قصة مزار فاطيما الذي يحج إليه الكاثوليك من كل أنحاء العالم    طقس الإثنين.. أجواء حارة نسبيا في عدد من مناطق المملكة    لماذا قرر حزب بهاراتيا جاناتا الهندي الحاكم أن لا يخوض الانتخابات في إقليم كشمير؟    ما الذي قاله مدرب نهضة بركان بعد الانتصار على الزمالك المصري؟    "إغلاق المعبر يعني أن أفقد قدمي الثانية" شهادات لبي بي سي من مرضى ومصابين في رفح    كرة اليد.. اتحاد طنجة يتأهل لربع نهائي كأس العرش    جهاز الإحصاء الفلسطيني: مقتل أكثر من 134 ألف فلسطيني وأكثر من مليون حالة اعتقال منذ نكبة 1948    مدرب بركان يشيد بالفوز على الزمالك    إبراهيم صلاح ينقذ "رين" من خسارة    دفاتر النقيب المحامي محمد الصديقي تكشف خبايا مغربية عقب تحقيق الاستقلال    الانفصاليون في كاتالونيا يخسرون غالبيتهم أمام الاشتراكيين بقيادة سانشيز    لقاء لشبيبة حزب التجمع الوطني للأحرار بفاس حول الحصيلة المرحلية للعمل الحكومي    خلاف مروري بساحل أكادير يتحول إلى جريمة دهس مروعة (فيديو)    إقليم العرائش يستعد لاحتضان الدورة الثانية عشرة للمهرجان الدولي ماطا للفروسية    رصيف الصحافة: سمك فاسد في "جامع الفنا" يودع 3 أشخاص الحراسة النظرية    مطلب ربط الحسيمة بشبكة السكة الحديدية على طاولة وزير النقل    المنتخب المغربي للتنس يتوج بطلا لإفريقيا    النصيري في ورطة بإسبانيا وعقوبة ثقيلة تنتظره    تفاصيل محاولة فرار "هوليودية" لمغاربة بمطار روما الإيطالي        "إيقاعات تامزغا" يرفع التحدي ويعرض بالقاعات السينمائية الأسبوع المقبل    باريس سان جيرمان يودع مبابي أمام تولوز بالدوري الفرنسي الليلة    وفاة 5 تلاميذ غرقا بأحد شواطئ الجزائر    جيتكس إفريقيا المغرب 2024.. وكالة التنمية الرقمية في خدمة النهوض بالابتكار والتكنولوجيا الجديدة    عاصفة شمسية قوية تنير السماء بأضواء قطبية في عدة دول    حل مجلس الأمة الكويتي: إنقاذ للبلاد أم ارتداد عن التجربة الديمقراطية؟    وفاة أول مريض يخضع لزرع كلية خنزير معدل وراثيا    أسعار الطماطم تقفز بأسواق المغرب .. ومهنيون: تراجع الإنتاج وراء الغلاء    معرض الكتاب.. لقاء يحتفي بمسار الأديب أحمد المديني    افتتاح فعاليات الدورة الثالثة للمعرض الدولي للأركان بأكادير    "أسبوع القفطان".. فسيفساء من الألوان والتصاميم تحتفي بعبق الزي المغربي    "كوكب الشرق" أم كلثوم تغني في مهرجان "موازين" بالرباط    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    الدرهم يرتفع بنسبة 0,44 في المائة مقابل الأورو    زلزال بقوة 6.4 درجات يضرب سواحل المكسيك    اليوتوبر إلياس المالكي يمثل أمام النيابة العامة    الصويرة : دورة تكوينية لفائدة أعوان التنمية بمؤسسة إنماء    المغرب الفاسي يبلغ نصف النهائي بفوزه على المغرب التطواني    الحسيمة تحتضن مؤتمر دولي حول الذكاء الاصطناعي    تجرى على مستوى بنجرير وأكادير وطانطان وأقا وتفنيت تنظيم الدورة ال 20 من تمرين «الأسد الإفريقي» ما بين 20 و31 ماي    طانطان.. البحرية الملكية تقدم المساعدة ل59 مرشحا للهجرة غير النظامية    عرض "قفطان 2024" في نسخته الرابعة و العشرين بمراكش    ورشة حول التربية على حقوق الانسان والمواطنة    مذكرة توقيف تلاحق مقدم برامج في تونس    بعد إلغاء حفل توقيع رواياته.. المسلم يعد جمهوره بجولة في المدن المغربية    الصين تطور أول نظام للهيدروجين السائل المركب بالسيارات من فئة 100 كيلوغرام    مركز متخصص في التغذية يحذر من تتناول البطاطس في هذه الحالات    ماذا يقع بالمعرض الدولي للكتاب؟.. منع المئات من الدخول!    