دعا جمال بنعمر، النائب السابق للأمين العام للأمم المتحدة والمعتقل السياسي السابق في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن معتقلي حراك الريف، مؤكداً أن استمرار اعتقالهم يشكل خرقاً صارخاً للقانونين المغربي والدولي، ويناقض ما يروّجه النظام حول "الإنصاف والمصالحة". وفي كلمة ألقاها خلال ندوة رقمية نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مساء السبت، اعتبر الدبلوماسي الدولي السابق، أن تعامل النظام المغربي مع ملف معتقلي حراك الريف اتسم ب"تشدد غير مسبوق"، رغم ما وصفه بتاريخ طويل لهذا النظام في استخدام القمع، مشيراً إلى أن هذه القضية أعادت النقاش حول أوضاع الحريات والعدالة الاجتماعية.
وأكد بنعمر على أن قضية هؤلاء المعتقلين تذكّر بأن بعض "العادات القمعية القديمة للنظام لم تتغير، بل تفاقمت"، مشيرا إلى أن "الحملات الإعلامية لا يمكن أن تخفي الحقيقة: قادة الحراك السلمي يقضون أحكاماً تصل إلى 20 سنة فقط بسبب احتجاجاتهم السلمية". واستحضر بنعمر جذوره الريفية، مذكراً بمجازر 1958 و1959 التي طالت المنطقة، وبوفاة أحمد الزفزافي، والد قائد الحراك ناصر الزفزافي، معتبراً أن رحيله "أعاد إلى ذاكرتنا صور القمع والمقاومة معاً". وأضاف أن معاناة ناصر تذكره بتجربته الشخصية، حيث توفي والده أثناء قضائه عقوبة سجنية من 12 سنة دون أن يسمح له بوداعه، ثم فقد والدته وهو في المنفى. وسرد بنعمر تجربته الشخصية في الريف، مبرزاً أنه نشأ على قصص المجازر، وأنه كان شاهداً بدوره على أحداث يناير 1984 عندما قُمع سكان مدن الناظور والحسيمة وتطوان، في أعقاب وصف الملك الحسن الثاني لأهل الريف ب"الأوباش". وأكد أن "الفجوة بين أهل الريف والسلطات أعمق من أي وقت مضى، ومع ذلك فإن السياسات القمعية فشلت في إخضاعهم". واستعرض المسؤول الأممي السابق تقارير منظمات حقوقية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، التي أكدت سلمية حراك الريف سنة 2017، مبيناً أن السلطات اعتقلت حينها أكثر من 1700 شخص، وهو ما وصفه بأنه "أكبر عدد من الاعتقالات منذ الاستقلال". وأوضح أن 54 ناشطاً حوكموا في يونيو 2018 بتهم مرتبطة بأمن الدولة، وصدرت بحقهم أحكام قاسية وصلت إلى 20 سنة سجناً. وأشار إلى أن المحاكمات "لم تكن عادلة"، وأن إدانات عديدة بُنيت على "اعترافات انتزعت تحت التعذيب"، لافتاً إلى أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان نفسه أقر حينها باستخدام التعذيب، لكن تقريره لم يُنشر. وذكّر بأن أبرز قادة الحراك ما زالوا خلف القضبان، منهم: ناصر الزفزافي، نبيل أحمجيق، سمير إغيد، زكرياء أضهشور، محمد حاكي، ومحمد جلول. ولفت بنعمر إلى أن "هناك إجماعاً وطنياً ودولياً على أن هؤلاء الشباب اعتُقلوا فقط بسبب نشاطهم السلمي"، مشيراً إلى دعوة البرلمان الأوروبي للإفراج عنهم، ومشدداً على أن "الضربة القاضية لمصداقية النظام جاءت من الأممالمتحدة". ففي غشت 2024، اعتبر فريق الأممالمتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي أن اعتقال ناصر الزفزافي تعسفي وينتهك القانون الدولي، وطالب بإطلاق سراحه فوراً. وقال بنعمر إن هذا الفريق خلص إلى أن الزفزافي "اعتُقل فقط بسبب احتجاجه وتعبيره السلمي عن رأيه"، وأن اعتقاله "ليس حالة معزولة بل يدخل في إطار استهداف هويته ونشاطه"، مشيراً إلى أن الفريق الأممي اعتبر اعتقال آخرين مثل مراد الزفزافي ومنير بن عبد الله تعسفياً أيضاً. وتابع: "لقد حاولتُ شخصياً في 2017 تقديم خطة هادئة للخروج من الأزمة، لكن لم يصلني أي رد. والكثيرون غيري حاولوا دون جدوى". وأضاف: "بعد ثماني سنوات، نحن بحاجة إلى تحرك حازم. يجب أن يكفّ السياسيون عن الضغط على معتقلي الرأي لطلب العفو، لأنهم لم يرتكبوا أي جريمة". وختم بنعمر كلمته بالتشديد على أن "الطريقة الوحيدة الفعالة لضمان الإفراج عن جميع معتقلي الرأي في المغرب هي مضاعفة الجهود وطنياً، وإطلاق حملة جديدة مدعومة من العواصم الدولية وشركاء الحركة الحقوقية العالمية". وقال: "لا ينبغي أن يهدأ لنا بال حتى يُفرج عن جميع معتقلي الرأي".