في أول ظهور علني له منذ اعتزاله العمل السياسي قبل نحو ثلاث سنوات، شارك البرلماني والقيادي اليساري السابق عمر بلافريج، مساء الأربعاء، في ندوة رقمية نظّمتها حركة "جيل زد 212" على منصة "ديسكورد"، في خطوة فاجأت المتابعين واعتُبرت مؤشراً على اهتمامه بالحراك الاجتماعي الذي تقوده فئة الشباب في المغرب منذ أسابيع. ويُعرف بلافريج، الذي شغل مقعداً برلمانياً في الولاية السابقة، بنزاهته واستقلاليته وجرأته في طرح الملفات الحساسة داخل قبة البرلمان بأسلوب عقلاني بعيد عن المزايدات، قبل أن ينسحب من العمل الحزبي والسياسي، معلناً فقدانه الأمل في تحقيق إصلاح حقيقي من داخل المؤسسات.
وقال بلافريج، خلال مداخلته التي استمرت أكثر من ساعة، إنّه "لم يسع يوماً وراء الأضواء أو الشهرة، حتى عندما ترشح للانتخابات"، مضيفاً أن مشاركته هذه "ليست عودة سياسية بل مساهمة فكرية لتقاسم التجربة مع الجيل الجديد الذي يملك الشجاعة لقول لا، والسعي لتغيير حقيقي في المغرب". وأشار بلافريج إلى أنّه بدأ مساره السياسي سنة 2003 حين انتُخب في بلدية إفران، ثم انخرط في حزب يساري إلى غاية 2009، قبل أن يقرر التوقف عندما "أدرك أن الأمور لا تسير في الاتجاه الصحيح". وأضاف أنه حاول سنة 2015 مع مجموعة من المناضلين إعادة بناء اليسار على أسس وحدوية، لكن "التحكم والبيروقراطية الحزبية جعلا ذلك مستحيلاً". وفي تقييمه لتجربته البرلمانية بين 2016 و2021، أوضح بلافريج أنه استخدم كل الآليات المتاحة للنواب من أسئلة ومقترحات قوانين "للدفاع عن حرية التعبير، والمطالبة بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف، ومناهضة الرقابة الذاتية في الحياة السياسية"، لكنه لاحظ أن "غالبية البرلمانيين كانت أسيرة الولاءات والمصالح الخاصة أكثر من انشغالها بمصلحة المواطنين". وانتقد بلافريج ما وصفه ب"الجمود السياسي وانسداد الأفق أمام المبادرات الجديدة"، قائلاً إن "التحكم المركزي في الحياة الحزبية يمنع ظهور قوى جديدة ويعمّق فقدان الثقة بين المواطنين والمؤسسات". وفي الجانب الاقتصادي، دعا إلى اعتماد ضرائب تصاعدية على الثروة والإرث لتمويل التعليم والصحة، معتبراً أن "إعادة توزيع الثروة بشكل عادل هو السبيل لتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية"، مؤكداً أن هذه الإجراءات "ممكنة وواقعية إذا توفرت الإرادة السياسية". وتطرّق بلافريج أيضاً إلى خطاب الملك محمد السادس المرتقب الجمعة أمام البرلمان، قائلاً إنه "يجب أن يكون فرصة لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع، عبر فتح حوار وطني صادق مع الشباب وممثلي الحركات الاجتماعية". وأضاف أن "جيل زد أثبت أن التغيير ممكن بطريقة سلمية وواعية"، مشيداً بالحركة التي وصفها بأنها "تجربة فريدة ومُلهمة أعادت الأمل في الفعل الجماعي السلمي، بعيداً عن الشخصنة أو العنف". وأكد السياسي السابق أنه لا ينوي العودة إلى الحياة الحزبية في المدى القريب، لكنه "سيدعم كل المبادرات المواطِنة التي تعمل من أجل إصلاح التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية"، داعياً إلى "تحرير الكلمة، إنهاء الرقابة الذاتية، وتشجيع الحوار العقلاني بين جميع القوى الحية في البلاد". وختم بلافريج حديثه برسالة تفاؤل قائلاً: "المغرب بلد خصب وقادر على التغيير إذا توحد المواطنون، خصوصاً الشباب، حول مشروع وطني واضح يقوم على الحرية والكرامة والمساواة". ويعد هذا الظهور الأول لعمر بلافريج منذ مغادرته البرلمان سنة 2021، ويُنسب إلى حركة "جيل زد" فضل إقناعه بالمشاركة في هذا النقاش الرقمي، الذي تابعه آلاف الشباب مباشرة عبر الإنترنت، في ظل تواصل الاحتجاجات التي تقودها الحركة في مختلف مدن المغرب للمطالبة بإصلاحات عميقة في القطاعات الاجتماعية والسياسية.