أكدت الانتفاضات التي فجرتها الأزمة الاجتماعية السياسية في المغرب منذ انتفاضة مارس 1965، عجز نضال الجماهير والقوى الديمقراطية عن تغيير ميزان القوى وفرض تغيير ديمقراطي يجسد ويبني مشروعا مجتمعيا ونظاما سياسيل ديمقراطيا حقيقيا. فشلت كل الانتفاضات والحراكات في تحقيق الانتقال إلى نظام الديمقراطية الحقيقية. لم تنبثق من صلب الانتفاضات والحراكات الاجتماعية المناضلة أداة سياسية تنظيمية ديمقراطية ثورية متجذرة في الواقع الملموس للطبقات الاجتماعية الكادحة المنتجة الأساسية والفقيرة المحرومة. في هذ الواقع، لم تكن التنظيمات السياسية والنقابية والمدنية الديمقراطية واليسارية التقدمية مُهَيَّأة سياسيا وتنظيما لقيادة هذه الانتفاضات والحراكات لأنها لا زالت غير مرتبطة عضويا ثقافيا وسياسيا بالواقع الملموس للطبقات الاجتماعية الكادحة المنتجة الأساسية. بعد عدة انتفاضات وحراكات اجتماعية، يستمر الواقع السياسي والمجتمعي المغربي في التعايش مع "واثع قديم يحتظر.. و واقع جديد يتأخر في الظهور، وفي هذا الواضحِ المُعَتَّمِ تظهر الوحوش" . فتظهر انتفاضات-حراكات يحكمها تصور عام أخلاقي وإنساني ل"الصراع الطبقي"، تصور يرفض واقعا اجتماعيا سياسيا تفرضه طبقة سياسية مفصولة عن واقعهم الاجتماعي والثقافي، واحتمال تحولها إلى ظاهرة اجتماعية phénomène social تنتهي لتعود في مستقبل منظور بشكل احتجاجي جديد. ويفشل التغيير الديمقراطي الحقيقي النقيض ل"الديمقراطية الليبرالية" التي تعيش أزمة وجود في العالم وتحولها إلى همجية غربية تدعي شرعية حكم العالم لفرض مصالح الطبقة الرأسمالية الاحتكارية العالمية و ربحية شركاتها. بعد كل انتفاضات-حراكات تقمع سلطة النظام السياسي الانتفاض والحراك، وتمارس اعتقال ومحاكمات محتجين ومحتدات ومدونين ومدونات، وصحافيين انتقدوا سياسة النظام السياسي، انتقدوا المسئولية السياسة للمؤسسة الملكية التي لم تستطع سياستها وبرامجها وأوراشها حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الطبقات الاجتماعية الكادحة المنتجة الأساسية وفئات الشباب الذين يعانون من واقع الاقصاء الاجتماعي والسياسي ومن البطالة التي وصلت نسبتها إلى 36،7 بين شباب 15 و24 سنة. بعد كل انتفاضات-حراكات، تستعيد سلطة نظام السياسي ومؤسساتها سيادته وسيطرته والتحكم في الواقع السياسي، رغم الأزمة المجتمعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع هامش تدبير مشاريع القوانين والقرارات التي تصدر عن مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك. لم يجد النظام السياسي من سياسة لتجاوز أزمة المجتمع المغربي السياسية و الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سوى خذمة مصالح اقتصادية للرأسمالية الفرنسية و الأوروبية والاندماج في السياسة الإمبريالية الأمريكية التي فرضت "خطة أبراهام" لإقامة علاقات سياسية واقتصادية وأمنية مع الكيان الصهيوني. نعيش اليوم واقعا يعيد نفسه مرة أولى كمأساة سياسية مع احتجاج "جيل زد 212 Z" في واقع مجتمع يساند بالقلب، يتعايش، يتفرج، و مرة ثانية كمهزلة مع نظام سياسي يحتقر سياسة الحقيقة بخطابات وسياسة و أوراش مفصولة عن المصالح الديمقراطية الحيوية للطبقات الاجتماعية الكادحة المنتجة الأساسية للثورة، والفئات الاجتماعية المحرومة، والتي تشكل أغلبية ساحقة في المجتمع .. جيل زد 212 تبلور "جيل زد 212"، في واقع تغول الطبقة البرجوازية الريعية (كمبرادورية تخدم مصالحها وخذمة الرأسمال الامبريالي)، وفي واقع مجتمعي ضعيف ومشتت وفرداني تسود فيه المصالح الظرفية الزائلة التي لا تملك رؤية مستقبلية وأهداف سياسية واضحة لتغيير ديمقراطي حقيقي منشود. -في صيرورة هذا الواقع نشأ شباب "جيل زد 212" وتطور وتنظم افتراضيا في مواقع التواصل وموقع Discords خصوصا. شباب، نمت لديه ثقافة الغضب من واقع يعيشونه ويرفضونه، استطاعوا نقل غضبهم الافتراضي إلى وساحات بالمناطق المهمشة والمدن الكبرى أساسا. وقد شكل حادث ومأساة وفاة 8 نساء حوامل بمستشفى الحسن الثاني في مدينة أڭادير، الحادث الذي جرى خلال 30 يوما، بين شهر شتنبر وبداية أكتوبر 2025، شَكَّلَ موجة احتجاجية لمواطنين ومواطنات أمام المستشفى. وكانت