النخبة السياسية الصحراوية المغربية عنوان أطروحة جامعية بالقاضي عياض    عائلات "المغاربة المحتجزين بتايلاند" تنتقد صمت أخنوش وبوريطة    الأمثال العامية بتطوان... (596)    العنف الغضبي وتأجيجه بين العوامل النفسية والشيطانية!!!    القضاء المغربي يصدر اول حكم لصالح مواطنة اصيبت بمضاعفات صحية بسبب لقاح كورونا    المغرب يسجل 26 إصابة جديدة ب"كورونا"    المغرب..بلد عريق لا يبالي بالاستفزازات الرخيصة    الأمثال العامية بتطوان... (595)    بتعليمات ملكية.. تنظيم حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية لحج موسم 1445 ه    هل يجوز الاقتراض لاقتناء أضحية العيد؟.. بنحمزة يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا تَقدِر بَعْدُ 'حركة 20 فبراير' بالمغرب على إسقاط الاستبداد ؟
نشر في لكم يوم 29 - 09 - 2011


دار الحوار التالي بين مُنَاضِلَيْن :
المتشائم : هناك خبر جديد.
المتفائل : وما هو ؟
المتشائم : لكنه خبر يتعلق بالمستقبل، وليس بالماضي القريب.
المتفائل : المهم، ما هو هذا الخبر ؟
المتشائم : على عكس بعض الآراء، وإذا استمرت 'حركة 20 فبراير' بالمغرب على ما هي عليه، فإنها لن تستطيع إسقاط الاستبداد السياسي، لا بعد شهور، ولا بعد سنة، ولا حتى بعد عدة سنوات.
المتفائل : ولماذا ؟
المتشائم : هذا السؤال يرجعنا إلى نقاش في الفلسفة، وفي علم المجتمع، ويرجعنا إلى نقاش الحاجة إلى التقييم، والنقد، والتقويم، والتطوير، والتّثْوِير.
المتفائل : هل هذا الحكم قطعي ؟
المتشائم : نعم، ما دامت 'حركة 20 فبراير' على ما هي عليه، بأخطائها ونقائصها الحالية، فإنها لن تستطيع إسقاط الاستبداد والفساد.
نوقف هنا مؤقتا النقاش بين المناضِلَيْن. لماذا هذا الجدل حول مستقبل 'حركة 20 فبراير' بالمغرب ؟ (نتكلم هنا على الخصوص عن تجربة 'حركة 20 فبراير' بمدينة الدار البيضاء بالمغرب، وقد تكون هذه الحركة في المدن المغربية الأخرى مشابهة إلى حد ما لما يجري في الدار البيضاء). المُتتبّع لمظاهرات 'حركة 20 فبراير' يمكن أن يلاحظ أن أغلبية المشاركين في هذه الحركة، وكذلك أغلبية المتعاطفين معها، يظنون أن حركتهم هذه هي 'أخت'، أو هي امتداد موضوعي، للحركة الثورية في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا. ويعتقدون أن 'حركة 20 فبراير' ستؤدي هي أيضا، وفي مدة مماثلة، وفي ظروف مشابهة، إلى إسقاط الاستبداد والفساد. بل يَعتبرون هذا التنبؤ بديهيّا، أو شبه مُؤَكّد. إلى درجة أنهم يتصورون أن هذا التطور سوف يحدث بشكل شبه آلي. ويفترضون أن نفس الأسباب ستؤدي بالضرورة إلى نفس النتائج. فهل هذا التنبؤ حقا صحيح ؟ هل هو حقيقة، أم أنه لا يزال مجرد أمنية ؟ المُعضلة هي أن هذا التنبؤ متفائل جدا، وأنه ليس بديهيا، بل هو مفرط في التفاؤل إلى حد الخطأ. لأن ما يتمناه المواطنون شيء، والتطور الموضوعي للمجتمع شيء آخر. حيث أن تطور المجتمع يخضع لقوانين موضوعية، وهذه القوانين تتجاوز إرادة مكونات المجتمع. ولا تخضع بالضرورة لرغبات الأفراد والفئات والجماعات أو الطبقات المجتمعية. تطور المجتمع يحدث بشكل مستقل عن وعي المواطنين، وعن أمانيهم. فإذا توفرت الشروط الضرورية لتطور مُجْتَمعي ما، يحدث هذا التطور. وإذا لم تتوفر شروطه، فإنه لا يحدث، ولو بلغت أماني الشعب أو مكنوناته قِمّتها. ومُجْمَل المؤشرات تدل على أن الشروط الضرورية لإسقاط الاستبداد لا تتوفر بعد بما فيه الكفاية في المغرب.
