قبل أقل من ثلاثة أشهر على موعد نهائيات كأس إفريقيا للأمم، يجد المغرب نفسه أمام معادلة دقيقة بين طموحه لاحتضان كبرى التظاهرات الرياضية في القارة، وتنامي احتجاجات اجتماعية غير مسبوقة تقودها فئة الشباب، تطالب بإعادة ترتيب أولويات الدولة بين الإنفاق على البنى التحتية الرياضية وتحسين الخدمات العمومية الأساسية كالصحة والتعليم والتشغيل. شباب "جيل زد"، الذين يشكلون القاعدة الأوسع لجماهير كرة القدم في المغرب، باتوا اليوم في قلب حركة احتجاجية واسعة تمتد إلى أكثر من عشرين مدينة. انطلقت الشرارة من حادث مأساوي بمدينة أكادير، حيث توفيت ثماني نساء أثناء عمليات ولادة قيصرية في مستشفى عمومي، لتتحول الواقعة إلى رمز لانهيار المنظومة الصحية وتُطلق موجة غضب رقمية غير مسبوقة عبر منصة "ديسكورد"، حملت اسم "جيل زد 212".
هذا الجيل، الذي لطالما ملأ المدرجات بالأهازيج الوطنية، انتقل اليوم إلى الشارع مطالباً بأن تكون العدالة الاجتماعية والكرامة والحق في التعليم والصحة أولوية وطنية تفوق مشاريع الملاعب الكبرى. نحو 14.72 مليار درهم لتجديد وبناء ملاعب وبحسب تقارير صحفية، فإن الحراك الشبابي لم يتوقف عند حدود المطالب الاجتماعية، بل وجّه انتقاداته مباشرة إلى حجم النفقات المرصودة للاستحقاقات الرياضية المقبلة. ففي إطار التحضير لكأس إفريقيا للأمم 2025، خصصت الحكومة المغربية ميزانيات ضخمة تجاوزت 9.72 مليارات درهم مغربي (972 مليون دولار أمريكي) لتجديد ستة ملاعب رئيسية، وفق معطيات شبه رسمية، فيما يُتوقّع أن تصل كلفة تشييد "الملعب الكبير للدار البيضاء" وحده إلى نحو 5 مليارات درهم مغربي (500 مليون دولار أمريكي). وترى فئات واسعة من الشباب، من خلال الشعارات التي رفعت في أكثر من احتجاج لحركة "جيل زد"، أن هذه الأموال كان الأجدر توجيهها لتجهيز المستشفيات أو تحسين المدارس العمومية. هذه الشعارات تلخص موقف جيلٍ يرى في الاستثمار الرياضي رمزاً للفجوة بين السلطة والمجتمع، في وقت تعاني فيه مناطق واسعة من البلاد من ضعف الخدمات وفرص الشغل. الاحتجاجات امتدت إلى عالم الكرة ذاته، حيث عبّر عدد من نجوم المنتخب المغربي عن تضامنهم مع مطالب الشباب، إذ كتب المدافع نايف أكرد على "إنستغرام": "قلبي مع كل ما يحدث"، فيما نشر ياسين بونو صورة تحمل شعار "من أجل الحقوق والكرامة والصحة والتعليم"، ودعا سفيان أمرابط إلى "الوحدة والاحترام من أجل مغرب أفضل". كما أعلن فصيل "روسّو فيردي" من مشجعي "أسود الأطلس" مقاطعته للمباراتين الوديتين ضد البحرين (9 أكتوبر) والكونغو (14 أكتوبر)، "اصطفافاً مع المطالب السلمية للشباب المغربي"، كما جاء في بيانه. الحكومة و"الكاف" في موقف المراقب على الجانب الرسمي، تؤكد الحكومة التي يقودها عزيز أخنوش أنها "تصغي للمطالب الاجتماعية" و"تعمل على الاستجابة لها بشكل مسؤول"، لكن دون تقديم خطة عملية حتى الآن، فيما تتابع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم (الكاف) التطورات "باهتمام وحذر"، وسط تقارير إعلامية إفريقية تفيد بأنها تدرس خطة بديلة في حال تعذر تنظيم البطولة في موعدها. بين ضغط الشارع الذي يطالب بإعادة الاعتبار للخدمات الأساسية، ورهانات الدولة لتنظيم كأس إفريقيا 2025 ثم كأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال، يقف المغرب أمام اختبار مزدوج: الحفاظ على صورته ك"قوة رياضية صاعدة" في القارة، دون أن يفقد ثقة مواطنيه الذين يرون في الملاعب الفاخرة مرآةً لبلدٍ غير متوازن بين طموحه الكروي واحتياجات شعبه الاجتماعية.