الماء والبنية التحتية..محور مباحثات بين وزير التجهيز والماء وسفيرة الصين    مصطفى القاسمي: الفلاحون الصغار يحتضرون ولقمة عيشهم مرتبطة بالعمل لدى كبار الفلاحين    ترويج مخدرات يوقف ثلاثينيا بالناظور    القصر الكبير.. مصرع شخص في حادث سير والسائق في حالة فرار    الإعلان عن الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في دورتها ال23 بالرباط    الشعب المغربي يحتفل غدا الأربعاء بذكرى ميلاد الأميرة للا حسناء    "لبؤات الفوتسال" يتدربن في الفلبين    مروحيات جديدة تعزز قدرات البحث والإنقاذ القتالي لدى القوات المغربية    "بي دي إس" تدعو المغرب إلى الانسحاب فورا من ندوة لجيش الاحتلال وترى في مشاركته خرقا للالتزامات الدولية    طنجة: انهيار منزل مهجور بطنجة يخلف إصابات في صفوف المارة + صور +    عشرات القتلى الهنود في اصطدام مروّع بين حافلتهم وصهريج نفط في المدينة المنورة    خفض المساعدات الأمريكية والأوروبية قد يتسبب ب22,6 مليون حالة وفاة بحسب دراسة    ترحيب فلسطيني باعتماد "خطة غزة"    اتحاد طنجة يُنهي ارتباطه بالمدرب هلال الطير    للمرة الثانية تواليا.. حكيمي يتوج بجائزة الأسد الذهبي 2025    توقعات أحوال الطقس لليوم الثلاثاء    فيدرالية اليسار بمكناس تُحمّل المجلس الجماعي المسؤولية في تفاقم أزمة النقل الحضري    كيوسك الثلاثاء | البنك الدولي يؤكد إمكانات المغرب كقوة رائدة في الاقتصاد الأزرق    مجلس الأمن يصوت لإحداث قوة استقرار دولية في غزة    الذهب يواصل انخفاضه متأثرا بصعود الدولار    حجيرة: طاقات تصديرية "غير مستغلة"    رغم امتناع روسي صيني.. مجلس الأمن الدولي يُقر بالأغلبية مشروع قرار صاغته أمريكا يؤيد خطة ترامب للسلام في غزة    جمارك ميناء طنجة المتوسط تحبط محاولة تهريب الذهب    مجلس الأمن يعتمد قرارا أميركيا يدعم خطة ترامب للسلام في غزة    بحضور الوزير بنسعيد... تتويج الفائزين بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة وحجب جائزة الكاريكاتير    نبيل باها: المنتخب أكثر مناعة وجاهز لتجاوز المالي في ثمن النهائي    مزور: المغرب بلغ أكثر من 50 في المائة من رقم معاملات الصناعات المتطورة    برمجة 5 ملايين هكتار للزراعات الخريفية    دار الشعر بمراكش .. الموسم التاسع لورشات الكتابة الشعرية للأطفال واليافعين    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء سلبي    سجلماسة.. مدينة ذهبية تعود إلى الواجهة رغم لغز أطلالها الصحراوية    الموقع الهولندي المتخصص "فوتبولزون": المغرب "يهيمن" على القوائم النهائية للمرشحين ل"جوائز كاف 2025″    الجيش الملكي يعلن استقبال الأهلي المصري بملعب مولاي الحسن    سباق جهوي في رياضة الدراجات الهوائية بجرسيف    انعقاد مجلس للحكومة الخميس المقبل    بنكيران يتقدم باعتذار لمدينة بركان    دعم الحبوب… "أرباب المخابز": تصريحات لقجع "غير دقيقة ومجانبة للصواب"    قطاع الفلاحة يتصدر جلسة مسائلة الحكومة بمجلس النواب ب13 سؤالاً    الأعياد ‬المجيدة ‬تنبعث ‬في ‬الصيغة ‬الجديدة    عائشة البصري تكتب: القرار 2797 يعيد رسم معالم نزاع الصحراء.. وتأخر نشره يزيد الغموض المحيط بصياغته    بنغلاديش تحكم بإعدام الشيخة حسينة    الإذاعة والتلفزة تُقرّب الجيل الصاعد من كواليس عملها في التغطية الإخبارية