بوريطة يجدد بنيويورك تأكيد التزام المغرب بتطوير الربط في إفريقيا    منشور الخارجية الأمريكية واضح ومباشر: لا استفتاء، لا انفصال، الصحراء مغربية إلى الأبد    نقابة الصحافة ببني ملال ترفض المنع    رقم معاملات المجمع الشريف للفوسفاط يتجاوز سقف 52 مليار درهم    بولس: الحكم الذاتي يضمن الاستقرار    سفينة عسكرية إسبانية تنطلق لدعم "أسطول الصمود" المتجه إلى غزة    الحكم على الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي بالسجن لخمس سنوات    أكبر جمعية حقوقية بالمغرب تدين استهداف أسطول الصمود وتطالب الدولة بحماية المغاربة المشاركين    "أسطول الصمود" يتجه لقطاع غزة    أخنوش يشارك في اجتماع للفيفا بنيويورك بشأن التحضيرات لمونديال 2030    بلال نذير يستعد للعودة إلى المنتخب بعد نيل ثقة الركراكي    وفاة رجل تعليم بالحسيمة متأثرا بتداعيات محاولته الانتحار    نساء "البيجيدي" يطالبن الحكومة بجدول زمني لتفعيل قانون محاربة العنف ضد النساء    مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط يحتفي بنبيل عيوش وآيدا فولش وإياد نصار    مكافحة تلوث الهواء في باريس تمكن من توفير 61 مليار يورو    ترامب يهدد بتغيير المدن الأمريكية المستضيفة للمونديال بسبب "انعدام الأمان"    الدفاع الجديدي يعلن طرح تذاكر مواجهته أمام الرجاء    فيدرالية اليسار الديمقراطي تعلن عن دعمها للمطالب الشبابية    وفاة فيغار مهاجم أرسنال السابق    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض        جولات وزير الصحة القسرية والمكوكية!    جمجمة عمرها مليون سنة توفر معطيات جديدة عن مراحل التطور البشري        عبد الوهاب البياتي رُوبِين دَارِييُّو الشِّعر العرَبيّ الحديث فى ذكراه    أدب الخيول يتوج فؤاد العروي بجائزة بيغاس        الأصالة والمعاصرة.. من التأسيس إلى رئاسة حكومة المونديال        بريطانيا تضع ضوابط للذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية    تركيا تعلن شراء 225 طائرة أمريكية    النرويج: السلطة الفلسطينية تتلقى دعما ماليا طارئا من الدول المانحة    حجز 9 أطنان من الأكياس البلاستيكية المحظورة وتوقيف مروج بالدار البيضاء    كيوسك الجمعة | السياقة الاستعراضية.. الأمن يوقف 34 ألف دراجة نارية            تراجع الطلب يؤدي إلى انخفاض نسبي في أسعار اللحوم بمجازر البيضاء    وزارة الداخلية تراهن على لقاءات جهوية في تحديث النقل بسيارات الأجرة    "أولتراس الجيش" تقاطع لقاء بانجول    نبيل يلاقي الجمهور الألماني والعربي    عامل الرحامنة يحفز مؤسسات التعليم    أخنوش: الملك يرعى أوراش المونديال        رامي عياش يسترجع ذكريات إعادة "صوت الحسن" وصداها العربي الكبير    الاتحاد الأوروبي يوافق بشروط على علاج جديد للزهايمر    تأجيل إطلاق المرحلة الأولى لبيع تذاكر "كان المغرب"    الاتحاد الأوروبي يجيز دواء "كيسونلا" لداء الزهايمر    البيضاء على وشك ثورة في مجال النقل بعد قطارات القرب    مئوية بي بي كينغ… صوت الجموع الخاص    حكيمي يكسر صمته: "تهمة الاغتصاب أقوى شيء حدث لي.. لقد شوهوا صورتي واسمي"    الجامعة الوطنية لأرباب محطات الوقود تنبّه الوزيرة بنعلي إلى استفحال ظاهرة البيع غير القانوني للمحروقات    مونتريال.. المغرب وروسيا يبحثان سبل تعزيز الربط بين البلدين في مجال النقل    دراسة: غثيان الحمل الشديد يرفع خطر الإصابة بأمراض نفسية        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المناضل ''الجذري'' وعادة الحَكِّ
نشر في لكم يوم 26 - 09 - 2025

هناك عادات محمودة بما يكفي وأخرى سيِّئة جدا،تعمل الأولى بالتأكيد على تهذيب صاحبها بطريقة إيجابية والارتقاء به صوب مدارج العلا والرِّفعة،بينما تشكِّل الثانية في غالب الأحيان مبعثا للمشاكل ومنزلقا فوريا نحو الدَّرك الأسفل.
