يشكّل الدعم الممتد أحد الأعمدة العملية التي راهنت عليها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة لمعالجة التعثرات المدرسية وتقوية التعلمات الأساس، ضمن هندسة إصلاحية مؤطرة بخارطة الطريق 2022–2026 ومشروع مؤسسات الريادة. وقد عبّأت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس–ماسة غلافاً مالياً مهماً يناهز 25 مليون درهم لإنجاح هذا الورش، في إطار تصور وطني يربط التمويل بالنتائج، ويُفترض فيه إحداث أثر ملموس على مستوى التحصيل الدراسي ومحاربة الهدر والتعثر، لا الاكتفاء بتوسيع الزمن المدرسي أو تسويق مؤشرات رقمية معزولة عن الواقع. غير أن تنزيل هذا البرنامج بالسلك الابتدائي بمديرية تيزنيت يكشف، منذ الوهلة الأولى، عن اختلال بنيوي يفصل بين الخطاب الجهوي المنضبط والتنفيذ الإقليمي المرتبك؛ إذ لم تنخرط 16% من المؤسسات الابتدائية في المشروع، بينما لم يتجاوز عدد الأطر التربوية المنخرطة فعلياً 200 أستاذ، وهو رقم محدود لا يغطي المستويات المستهدفة ولا العينات المفترضة من المتعلمين المعنيين بالدعم. هذا التباين الصارخ بين حجم الاعتمادات المرصودة وضآلة الانخراط البشري، يضع ادعاءات "النجاح الإقليمي" على محك الأرقام الصلبة، ويفتح نقاشاً مشروعاً حول جدية القيادة الإقليمية في تحويل الدعم الممتد من شعار إصلاحي إلى ممارسة تربوية ذات أثر قابل للقياس. ضبابية القيادة وغياب التنسيق الميداني: من أين يبدأ المنسق الإقليمي، وماذا يفعل؟ وأبرز ما يطبع تنزيل الدعم الممتد بالسلك الابتدائي بمديرية تيزنيت غياب قيادة إقليمية فعلية للمشروع، حيث يشتغل المنسق الإقليمي لمشروع الريادة في ظل فراغ تصوري واضح، دون برنامج عمل مضبوط، أو أهداف كمية دقيقة، أو مؤشرات قياس قابلة للتتبع، ولا رزنامة زمنية للتنفيذ والتقويم. هذا الاشتغال المرتجل يتعارض صراحة مع أبجديات تدبير المشاريع العمومية، ومع منطق خارطة الطريق التي تربط التمويل بالنتائج، ويحوّل وظيفة التنسيق من قيادة إصلاحية إلى حضور شكلي لا ينتج أثراً قابلاً للقياس في الواقع. ويتفاقم هذا الخلل بغياب أي تنسيق منظم مع المفتشين التربويين، الذين يشكلون الحلقة المحورية في التأطير والمواكبة وضمان جودة الممارسات البيداغوجية، مقابل الاكتفاء برفع معطيات غير دقيقة إلى الأكاديمية الجهوية. وقد انعكس هذا الارتباك في ضعف مسك المعطيات، وتأخر المصادقة على الإشهادات، وتراجع ترتيب المديرية إقليمياً، في مفارقة صارخة مع تصنيف مؤسساتها ضمن مشروع يفترض فيه الريادة. ويزداد هذا الاختلال وضوحاً حين يُستحضر أن عدد الأطر التربوية المنخرطة فعلياً لا يتجاوز 200 أستاذ، وهو رقم يعكس غياب تعبئة شاملة للموارد البشرية، ويؤكد أن المشروع يُدار بمنطق الحد الأدنى بدل منطق الانخراط الجماعي والمسؤولية المشتركة. واتساب بعد منتصف الليل: من التوجيه إلى الإزعاج؟ بدل اعتماد قنوات تواصل مؤسساتية واضحة، لجأ المنسق الإقليمي للريادة بالسلك الابتدائي إلى أسلوب مرتجل عبر تطبيق "واتساب"، قائم على رسائل متكررة وموسومة بالاستعجال، يُرسل بعضها بعد منتصف الليل. هذا الأسلوب خلق حالة من التضايق لدى رؤساء المؤسسات التعليمية الابتدائية، وأفرغ التواصل الإداري من طابعه المهني، وحوّله من أداة تأطير إلى مصدر إرباك وإزعاج مستمر. ويعكس هذا النمط من التواصل ضعفاً هيكلياً في القيادة الإقليمية وفهماً ناقصاً لدور التواصل الإداري في تسيير المشاريع العمومية. فالاعتماد على رسائل واتساب المتأخرة زمنياً يشير إلى غياب مخطط واضح للتتبع، وهو ما حوّل الوظائف الإشرافية من مهام تربوية دقيقة إلى توجيهات ارتجالية، ما أدى إلى أخطاء مهنية وتناقضات في تطبيق حصص الدعم. كما أن هذا الأسلوب أضعف ثقة الأطر الإدارية والتربوية، وقوض الانضباط المؤسساتي، ما جعل محاولات تجويد التعلمات مهددة بالفشل قبل أن تبدأ. تأخر تنظيم التفتيش التربوي وانعكاساته يشكل تأخر المديرية الإقليمية في إصدار وثيقة تنظيم التفتيش التربوي للسلك الابتدائي محورًا مستقلًا يعكس خللاً إداريًا واضحًا. فقد بقي مفتش تربوي ش.ع دون مهام رسمية منذ زهاء شهر من التحاقه بمديرية تيزنيت بعد استجابة الوزارة لطعنه في الحركة الوطنية، كأنه مفتش "فائض" أو "شبح"، ما يعكس ضعف التنظيم المؤسساتي، وتشتت توزيع المهام. هذا الوضع انعكس مباشرة على استقرار هذا اللمفتش التربوي، إذ اضطر للبقاء بدون مهام في ظروف غموض وظيفي، ما يحد من فعالية المهام الإشرافية ويزيد من صعوبة متابعة البرنامج الوطنية. وقد أثر هذا التأخير على بقية المفتشين التربويين، خصوصًا أن إعادة تنظيم التفتيش ستؤدي إلى إعادة توزيع المؤسسات التعليمية التي سيشرفون عليها، وهو ما نال من استقرارهم الوظيفي والنفسي. هذا التأثير المزدوج يعكس هشاشة التخطيط الإداري على مستوى المديرية الإقليمية، ويضع علامات استفهام حول قدرة المديرية الإقليمية على ضمان الرقابة على تنزيل البرامج الوطنية، وتحقيق استقرار الموارد البشرية الضروري لإنجاح أي مشروع إصلاحي على أرض الواقع. دعم ممتد بلا مخطط: من المعالجة التربوية إلى الارتجال كشف تنزيل برنامج الدعم الممتد بالسلك الابتدائي بمؤسسات الريادة بمديرية تيزنيت عن اختلال بنيوي واضح، يتمثل في تفعيل الدعم في غياب مخططات دعم مؤطرة، مؤسسة على تشخيص قبلي دقيق للتعثرات، وتحديد واضح للأهداف والأنشطة ومؤشرات التتبع والتقويم. ففي مؤسسات يُفترض فيها الريادة والالتزام الصارم بالإطار البيداغوجي الوطني، انطلق الدعم دون أي تصور علاجي مضبوط، في تعارض صريح مع الفلسفة التي بُني عليها البرنامج وطنياً، والتي تجعل من التخطيط المدروس شرطًا سابقًا لأي تدخل تربوي ذي جدوى. ويزداد هذا الخلل خطورة حين يتقاطع غياب المخططات مع حرمان الأطر التربوية من العدة الديداكتيكية الأساسية، إذ لم تُوفَّر دلائل الأساتذة الخاصة بالدعم الممتد، ولا بطائق الأنشطة الفردية، ولا الأسناد الرقمية (PPT)، ولا الموارد البيداغوجية المصاحبة. ونتيجة لذلك، وجد الأساتذة أنفسهم مطالبين بتنزيل برنامج علاجي وطني بأدوات ناقصة، إن لم تكن منعدمة، في مفارقة صارخة بين الخطاب الرسمي الذي يَعِد بالجودة والنجاعة، ومنطق تنزيل إقليمي يراكم الارتجال ويُحمِّل الفاعل التربوي مسؤولية فشل لم يكن طرفًا في صناعته. وفي ظل هذا الفراغ التخطيطي والديداكتيكي، تحوّلت حصص الدعم الممتد في عدد من المؤسسات إلى امتداد شكلي للزمن المدرسي، بدل الاشتغال وفق مقاربة علاجية تستهدف تعثرات محددة وقابلة للقياس. ويتعزز هذا الارتجال بتجاوز عدد ساعات الدعم المنصوص عليها قانونياً، حيث استفاد متعلمون ببعض المؤسيات من تسع ساعات دعم أسبوعياً بدل أربع ساعات المحددة في المذكرة الوزارية عدد 25/2125 بتاريخ 24 أكتوبر 2025، دون