بالطبع إلى شبكة من البرامج القائمة، والتي تشمل منظومتها 14 وزارة و8 هيئات تحت الوصاية، تشرف على ما يفوق 120 برنامجا للمساعدة الاجتماعية".
وفي ما يلي نص الحوار:
عدد من البرامج الاجتماعية التي أطلقها الملك محمد السادس، وعهد إلى الحكومة بتنفيذ وأجرأتها تواجه عددا من الألغام أثناء التنفيذ. ما قراءتك لذلك؟
بالفعل، سبق لجلالة الملك أن أعطى تعليماته للحكومة السابقة للشروع في بلورة "السجل الاجتماعي الموحد" إثر خطاب العرش لسنة 2018، بهدف ضمان نجاعة برامج الحماية الاجتماعية، باعتبار هذه الأداة آلية للاستهداف الاجتماعي، ثم أعطى جلالته الانطلاقة لمشروع تعميم الحماية الإجتماعية في خطاب العرش لسنة 2020. غير أن توفير منظومة موحدة للاستهداف من طرف الجهاز التنفيذي قد تنقصه النجاعة والفعالية والشمولية. فلسنا ندري لحد الساعة، هل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية المنتظر تنزيله ما بين 2021 و2025 سوف يستفيد من منظومة الاستهداف الاجتماعي؟ أم أننا سنضع العربة قبل الثور؟ (Mettre la charrette avant le bœuf !)
هذا، إضافة إلى طموح خلق طبقة متوسطة في العالم القروي، والذي يبدو لنا كعنوان حكومي كبير بطموح صغير. وهو ما يحيلنا على المشروع الملكي لتخصيص مليون هكتار من الأراضي السلالية، وتعبئتها لخلق مناصب شغل في العالم القروي، والذي يحتاج إلى مبادرات ومشاريع قد تعتمد بشكل خاص على القطاع الاجتماعي والتضامني (القطاع الثالث في النموذج التنموي الجديد) وبمساهمة القطاع الخاص لإعطاء دينامية قوية للاستثمار الفلاحي وخلق مهن وخدمات جديدة لفائدة شباب البادية المغربية، الذي يعاني من تهميش شديد ومن حيف اجتماعي ومجالي مستمر. فهل هناك تقييم حقيقي لنجاعة الأداء؟ فبعد أن تم إصلاح الإطار القانوني منذ سنة 2019، لم نعد ندري إلى أين وصلت مراحل التنفيذ والأجرأة؟
وأكاد أجزم بمناسبة حديثكم عن "الألغام" بصيغة الجمع، بأن اللغم الأساسي هو ضعف الحكامة، بشكل عام، في الأداء العمومي، بجانب ضعف الحكومة نفسها، التي ما زالت مظاهره تهيمن على أدائها، حتى أضحت تتستر وراء يافطة " تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية "، حيث يمكن إدراج برامج جديدة في مجال الحماية الاجتماعية، تنضاف بالطبع إلى شبكة من البرامج القائمة، والتي تشمل منظومتها 14 وزارة و8 هيئات تحت الوصاية، تشرف على ما يفوق 120 برنامجا للمساعدة الاجتماعية، بتكلفة مالية تقدر بعشرات الملايير من الدراهم.
إلا أن هذه البرامج تعاني في شموليتها من غياب التنسيق لترشيد الجهود وضعف الحكامة. وقد سبق لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، أن نبهت لذلك في دراسة لها منذ سنة 2018، بعد أن أحصت قرابة 140 برنامجا اجتماعيا يشرف عليه 50 متدخلا مؤسساتيا. كما كانت خلاصات دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2018 مماثلة في الموضوع، حين تحدث المجلس عن كون الحق في الحماية الاجتماعية " أداة بواجهة حديثة لكنه مثقل بتراكمات الماضي." ولا أظن أن البرنامج الحكومي 2021-2026 يتضمن أي إجراء يتوخّى تقليص هذا التضخم العقيم أو تجميع تلك البرامج وتنسيقها.
مما يثير تخوفا حول تراكم الإخفاقات وتكرارها وإعادة اجترار التجارب المريرة السابقة.
من المفروض أن تحرص الحكومة على تنفيذ وإجراء تنزيل ركائز الدولة الاجتماعية غير أن التجارب السابقة لحكومات متعاقبة، أكدت أنها لم تكن في مستوى التطلعات. اليوم هناك تخوف وتردّد من تكرار نفس السيناريو واجتراره. كيف تحلّل وتقرأ ذلك؟.