انتمى هذا الزميل إلى حلقة الأصدقاء إبَّان سنوات الجامعة،تَعَقَّبَتِ المسكينَ ظلما بعض المشاكل الجانبية،كان في غنى عنها تماما نتيجة عادة مقرفة التصقت به التصاقا، تتمثَّل في عدم توقُّفه خلال كل آن،على حكِّ حاشية أسفل البطن تحديدا بجوار المثانة،دون أيِّ داع يذكر.حركة غير إرادية،تصاحبه مثل ظِلِّهِ.
ربَّما،لن تأخذ العادة مناحيها الفظيعة،إذا كان منفردا بنفسه أو فقط باغتته الحركة بشكل عابر بغير تكرار أو إلحاح،مثلما استفاض توضيحا واستدلالا خلال كل مرَّة،حين معاتبته وتأكيده الواضح عن عدم حاجة تلك المنطقة المحرجة للحكِّ والهرش،بل فقط اعتاد الأمر منذ أن وعى وجوده.
يعترف دون مواربة بأنَّ فعله غير مقبول اجتماعيا،لكنه للأسف غير قادر بتاتا على التخلُّص منه سوى في حالة بتر يديه أو قُيِّدَت خلفه مثلما تفعل الشرطة لحظة اعتقال المطارَدين والملاحَقين.غير هاتين الحالتين،يستحيل عليه التوقُّف لأنَّه سلوك أقرب إلى صنف الدَّواعي الغريزية،ثم يعضِّد تبريره عندما يجد حوله كثيرا من اللَّغط والسُّخرية المريرة،بأنَّ كل واحد من البشر تستعبده حتما سقطات من هذا القبيل :
البصق،التَّفل،التجشُّؤ،فرك الأصابع،تحريك اليد أو الرجل،إخراج جهوري لغازات الأمعاء،التلصُّص،إصدار أصوات حيوانية أثناء الأكل،مصّ مرق الأصابع بعد الأكل،قضم الأظافر،إخراج مخاط الأنف..،وأثناء الزمن الحالي؛غير زمن صاحبنا موضوع هذا الحكي،يأتي في طليعة مختلف ذلك،تصفُّح الهاتف المحمول لحظة التكلُّم مع شخص أو الاستماع إلى متحدِّثٍ،بحيث أضحى سلوكا معتادا ومألوفا لدى الأغلبية لاسيما ضمن صفوف الأجيال التي ترعرعت على أدبيات المنظومة الرقمية،بينما يعكس حقيقة قِمَّة الازدراء والحقارة في نفس الآن.
جملة مساوئ ممقوتة وسلوكيات مشينة،تُلَوِّثُ حضور فاعلها و تجعله مُنَفِّرا ومثيرا للاشمئزاز لأيِّ جماعة يدنو منها.
مع ذلك،يبتهج هذا الصديق كثيرا بفضل نفس العادة المرفوضة،على طريقة ربّ ضارَّة نافعة،مادمت قد خَوّلت له استحقاق صفة"المناضل الجذري"،الذي أطلقه عليه تَفَكُّها ومزاحا بعض مناضلي يساريي الاتِّحاد الوطني لطلبة المغرب،داخل حرم كلية الآداب خلال تلك الفترة؛أقصد بداية التسعينات.
التزم طيلة مساره الدراسي،بحضور حلقات النِّقاش والانخراط في الأجواء النقابية،أساسا المهام المادية واللوجيستيكية،مثل تكليفه بتوثيق الشِّعارات والإعلانات والأخبار الفصائل اليسارية على سبُّورة أوطم.
امتلك حينها مفهوم الجذري رمزية تاريخية خاصة،ودلالة قوية داخل الساحة النضالية،وشكَّلت أدبياته الثورية داخل الساحة الجامعية امتدادا للخطِّ الإيديولوجي الذي بلورت وفعَّلت تصوُّراته على أرض الواقع،قوى اليسار التقدمي الجذري الرَّافض لخطابات وقصديات الأحزاب الرسمية الرجعية أو الإصلاحية،لكن التَّعليل هنا،مبعثه دَأَب صديقنا على حكِّ جذر مثانته أثناء أحاديثه.