مراعاة لقدرات المتعلمين أو لتوازن الزمن المدرسي، ودون أي تكييف مع حاجياتهم الفعلية، ما أفرغ الدعم من قيمته المضافة وحوّله من أداة لتجويد التعلمات إلى عبء زمني يُنهك المتعلمين دون أثر ملموس. رؤساء مؤسسات عاجزون عن التعبئة: الدعم الميداني معطل! في المقابل، لم تنخرط عدة مؤسسات رائدة في الدعم الممتد، لا لرفض أطرها الدعم من حيث المبدأ، بل بسبب غياب التعبئة الداخلية وضعف القيادة التربوية. فقد امتنع عدد من رؤساء المؤسسات عن عقد اجتماعات تأطيرية مع الأطر التربوية، ولم يتم تعريف الأساتذة ولا حتى رؤساء المؤسسات التعليمية بمقتضيات المرسوم 225.539 الصادر بتاريخ 11 شتنبر 2025 المتعلق بتعويضات الساعات الإضافية. هذا الغياب للإرشاد والتوجيه الواضح، والتواصل المؤسساتي أدى إلى ضعف الدافعية، وكرّس العزوف عن الانخراط في البرنامج، رغم أهميته بالنسبة للمتعلمين. وكشف هذا الواقع خللاً هيكلياً في ممارسة القيادة التربوية على مستوى المؤسسات. فغياب التعبئة الداخلية يجعل أي مشروع وطني، مهما كانت جودته، عرضة للفشل على الأرض، وهو ما حوّل الدعم الممتد بمديرية تيزنيت من أداة استراتيجية لتعزيز التعلمات إلى مجرد نشاط شكلي. كما أن ضعف التوجيه الرسمي إقليمياً ضاعف من تأثير التراكمات السلبية، وأدى إلى تراجع الالتزام المهني لدى الأطر الإدارية، ما انعكس مباشرة على تنزيل الإصلاح وسيحول دون استدامته. تعويضات معلقة: خسارة الثقة والإرادة! سُجَّل استمرار تعليق تعويضات عدد مهم من أساتذة السلك الابتدائي برسم السنة الماضية باعتباره خرقاً صريحاً لمنطق التحفيز وربط المسؤولية بالمكافأة الذي تؤطره المذكرات الوزارية المنظمة لمختلف البرامج الإصلاحية، وفي مقدمتها الدعم الممتد… فهذا التعليق لا يُناقض فقط الخطاب الرسمي الداعي إلى تحفيز الموارد البشرية، بل يُفرغه من مضمونه القانوني والتنظيمي، ويحوّله إلى وعد إداري غير ملزم. وقد خلّف هذا الوضع إحباطاً واسعاً في صفوف الأطر التربوية، وأضعف دافعيتهم للانخراط في برامج تتطلب جهداً إضافياً وزمناً مدرسياً مضاعفاً، في ظل غياب المقابل المادي المشروع الذي يُفترض أن يُشكّل أحد حوافز الالتزام المهني. وتتحمل المديرية الإقليمية، وعلى رأسها المدير الإقليمي، المسؤولية الإدارية والقانونية المباشرة عن هذا التعطيل، باعتباره إخلالاً بواجب تنفيذ الاعتمادات المرصودة وضمان وصولها إلى مستحقيها في آجالها المعقولة، انسجاماً مع مبدأي النجاعة وحسن التدبير المنصوص عليهما دستورياً. وتزداد خطورة هذا الخلل حين يُستحضر أن الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس–ماسة خصصت غلافاً مالياً مهماً يُقدَّر بحوالي 25 مليون درهم لبرنامج الدعم الممتد، ما يعني أن العطب لا يكمن في التمويل ولا في التخطيط الجهوي، بل في آليات التنزيل والتتبع الإقليمي. وهو وضع يقوّض الثقة في الإدارة، ويُضعف منطق التحفيز، ويجعل من أي حديث عن تعبئة الموارد البشرية مجرد شعار معزول عن شروطه القانونية والعملية. الوسط القروي: دعم نظري في واقع غير مهيأ! تتضاعف الإكراهات بالوسط القروي، حيث يعاني عدد كبير من الأساتذة من عدم الاستقرار المهني، ويضطرون للتنقل اليومي بين المدينة ومقرات عملهم لضعف تهيئة المؤسسات بالسكنيات، ما يستهلك وقتاً وجهداً كبيرين ويؤثر مباشرة على قدرتهم على الالتزام بحصص الدعم