الحديث عن الدولة الإجتماعية ليس مجرد شعار يمكن اقتراضه أو استئجاره من أجل إرضاء توجهات المؤسسات المالية المانحة، ولتبرير المزيد من إثقال كاهل المالية العمومية بمزيد من المديونية، بل هو عنوان لمشروع مجتمعي يسعى إلى ترسيخ ركائز دولة المؤسسات المستقلة المبنية على عقد اجتماعي يقر بالحقوق الأساسية للمواطنين. وهي ركائز يصعب أن تجد لها أرضية وضمانات في ظل نظام تطغى عليه الليبرالية الجديدة، والتي ما زالت تصارع لإثبات قوتها على حساب الطبقات المستضعفة.
ورغم أن سياسة الحكومة الحالية، كما هو جليّ وواضح في قوانينها المالية، وآخرها مشروع قانون المالية لسنة 2024، الذي تحاول من خلاله إيجاد وسيلة لإلقاء ثقل كلفة الإصلاحات الاجتماعية على عاتق الطبقات الشعبية، مع فتح إمكانية الاستفادة أكثر لأصحاب المال. مما جعلها تسعى إلى مأسسة الفقر بدل محاصرته.
فإنه مع ذلك، يجب الاحتفاظ بقدر كبير من التفاؤل والابتعاد عن كل ما قد يؤدي إلى الإحباط، والدفع بمسيرة التنمية على أساس ما يمكن تحقيقه إيجابيا، من أجل فتح آفاق واعدة وتعزيز الثقة في المستقبل.
وفي هذا السياق، برز بمناسبة جائحة كوفيد 19 مفهوم الدولة الاجتماعية ، بصيغة ليبرالية، كواحد من الدروس الكبرى المستخلصة. وأظهرت جائحة كورونا بجلاء ضعف بنيات الدولة الاجتماعية بالمغرب. وتتجلى مظاهر الضعف في هشاشة المنظومة الصحية، لكون الأسر تتحمل عبئا ثقيلا بالمساهمة بنسبة 50 % من نفقات العلاجات الصحية ( فيما يصل معدل النسبة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (MENA) إلى 18 %)، وتشكل الأدوية العبء الأكبر لهذا النظام، إضافة إلى التفاوت غير العادل بين الطبقات الاجتماعية ورهانات العدالة المجالية في الولوج إلى الخدمات الصحية.
كما تشكو منظومة الحماية الاجتماعية من ضعف الحماية من مخاطر الشيخوخة، لكون الأنظمة المتعددة والمشتتة تساهم في تكريس الفوارق بين أنظمة التقاعد في القطاعين العمومي والخصوصي.
وأمام رهان تعميم الحماية الاجتماعية، رهانات أخرى، من أهمها: ارتفاع معدل البطالة وقلة فرص الشغل ووزن الاقتصاد غير المهيكل في الاقتصاد الوطني واختلالات نظام الاستهداف وإشكالية ضمان استدامة تمويل المنظومة ككل.
قبل إعطاء الانطلاقة لمشروع تعميم الحماية الاجتماعية في خطاب العرش لسنة 2020، أعطيت تعليمات لوضع "السجل الاجتماعي الموحد" في خطاب العرش لسنة 2018، بصفته آلية الاستهداف الاجتماعي لضمان النجاعة، لكن لا يعرف إذا ما كانت شبكة برامج الحماية الاجتماعية، خاصة المتعلقة منها بتعميم الحماية الاجتماعية المحددة تنزيلها في الفترة 2021 – 2025، سوف تستفيد من تلك المنظومة أم لا؟.
إن التدقيق المُقارِن للجدولة الزمنية لتنزيل مختلف برامج الحماية الاجتماعية والجدولة الزمنية لتنزيل منظومة الاستهداف تكشف عن عدم التناغم بين توقيت البرنامجين. فالطبيعي أن يكون نظام الاستهداف قائما وفعالا لتأطير تنزيل برامج الحماية الاجتماعية، غير أن الذي تكشفه تلك المقارنة هو تأخر إعداد سجلات منظومة الاستهداف، مما يعني أن تنفيذ برامج الحماية الاجتماعية سيتعرض لعراقيل وصعوبات كثيرة، قد تؤثر على نجاعته، إذا لم يتم الانتباه بسرعة، إلى عوامل الربط الموضوعي بين آلية الاستهداف الاجتماعي ومختلف البرامج الاجتماعية.
