إقرار مشروع قانون المسطرة الجنائية    الصويرة: وفود 15 بلدا إفريقيا يشاركون في الدورة ال11 للجنة التقنية للمؤتمر الوزاري الإفريقي للتعاونيات    المغاربة... أخلاق تُروى وجذور تضرب في عمق التاريخ    سي إن إن: معلومات أمريكية تشير إلى تجهيز إسرائيل لضربة على منشآت نووية إيرانية    إيقاف دراجة نارية قادمة من القصر الكبير ومحجوزات خطيرة بالسد القضائي    واقعة "هروب" حرفية مغربية في إسبانيا تُربك غرفة الصناعة التقليدية بطنجة    الحسيمة تحتضن مؤتمرا دوليا حول الذكاء الاصطناعي والرياضيات التطبيقية    طنجة المتوسط.. مجموعة سويدية تدشن وحدة صناعية جديدة متخصصة في المحامل المغناطيسية    باكستان تستعد لدخول عصر جديد من التفوق الجوي بحلول صيف 2026    السغروشني: مناظرة الذكاء الاصطناعي قادمة.. والأمازيغية تنال عناية الحكومة    الأغلبية بمجلس النواب تؤازر الوزير وهبي لإخراج مشروع المسطرة الجنائية    الوداد يفسخ عقد موكوينا بالتراضي    لقجع يحث "الأشبال" على الجدية    أداء إيجابي لبورصة الدار البيضاء    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    العرائش تحتفي ب20 سنة من التنمية    متهم بالاختطاف والتعذيب وطلبة فدية.. استئنافية الحسيمة تدين "بزناس" ب20 سنة سجناً    مؤلم.. عشريني ينهي حياة والده بطعنة قاتلة    وفد من مركز الذاكرة المشتركة يزور الشيخة الشاعرة والمفكرة سعاد الصباح    منح الترخيص لأول مقاولة للخدمات الطاقية بالمغرب    وزيرة الخارجية الفلسطينية تشكر الملك محمد السادس لدعمه القضية الفلسطينية والدفع نحو حل الدولتين    'الأسد الإفريقي 2025': مناورات لمكافحة أسلحة الدمار الشامل بميناء أكادير العسكري    كالاس: الاتحاد الأوروبي سيراجع اتفاق الشراكة مع إسرائيل    حديث الصمت    استثمار تاريخي بقيمة 15 مليار دولار ينطلق بالمغرب ويعد بتحول اقتصادي غير مسبوق    الخارجية الصينية: ليس لدى تايوان أساس أو سبب أو حق للمشاركة في جمعية الصحة العالمية    أخنوش: إصلاح التعليم خيار سيادي وأولوية وطنية    بعد مشاركتها في معرض للصناعة التقليدية بإسبانيا.. مغربية ترفض العودة إلى المغرب    وزير العدل: كنت سأستغرب لو وقع نواب "الاتحاد الاشتراكي" مع المعارضة على ملتمس الرقابة    ثلاثة مراسيم على طاولة المجلس الحكومي    نقل إياب نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم إلى زنجبار    حموشي يستقبل حجاج أسرة الأمن الوطني    تلك الرائحة    الناظور.. المقر الجديد للمديرية الإقليمية للضرائب يقترب من الاكتمال    انقطاع واسع في خدمات الهاتف والإنترنت يضرب إسبانيا    كيف تعمل الألعاب الإلكترونية على تمكين الشباب المغربي؟    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الكاميرون بمناسبة العيد الوطني لبلاده    موريتانيا تقضي نهائيا على مرض الرمد الحبيبي    هذا المساء في برنامج "مدارات" : لمحات عن علماء وأدباء وصلحاء منطقة دكالة    استئنافية الرباط تؤجل محاكمة الصحافي حميد المهدوي إلى 26 ماي الجاري    40.1% نسبة ملء السدود في المغرب    الوداد الرياضي يُحدد موعد سفره إلى الولايات المتحدة الأمريكية    مسؤولون دوليون يشيدون بريادة المغرب في مجال تعزيز السلامة الطرقية    بوريطة: لا رابح في الحرب وحل الدولتين هو المفتاح الوحيد لأمن المنطقة واستقرارها    صلاح رابع لاعب أفريقي يصل إلى 300 مباراة في الدوري الإنجليزي    يوسف العربي يتوج بجائزة هداف الدوري القبرصي لموسم 2024-2025    ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات "عقابية" بسبب أفعالها "المشينة" في غزة    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد الواحد الفاسي يحاضر في الانسية المغربية في فكر علال الفاسي بالعرائش
نشر في العرائش أنفو يوم 21 - 04 - 2019

استضاف المكتب المركزي للرابطة المغربية للشباب والطلبة بشراكة مع الفرع المحلي للرابطة المغربية للشباب والطلبة بالعرائش في اطار البرنامج الخماسي هجنة من اجل ترسيخ قيم المواطنة الحاضنة للتنوع وتعزيز الحقوق الثقافية الدكتور عبد الواحد الفاسي عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال السابق والوزير الاسبق لالقاء عرض حول موضوع الانسية المغربية في فكر علال الفاسي … المداخل الكبرى يوم السبت 20 أبريل 2019 بمقر نادي الموظفين بالعرائش.