موقف محرج للغاية،تتبادل عيون الحاضرين التَّلميح و الإيماء،فقد اتَّجهت أغلبية الظَّنِّ نحو شروعه في اقتراف سلوك متحرِّش بإحداهنّ،ثم يزداد الوضع إحراجا،بل قد يستفحل حين ارتدائه بعض سراويل الثَّوب الكلاسيكية ذات المقاسات الضيِّقة،فتغدو زاوية المنطقة عشوائيا أشبه برأس عمود خيمة جرَّاء تواصل الهرش،مما يحيل من كل الزوايا على إمكانية انتصاب جهازه.
يعمُّ الحرج،تحدث جلبة طفيفة،لاينهيها سوى تحوُّل معطيات المشهد نحو تركيز ثان،مع ذلك لاتمرّ الواقعة بردا وسلاما،لكن تتداعى خلفها تأويلات وتفسيرات أغلبها من نسج سوء الطويَّة والتقدير السريع،مادام أقرب أصدقائه يعلمون علم اليقين مدى عفوية حركته تلك وتواترها الآلي.
هناك رواية كشف عنها أحد أبناء حيِّه القدامى،فقد أكَّد خلال مناسبة معيَّنة بأنَّ علَّة سلوك"المناضل الجذري"موصولة بسنوات الطفولة،بالضبط طور التَّعليم الابتدائي،حينما كان ينادي عليه السي عباس معلِّم العربية إلى السَّبُّورة العريضة قصد تشكيل النصِّ المكتوب حسب الحركات النحوية اللازمة وإعراب جلِّ كلماته بالتَّفصيل الممِلِّ،وكل خطأ أو لحن بخصوص تقدير أواخر الكلمات سيكلِّفه حتما صفعات من العيار الثقيل،ويلزمه عدم الاحتماء بيديه وضرورة تركهما ثابتتين جامدتين عند الأسفل.
صحيح،أنَّ الاختبار التربوي القاسي،رسَّخ بين طيات لاوعيه هذه العادة المشينة، لكن في الوقت ذاته جعلته متمكِّنا من النحو العربي بكيفية جيِّدة،مما أهله كي يغدو مرجعية للطلبة خلال تلك الفترة وأن يحظى سريعا بلقب "سيبويه"،صدقا وليس استهزاء أو تهكُّما،مثلما جرى الشأن مع صفة"جذري".ارتقاء فعلي وتقدير مستحق،يشعره بالزَّهو ويستعيض معه عن تلك الترسُّبات المحبِطة المرتبطة باستخفاف"المناضل الجذري".
يقف"سيبويه"أمام بعض الرَّاغبين في فهم مادة النحو استعدادا للامتحانات،ينطلق شرحه وإعرابه،تتحلَّق صوبه الوجوه مستحسنة توضيحه السَّلس والأيسر على الإفهام مقارنة مع طريقة أستاذ المادة الرَّسمي الذي أبدى دائما داخل المدرَّج ضعفا وارتباكا بخصوص تقديم المعلومة وترتيبها،مثلما لاحظت الأغلبية وصارت سيرته بهذا الخصوص جارية على الألسن.حينما يشتد عليه الخناق،في خضمِّ تقاطر أسئلة الطلبة،واستخلاصه من خلال نظراتهم وردود أفعالهم بكونه غير مقنع،يزيل بسرعة قناعه التربوي ثم يصرخ دائما في الوجوه ويقذف المستمعين بجملة نشاز،مختَلٍّ سياقها تماما،أمام انذهالم،لازمته كي تفرغ مجمل غضبه :
-"على الأقل،أنا ذهبتُ إلى بلجيكا،وحصلت من جامعتها على دبلوم في اللغة، وأدرِّس حاليا في الجامعة المغربية،بالتالي استطعتُ وأنا المنحدر من أسرة فقيرة إنقاذ مسار حياتي والتمكُّن من وظيفة محترمة،أمّا أنتم أيها القاعدون مع القاعدين،ضحكا واستهتارا واهتماما فقط بصغائر وسفاسف الأمور !".
يقلِبُ أستاذ النحو عمدا الحصص إلى تطهير نفسي متصنِّع،غير مبرَّرٍ،ثم تضيع المعرفة بين الأرجل،لكن لحسن الحظِّ ف"المناضل الجذري"هنا،من أجل حفظ ماء الوجه، ومدِّ الطلبة ببعض أسرار مفاتيح النحو،في غمرة تواصل عمليات حَكٍّ لمنطقة عضوه لافتة للاهتمام،يتمّ مع ذلك التَّغاضي عن السلوك الشاذ خلال سياق تعليمه مقارنة مع مناسبات أخرى.
من يدري! ربما شكَّلت تلك الحركة سرّ إلهامه؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.