يا له من "عرض عظيم"… لقد أصبح توزيع الأدوار في مسرحيتنا الهزلية مكشوفًا، لدرجة أننا نتوقع الجملة التالية قبل أن ينطق بها الممثل البائس. الأهداف مفضوحة كصفحة فيسبوك عامة، والتوقيت مكشوف ومتتالٍ بدقة نقرَات على طبل مبقور مثقوب ومخروم الصوت. أما قائد الأوركسترا، الذي يظهر ويختفي (كثعلب محمد زفزاف)، فحدث ولا حرج… أتصوره دائخًا يتمايل، وعصاه الرفيعة مكسورة من كثرة التلويح في مهب الفراغ، وأوراق مدونته "الموسيقية" مهترئة ومبللة بدموع الفشل. يا سادة… كفانا فلسفة! كما نصحتنا ذات مرة الممثلة الراحلة ثريا جبران في إشهار متلفز (ويا للمصادفة! كان إشهارًا خاصًا بإحدى ماركات الغاز، الغاز الذي تم تنصيب رئيس الحكومة الحالي إمبراطورًا لاحتكاره.. بهيمنته على سوق المحروقات المحلي). لن ينقذ الموقف الاستشهاد بفلسفة "إميل دوركايم"، الذي لو عاد للحياة لآثر العودة فورًا لقبره… ولن تجدي نفعًا افتتاحيات الصحف الصفراء التي لا يقرأها أحد، ولا تلك البودكاسات الكسيحة التي ضجيجها أعلى من محتواها. أما عن "الحوار الهادئ" الذي يدعو إليه أحد أفراد "اللجنة"؟… فعن أي هدوء هذا الذي ينتظره وجماعته بعد الزلزال المدمر؟ لا ينتظر بعد الزلزال إلا ركام الغبار الذي ينتجه الدمار… لذلك فطلب الهدوء هو محاولة سخيفة لوضع مكياج على وجه الهلاك. وأخيرًا، لن تنفع حركة "تجحيظ العيون" والوقاحة الممجوجة التي يمارسها البعض على قنوات اليوتيوب، فكل ما تفعلونه هو زيادة منسوب القرف لدى المشاهد المسكين. توزيع أدوار وأدوات التبرير والتطبيل الإعلامي التي نشاهدها اليوم تتمثل في ذاك "المُحدِّث الواعظ".. من يظهر بوجه متجهم كالح وبكاسكيط "أنا أفهم كل شيء"، ليقنعنا بأن الطبل المثقوب هو في الحقيقة "إيقاع استراتيجي مدروس"، وأن كسر العصا هو "تكتيك مرن لمواجهة الرياح المعاكسة". وذاك "البودكاستي المُنظِّر".. من جلس في غرفة معتمة، ليلمع هو وحده ("أنا وحدي نضوي البلاد" حسب المغني عبد الهادي بلخياط)، جلس يواجهنا ليبيعنا حكمة عميقة، مفادها أن الزلزال ليس دمارًا، بل هو "فرصة عظيمة لإعادة البناء المؤسساتي على أسس أكثر صلابة". وصوته حاد كشفرة، لكن محتواه طري كقطعة جبن فاسدة. و"الصحيفة الصفراء التوأم"… تلك المخلوقة البائسة التي تُصدر عناوينها بالحبر الصارخ لتغطية الحقائق الساخرة. وفي الخلف، تقف "جوقة التجحيظ والوقاحة".. هؤلاء لا يحللون ولا ينظِّرون، بل يمارسون فن رفع الحاجبين وتدوير العيون كآلية دفاعية.. مهمتهم الوحيدة هي أن يجعلوك تشك في أنك أنت المجنون، وأن ما تراه بعينيك ليس حقيقة، بل هو "مؤامرة خبيثة" على صفاء المشهد السياسي الجميل. نحن نعيش في عصر، لا يُطلب فيه من الأداة الإعلامية أن تنقل الواقع، بل أن تُجمّله، ولو ب "السمن الحار"، وهذا النوع من الدهان يكون ساما.