ويندرج هذا النشاط تفعيلا لمضامين برنامج هجنة الذي يروم تعزيز الحقوق الثقافية لمختلف مكونات الهوية الوطنية، التي اقرها دستور فاتح يوليوز 2011، كما يهدف هذا النشاط لاطلاع الشباب على مختلف المشارب الفكرية والأيديولوجية الوطنية والتي ناقشت موضوع الهوية المغربية، بغية اقرار مبادئ المواطنة الحاضنة للتنوع باعتبارها العمود الاساسي لبناء المجتمع الديمقراطي الحداثي المنشود.
وقد جاءت كلمة السيد عبد الواحد الفاسي كالتالي :
"الانسانية المغربية"
عبد الراحد الفاسي
لقد أثار مفهوم الإنسية عددا من المجادلات الفكريةالتي سعى أطرافها ، كل حسب انتمائه الإيديولوجي، منأجل توظيفها لتحديد وضع الإنسان داخل محيطهالوجودي وعلاقته بهذا المحيط وحدودَ هذه العلاقةوخصائصَها وما يترتب عن هذا الوضع وعن هذه العلاقةمن واجبات ومسؤوليات. واجبات ومسؤوليات يتحملها هذاالإنسان أولا اتجاه نفسه كمخلوق متميز عن باقىالمخلوقات بما أوتي من ملكات فكرية وروحية وثانيا اتجاهباقي أبناء جنسه الذين يتقاسم معهم نفس الوضع ونفسالواجبات والمسؤوليات الوجودية.
لقد كانت مقاربةُ مفهوم الإنسية في البداية مقاربةتاريخية ارتبطت بالتراث اليوناني واللاتيني واعتمدهامفكرو القرن التاسع عشر للتعبير عن مجموع العقائدالأدبية والفنية التي كان يدعو لها إنسانيو النهضةالأوربية. هؤلاء الذين كانوا يرون من خلالها تجلياتالثقافة الروحية والفكرية للمرحلتين اللتين عرفتا هيمنة كلمن اللغة اليونانية واللاتينية. وقد أصبحت الإنسية فيالوقت الحالي تعبر عن انتماءات جغرافية وحضارية لهاخصوصيات تميز بعضها عن البعض فيقال الإنسيةالعلمية أو الإنسية العصرية أو الإنسية المسيحيةوالإنسية الهندية والصينية والعربية. أي أصبحت خارجالإطار التقليدي القديم وخارج الحدود الطائفية التيتضيِّق من مجالها الذي هو المجال الإنساني بمختلفمكوناته وشساعة أبعاده .
لقد أصبحت إنسية القرن الواحدِ والعشرين إنسيةً عالمية . أي إنسية غنية بتنوعاتها وروافدها تجسد شكلاتعبيريا عن الكائن الإنساني وعن كل ما يتعلق بوجودهالمادي والروحي وما يحقق الشخصية المثالية للإنسان . أي الإنسان في كينونته وجوهره كيفما كانت جنسيتُه أوحالته المالية أو العلمية. فبمجرد ما يشارك هذا الإنسانفي بناء الكون والمحافظة على محيطه والمساهمةالإيجابية في عمارة الأرض وأداء واجباته ومسؤولياته منأجل الإنسانية يصبح ذلك الشخص الذي ينتمي إلىالنظام الكوني العام.
