حلّ المغرب في المرتبة 84 عالمياً ضمن مؤشر التنافسية المستدامة العالمية لسنة 2025، محققاً مجموع نقاط بلغ 46.82 نقطة من أصل 100، وفق ما ورد في التقرير السنوي الصادر عن مؤسسة "سول آبيليتي" البحثية المستقلة، في نسخته الرابعة عشرة، تحت عنوان "تقرير حالة العالم 2025: مؤشر التنافسية المستدامة العالمية"، وهو ترتيب يضع المملكة في قلب المتوسط العالمي تقريباً، في سياق دولي لا يزال بعيداً عن بلوغ نموذج تنموي مستدام وشامل. وبيّن التقرير أن المتوسط العالمي لمؤشر التنافسية المستدامة بلغ سنة 2025 حوالي 46.8 نقطة، أي بفارق 53.2 نقطة عن المستوى الأمثل المفترض، وهو ما يجعل ترتيب المغرب قريباً جداً من المعدل العالمي، دون أن يصنَّف ضمن الدول ذات الأداء المرتفع، ودون أن يُدرج في المقابل ضمن خانة الدول ذات الأداء الضعيف جداً، بحسب تصنيف التقرير الذي شمل 192 دولة حول العالم.
ويعتمد مؤشر التنافسية المستدامة العالمية، وفق المنهجية المفصلة في التقرير، على أكثر من 250 مؤشراً كمياً مستمداً من قواعد بيانات دولية، من بينها البنك الدولي، ووكالات الأممالمتحدة المختلفة، وصندوق النقد الدولي، ومنظمات دولية غير حكومية، ويقيس قدرة الدول على تحقيق الازدهار الاقتصادي دون تقويض الأسس الطبيعية والاجتماعية والمؤسساتية التي يقوم عليها هذا الازدهار، وهو ما يجعل ترتيب المغرب انعكاساً لأداء مركب عبر ستة محاور رئيسية. صعود قارّي في رأس المال الفكري فيما يخص رأس المال الفكري والابتكار، حلّ المغرب في المرتبة 62 عالمياً، ليُصنَّف بذلك ضمن أعلى الدول الإفريقية ترتيباً في هذا المؤشر، إلى جانب تونس التي جاءت في المرتبة 95، وجنوب إفريقيا التي حلّت في المرتبة 127. وأكد التقرير أن المغرب، رغم هذا الترتيب المتقدم نسبياً قارياً، لا يزال بعيداً عن مستويات الدول الرائدة عالمياً في مجالات التعليم، والبحث العلمي، والابتكار التكنولوجي. وأوضح التقرير إلى أن مؤشر رأس المال الفكري يقيس عناصر متعددة تشمل جودة أنظمة التعليم، ومخرجاتها، والقدرة على البحث والتطوير، وريادة الأعمال، وتوازن القطاعات الاقتصادية، موضحاً أن المتوسط العالمي لهذا المؤشر لا يتجاوز 40 نقطة، وأن الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية في هذا المجال تتجاوز في بعض الحالات 35 نقطة، وهو ما يضع تصنيف المغرب ضمن سياق دولي يتسم بتفاوت حاد في القدرات المعرفية والابتكارية بين الشمال والجنوب. أما على مستوى رأس المال الطبيعي، فإن التقرير لا يضع المغرب ضمن الدول ذات الرأسمال الطبيعي المرتفع، مقارنة بدول ذات كثافة سكانية أقل أو تنوع بيولوجي أوسع، لكنه يدرجه ضمن فئة البلدان التي تواجه تحديات بنيوية مرتبطة بندرة المياه، والضغط المناخي، وتراجع الموارد الطبيعية، وهي خصائص يشير التقرير إلى أنها تطبع عدداً من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، في ظل تصاعد آثار التغير المناخي وارتفاع وتيرة الإجهاد المائي. ضعف القدرة على توليد الثورة في محور كفاءة استخدام الموارد، الذي يقيس في آن واحد كثافة استهلاك الموارد بالنسبة للفرد وكفاءة استخدامها مقارنة بالإنتاج الاقتصادي، لا يبرز المغرب ضمن الدول المتقدمة، لكنه في الوقت نفسه لا ينتمي إلى فئة الدول الأعلى هدراً للموارد، وفق القراءة العامة للتقرير، الذي يؤكد أن التحولات نحو الاقتصاد الدائري والنجاعة الطاقية لا تزال بطيئة عالمياً، رغم أن أكثر من 60 في المائة من المؤشرات