نبه تقرير حديث إلى أن سوق الشغل المغربي، الذي يتميز ببطالة هيكلية، وضعف المشاركة الاقتصادية، يمر بمرحلة حرجة، تجمع بين فرص واعدة ومخاطر بنيوية عميقة. ودق ناقوس الخطر إزاء التبعية للسوق الأوروبية وتقلباتها، إضافة إلى تحديات ما بعد "فقاعة" أوراش المونديال، فضلا عن التحديات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والتغيرات المناخية. ولفت التقرير الصادر عن المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة إلى أنه وبينما يحتفي الاقتصاد بنجاحات قطاعية، لا سيما في صناعة السيارات، وبديناميكية مرتبطة بالاستعدادات لتنظيم كأس العالم 2030، فإن نظرة فاحصة تكشف عن هشاشة مقلقة، حيث يعتمد نموذج النمو الحالي بشكل خطير على تقلبات السوق الأوروبية، كما أن جزءا كبيراً من فرص العمل التي يتم خلقها في قطاعات كالبناء والسياحة والخدمات هي بطبيعتها ظرفية ومؤقتة.
ودق التقرير ناقوس الخطر بشأن هذه الاعتمادية، وسلط الضوء على التحديات الآنية التي قد تتحول إلى أزمة حادة في المدى المتوسط، فالاعتماد على أوروبا في الصناعة يجعلنا رهينة سياساتها الحمائية والبيئية، والازدهار المرتبط بكأس العالم يخفي وراءه «فقاعة» قد تنفجر بعد عام 2030، تاركة آلاف العمال دون بدائل. وأكد التقرير أن سوق الشغل المغربي في عام 2025، يقف على أعتاب مرحلة فارقة، حيث تتقاطع فرص استثمارية واعدة مع مخاطر بنيوية عميقة. ورغم المكاسب المحققة في بعض القطاعات، وعلى رأسها صناعة السيارات والاستعدادات لاحتضان كأس العالم 2030، إلا أن النموذج الاقتصادي لا يزال أسير اعتماد مفرط على أوروبا ورهانات ظرفية، مما يجعله هشا أمام التحولات العالمية القادمة. وبخصوص تشخيص الوضع الحالي، توقف التقرير على كون سوق الشغل المغربي يعرف بطالة هيكلية، تصل إلى 37% بين الشباب و 20% لدى النساء، إلى جانب ضعف المشاركة الاقتصادية حيث معدل النشاط لا يتجاوز 43%، مع مشاركة نسائية أقل 18%، فضلا عن كون ثلثي الوظائف في القطاع غير المهيكل، و غياب حماية اجتماعية، وتفشي العمل الجزئي، وتركز الوظائف في مدن بعينها، مقابل تهميش مناطق أخرى. ومن أبرز مواطن الهشاشة في النموذج الاقتصادي المغربي؛ أن الصناع تحت رحمة السوق الأوروبية، فأكثر من 80% من صادرات السيارات موجهة لفرنسا وإسبانيا. وهو ما يثير تهديدات مباشرة ارتباطا بالتحول السريع نحو السيارات الكهربائية، وضريبة الكربون، كما أن سلاسل القيمة المحلية يقلل من الفوائد الاقتصادية الحقيقية للتصنيع. وفيما يخص قطاع الخدمات والسياحة، توقف التقرير على كون مراكز الاتصال تعتمد بنسبة 80% على السوق الفرنسي، معرضة لخسائر جراء التشريعات الجديدة، كما أن فقاعة الوظائف المرتبطة بكأس العالم قد تنفجر بعد الحدث، ما لم توضع خطط ما 2030 بعد. كما حذر التقرير من المخاطر المستقبلية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي وأثره على الشغل، إلى جانب التحول البيئي ومخاطره على الفلاحة والسياحة الساحلية…، ناهيك عن المنافسة الإفريقية الصاعدة من دول مثل إثيوبيا وغانا في الصناعات الخفيفة. وفي ظل هذا الوضع والتحديات المرتبطة به، وضع التقرير مجموعة من السيناريوهات المستقبلية، أولها "سيناريو الطفرة" حيث سيتم دمج التحول الأخضر والرقمي مع إصلاح التعليم بما يمكن أن يخلق مليون وظيفة عالية القيمة بحلول 2040. والسيناريو الثاني هو "سيناريو الأزمة" فاستمرار الاعتماد على أوروبا قد يؤدي لموجة بطالة تاريخية بعد 2030، ثم "السيناريو الوسطي" يتضمن نجاحا جزئيا في التنويع دون إصلاحات جذرية، مما يبقي الاقتصاد في حالة هشاشة مزمنة. وقدم التقرير مجموعة من التوصيات، حيث أوصى على المدى القصير، بوضع خطة وطنية لما بعد 2030 لامتصاص اليد العاملة، ثم تنويع الأسواق نحو إفريقيا والأمريكيتين، وإعادة تأهيل عمال مراكز الاتصال. أما على المدى المتوسط، فقد أوصى التقرير بإصلاح شامل لقانون الشغل، وخلق ثورة في التكوين المهني والرقمي، واعتماد التصنيع المحلي للمكونات الاستراتيجية، ودعم الابتكار النقابي. وعلى المدى الطويل، أوصى التقرير بتجربة الدخل الأساسي الشامل، واستكشاف أسبوع العمل من 4 أيام، ووضع منظومة وطنية للتعلم مدى الحياة.