ينفتح النقاش في إقليم طاطا المهمش والمنكوب من طرف فعاليات محلية حول موقع الإقليم ضمن مخطط "الحكم الذاتي"؛ عقب اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للقرار رقم 2797 الذي اعتبر أن منح إقليم الصحراء الغربية حكمًا ذاتيًا حقيقيًا تحت السيادة المغربية قد يكون الحل الأنجع للنزاع القائم منذ قرابة خمسين عامًا، حيث يشكل هذا القرار تطورا مهما يمضي نحو إخراج الملف من حالة الجمود نحو حلول فعلية تفضي إلى إنهاء النزاع، ويشكل مكسبا مهما يتوج جهود الدبلوماسية المغربية من أجل فرض رؤيتها للحل؛ المتمثلة في مبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007. وفي ظل هذه التطورات يتجه مجموعة من الفاعلين من أبناء الإقليم إلى طرح مبادرة ضرورة شمول الحكم الذاتي لإقليم طاطا، حيث لا يمكن اعتبار أي نقاش في هذا الصدد إلا أنه نقاش صحي ومفيد، غير أنه يجب أن يؤسس على رؤية واقعية وفعلية قادرة على انتشال الإقليم من حالة الركود والتهميش الذي تعيشه، أو ستظل مجرد شعار يرفع مع الموجة تأثرا بالنقاش الذي فتحه فاعلون بمنطقة كلميم وادنون في تفاعلهم مع تصريح ولد الرشيد الذي يشير إلى أن المبادرة هي موجهة فقط للمنطقة المتنازع عليها والتي كانت ضمن نفوذ الإستعمار الإسباني. غير انه من وجهة نظر شخصية أرى أن النقاش الحقيقي يجب أن يرتكز على "الحق في التنمية" لإقليم طاطا وساكنتها أفرادا وجماعات، بما يحمله مفهوم هذا الحق من معنى عبر توفير شروط الرفاه وجودة الولوج للخدمات الأساسية بجودة عالية التي تتمثل أساسا في الصحة والتعليم والغداء والسكن واستفاذة الساكنة من ثرواتها الطبيعية (وهي الأمور التي لا نجدها في إقليم طاطا، أو تكون خدمات متردية)، فيما نجد أن هذا الإقليم يعاني من اختلالات كبيرة ويعيش انعدام العدالة المجالية واستنزافا للثروات المعدنية والطبيعية دون أي انعكاس تنموي على المنطقة، حتى أصبح يعاني من نزيف حاد عبر الهجرة والنزوح الإضطراري نحو المدن ويعاني من خدمات صحية متردية تتسبب بوفياة ومآسي، وبنية تحتية مهترئة تكفي بضع قطرات من المطر لتدميرها. لذلك فالحق في التنمية يعتبر المنطلق الأساسي للترافع عن الإقليم، باعتبار أن الدولة مسؤولة عن توفير جميع هذه الخدمات الأساسية والرفاه لساكنة إقليم طاطا، وفي ذلك تتحمل مسؤوليتها السياسية والقانونية في عدم اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لأجل توفير هذه الحقوق، كما هو منصوص عليه في العهدين الدوليين لحقوق الإنسان وفي إعلان الحق في التنمية 1986، حيث تنص المادة الثالثة من إعلان الحق في التنمية على أن "الدولة تتحمل المسؤولية الرئيسية عن تهيئة الاوضاع الوطنية والدولية المواتية لإعمال الحق في التنمية". يأتي الدفع بطرح "حق إقليم طاطا في التنمية"، من منطلق الوصول إلى الغاية المنشودة، في الوقت الذي يذهب طرح الحكم الذاتي إلى الترافع من أجل تحقيق وسيلة دون ضمان غايتها أو طريق تنزيلها، ودون إدراك أن الحكم الذاتي قد يكون نقمة لعدم قدرته على تحقيق التنمية، حيث أن أغلب التجارب المقارنة للحكم الذاتي تتبث ان الأقاليم التي تتمتع بالحكم الذاتي أو تطالب به هي أقاليم غنية؛ فإقليم كتالونيا مثلا يعتبر من أغنى مناطق إسبانيا باعتباره يساهم بنحو 20% من إجمالي الناتج المحلي الإسباني، ويضم انشطة متنوعة كالصناعة التحويلية والسياحة (خاصة برشلونة كمركز جذاب)، زيادة على التجارة والخدمات، واعتباره مركزا للشركات الناشئة والابتكار ووجهة رئيسية للاستثمارات الأجنبية، ويحقق أرقاما قياسية في التوظيف وبطالة جد منخفضة، أما إقليم طاطا فلا يجد أي مرتكزات ومؤشرات تؤهله للإكتفاء والتسيير الذاتي. أما الصين التي تتوفر على خمس مناطق ذاتية الحكم، فهذه المناطق تجاوز إجمالي ناتجها المحلي 8,38 تريليون يوان، ولعل هونغ كونغ أبرز نماذج الحكم الذاتي في الصين والتي تعتمد مبدأ "دولة واحدة ونظامان" مع استقلالية قضائية ومالية، مما جعلها مركزاً مالياً عالمياً يرتكز على التجارة الحرة و الضرائب المنخفضة وتتوفر على ميناء حر وعملة مستقلة بالإضافة لرابع بورصة عالمية، لذلك فأغلب المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي لها من الموارد المالية والإقتصادية ما يكفي لجعلها في غنى عن الدولة المركزية أو الدولة الأم