فالإنسية من هذا المنظور تصبح كما قال علال الفاسي"نظرية نظام كوني يُعتبر الإنسان فيه مكرما مفضلاعلى سائر المخلوقات التي خُلقت من أجله ؛ وهي علاقةالكون بالإنسان".
ولكي يستطيع هذا الإنسان ذو البعد الكوني، والذييحمل مسؤولية وجودية تتجاوز كيانه الصغير والمحدود، من أن يساهم في أداء هذه المسؤولية بالشكل المطلوبفإنه مطالب بالتفاعل مع مكونات محيطه تفاعلا إيجابياداخل إطار متجانس ومتضامن يحتوي على كل الوسائلوالأدوات التي توفر له إمكانيات القيام بعمله وواجباته. والإطار المعني هنا هو المجتمع الذي ينتمي إليهبجغرافيته وتاريخه ومكونه البشري ورأسماله الماديواللامادي ووسائل تواصله اللغوية وعقائده الدينيةوتقاليده وعاداته. أما الوسائل والأدوات فهي كل مايحتويه المجتمع من مؤسسات وقيم وعلاقات ومنظوماتتربوية وأخلاقية.
من خلال هذه التوضيحات يمكننا طرح سؤال مشروعوهو ما موقع الإنسان المغربي داخل هذا النظامالإنساني الكوني من خلال إنسيته المغربية وما لها منجذور وأسس وخصوصيات وامتدادات كونية ؟ السؤالالذي وضعه علال الفاسي بشتى الصيغ وبحث عنالجواب عنه في التاريخ والجغرافية والتراث والفكر والدينواللغة وكل مقومات الهوية. بحث فوجد الجواب في مكوناتما أسماه بالإنسية المغربية.
الإنسية المغربية
يقول علال الفاسي في كتاب الإنسية المغربية أن" المغرب كأمة مسلمة لها في جاهليتها من التطورالحضاري ما يعطيها الحق بأن تطالب بإنسيتها قبلالإسلام، التي تجلت في كفاح ملوكها للحفاظ علىالجنس والقومية ونضالها الدائم ضد الذين يحاولوناحتلالها. وفي هذا التعشق الكامل للحرية الذي جعل منشعبنا شعبَ الأمازيغ، وفي حسن تقبلها للتعاون معفنيقية والإمتزاج بها ، وفي بوكاس ويوجورثا وحنبل، وفيالقديس أوغستان والكاهنة ما مهد السبيل لطارق وأمثالهمن أبطال المغرب المسلمين ".
ويضيف علال الفاسي إلى هذه العناصر والروافدالمؤسِّسة للإنسية المغربية العنصر الديني المتمثل فيالدين الإسلامي الذي منحها خصوصيتها المنفردة وذلكبما كساها به من رداء روحي وأخلاقي وجعل لها أداتهاالتعبيرية المُوحَّدة المُوحِّدة والغنية والمتجانسة وهي اللغةالعربية، لغة الوحي الإلهي، لغة القرآن الكريم.
يقول علال الفاسي بهذا الصدد : " فحينما جاءالإسلام ارتضته أمتنا دينا وارتضت العربية لغة لها . وأصبحت عبقرية المغاربة تمتزج بالعطاء العربيالإسلامي وتُكَوِّن امتدادا لروح الإنسية المغربية". هذهالإنسية والهوية – بخصوصياتها ومميزاتها – والتي بناهاوأرسى أسسها رجال من فصيلة العلماء والمجاهدينوالأدباء والمفكرين الإنسانيين الذين أغنوا التراثالإنساني بعلمهم وأعمالهم ونضالاتهم. هؤلاء الذينشكلوا، بمعية آخرين ينتمون إلى الإنسيات الأخرى،النبراس الذي أضاء الطريق أمام البشرية وسط غياهبالجهل والعنف والطغيان والإفساد في الأرض. وما كانلهؤلاء أن يبَلغوا رسالاتهم وينقلونها إلى أتباعهمومريديهم بدون تعليم وتلقين وتربية.
ويؤكد على هذه الخصوصية المغربة بقوله: " فقد اعتنقالمسيحية ولكنه رفض أن يخضع للكنيسة الرسمية ، واعتنق الإسلام ولكنه رفض أن يتبع الخلافة العباسية بلحتى الأموية التي كانت بجانبه في الأندلس".