لنعد الآن إلى الحوار السابق الدائر بين مُنَاضِلَيْن. المناضل "المتفائل" يستعرض إيجابيات 'حركة 20 فبراير'، أو نقط قوتها. والمناضل الثاني "المتشائم" يُنَبّه لنقائصها، أو ينتقد أخطاءها.
المتفائل : حركة 20 فبراير هي حركة شبابية عظيمة، حققت ما لم تحققه كل الأحزاب السياسية القديمة !
المتشائم : فعلا، الأحزاب القديمة لم تحقق شيئا ذي أهمية، في مجال تغيير المجتمع، أو في ميدان تغيير النظام السياسي. لكن، لنكن دقيقين. ما حققته 'حركة 20 فبراير' ينحصر في تنظيم مظاهرات دورية، يشارك فيها مناضلون من المواطنين التقدميين، ومن اليسار، ومن بعض التيارات الإسلامية. لكن، أن تستطيع تنظيم مظاهرة، لا يثبت أنك تستطيع تغيير المجتمع، أو تغيير نظام سياسي. وهذا الحكم لا يُقَلّل من أهمية أو من عظمة هذه المظاهرات الجماهيرية الحاشدة والاحتجاجية.
المتفائل : أقول لك 'حركة 20 فبراير' استطاعت أن تجلب إلى التظاهر الاحتجاجي الدوري آلاف، أو مئات الآلاف من الجماهير، وفي العشرات من المدن.
المتشائم : صحيح. لكنها لا زالت معزولة نسبيا عن المجتمع العميق. فمن الصعب أن ندعي أن الطبقة العاملة، أو جماهير الفلاحين، أو طبقة الذين لا يَستغلون ولا يُستغلون ، تفهم حركة 20 فبراير، وتتبنّى مطالبها، وتساندها، أو تشارك فيها.
المتفائل : كيف تقول "معزولة نسبيا" ؟ 'حركة 20 فبراير' أثبتت قوتها، وحيويتها، وشجاعتها، وقُدُرَاتها. إنها تبتكر أساليب نضالية لم يسبق للأحزاب التقدمية القديمة أن مَارَسَتْها.
المتشائم : إلى حد ما، نعم. لكن علينا أن لا نُبالغ. التواضع أحسن من الكبرياء أو الغُرُور. يجب علينا أن نتذكر أن 'حركة 20 فبراير' هي نفسها نتيجة موضوعية لكل الحركات السياسية، والنضالات الجماهيرية، والتجارب الثورية، التي سبقتها، سواء داخل المغرب، أم داخل العالم العربي، أم على الصعيد العالمي. كل الأشياء مترابطة في المجتمع. كل الأشياء تتفاعل باستمرار فيما بينها. لهذا يلزمنا بالضبط أن نظل مُنتبِهين ومُتفتّحين على كل الحركات والإنتاجات والمحاولات والتجارب، الماضية والحالية، لكي ندرسها ونستفيد من دروسها إلى أكبر قدر ممكن. فهل حقا كل مُناضلي 'حركة 20 فبراير' درسوا التجارب النضالية الماضية، واستوعبوا دروسها ؟ لا أظن. بعبارة أخرى، فإن المناضلين الذين لم يدرسوا عددا من التجارب النضالية الماضية، يحتمل جدا أن يعيدوا إنتاج أخطائها السابقة.