بل حتى أغلب هذه التجارب أصبحت تطالب بالإستقلال لتفادي عبئ وقيود الدولة عليها. إن إقليم طاطا يمكن اعتباره إقليما حبيسا تكالبت عليه كل الظروف لجعله إقليما منكوبا بداية من إهمال الدولة له وصولا إلى لعنة الجغرافيا؛ حيث وجد نفسه في واجهة حدودية مغلقة مع تندوف وحدود جبلية (جبال باني) تطوقه من كل جانب لا سيما على مستوى شماله ودون واجهة بحرية، فيما أن أخصب أراضيه تحولت لمنطقة عسكرية، كما أنه عانى من التهميش الممنهج من طرف الدولة المركزية بتحويله لمنفى تأديبي للمسؤولين الفاسدين المغضوب عليهم الذين يصبون جام غضبهم ضد الإقليم وساكنته، وتعاملت معه الدولة برؤية متعالية في التقسيم الإداري والترابي عبر فصله عن جهة كلميمالسمارة وإلحاقه بجهة سوس ماسة دون استحضار العوامل الجغرافية والهوياتية والسوسيوثقافية، وتوازيا مع كل هذه الظروف كانت النخبة السياسية مساهمة في تعميق الأزمة عبر ضعفها وتسليمها وتخاذلها. لذلك أعتبر أن المجتمع المدني والفاعلين السياسيين بإقليم طاطا مطالبون اليوم بترافع قوي يرفع شعار "الحق في التنمية" اليوم قبل الغد ودون آمال ووعود مؤجلة، وتذكير الدولة بالتزاماتها تجاه هذا الإقليم المهمش والمنكوب، وعدم إهدار الجهود في مبادرات قد يستحيل تنزيلها والإستجابة لها، وخوض معركة نضالية من أجل تنمية الإقليم ينخرط فيها جميع الفاعلين، تتحقق فيها العدالة المجالية والإنصاف الترابي ويعاد الإعتبار لهذا الإقليم المنسي الذي عانى عقودا من التهميش والتفقير، وربما تفرز لنا هذه المعركة النضالية نخبا تستحق ثقة الساكنة. إن تقديمنا لهذا الطرح الرامي إلى ضمان حق إقليم طاطا في التنمية لا يعتبر تسفيها للمبادرة الرامية إلى الترافع من أجل تمتيع طاطا بالحكم الذاتي، ولكنه طرح من أجل المساهمة في النقاش العمومي الهاذف إلى تنمية الإقليم ودفع الدولة إلى القيام بواجبها والتزاماتها تجاه هذا الإقليم المنكوب وساكنته التي تعاني الويلات، عبر احترام المضامين الدستورية والإلتزامات الدولية، وأن هذا الطرح المؤسس على إعلان الحق في التنمية والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان يمكن عبر الإعتماد على مضامينه إلى تعزيز حتى طرح أصحاب "مبادرة الحكم الذاتي" حيث ينص العهدين في المادة الأولى على أن: "لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ولجميع الشعوب سعيا وراء أهذافها الخاصة، التصرف الحر بثرواتها ومواردها الطبيعية دونما إخلال بأية التزامات منبثقة عن مقتضيات التعاون الاقتصادي الدولي القائم على مبدأ المنفعة المتبادلة وعن القانون الدولي ولا يجوز في أية حال حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاصة، وأنه على الدول الأطراف في هذا العهد بما فيها الدول التي تقع على عاتقها مسؤولية إدارة الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم المشمولة بالوصاية أن تعمل على تحقيق حق تقرير المصير وأن تحترم هذا الحق، وفقا لأحكام ميثاق الأممالمتحدة". وينص الإعلان عن الحق في التنمية في مادته الاولى على أن: "الحق في التنمية حق من حقوق الإنسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل إنسان ولجميع الشعوب المشاركة والإسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها إعمال جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية إعمالا تاما. وينطوي حق الإنسان في التنمية أيضا على الإعمال التام لحق الشعوب في تقرير المصير، الذي يشمل، مع مراعاة الأحكام ذات الصلة من العهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، ممارسة حقها، غير القابل للتصرف، في ممارسة السيادة التامة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية". لذلك فإن الطرح الذي تقدمنا به لا يمنع التمتع بالحكم الذاتي أو يقف ضده باعتباره نوعا من انواع تقرير المصير، لكنه يذهب للغاية الأهم والأسمى وهي تمتيع هذا الإقليم وساكنته بحقهم في التنمية عبر تذكير الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها بهذا الإقليم؛ حيث لا يمكننا الإختلاف على هذه الغاية، بقدر ما يمكن الإختلاف على وسائلها و مدى نجاعتها، وأن لا تتحول الوسائل إلى غايات قد يصاب البعض من الإحباط في حال عدم تحققها، وقد يهدرون جهدا كبيرا في سبيلها دون جدوى.