الإنسية المغربية هي إذن نتيجة مسار تاريخي تشكلتمن خلاله في ارتباط بين الهوية الوطنية والتعدد الإثنيالذي خرج من رحمها الإنسان المغربي المشبع بقيمالحضارة الإسلامية. وهي الإنسية التي أراد الإستعمارأن يبيدها ويُحِل محلها الإنسية الأجنبية من خلال تعليمأجنبي بلغة أجنبية. الشيء الذي حاربه علال الفاسيطيلة حياته وفي عدة جبهات وأهمها جبهة التربية والتعليم.
يقول في هذا الصدد " إن الإنسية المغربة كأساسللتربية وباعتبارها من مقومات الحضارة العربيةالإسلامية هي التي تحرر شبابنا من قيود الإستعمارالفكري ومثبطاته، وتدفعه إلى أن يحمل مشعل الحريةالذي حملته أجيالنا من قبله ليسير قدما نحو الغايةالسعيدة التي بدأنا نحن التمهيد لها والعمل من أجلهاغاية الحق والحرية والطيبوبة والجمال، تلك الغاية التيهي بالنسبة إلينا ليست إلا وثبة أولى تدفعنا إلى غايةاسمى هي رضا الله وطمأنينة الضمير".
التعليم كدعامة للإنسية المغربية
إنه إذن من الصعب الحديث عن الهوية والإنسيةالمغربية دون التطرق إلى أحد أهم الوسائل التي تضمنبقاءها واستمرارها عبر الأجيال ألا وهي التعليم . التعليمالذي أُنشئت له بعد الحصول على الإستقلال لجنة ملكيةسميت " اللجنة الملكية لإصلاح التعليم " . هذه اللجنةالتي اجتمعت في شتنبر 1957 وحددت العناصر الأربعةللهوية المغربية التي انطلق منها ورش بناء الدولة المغربيةبعد الإستقلال وهي : التعميم والتوحيد والتعريب والمغربة.
وإن كان هناك تقدم متفاوت الدرجات بالنسبة لثلاثةعناصر، فإن عنصر التعريب وجد أمامه عراقيل كبيرة منطرف الجهات التي توالت على إدارة وتسيير الشأن العام. وجد معاندة متصلبة بالرغم من القرار الذي خرجت بهالمناظرة الوطنية حول التعليم التي تم تنظيمها بالمعمورةفي سنة 1960 والتي حضر أشغالها 400 شخصية. القرار الذي يقول :" لغة التعليم في جميع المراحل هياللغة العربية. ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية كلغاتإلا ابتداء من التعليم الثانوي". القرار الذي لم يجد طريقهإلى التطبيق بسبب مواقف هذه الجهات المعاندة والمعاديةللغة العربية.
لقد ناضل علال الفاسي ضد التعليم الذي يسلب منالمواطن الروح الوطنية وانتماءَه لوطنه ولو تخرج منه أكبرفيلسوف وأكبر مهندس. وهو الأمر الذي دفعه لاعتمادالإنسية المغربية أساسا للتعليم لأنها تعني الرجوعبالمواطن إلى إنسانيته وتحصِّنُه ضد الاستلاب والذوبان في إنسية الآخرين.
" التعليم يعني بالنسبة لعلال الفاسي التربية عن طريقاللغة القومية والتاريخ القومي والفلسفة القومية ثم التفتحعلى الآخرين. والتعليم الذي لا يُكوِّن شخصية متميزةليس تعليما وطنيا ، ولكنه تعليم منحرف."
كان يعتبر أن هذا الإنحراف هو المسؤول عن كثير منالإنحرافات في الحكم والتسيير والإعتقاد والوجهةالوطنية والإستقامة الخلُقية .
كان يؤمن بالمدرسة المغربية وينادي دائما بإعادة النظرفي سياسة التعليم ومغربته . " والمغربة تعني اللغةوالإنسية والتكوين الوطني والتمييز الذاتي".
هل هناك أخطر من الغزو الفكري على الشعوب ؟
"إنه أخطر غزو لإنه يتستر وراء المعرفة والفكر، ويوهمأنه يخلُق الإنسانَ المثقف بينما هو يسلُب الإنسان كلمقوماته في المعرفة والفكر فيخلق الإنسان المستلب" .