المتفائل : أنا أزعم أن 'حركة 20 فبراير' هي القوة الوحيدة القادرة على تغيير المجتمع.
المتشائم : لا، هذا الكلام يحتوي على شيء من الغرور. تغيير الدولة، أو تغيير المجتمع، لا يمكن أن يحدث إلا إذا ساهمت فيه مجمل مكونات الشعب. وهي متعددة، ومتنوعة، وأحيانا متناقضة.
المتفائل : أنت تحتقر شيئا ما هؤلاء المناضلين. 'حركة 20 فبراير' هي حركة جماهيرية، تقدمية، مفتوحة، سلمية، وديمقراطية. وقد أثبتت أنها تتوفر على قدر متقدم من وضوح الرؤية، ومن الوعي السياسي، ومن الجرأة النضالية. ومما لا شك فيه أنها سوف تبتكر الحلول الملائمة لمعالجة كل المشاكل التي قد تصطدم بها في المستقبل.
المتشائم : في نقطة قوة 'حركة 20 فبراير'، تكمن نقطة ضعفها. وكَوْنُها حركة شبابية في غالبيتها، هو بالضبط الذي يحدد أهم نقط ضعفها، حيث تفتقر مثلا إلى النضج السياسي. جل مُناضِلي حركة 20 فبراير هم شباب. وقوة الشباب تأتي من كونه أكثر قدرة على النضال، وعلى الحركة، وعلى الجرأة، وعلى التعلّم، وحتى على الابتكار، وذلك بالمقارنة مع كِبار السن. السبب ليس هو أن كبار السن ناقصين، ولكن السبب هو أن مسؤولياتهم الاجتماعية تَحُدّ من إمكانية تحركهم. وما ينقص الشباب هو بالضبط قلة التجربة، أو قلة الخبرة السياسية. لا يعقل أن تَدّعي أنك تريد تغيير المجتمع، وأن تظل في نفس الوقت جاهلا لقوانين تطور هذا المجتمع. كيف لمناضل لا يتملّك بعد، لا علم الاقتصاد، ولا علم التاريخ، ولا الفلسفة، ولا القانون، ولا علم الاجتماع، كيف يمكن له أن ينجح في محاولة تغيير المجتمع ؟ لابد إذن من إقامة تعاون وتكامل فيما بين كل مكونات الشعب، بين الشباب والمسنين، بين القرويين والمدنيين، بين العمال والأطر، بين الخبراء وغير الخبراء، بين المثقفين والأقل ثقافة, بين المتحزبين وغير المتحزبين، بين الفقراء والأغنياء، بين الأقوياء والضعفاء، إلى آخره.
المتفائل : في كلامك شيء من الاحتقار لشباب 'حركة 20 فبراير'. فما هي الأشياء التي تَدّعي أن شباب 'حركة 20 فبراير' يجهلونها ؟
المتشائم : لا أحتقر أحدا. الحماس النضالي، أو الاستعداد للتضحية، ضروري. لكنه لا يكفي. المشكلة تَكْمُن في النقص الحاصل في المعرفة، أوفي الخبرة، أو في النضج السياسي. تصور مثلا جماعة من ا لمناضلين يطالبون ب "نزاهة الانتخابات، أو باستقلال القضاء، أو بمكافحة الفساد، أو بخلق مناصب الشغل"، إلى آخره. طَيّب. لكن، إذا لم تكن هذه الجماعة من المناضلين تتوفر على أفكار دقيقة ومعمّقة حول كيفية إنجاز هذه المطالب السابقة، وحول سبل مراقبة تطبيقها، فإن مطالبها هذه ستبقى مجرد كلام غير قابل للإنجاز.
المتفائل : كلامك يزعجني.