للأحداث الكبرى    تصفيات مونديال 2026.. الكونغو الديموقراطية تعبر إلى الملحق العالمي بعد التفوق على نيجيريا بركلات الترجيح (4-3)    الطالبي العلمي يترأس الوفد البرلماني في أشغال المؤتمر 47 والدورة 84 للجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الإفريقي    عمر هلال يستعرض ركائز السياسة الخارجية للمملكة    "جمهورية نفيديا".. سباق التسلّح التكنولوجي يبدّد وهم السيادة الرقمية    تشكيلنا المغربي..    التواصل في الفضاء العمومي    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القانون والحراك
نشر في لكم يوم 23 - 05 - 2017


23 ماي, 2017 - 09:06:00
يقول فريديريك باستيا "إن من طبيعة البشر أن يثوروا على ما يلحقهم من ظلم، لذا عندما يكون النهب منظما بالقانون لفائدة الطبقات التي تصنعه، فإن كل الطبقات المنهوبة ستحاول الدخول بشكل ما –بالطرق السلمية أو الثورية- في عملية صنع القوانين"، لذلك تحضا الحركات الاجتماعية المناهضة للقوانين و التشريعات المجحفة، بنوع من التعاطف لدى العامة، وإن كان هذا التعاطف لا يترجم على أرض الواقع و لا يحافظ على زخمه، إلا إذا أخدت الحركة الاحتجاجية تكسب مواقع متقدمة تجاه الدولة، وأعطت الانطباع بكونها قادرة على تحويل الثروات المنهوبة إلى مزايا توزع على الجميع بعدالة معقولة.
وإذا كان الحراك الذي تعرفه منطقة الريف حاليا، ارتدادا للحركات الاحتجاجية التي شهدتها المنطقة، منذ استقلال المغرب، و ظهير العسكرة وثيقة ترمز إلى hلمظالم التي حلت بأبناء المنطقة، طيلة نصف قرن من الزمان، فإن الحادث المأساوي الذي أدى إلى مقتل بائع السمك محسن فكري، قد شكل القطرة التي أفاضت الكأس، وحركت أبناء المنطقة للاحتجاج على كل تلك المظالم، وفي مقدمتها عمليات النهب الذي تعرفه ثروات المنطقة و مشاريع التنمية في إطار القانون.
لم يرحل محسن فكري ضحية للنهب الذي تعرفه الثروة السمكية، ولكنه رحل حينما أراد القانون أن يحافظ على هيبته. ولم يخرج أبناء الريف -ومعه العديد من مدن المملكة- ضد الفساد الذي تعرفه موانئ المملكة، بل ضد الحكرة التي تعني في المخيال الشعبي المغربي "إجبار المواطنين على احترام قوانين في ظروف تكون فيها هذه القوانين غير جديرة بالاحترام".
فبالقانون، تم إلحاق مدينة الحسيمة بجهة طنجة-تطوان، لكن الحراك لا يقيم لهذا التقسيم أي اعتبار، وناصر الزفزافي ورفاقه وإخوانه، يتنقلون بين الحسيمة و الناظور، و لا يخطر ببالهم الاتجاه غربا، لأن منطقة الريف تحددها الجغرافيا والتاريخ والثقافة لا القانون.
وبالقانون، يتم نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، لكن سكان المنطقة يشعرون بأن بالملكية نزعت مننهم ولم ينالوا حضهم من تلك المصلحة العامة، و اليوم إذ تضم وثيقة المطالب التي صاغها شباب الحراك بطريقة تشاركية، التوقف عن نزع الملكيات الخاصة وتفويت الأراضي السلالية، فلأن سكان المنطقة تيقنوا بأن كل حق لا يدافَع عنه، مصيره الضياع، وأن نزع الملكية لا يخرج عن ما سماه فؤيديريك باستيا "بالنهب الشرعي" والذي جعل التعرف عليه بالأمر الهين، إذ "يجب النظر فيما إذا كان القانون يأخذ من البعض ما لهم ليعطي للآخرين ما ليس لهم، إذا كان القانون ينفع مواطنا على حساب الآخرين من خلال عملية يعجز ذلك المواطن عن القيام بها دون ارتكاب جريمة".