المرتبطة بكفاءة الموارد تسجل تحسناً تدريجياً على المستوى الدولي، وهو تحسن وصفه التقرير بغير الكافي لتفادي المخاطر المناخية المستقبلية. أيضا، على صعيد رأس المال الاجتماعي، الذي يشمل مؤشرات الصحة، والمساواة، والأمن، والحريات، والتماسك الاجتماعي، لا يضع التقرير المغرب ضمن الدول ذات الأداء المرتفع، لكنه يدرجه ضمن الفئة المتوسطة، في سياق يُظهر أن المتوسط الدولي لرأس المال الاجتماعي لا يتجاوز 44 نقطة، وأن ما يقرب من نصف المؤشرات العالمية في هذا المجال تسجل تحسناً طفيفاً، مقابل 38 في المائة من المؤشرات التي تسير في اتجاه سلبي، وهو ما يعكس هشاشة التوازنات الاجتماعية في عدد كبير من الدول. وفيما يتعلق بالاستدامة الاقتصادية، يندرج المغرب ضمن الاقتصادات التي لم تبلغ بعد مستويات متقدمة في هذا المؤشر، الذي يقيس القدرة على توليد الثروة بشكل شامل ومستدام، ويركز على جودة السياسات الاقتصادية، والاندماج الاجتماعي، والتوازنات الهيكلية، في وقت يوضح فيه التقرير أن المتوسط العالمي لهذا المؤشر لا يتجاوز 41 نقطة، وأن أعلى أداء مسجل عالمياً لم يتعدَّ 62 نقطة، ما يعكس محدودية النماذج الاقتصادية القادرة على تحقيق نمو طويل الأمد دون استنزاف الموارد أو تعميق الفوارق الاجتماعية. إمكانية ردم الفجوة أما في محور الحكامة، الذي يقيس نتائج الأطر التنظيمية والمؤسساتية من خلال مؤشرات كمية تتعلق بفعالية السياسات، وجودة البنيات التحتية، ومحاربة الفساد، واستقرار الإطار التنظيمي، فإن التقرير يبرز فجوة واضحة بين دول الشمال ودول الجنوب، ويضع معظم الدول الإفريقية، ضمنها المغرب، في مراتب متوسطة إلى متأخرة، مقارنة بالدول الأوروبية الشمالية التي تهيمن على المراتب الأولى، مثل النرويج، وهولندا، والدنمارك، ولوكسمبورغ. وعلى المستوى الإقليمي، يضع التقرير المغرب ضمن القارة الإفريقية التي تُصنَّف كأضعف الأقاليم عالمياً من حيث التنافسية المستدامة، إلى جانب الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن هذه المناطق تسجل أدنى متوسطات عالمية في المؤشر الإجمالي، بسبب تداخل عوامل الضغط الديمغرافي، وضعف الحكامة، ومحدودية رأس المال الفكري، وتراجع رأس المال الطبيعي، في ظل سياقات سياسية واقتصادية غير مستقرة في عدد من الدول. ويخلص التقرير إلى أن الفجوة بين الدول المتصدرة، مثل فنلندا التي حلت في المرتبة الأولى عالمياً بمجموع 60.42 نقطة، والدول القريبة من المتوسط العالمي، مثل المغرب، لا تمثل فجوة مستحيلة الردم، بل تعكس، بحسب معدّي التقرير، "إمكانات غير مستغلة" يمكن تفعيلها خلال أفق زمني يتراوح بين خمس وعشر سنوات، إذا ما جرى الاستثمار المتوازن في التعليم، وحماية رأس المال الطبيعي، وتحسين كفاءة استخدام الموارد، وتعزيز رأس المال الاجتماعي، وترسيخ الحكامة الرشيدة. كما أكد مؤشر التنافسية المستدامة أن حالة العالم عموماً، لا تزال بعيدة عن مسار الاستدامة، مشيراً إلى أن 84 في المائة من دول العالم تسجل تصنيفات دون المستوى، وأن تسع دول فقط، كلها من شمال أوروبا، نجحت في بلوغ مستويات مرتفعة من التنافسية المستدامة. ويعني ذلك أن التنمية المستدامة ليست رهينة حجم الاقتصاد، بل بمدى تكامل السياسات العمومية وقدرتها على تحقيق توازن بين النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، وحماية البيئة، وهي معادلة لم ينجح المغرب، شأنه شأن غالبية دول العالم، في تحقيقها بشكل كامل إلى حدود سنة 2025.