المتشائم : يا أخي، لكي يكون مناضل ما فعالا في نضاله، يلزمه أن لا يقنع بأن يكون مناضلا مبتدئا، أو ضعيف الخبرة، أو هاويا، أو حرفيا، بل عليه أن يحاول أن يكون مُحترفا، بمعنى أن يحاول أن يكون عالِما في مجال تغيير المجتمع وتدبيره. ومع الأسف، فإن غالبية مناضلي 'حركة 20 فبراير'، (بل وحتى جزءا هاما من أعضاء الأحزاب السياسية الأخرى، بما فيها الاحزاب اليسارية)، بعفويتهم الشبابية، يعتقدون أنهم يعرفون كل شيء، وأنهم يتقنون جميع الخبرات السياسية اللازمة. لكن نضجهم السياسي لا زال مبتدئا. وينفرون من قراءة الشهادات أو الكتب السياسية الجِدّية. ولا يحاولون الاستفادة من المناضلين القدامى الذين سبقوهم إلى ميدان النضال السياسي. سواء تعلق الأمر بتجارب نضالية وقعت داخل المغرب، أم خارجه. وأُكَرّر : يُستحسن أن يستفيد كل المناضلين من إيجابيات ومن أخطاء المناضلين القدامى، وليس أن يعيدوا إنتاج تجاربهم الماضية، بما فيها من أخطاء وحماقات، وذلك سواء عن وعي، أم بدون وعي.
المتفائل : أنت أيضا تبالغ في كلامك هذا. قد يكون في كلامك هذا احتقار لحركة 20 فبراير. وربما فيه غيرة المناضلين المسنين على المناضلين الشباب. كل مراقب يحضر مظاهرة 'حركة 20 فبراير' يحسّ بقوتها، ويشهد بزخمها، وبعظمتها. ويدرك أن هذه الحركة قادرة على تحقيق إنجازات لم تقدر أجيال المناضلين القدامى على تحقيقها.
المتشائم : لا يوجد تنافس أو تناقض بين المناضلين الشباب والمناضلين المسنين. أما قوة 'حركة 20 فبراير'، فإنها لا زالت محدودة. يمكن فعلا أن تتعاظم في المستقبل. لكن إلى حدود الوقت الحاضر، يكفى الملاحظ أن ينظر إلى التيارات السياسية المشاركة في 'حركة 20 فبراير'، وإلى الطرق التي تتعامل بها فيما بينها، لكي يدرك بعض نقط ضعف هذه الحركة. الأحزاب والتنظيمات والتيارات المشاركة، أو المُدَعّمة لحركة 20 فبراير، تتنافس فيما بينها أكثر مما تتعاون. مرض "الحلقية" (le sectarisme) أصاب مجمل التنظيمات والتيارات والجماعات والأفراد المناضلين، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. "الحلقية" السياسية هي نوع من "العصبية القبلية" في الميدان السياسي. كل طرف يُغلّب مصالحه الخاصة على المصالح العامة. غاية كل مناضل تصبح هي أن يتغلب حزبه أو جماعته على الأحزاب وعلى الجماعات الأخرى التي تنافسه، وليست غايته الأولى هي تحقيق العدل أو الديمقراطية أو تغيير المجتمع. بعض الأحزاب أو التنظيمات أو التيارات أو الجماعات تحاول، من وقت لآخر، السيطرة على 'حركة 20 فبراير'، أو تَمَلّكَها، أو استغلالها، أو توظيفها لأغراض سياسية حلقية. كثير من المناضلين يُبذرّون جزءا هاما من طاقاتهم في مجال التسابق نحو الزعامة. بينما الزعماء والزعامية يؤدون دائما إلى تقليص قدرات المناضلين القاعديين على المبادرة السياسية أو النضالية. والشّورى أو التنسيق أو التعاون أو التنظيم، فيما بين القوى السياسية الثورية (المشاركة في حركة 20 فبراير)، يبقى ضعيفا، أو حرفيا، أو مغشوشا. الانضباط مستبعد. البرنامج العملي المشترك على المدى المتوسّط غير موجود. الأهداف النضالية العملية القريبة غير واضحة، أو غير محددة أصلا. النوايا السياسية مزدوجة، أو مُتذبذبة، أو غير ثابتة، أو غير صادقة. بعض التيارات الإسلامية تدعي تبني الديمقراطية، لكن هدفها المستقبلي الأساسي هو فرض تّديُّن مُعَيّن على كل المجتمع. الشيء الذي سيؤدي إلى استبداد سياسي من نوع جديد. لأن بعض التيارات الإسلامية تعتقد أن أسباب مشاكل المجتمع تنبع من ابتعاد الناس عن تَدَيًّن صحيح مزعوم. ولا تقر هذه التيارات الإسلامية أن مشاكل المجتمع تنبع من نوعية تنظيم المجتمع، أو من شكل نظامه السياسي، أو من غياب التضامن المجتمعي، أو من غياب العدالة في اقتسام الإنتاج الداخلي الخام. وبالإضافة لكل ما سبق، قوى القمع تظل متربصة بكل حركة نضالية، وبكل مناضل، وتَدُسّ المخبرين وسطهم، وتجمع المعلومات عنهم، وتبحث عن المناسبة الملائمة لسحقهم جميعا. وهذا يزيد في تعقيد الأمور. لأن النظام القائم سيظل يحاول تطبيق نهجه القديم : "فَرّق تَسُد". وسيحاول ضرب جماعات مناضلة بأخرى، للقضاء عليها جميعا.
