قال المجلس الأعلى للسلطة القضائية إن وضعية الاعتقال الاحتياطي شهدت خلال الفترة الممتدة من 2011 إلى 2024 تحولات نوعية تعكس جهود السلطة القضائية في ترشيد هذا التدبير الاستثنائي وتعزيز البدائل القانونية. وأكد المجلس في تقرير له أنه بالرغم من الارتفاع الملحوظ في عدد الساكنة السجنية، الذي انتقل من 64.833 نزيلاً سنة 2011 إلى 105.094 نزيلا عند متم سنة 2024، أي بزيادة تجاوزت +62%، فقد سُجّل مسار مغاير على مستوى نسب الاعتقال الاحتياطي .
وأوضح المجلس أن عدد المعتقلين احتياطياً ارتفع بشكل محدود مقارنة مع النمو العام للساكنة السجنية، منتقلاً من 27.470 معتقلاً سنة 2011 إلى 33.405 سنة 2024، أي بزيادة نسبتها +21,6% فقط، مع تسجيل انخفاض لافت سنة 2024 بلغ -13,35% مقارنة مع سنة 2023 . وسجل أن نسبة الاعتقال الاحتياطي من مجموع الساكنة السجنية عرفت تراجعاً تدريجياً ومطّرداً، حيث هبطت من مستويات مرتفعة تجاوزت 42% خلال الفترة (2011-2017)، لتصل إلى أدنى مستوى لها في غضون أربعة عشر عاماً، محققة نسبة 31,79% فقط عند متم سنة 2024. واعتبر المجلس هذا الانخفاض الحاد، الذي بلغ -30,44% مقارنة بسنة 2020، مؤشراً إيجابياً على نجاح المقاربة القضائية الجديدة التي توازن بين ضمانات المحاكمة العادلة ومتطلبات الأمن القضائي .، فالأرقام تعكس بوضوح انتقال السياسة الجنائية من منطق التوسع في الاعتقال الاحتياطي إلى ترشيد استعماله وربطه حصراً بحالات الضرورة، بما يرسخ ثقة المواطن في العدالة، ويُبرز التزام المغرب بالمبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان . وأشار أن محاكم الاستئناف تستأثر بالنصيب الأوفر، حيث بلغ عدد المعتقلين بها 26.063 معتقلاً احتياطياً، أي ما يعادل %78,02 من المجموع العام، وهو ما يعكس ثقل هذه المحاكم في معالجة القضايا الزجرية الكبرى، خصوصاً تلك المعروضة على غرف الجنايات وقضاة التحقيق، التي تتسم عادة بخطورة الأفعال وتشابك ملفاتها . أما على مستوى المحاكم الابتدائية، فقد سُجّل ما مجموعه 3.966 معتقلاً احتياطياً، أي بنسبة 11,87% من مجموع المعتقلين، وهو ما يؤكد أن الاعتقال الاحتياطي ظل محدود اللجوء في القضايا ذات الطابع البسيط أو الأقل خطورة . وبخصوص محكمة النقض، فقد بلغ عدد المعتقلين المعروضين عليها 3.376 معتقلاً احتياطياً، بنسبة 10,11% ، في ارتباط مباشر مع الملفات التي بلغت مرحلة الطعن بالنقض، مما يعكس دور هذه المحكمة في مراقبة المشروعية وضمان احترام القوانين والإجراءات . وشدد المجلس على أن هذا التوزيع يبرز أن الاعتقال الاحتياطي يتركز أساساً في القضايا ذات الطبيعة الخطيرة والمعقدة التي تنظر فيها محاكم الاستئناف، مع تسجيل توجه عام نحو ترشيد استعمال هذا التدبير على مستوى المحاكم الابتدائية، انسجاماً مع السياسة القضائية الرامية إلى تقليص اللجوء إليه إلا في حالات الضرورة .