والقانون المغربي يمنع التهريب وزراعة المخدرات، لكن الفقر و الهشاشة، وارتفاع نسب البطالة بين الشباب، والقرب الجغرافي من الحدود البحرية، حولت القانون إلى آلة لإنتاج المتابعين قضائيا من الفلاحين البسطاء بمنطقة القنب الهندي، مقابل أباطرة مخدرات يعبثون باقتصاد المنطقة و سياستها و رياضتها وحتى الثقافة لم تسلم من أيديهم، في وقت ذهبت فيه استثماراتهم إلى المدن الأكثر رواجا، وأعمالهم الخيرية تفرقت بين الدوائر الانتخابية للمدن الكبرى، وترأسوا الجمعيات بكل أنواعها ودعموا المهرجانات بكل تلاوينها ولكن كل هذا خارج الريف. حيث يتعين على الفلاح البسيط أن يراجع حساباته الأمنية كل يوم، قبل مغادرة بيته.
الدستور قانون سامي يضمن المحاكمة العادلة وحق الدولة في العقاب وحق المجتمع في معرفة الحقيقة وربط المسؤوليات بالمحاسبة. والقانون ينظم الصيد البحري، وفترات الاستراحة المستحقة للثروة السمكية، وتجارة السمك بالموانئ، فكيف خرجت الأسماك التي من أجلها استشهد محسن؟ ومن يتحمل المسؤولية السياسية والجنائية عما وقع قبل ذلك وبعده؟
والقانون يضمن الحق في العلاج للمواطنين، وفي مقدمتهم ضحايا سنوات الرصاص، والأمراض المزمنة و مرضى السرطان ضحايا الغازات الكيماوية لحرب الريف، في إطار جبر الضرر الجماعي للمنطقة، لكن سكان الريف لازالوا مطالبين بالقيام برحلات استشفائية ماراطونية إلى العاصمة.
وأنا أعد هذه السطور، طالعت تصريحات صحفية للأغلبية الحكومية، يطالب كل ضلع من "ضلعاتها" بتطبيق القانون، رئيس الحكومة يؤيد "خادم الدولة" عبد الوافي لفتيت بتطبيق القانون، أي قانون؟ القانون الذي بواسطته لم تنتج وزارة الداخلية وأعيانها و منتخبوها خلال سنوات مضت إلا الأزمات، وكذلك فإن الذين مارسوا التدبير المفوض لعدة ملفات تخص ماضي وحاضر ومستقبل المنطقة لن يكونوا جزءا من الحل، بل إن وجودهم في حد ذاته استفزاز مضاعف للشارع، لأنهم -على حد تعبير باستيا- تاجروا بمآسي المنطقة حتى يتمكنوا من دخول المؤسسات التشريعية للمشاركة في النهب.
لقد أكد أول كاتب للاشتراكين بالتحالف الحكومي " أن المطالب والاحتجاجات تؤطرها وسائط البناء المؤسساتي في البلاد التي تخضع للقانون، معتبرا أن كل تعبير يخرق القانون أو يمس بالأملاك العامة أو بحريات الآخرين لا يدخل أبدا في إطار دولة المؤسسات والقانون التي يجب أن تحمي الحقوق والحريات في إطار الواجب المفروض". وكأن أجندة السي إدريس لشكر خلال الشهور الفارطة، لم تكن لتسمح له من التأكد أن احتجاجات الريف أخرجها البناء المؤسساتي في البلاد التي تخضع للقانون، وأن الاحتجاجات لحد الساعة تستهدف استرجاع الممتلكات العامة والخاصة وليس تخريبها، وأن الشعارات ترفع للتنديد بسياسة دولة الحق والقانون التي أضاعت الحقوق وضيقت على الحريات، وأن "الواجب المفروض" دفعته ساكنة الريف للدولة ولم تأخذ "الواجب المستحق".
إن التراجع في زخم الحراك، وظهور الشباب الذي يقوده على شكل مجموعات بؤرية هنا وهناك، أمر متوقع، وتصاعد الخلافات التكتيكية وظهور التخوين المتبادل بين مكونات الحراك وداعميه، أيضا أمر متوقع، ولكن الأكيد أن استمرار الحراك، رهين بما يريده طرفاه. لقد حسم "إيريك هوفر" مؤلف "المؤمن الصادق" في أمد حياة الحركات الجماهيرية من خلال أمرين: إن أراد رواد الحركة تحقيق مصالح ذاتية ودنيوية، فإن حياة الحركة قصيرة، وإن كانت المزايا المرجوة مصالح عامة وعادلة فإن توقف الحراك بيد الدولة، ولا أظن أن خيارات أخرى ستسعفها من التملص من الاستجابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.