هذه الموجة الاحتجاجية النقطة التي نتج عنها غضب شباب المغرب، ونقل تواصله واحتجاجه من العالم الافتراضي إلى احتجاج ملموس في شوارع مناطق مهمشة اجتماعيا ومدن المغرب الكبرى .. ليتشكل شباب "جيل زد 212" .. يرفعون أصواتهم في الشارع بشعارات "التعليم والصحة أولا".. "لا لتنظيم كأس عالم كرة القدم" .. "علاش جينا واحتجنا، التعليم/الصحة اللي بغينا".. وتطورت المطالب إلى الشعارات سياسية، "هذا مغرب طبقي، شي خدام وشي باقي"، "باراكا من الفساد راكم شوهتو البلاد"، "واش نتا مسطي، نسكت على حقي"، إن تحليل علمي لثقافة " ولممارسة جيل زد 212″ الافتراضية يخلص إلى أنها تبلورت منفصلة عن الواقع الملموس وحقيقة أزمة المجتمع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، و منفصلة عن أحزاب المعارضة اليسارية، وهي ثقافة افتراضية متنوعة يمينية، يسارية، إصلاحية، محافظة، متفتحة، ثقافة تتغذى بالمعلومات السيارة عالميا في وسائل التواصل الإنترنيتي، دون عقل نقدي علمي مرتبط بأزمة المجتمع وبأزمة النظام السياسي. لذلك "جيل زد 212" لا يطرح مشروع نظام سياسي مجتمعي بديل للنظام السياسي المجتمعي السائد الذي أنتج أزمة وتهميش وإقصاء المصالح والحقوق الديمقراطية والتقدمية للطبقات الكادحة والمحرومة ولشبابها، شباب "جيل زد 212". ومظهر من مظاهر البؤس السياسي في واقعنا السياسي، تدعو نخبة النظام السياسي "شباب زد 212" لاقتحام انتخابات سنة 2026، لترويضهم في ماكينتها..! وهل الانتخابات ديمقراطية فعلا؟ وهل ينتخب المواطنون والمواطنات السلطة التي تحكمتم فعلا؟ وهل تعافى المجتمع والكتلة الناخبة من تاريخ إفساد الانتخابات؟ وهل تعافت وزارة الداخلية ومسئوليها المركزيين والسلطات المحلية (ولاة وعمال وقياد ومقدمين…) من سرطان الفساد الانتخابي؟ الواقع والتجارب الانتخابية السابقة يؤكدان استمرار عمليات شراء إرشاء أصوات فئات اجتماعية غير واعية، يتم تجييشها لمنح أصواتها خلال انتخابات مخدومة ومتحكم فيها، انتخابات قاطعتها أغلبية المواطنين والمواطنات الذين لهم حق التصويت لأن التجربة علمتهم أن لا تثق في ترديد خطابات وقوانين تخليق الحياة السياسية والانتخابات، والتي يدروها ريح الفساد وتخلف وعي فئات عريضة من الشعب. أدت أزمة النظام السياسي الذي يخدم فقط مصالح البرجوازية الكمبرادورية ومصالح الرأسمال الامبريالي إلى تعميق وتدهور الوضع الاجتماعي والثقافي للطبقات والفئات الاجتماعية الشعبية وإلى سخط شعبي يتزايد ويعبر عن نفسه في احتجاجات عفوية وفي جرأة مواطنين ومواطنات على منصات فيسبوك وتويتر وإنستغرام. في هذا الواقع يستمر ضعف مهول لقوى الحركة الديمقراطية التقدمية الحقيقية وعدم تجذرها، اجتماعيا وسياسيا وتنظيميا، في واقع الطبقات الكادحة التي لها مصلحة في تغيير ديمقراطي راديكالي يلبي مصالحها الحيوية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، رغم محاولات قوى هذه الحركة الديمقراطية كسر حصار يمارسه النظام السياسي على أنشطتها. في هذا الواقع يستمر تشتت وتعطل وتناقض قوى ومناضلين ومناضلات ديمقراطيين كثر، منظمين وغير منظمين، تستهلك طاقاتها النضالية، أساسا، في احتجاجات اجتماعية وحقوقية وتضامنية لا تشارك فيها الجماهير الكادحة و المحرومة من حقوقها الإنسانية، بدلا من توجيه كل ممارستها النضالية إلى الطبقات الشعبية الكادحة و المحرومة لتسليحها بالوعي بمصالحها الديمقراطية وبالممارسة الديمقراطية التقدمية الراديكالية وبالعقل النقدي كي تستطيع تقرير مصيرها السياسي بنفسها. والواقع الملموس يوضح استمرار أزمة النضال الديمقراطي والقوى الديمقراطية الحقيقية واليسارية الغير مندمجة في النسق السياسي السائد، واستمرار أزمة الديمقراطيين/الديمقراطيات الحقيقيين، وتستمر أزمة اليساريين الديمقراطيين الراديكاليين .. إن التاريخ لن يرحمنا رغم أننا نؤمن بالنقد الذاتي الذي لا بد من ممارسته أمام هذه الجماهير الكادحة والمحرومة لتحريرها من سيطرة الإيديولوجية السائدة، كي تكتسب وعيا ديمقراطيا تقدميا، وحتى ثوريا، لأزمتنا المجتمعية والسياسية وتستوعب ضرورة بديل ديمقراطي تقدمي جديد فعلا، يفتح أفق تجاوز أزمة التغيير الديمقراطي الراديكالي في المغرب.