كلما تحدثت أمينة بنخضرة، المديرة العامة للمكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، يجب صم الأذان والالتفات إلى مواضيع أخرى، لأن ما سوف تقوله لن يعدو كونه وعودا افتراضية لن ترى النور يوما. آخر خرجات هذه الموظفة الدائمة تصريحها يوم السبت حول خط أنبوب الغاز الإفريقي الأطلسي الذي سيربط بين نيجيريا والمغرب، والذي بقدر ما هو طموح وحالم إلا أن تحقيقه مازال دونه الكثير من الوقت والتحديات السياسية والتمويلية والهندسية. لكن بنخضرة وكعادتها تحدثت عن المشروع وكأنه قاب قوسين وأدنى متحدثة عن فوائده قبل تحدياته، واعدة بأنه سيلبي احتياجات 13 بلدا و400 مليون نسمة من الطاقة والكهرباء. هكذا في جملة واحدة دون أن يرجف لها جفن أن ترتعد لها شفة، مع أنها تدرك أن لا أفق قريباً لتحقق وعودها. وكعادتها، في وعود سابقة تبخرت هَباءً، تحدثت بنخضرة عن تقدم أشغال المشروع، وقطعها أشواطا مهمة على مستوى الدراسات الهندسية والتوقعات الاستراتيجية.. وهلم جرّا من الوعود التي لا تغني ولا تسمن من جوع..
ليست هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها بنخضرة عن وعود بمشاريع لا تتحقق، وعن اكتشافات ودراسات وعقود وصفقات بملايين الدولارات تعقد مع مكاتب وشركات ودول، لكنها تبقى بلا أثر على حياة المغاربة أو مستوى عيشهم الذي يتدهور يوما بعد يوم، ليس بسبب وعود بنخضرة المؤجّلة، وإنما بسبب، من بين أسباب أخرى، ارتفاع فاتورة المحروقات التي عٌيِّنت بنخضرة منذ 2003 في منصبها الدائم للبحث للمغاربة عن بديل يخفف من فاتورة مشترياتهم من هذه المواد الحيوية التي ترهق موازنة بلدهم العامة وتؤثر على باقي مناحي حياتهم وعيشهم اليومي. كم مرة وعدت أمينة بنخضرة، التي بنت مسارها على خطاب آمال مؤجلة، المغاربة بتوقعاتها التي لا تتحقق، واكتشافاتها الافتراضية في البر والبحر وفي الجبل والصحراء، من آبار الغاز الافتراضية التي تحوي بلايين براميل النفط، ومن حقول الغاز الوهمية الحافلة بملايير الأمتار المكعبة والاحتياطات الوهمية بلا سقف وبلا حدود، التي ستنقل البلد وسكانه من حال إلى حال، وتمر الأيام والسنين ولا شيء يتحقق، بل ولا شيء يتأكد من كل تلك الوعود العابرة. رغم مرورها في حكومات سابقة، حتى أصبحت أقدم وزيرة في تاريخ المغرب المستقل، وواحدة من أقدم المسؤولين المغاربة في قطاع استراتيجي وحساس، تحولت إلى وجه دائم مرتبط بكل ما له صلة بالغاز والبترول والمعادن في المغرب، إلا أن اسمها ارتبط عند الكثير من المغاربة، ممن لا زالوا يلتفتون إلى تصريحاتها، بإعلاناتها عن اكتشافاتها التي بقيت كلها حبيسة البيانات الصحفية، وذلك منذ أن تولت منصب مديرة أبدية على رأس "المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن"، وهي التي نصبت عليه منذ 22 سنة، لإنقاذ ماء وجه البلد من كذبة كبيرة اسمها "بترول تالسينت"، أوهمت المغاربة ملكا وحكومة وشعبا بأن عصر الذهب الأسود قد بدأ في المغرب، قبل أن يٌنبِّه