إن الذي يعزز هذه الشكوك هو ضعف الإشارة إلى ورش إعداد منظومة الاستهداف في الخطاب الحكومي: فالبرنامج الحكومي 2021-2026 لا يتضمن أي إجراءات تهم "منظومة الاستهداف" رغم أهميتها المحورية. ونستحضر هنا ما شاب عملية تعميم نظام "راميد" سابقا من اختلالات تتعلق بتحديد وضبط الفئات المستهدفة والمؤهلة للاستفادة من نظام المساعدة الطبية، وهو ما لاحظه المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره السنوي برسم 2016-2017، حين أشار إلى "اعتماد قواعد معقدة لتحديد الأهلية بشكل تصعب معه دراسة طلبات الاستفادة أو تفعيل المراقبة البعدية للنظام ". فكيف ستواصل الحكومة تنزيل هذه البرامج في غياب شامل لنظام الاستهداف المحدد بالقانون 72.18؟
كما أن مسألة التمويل واستدامة المنظومة تطرح أكثر من سؤال: فمن أين ستأتي كل هذه الملايير التي وعدت الحكومة بتجنيدها؟ ومن سيؤدي الثمن؟ فالكلفة السنوية لتعميم الاستفادة من أنظمة الحماية الاجتماعية تصل إلى 51 مليار درهم، مصدر 28 مليار منها الاشتراكات، ومصدر 45 % منها، أي 23 مليار من مصادر تضامنية.
ففلسفة الحماية الاجتماعية، من منظور الكرامة والعدالة، يجب أن تتجاوز التوجهات المبنية على مبدأي التوزيع والتعويض، بتقويتها وتعزيزها بأبعاد تنموية تتوخى تقليص الفوارق بشكل مستدام.
وهناك تخوفات منطقية بأن يفضي توجيه مخصصات صندوق المقاصة (5 مليارات في سنة 2022) نحو آليات الحماية الاجتماعية، والتخلي التدريجي عن دعم المواد الغذائية والطاقة إلى المس بالقدرة الشرائية لشرائح واسعة، وخصوصا منها الطبقات الهشة والمستضعفة. وبالتالي، فالنظرة التجزيئية لمسألة تمويل الحماية الاجتماعية قد تؤدي في آخر المطاف إلى حماية فئات مجتمعية مقابل تفقير أخرى، أي أن المنظومة ستؤدي إلى مزيد من '' تقاسم البؤس " (Partager la misère).
وقد يكون مؤشرا مقلقا عن اتخاذ مدخل تعميم الحماية الاجتماعية كمطية لتوجيه الميزانية العامة للدولة لخدمة شروط الاستدانة، بدل خدمة الأولويات الاجتماعية. وهو ما نهجه البنك الدولي في دعمه لعدة تجارب دولية في مجال دعم منظومة الحماية الاجتماعية، كما هو الحال في التجربة المكسيكية، والتي حظيت باهتمام خاص من لدن السلطات المغربية.
مع العلم أن مسألة مأسسة الدولة الاجتماعية، لا تنحصر فقط في التغطية الصحية وغيرها من الإجراءات التقنيوقراطية العديدة، وتتجاوز النظرة الإحسانية والإسعافية للعمل الاجتماعي، بحكم أن الحماية الاجتماعية حق دستوري (الفصل 31 من الدستور) وليس منحة من أحد، من منطلق أن الحماية الاجتماعية الفعالة والشاملة ضرورية، ليس فقط لتحقيق عدالة اجتماعية وإعادة توزيع الثروة ودعم التماسك الاجتماعي، بل هي رافعة أساسية لرسم مستقبل مستدام وقادر على الصمود في وجه الأزمات.
ويبقى السؤال المطروح، هل تتوفر النخب السياسية وغيرها من المؤسسات المعنية بهذا الورش الإصلاحي الكبير، على القدرة على تنزيل مضامين النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع، والقطع مع الاختلالات البنيوية التي مست قطاعات التربية والتكوين والصحة والسكن والتشغيل والخدمات العمومية والرعاية الاجتماعية؟.
ما هو المطلوب فعله حتّى يصل صدى ما يطلبه الملك من الحكومة إلى المواطن، وتتحقق فعليّة الدولة الاجتماعية في حياة أيّ مغربية ومغربي ينشد العيش الكريم والكرامة الإنسانية؟
لقد أصبح العالم في حاجة إلى مراجعات مريرة على كافة الأصعدة والمستويات، الاقتصادية منها والاجتماعية والبيئية والثقافية… ولقد أصبحت بلادنا، أمام هيمنة الفكر الليبرالي الجديد، في حاجة إلى ثقافة وقيم جديدة للخروج من الأزمات.
ولعلّ التفكير الملي والرصين في مخرجات النموذج التنموي الجديد قد تمنح مسارات للخروج من عنق الزجاجة.