الممتد. كما أن البنيات التحتية لهذه المؤسسات غالباً ما تكون محدودة ولا توفر بيئة مناسبة لتنفيذ البرنامج التربوي، ما جعل الدعم مجرد نشاط شكلي بدون أثر حقيقي على التعلمات، في ظل إهمال المديرية وعدم تحركها في الوقت المناسب لمعالجة هذه الإشكاليات. ويبرز هذا الواقع انكسار فعالية المبادرات الوطنية أمام عدم تحرك المديرية الإقليمية لمعالجة خصوصية المجال القروي. فغياب رؤية عميقة وعدم نهج مقاربة مرنة لتكييف ظروف اشتغال الأطر وتحسين ظروف المؤسسات بالعالم القروي يهدد المشروع الوطني الإصلاحي بالفشل، وحوّل الدعم الممتد من أداة استراتيجية لتحسين التحصيل الدراسي إلى عبء إضافي على الأطر والمتعلمين. وهذا يوضح أن نجاح البرامج الوطنية يتطلب ليس فقط تخطيطاً مركزياً، بل أيضاً تكييفاً حقيقياً على المستوى المحلي. دعم بلا فضاءات: أين مكان البرنامج الوطني على الأرض؟ رغم أن الدعم الممتد مشروع وطني استراتيجي واعد، لم تُواكب المديرية الإقليمية هذا الورش بتوفير فضاءات بديلة لتنفيذ البرنامج، سواء كانت قاعات إضافية بالمؤسسات أو مرافق عمومية كدور الشباب، خاصة في المؤسسات ذات البنيات المحدودة. هذا التقصير أدى إلى صعوبة تنظيم حصص الدعم وفق الجدول الزمني المخطط له، مما حوّل البرنامج من أداة فعالة لتعزيز التعلمات إلى نشاط شكلي يفتقد للجدوى العملية. ويعكس هذا الواقع حقيقة ضعف التنسيق بين المديرية الإقليمية والشركاء الخارجيين الحقيقيين، ويكشف عن فجوة خطيرة بين الخطاب الرسمي الداعم للمبادرات الوطنية والتنفيذ الميداني الفعلي. فالاعتماد على مساحات محدودة دون توفير بدائل عملية يضعف من تأثير البرامج، ويعكس قصوراً في التدبير والإشراف الإقليمي، ويؤكد أن نجاح أي مشروع وطني يتطلب مراعاة الواقع المادي للمؤسسات والعمل على توفير البنيات الأساسية اللازمة لتنفيذه. حقائق ميدانية تكشف مظاهر الفشل والاختلال الإداري المزمن! ما يقع بتيزنيت لا يمكن اختزاله في تعثرات عابرة، بل يعكس خللاً في قيادة مشروع إصلاحي يفترض فيه الانضباط والدقة والالتزام بالإطار القانوني والتنظيمي. فالدعم الممتد ليس عدداً من الساعات ولا مراسلات استعجالية عبر الواتساب، بل مشروع تربوي متكامل، إما أن يُدار بمنطق الإصلاح أو يُضاف إلى لائحة الأوراش التي أُفرغت من مضمونها بتيزنيت، وفي مقدمتها ورش التربية الدامجة، والدعم الاجتماعي، ومشروع المؤسسة… ويزداد وضوح هذا الخلل حين تغيب 16% من مؤسسات الريادة عن الدعم الممتد، ويظل عدد الأطر المنخرطة محدوداً في حدود 200 أستاذ، ولا تنعكس اعتمادات مالية تقدر بحوالي 25 مليون درهم على جودة التنفيذ الميداني. عندها يتحول الحديث عن نجاح المشروع إلى خطاب إنشائي منفصل عن الواقع، لا تصمد مزاعمه أمام المعطيات الميدانية الصلبة. ويتأكد مرة أخرى أن أي نجاح معلن من الخارج لا يعكس حقيقة ما يجري داخل المؤسسات التعليمية بتيزنيت، ويكذب مزاعم المدير الإقليمي باحتضان المنتخبين وجمعياتهم لمشروع الريادة، حيث يبقى الأساتذة والمفتشون العمود الفقري لأي إنجاز تربوي حقيقي. ليبقى السؤال المطروح: إذا كانت 25 مليون درهم لم تُترجَم إلى دعم فعلي، و16% من المؤسسات خارج البرنامج، وعدد الأطر المنخرطة محدودًا، فبأي معيار يُقاس نجاح الدعم الممتد بتيزنيت؟ وبأي منطق ستُروَّج المديرية الإقليمية لتيزنيت لهذه الوضعية كنموذج إصلاحي؟