الجميع، مهندس يساري قديم اسمه أبرهام السرفاتي، عائد لتوه، آنذاك، من سنوات طويلة من السجن والمنفى، ويوقظهم من حلمهم بعد أن انطلت عليهم كذبة كبيرة روجها مرابون ومخادعون ومضاربون، وبما أن المهندس اليساري القديم الذي أنهكته سنوات السجن والمنفى لم يعد قادرا على تحمل مسؤولية وطنية كبيرة، عٌين مستشارا إلى جانب من سيحالفها الحظ مرة أخرى لتتولى رئاسة مكتب الهيدروكربورات والمعادن، ولم تكن سعيدة الحظ هذه، مرة أخرى، سوى أمينة بنخضرة. منذ زهاء أربعة عقود ونيف ومهندسة المعادن أمينة بنخضرة (71 سنة)، خريجة ثانوية "ليوطي" في الدارالبيضاء ومعاهد باريس في فرنسا، وهي تتدرج في المناصب كاتبة دولة ووزيرة ومديرة، بمرتبة وزيرة دائمة، دون أن تترك فيها أثر يذكر، اللهم وعودها المؤجلة التي لم يعد المغاربة يولونها اهتماما أو يلقون لها بالا، فتمر مرور الكرام. هذه الاستمرارية تُقرأ لدى كثيرين كدليل على مرض ينخر الإدارة المغربية اسمه "البيروقراطية الدائمة" أكثر من كونها علامة نجاح على مسار لم تستفد منه سوى صاحبته. سيدة تٌقدّم نفسها في صورة المسؤول التقني أكثر من السياسي، وتبدو حريصة على الابتعاد عن الجدل الحزبي رغم ارتباطها، ولو صوريا، بحزب رجال الأعمال والأعيان "التجمع الوطني للأحرار"، مما جعل حضورها السياسي باهتاً رغم طول بقائها في السلطة، وحتى في مسارها الحزبي والسياسي لم يسمع لها رأي أو موقف في القضايا التي تهم الناس وتشغل بالهم، ولم يشهد لها أنها ناضلت أو جاهرت بموقف يحسب لها وهي التي عاصرت ملكين وعايشت حكومات عديدة وشهدت أحداثا كبيرة هزت الوطن، همها الأول والوحيد كما تقول هي نفسها "تطوير ذاتها" أو بالأحرى "ترويض ذاتها" على المزيد من الطاعة والخضوع لمتطلبات المنصب المنتظر القادم. يحسب لها أنها حافظت على استمرارية المؤسسة التي تديرها ووسعت شبكات شراكاتها وتعاونها وتعاقدها مع شركات ودول عدة، لكنها شراكات غالباً ما تُترجم في شكل عقود ودراسات دون أن تترجم إلى مشاريع جاهزة على الأرض، أو تنعكس على حياة المغاربة اليومية، التي ما تزال مثقلة بفاتورة طاقة مرتفعة، فيما وعودها ببدائل محلية بقيت دون أثر ملموس. قالت ذات مرة إن فلسلفتها في الحياة هي أن "تدع الثمار تأتي بغثة"، لكنها وحدها من عرفت كيف تجني الثمار التي تساقطت عليها طيلة مسارها المهني رٌطبا جنيا دون أن تهز جذع النخلة فطوبى لها المنصب والأجر والامتيازات وعقبى للآخرين الوعود والتوقعات والافتراضات.. اليوم، عند النظر إلى إرثها وزيرة ومديرة ومسؤولة وبرلمانية وسياسية، ينقسم التقييم بين من يعتبرها موظفة بيروقراطية دائمة تكرر نفس الخطاب منذ سنوات، ومن يراها وجهاً يعكس حدود الطموحات المغربية في مجال الطاقة أكثر مما يعكس إخفاقاً شخصياً. لكن المؤكد أن صورة سيدة "الوعود المٌؤجَّلة" التصقت بها بقوة، وصار اسمها مرادفاً لمشاريع تبقى معلقة بين التصريحات والواقع، بين حلم الثروة البترولية وحقائق الواقع الذي لا يَرتفع.