الدولة الاجتماعية هي كذلك الالتزام بما ورد في النموذج التنموي، وذلك بتحقيق الاقلاع الاقتصادي الحقيقي والاعتناء بقطاعات واعدة ورفع سقف الطموح بتقوية مكانة القطاع العمومي، والسعي بجد لمحاربة الريع والحد من انتشار آفة الرشوة والمحسوبية، في زمن يسود فيه تضارب المصالح.
وقد يساهم تأجيج الذكاء الجمعي والتكافلي في تحقيق التوازن الاجتماعي في ظل مجتمع قوي يضمن الحرية والكرامة والعيش الكريم للجميع، ويساهم في بناء وترسيخ ثقافة العيش المشترك، المرتكز على الديمقراطية والمشبع بالتواصل الفعال مع المواطنين، مع ضرورة إعطاء مصداقية أكبر للمؤسسات الدستورية، بتعزيز دور الدولة، وتقوية المؤسسات واحترام استقلالية القضاء، ومنح الهيئات السياسية هامشا قويا للمناورة، وجعلها متفاعلة بإيجابية مع المجتمع، في ظل التزام الفاعل السياسي بوعوده وإقراره بربط المسؤولية بالمحاسبة، بهدف إعادة بناء الثقة المتبادلة بين المواطن والمؤسسات.
كما تقتضي المرحلة جعل العقل التكنوقراطي والمؤسساتي منفتحا على الفعل الديمقراطي، ومراعيا لمصلحة الدولة والمجتمع، ومتسلحا بروح وقيم المواطنة الحقة والخالصة.
نجاح الدولة الإجتماعية يتطلب من العقل الإجتماعي مزيدا من الاجتهاد وكثيرا من الحكمة وحسن التدبير وسعيا نحو مراجعة السياسات، بشكل يضمن تحقيق التوازن الاجتماعي بمقاربة ديمقراطية وتضامنية وتواصلية فعالة.
كما أن طبقة الأغنياء والميسورين مطالبة بتحمل جزء من تكلفة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المركبة وعدم التملص من مسؤوليتها، لكي لا يترك ثقل المراجعات الصعبة على كاهل الطبقة الوسطى والفئات المستضعفة وحدها، وذلك بحرص الدولة على تكريس نظام ضريبي عادل واعتماد إطار قانوني ملزم يضمن المسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility (CSR) وعدم تركها مرتبطة برغبة أصحاب المصالح، خاصة وأن الضرائب تبقى من الصلاحيات التي ما زالت من مسؤولية الدولة. والتحدي الأساسي في هذه المرحلة الدقيقة، يكمن في دور القانون وقدرته على حماية المجتمع.
أضف إلى ذلك، أن تحصين مشروع الدولة الاجتماعية يرتكز بالأساس على تقوية الطبقة المتوسطة، وليس تقزيمها وتفقيرها والمس بقدرتها الشرائية، مع تحصين البناء الديموقراطي الذي يحتاج إلى نخب جديدة قادرة على الدفاع عن هذا المشروع أمام التحديات التي تطرحها تحديات العولمة والتحولات النيولبرالية.
وتقتضي المرحلة عمليا الإسراع بإحداث الوكالة الوطنية للسجلات، بدل إسناد القيام ببعض مهامها إلى السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية كمرحلة انتقالية، قد تدوم وتطول. وهذا من شأنه المس بقواعد الحكامة وإفراغ المنظومة من محتواها.
إن ضمان استدامة مخططات الضمان الاجتماعي يستدعي إدارتها وتدبيرها بكفاءة وفعالية. والمبدأ العام هو ضمان المشاركة العادلة والمتزنة لمختلف الجهات المعنية داخل المنظومة الاجتماعية، واعتماد الوضوح في تحديد دور الدولة وضمان قدرتها على الاضطلاع بمسؤوليتها بصورة فعالة، وتحديد المسؤوليات الرئيسية للشركاء الاجتماعيين.
تفعيل مراحل تثبيت قواعد الدولة الاجتماعية، وضمنها توسيع قاعدة الحماية الاجتماعية، كلها إنجازات اجتماعية طموحة ومهمة، لا يمكن لنا إلا التصفيق لها، ولكن، البلورة الحكومية لهذا الطموح الملكي تحتاج إلى مزيد من التوضيح والتدقيق. ومن الضروري أن تكون هناك مراقبة صارمة وقوية لكل هذه الإجراءات الاجتماعية المكلفة، وتثبيت قاعدة المساءلة والمحاسبة وربطها بالمسؤولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.