المتفائل : لا أتفق معك. كأنك تريد تحطيم 'حركة 20 فبراير' بدلا من تقويتها. لماذا تبالغ في خطورة بعض المشاكل التي هي ثانوية ؟ لماذا تبحث عن قضايا هي غير ضرورية الآن ؟ أخشى أن يكون نقدك لحركة 20 فبراير يخدم النظام القائم أكثر مما يخدم هذه الحركة.
المتشائم : الضرر لا يأتي من النقد . ولو كان هذا النقد جارحا، أو مبالغا فيه. وإنما الضرر يأتي دائما من الأخطاء، ومن الانحرافات المنتقدة. فاستمرار الأخطاء أو الانحرافات، هو الذي يؤدي إلى سوء التفاهم، أو إلى النقائص، أو إلى الرداءة، أو إلى الخسائر، أو إلى الضحايا، أو قد يؤدي إلى الفشل التام.
المتفائل : لا يعجبني نقدك ل 'حركة 20 فبراير'. هذا النقد يمكن أن يساهم في تحطيم هذه الحركة الفتيّة، الناشئة. بدلا من تشجيع 'حركة 20 فبراير' أو تعظيمها، أنت تُشكّك في قدراتها، أو تنقص من قيمتها.
المتشائم : كلا ! على عكس ظنك هذا، فإن تقوية 'حركة 20 فبراير' تستلزم، من بين ما تستلزم، نقد نقائصها أو أخطائها. النقد الجيّد يقوي، ولا يُحطّم. أنظر مثلا إلى الأحزاب التي تنبذ النقد داخلها، أو تُحرّمه، أو تتهرب منه، أو ترفضه، فإنها تنتهي، في آخر المطاف، إلى الرداءة، ثم إلى الزوال.
المتفائل : أنت متشائم. يظهر أنك تشك في كل شيء، وأنك متذبذب في مواقفك، بل تظهر أنك أكثر قربا إلى المحافظين، أو إلى اليمين. وتقلل من قيمة 'حركة 20 فبراير'. وتحتقر قدرات القوى المشاركة في هذه الحركة الجماهيرية. أنت تكثر الكلام، ولا تقترح بدائل عملية واضحة.
المتشائم : لا تقلق من الجدل، ولا تنفعل أمام النقد. أنا لا أريد إثارة منافسات أو مزايدات لا فائدة منها. الموضوع أعمق وأكبر منا جميعا. أود إثارة مشكل سياسي، أو مُجتمعي، هو في العمق مشكل عِلْمِي. لنكن واضحين. بشكل مجرد، إسقاط الاستبداد والفساد ممكن. بل قد يحدث في ظرف يُفاجيء الجميع (مثلما حدث في تونس ومصر). لكنه لن يسقط إلا إذا توفرت الشروط المجتمعية الضرورية لسقوطه. وما يظهر إلى حد الآن، هو أن الحركات النضالية المكونة للمجتمع بالمغرب (بما فيها حركة 20 فبراير)، لم تبلغ بعد الحدود الدنيا الضرورية التي تجعل إسقاط الاستبداد ممكنا أو ناضجا. زيادة على ذلك، تجارب تونس ومصر في سنة 2011 تُبيّن أن سقوط رأس نظام سياسي ما، لا يعني، ولا يؤدي بالضرورة إلى تغيير حقيقي وجدري في هذا النظام القائم. فما دامت الحركات المناضلة داخل مجتمع محدد ضعيفة في مجال النضج السياسي، أو في مجال التنظيم، أو في مجال القدرة على المبادرة، أو التكيّف، أو الإبداع السياسي المتواصل، فإن هذه الحركات لن تنجح في تحقيق طموحاتها النضالية أو السياسية.