"إن الإنسان المكوَّن من طرف الإستعمار يمكن أن يكونأخطر من الإستعمار نفسِه، على نفسه وبلاده" .
كان علال الفاسي يعتبر دائما أن النضال من أجلتصحيح فكر الإنسان المغربي لا يقل عن الكفاح من أجلتصحيح وضع الوطن . لأنه لا يعتبر الوطن أرضا وحدودافقط، ولكنه يعتبره أرضا وإنسانا كذلك. ومن هنا بدأحملته في سبيل ما أسماه الإنسية المغربية.
"كان يريد أن يعيد للمواطن المغربي إنسانيته الكاملةبكل مقوماتها ، فيخرجه من الإستلاب الفكري والعقيديوالإنساني ليعود به إلى وطنه ليكتشفه إن كان يجهله ، ويقدره إن كان يحتقره ، ويحبَّه إن كان يكرهه ، ويرتبطَ به إن كان يبتعد عنه ، ويناضلَ في سبيله إن كان يقفمنه على حياد ".
والطريق للوصول إلى هذه الغاية يمر عبر التعليموالتثقيف ، بأن تعود الإنسية المغربية إلى التعليم فيالمغرب فيتعلم التلميذ والطالب كل ما يحرره من الإستلاب: " اللغة والدين والتاريخ والجغرافية والفلسفة والتربيةالوطنية في مقدمة ما يجب أن يعرفه التلميذ والطالبليصبح مؤنسنا ؛ أي إنسانا مغربيا "
كان علال الفاسي يريد أن ينقُد الإنسان المغربي منالإستلاب حتى لا يكون لقمة سهلة في يد الإستعمار. وكان يريد أن يعيد للإنسان المغربي كرامته لأن الإنسانالمستلب لا كرامة له . وكان يريد أن يجعل من المغربيمناضلا في سبيل قوميته وبلاده ، والإنسان المستلب يفقدكل صفات المناضل، لأنه لا يعرف المقومات التي يناضلمن أجلها.
" الإنسية إذن مذهب في التعليم بقدر ما هي عقيدةوطنية تستهدف استعادة الإنسان المغربي العربي المسلممن الإستلاب ليكون إنسانا كامل الإنسانية، قادرا علىتحمل المسؤولية عن طريق تكوينه العلمي والثقافيوتحرره من الإستعمار الفكري والتبعية العملية."
كان علال يريد ، عن طريق الإنسية، أن يكوِّن جيشا منالثائرين على الماضي السلبي، البانين للمستقبل، المناضلين في سبيل بلادهم وشعبهم.
فالمعرفة يجب أن تكون حقا من حقوق المواطن الاساسيةالتي تضمنها الدولة وتسهر على تحقيقها لكل مواطن. " إن الحكومة ، يقول علال الفاسي، التي لا تعنى بالمعرفةولا تجعلها في متناول جميع الطبقات ولا تحمل الجاهلينعلى أن يتعلموا ، لهي حكومة لا قيمة لها في الإعتدادالعصري ولا تستحق من المواطنين أي احترام أو تقدير".
اللغة العربية لغة التعليم وإحدى دعامات الهوية المغربية
كان علال الفاسي يؤمن كذلك وبقوة أن هذا التعليمالذي بواسطته يتم إدراك العلم والمعارف و بناء الإنسانالمغربي المنصهر في إنسيته المغربية لا يمكن أن يتم بغيراللغة القومية لأن العلم– كما روى عن صديقه بلافريج – إذا أخذته بلغتك أخذته، وإذا أخذته بلغة غيرك أخذك .
" الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكرإلا بفكر أجنبي عنها ".
فالتعدد اللغوي في لغات التدريس معناه فتح المجالللتفكير بطرق متعددة وترسيخ الإستلاب الثقافي والفكريوتشويه مقومات الهوية الثقافية والجماعية . مما يعني أنالنتائج السلبية لا ترتبط فقط بالتلميذ ، بل بالهويةالوطنية.
