توقف نزار بركة، وزير التجهيز والماء، عند تداعيات الفيضانات الأخيرة، خاصة تلك التي عرفتها مدينة آسفي، ومؤكدا أن ما وقع يندرج ضمن سياق أوسع يتسم بتزايد المخاطر المناخية القصوى التي أصبح المغرب معرضا لها بشكل متكرر، سواء من خلال توالي فترات الجفاف أو من خلال الفيضانات العنيفة المرتبطة بالتساقطات الغزيرة والمركزة في فترات زمنية قصيرة، وذلك خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب المنعقدة يوم الاثنين 22 دجنبر الجاري. وأوضح الوزير أن الأسابيع الماضية عرفت تسجيل واردات مائية مهمة على مستوى السدود، بلغت ما مجموعه 482 مليون متر مكعب، وهي كمية اعتبرها ذات أهمية بالغة، مبرزاً أنها ساهمت في تلبية جزء مهم من الحاجيات المائية بعدد من الأحواض، من بينها حوض فاس–مكناس، وحوض سوس–ماسة، وحوض بني ملال–خنيفرة، إضافة إلى أقاليم بالجهة الشرقية، مشيراً إلى أن هذه الواردات رفعت نسبة ملء السدود إلى حوالي 34 في المائة، في سياق يتسم بندرة الموارد المائية وتوالي سنوات الجفاف
وفي مقابل هذه المؤشرات الإيجابية، شدد نزار بركة على أن التساقطات الغزيرة التي عرفتها بعض المناطق، وعلى رأسها مدينة آسفي، جاءت بشكل فجائي ومكثف وفي مجال جغرافي محدود، ما أدى إلى وقوع فيضانات داخل النسيج الحضري. كيف حدث فيضان آسفي؟ وأوضح في هذا السياق أن السد المخصص للحماية من الفيضانات، والذي من المفروض أن يؤمن حماية المدينة على امتداد يقارب 90 كيلومترا، لم يستقبل سوى حوالي 200 ألف متر مكعب من المياه، في حين أن طاقته الاستيعابية تصل إلى نحو 3.5 ملايين متر مكعب، مبرزا أن السبب يعود إلى كون السيول تدفقت أسفل المدينة ولم تمر عبر المجرى الذي يتيح للسد القيام بدوره الوقائي، وهو ما ساهم في تفاقم الأضرار المسجلة. وأكد وزير التجهيز والماء أن ما وقع بآسفي استدعى تدخلاً عاجلاً بتعليمات سامية من جلالة الملك محمد السادس، تمثلت، في شقها الأول، في توجيه الحكومة إلى إعادة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات، مع إقرار مساعدات استعجالية لفائدة الأسر التي فقدت ممتلكاتها الشخصية، والتكفل بالمنازل التي تضررت بشكل مباشر. وأوضح أن السلطات المحلية شرعت فعلياً في عمليات جرد شاملة للأسر المتضررة وللمساكن المتضررة أو المنهارة، من أجل تمكينها من الاستفادة من التعويضات التي أمر بها جلالة الملك، في إطار مقاربة تضامنية تهدف إلى التخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية للكارثة وفيما يتعلق بالشق التقني والاستشرافي، أفاد نزار بركة بأن مصالح الوزارة، رفقة الفرق الهندسية المختصة، انتقلت إلى عين المكان للوقوف على أسباب ما جرى، وإطلاق دراسات تقنية دقيقة تروم تحديد مكامن الخلل ووضع تصور واضح لكيفية منع تكرار مثل هذه الأحداث مستقبلاً. وأكد أن الهدف الأساسي يتمثل في اتخاذ التدابير الوقائية الضرورية، سواء عبر تعزيز البنيات الوقائية القائمة أو عبر إنجاز منشآت جديدة لحماية مدينة آسفي من مخاطر الفيضانات، مع مراجعة شاملة للمقاربات الهندسية المعتمدة في ظل التحولات المناخية المتسارعة نظام الإنذار المبكر وفي هذا الإطار، شدد الوزير على أن الوزارة تعمل على تحيين الخرائط الوطنية للمناطق المعرضة للفيضانات، موضحاً أن المعايير التي كانت معتمدة في السابق أصبحت متجاوزة بفعل التغيرات المناخية، وأن خرائط جديدة أكثر دقة ستكون جاهزة خلال السنة المقبلة، بما يسمح بتحديد المناطق الهشة واتخاذ التدابير الاستباقية اللازمة. كما أبرز أن التواصل مع المواطنين يشكل عنصراً أساسياً في هذه الاستراتيجية، من خلال تطوير آليات التحسيس ونشر ثقافة الوقاية، إضافة إلى تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، مذكّراً بأنه تم تفعيل الإنذار المبكر بمدينة آسفي في حدود الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف، في محاولة لتنبيه الساكنة إلى خطورة الوضع. وعلى مستوى البرامج الاستثمارية، كشف نزار بركة أن الوزارة أنجزت أو برمجت ما مجموعه 33 مشروعاً لحماية المدن والمراكز الحضرية من الفيضانات خلال الفترة الممتدة ما بين 2021 و2025، شملت عدداً من الأقاليم والمناطق، من بينها طنجة، أصيلة، تطوان، وزان، الناظور، جرادة، بولمان، مكناس، فاس، سيدي قاسم، سطات، شيشاوة، مراكش، زاكورة، تزنيت، تارودانت، تنغير، سيدي إفني، طاطا، أسا الزاك، وبوجدور، إضافة إلى 15 مشروعاً آخر قيد الإنجاز أو البرمجة بعدد من الأقاليم الأخرى، في إطار رؤية وطنية تروم تقليص مخاطر الفيضانات وتعزيز صمود البنيات التحتية. وأشار الوزير أيضاً إلى أن التجربة أبانت عن نجاعة أنظمة الإنذار المبكر في تفادي الخسائر البشرية، مستحضراً مثال فيضانات وادي أوريكا خلال شهر غشت الماضي، حيث مكّن التبليغ في الوقت المناسب من تفادي تسجيل ضحايا، معتبراً أن هذا النجاح النسبي يحفز الوزارة على مواصلة الاستثمار في هذه الآليات، إلى جانب تعزيز وسائل التدخل الاستعجالي وتعبئة الإمكانيات اللوجستيكية والبشرية لمواجهة الكوارث فور وقوعها وخلال تعقيبات النواب، تم التركيز على خطورة ما شهدته مدينة آسفي، حيث أشار عدد من المتدخلين إلى أن الفيضانات خلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة، طالت التجار والحرفيين وعدداً كبيراً من المنازل، خاصة بالمدينة القديمة. كما نبه نواب إلى وجود إشكالات بنيوية، من بينها الاختناق المسجل على مستوى مصب الوادي، حيث يصل عرض الوادي في بعض المقاطع إلى حوالي 800 متر، قبل أن يتقلص إلى نحو 300 متر عند المصب، وهو ما اعتبروه عاملاً أساسياً في تفاقم الفيضانات، مطالبين بإعادة النظر في تصميم المصب وضمان تصريف مباشر نحو البحر دون عوائق عمرانية ودعا متدخلون آخرون إلى تسريع وتيرة إنجاز الأشغال المرتبطة بالدراسات التقنية، محذرين من أن أي تأخير قد يعرض المدينة لمخاطر إضافية في حال تكرار التساقطات الغزيرة، كما شددوا على ضرورة تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وتكثيف عمليات التحسيس، خاصة في الأحياء الهشة، حمايةً لأرواح المواطنين، ولا سيما الأطفال.