المتفائل : منطقك مقلق. تزعجني كثيرا بكلامك عن الشروط، الشروط... فما هي هذه الشروط ؟
المتشائم : لنحافظ على الهدوء في النقاش، التوتر أو الذاتية لا يُفيدان. قد أعجز عن توضيح هذه الشروط. لكن صعوبة توضيحها لا يثبت أنها غير موجودة، أو أنها غير ضرورية. قد يطول الكلام حول هذه الشروط. وقد لا يصلح هذا المقام الحالي للبحث أو لاستعراض كل هذه الشروط . أكتفي بإشارات أو بأمثلة جزئية للتلميح للفكرة. أما البَقِيّة، فعليك أن تجتهد أنت بنفسك لبلوغها. المجتمع يتكون من عدة مكونات. وما دامت أغلبية هذه المكونات لا تَعِي، أو لا تريد، أو لا تتحرك، لتغيير النظام الاقتصادي والسياسي والفكري الذي يحكمها، فإن هذا النظام لن يتغير من تِلْقاء نفسه.
المتفائل : وما الذي يمنع مكونات المجتمع من التحرك لتحقيق مصالحها، خاصة وأن تضررها من الوضع القائم واضح جدا ؟
المتشائم : هذا هو المشكل الكبير ! الشعب يتضرر بالتأكيد من الأوضاع القائمة، ويعاني من ظلم وتخلف هذا النظام المجتمعي القائم، منذ عشرات السنين. لكن مكونات الشعب تظلّ مشغولة بقضايا ثانوية، أو شكلية، أو مغلوطة. وذلك بالرغم من أن إمكانية تحسين ظروف عيش الشعب ممكنة. كيف نجعل مكونات الشعب تدرك مصادر معاناتها ؟ كيف نجعلها تتجرأ على التفكير الحر ؟ كيف نجعلها تتجرأ على النقد، وعلى النضال، وعلى الإقدام على تغيير واقعها المجتمعي، نحو التقويم، وبهدف التّثْوِير ؟ هذه القضايا تدخل كلها ضمن مهام القوى السياسية التقدمية. وكل المناضلين مطالبون بالمشاركة في هذا الجهد، سواء في انسجام مع قواهم السياسية، أو في حالة نقد وصراع مع القوى السياسية التي ينتمون إليها. لأن المربي يحتاج هو نفسه إلى التربية. خاصة وأن المرحلة الحالية تستوجب الاستفادة من التجارب السابقة، وتتطلب تصحيح المفاهيم، والتصورات، والأساليب، بل وحتى تصحيح القيم السياسية أو النضالية. يجب أن تشمل عملية التقييم والتقويم والتّثْوٍير كل الميادين، وأن تتجاوز كل الحدود التي تعيق التقدم.
قد يستمر الجدل بين المناضل "المتفائل" والمناضل "المتشائم". لأن المشاكل المجتمعية تتطلب أكثر من حوار، وأكثر من قراءة، وأكثر من مقاربة. والآراء المتبادلة تستوجب آراء أخرى. وكل مشكل أقدمنا على معالجته، يفتح المجال لظهور مشاكل أكثر تعددا وتنوعا وتعقيدا. المهم أن لا نخشى الجدل، والبحث، والنقاش، والنقد، بل وحتى النقد الذاتي المُنْشِرح. فما لم نراجع معتقداتنا، أو ما لم نشك في بعض يَقِينِيّاتنا (من كلمة يقين) القديمة، أو ما لم نتجرأ على فحص ونقد أخطاءنا، فإننا لن نتقدم. في كل الميادين، التقدم مشروط بالتقييم، والنقد، والتقويم، والتَثْوِير.
حرر في الجمعة 23 شتنبر 2011.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.