فلغة التعليم يجب أن تكون هي اللغة القومية. واللغةالقومية هي بالطبع اللغة العربية. وهي اللغة المعبرة عنهوية الشعب المغربي في كفاحه ضد أنواع الإستلابوالتبعية والتي يجب تعميمها كذلك على مستوى الإدارةوكل مؤسسات الدولة بحيث يقول علال الفاسي في هذاالصدد." إن اللغة العربية لغتُنا القومية والدينية والواجبأن نعنى بها ونعطيها المركز اللائق في الإدارة والمدرسةوالمتجر والمسجد … ولا شك أن حياة لغتنا بعثٌ لوجودناالثقافي وصلة مستمرة مع ماضينا ومستقبلنا وتحريرُ لنامن هيمنة الكلمة الأجنبية التي توحي إلينا من الإلهاماتما يملأنا بروح أجنبية أجنبية بعيدة عنا" .
إن ما نشهده في السنوات الأخيرة من دعوات هجينةإلى التعليم باللغة العامية ثم بعد ذلك بلغة المستعمر ومنمواقف صدامية بين من يريدون ان تبقى جذورالإستعمار الفرنسي حية داخل تربة وطننا بعد مرور مايفوق الستين سنة على الإستقلال وبين من يسعون إلىإثبات الهوية والإنسية المغربية من اجل الحفاظ على وحدةالأمة وتحصينها ضد عوامل التفسخ والتشتت وذلكبإثبات ثوابت ودعائم هذه الإنسية ومنها لغتُها القوميةالرسمية اللغة العربية مسنودة باللغة الرسمية الأخرىوهي اللغة الأمازيغية ، أقول ما نراه اليوم لا يمكن تفسيرهإلا بما وقع إبان الفترة الإستعمارية التي فرض فيهاالمستعمر تعدد اللغات من أجل بث التفرقة داخل المجتمعالمغربي وإضعافه لإحكام السيطرة عليه وتقوية تبعيتهللدولة المستعمرة. التبعية التي يريد لها المستعمر أن تدوموتستمر حتى بعد ذهابه .
إنها إعادة إنتاج نموذج استعماري بطريقة جديدةوأدوات محلية من داخل البيت المغربي. أي بشكل جديديعتمد تقنيات البروباغاندا المتطورة وبأيدي من ينتسبونإلى الوطن ومن الذين صرفت على تكوينهم وتعليمهمأموال هذا الوطن وأسندت إليهم مسؤوليات تدبير شؤونهالعامة.
فمن حقنا أن نتساءل
لماذا هناك إرادة لطمس الإنسية والخصوصية المغربيةمن طرف الحكام وأصحاب النفوذ الإقتصادي ؟
لماذا الكذب والبهتان من أجل إقتاع المغاربة بجدوىوصحة ما يدّعون ؟
هل استعمال اللغة العربية في المواد العلمية يتسبب كمايدّعون في انهيار المنظومة التعليمية ؟
لماذا محاولة السكوت عن أمر أساسي وهو توقيفالتعريب في الباكلوريا ؟
لماذا التشبت باللغة الفرنسية بينما الغاية هي تحسينالحصيلة العلمية ( الإنجليزية) ؟
الكلام عن التناوب، عن أي تناوب لغوي نتكلم ؟
كيف يمكننا أن نثق بمن يدّعي البحث عن الحل الأنجعوينطلق في تدريس العلوم باللغة الفرنسية في المدارسقبل صدور القانون الإطار ؟
إذا كانت المدرسة المغربية لا تتوفق في تكوين التلاميذفي اللغتين العربية والفرنسية، فهل الحل هو تغيير لغةالتلقين ؟
الأجوبة واضحة. كل هذا ناتج عن التلوث الإستعماريالذي لازال يخيم في عقول أصحاب القرار.
وفي الأخير، أظن أن هذه المقولة وإن كانت مرتبطبالبيئة فإنها صادقة في هذا الإطار وأساسية للحفاظعلى أرضنا ، على مغربنا : " المهم ليس أن نترك أرضالأبنائنا بل المهم هو أن نترك أبناءً لأرضنا " . أو كما يقولالمثل المغربي " إبنيه ولا تبني ليه"
ما يقع اليوم يفرض علينا واجب اليقظة والتصدي للدفاععن هويتنا وإنسيتنا المغربية التي هي الضامن لحريتناواستقلالنا وهي التي تقينا ضد كل هيمنة فكرية وثقافيةواقتصادية تحوِّلنا إلى مجرد بشر يستهلك من أجل أنيعيش حتى يصل أجله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.