العرائش أنفو برعلا زكريا في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، يستعرض على قناتين رسميتين ما وصفها بالحياة الإيجابية والملموسة لولايته الحكومية، كان اهتمام الرأي العام المغربي منصبا على قصة أكثر واقعية وأشد تأثيرا: قصة الكلبة التي هاجرت من صحراء زاكورة إلى بريطانيا. هذا التباين الصارخ ليس مجرد مفارقة عابرة، بل هو مؤشر دقيق على حجم الهوة التي تفصل بين الخطاب الرسمي وواقع الناس. لم يكن التجاهل الذي قوبل به حوار رئيس الحكومة، والذي وصل إلى حد إغلاق خاصية التعليقات على البث المباشر، مجرد موقف سياسي، بل كان استفتاء شعبيا عفويا على مصداقية الوعود. فبينما كانت لغة الأرقام عن عجز الميزانية وخلق مناصب الشغل تتردد في استوديو محصن، كانت قصة كلبة زاكورة التي قطعت ثمانين كيلومترا بأطراف جريحة لتنال فرصة حياة كريمة، تلامس قلوب الملايين لأنها كانت تتحدث لغتهم، لغة الحلم بالعبور إلى الضفة الأخرى. إن التفاعل الهائل مع قصة الكلبة، والذي تراوح بين الفرح الصادق والسخرية السوداء وصولا إلى الحسد، لم يكن موجها لحيوان، بل كان انعكاسا لأحلام جيل بأكمله يرى في الهجرة الخلاص الوحيد. هذا الجيل الذي تحول إلى ما يشبه قنبلة موقوتة، لا يقتصر على الشباب المنقطعين عن الدراسة، بل يضم جيشا من حملة الشواهد العليا الذين اصطدموا بحقيقة أن نظام التعليم لم يعد يضمن لهم عقدا اجتماعيا للترقي. وحتى من حالفهم الحظ بوظيفة، يعيشون تحت وطأة أجور هزيلة وظروف اجتماعية تقتل أي طموح لبناء مستقبل آمن. ولا يقتصر حلم الهجرة على البحث عن فرصة عمل، بل يتعداه إلى مطلب أكثر إلحاحا وهو الحق في العلاج. فهناك شريحة واسعة من المواطنين لا تحلم بالثراء، بل بمجرد القدرة على الحصول على دواء أو رعاية صحية لائقة، وهو ما وجدوه متجسدا في العناية التي حظيت بها الكلبة المصابة. بل أن هناك من لا يقوى حتى على التعبير عن رأيه بحرية. كل هؤلاء، من العاطل إلى الموظف إلى المريض، يوحدهم شعور واحد، إحساس مرير بأن حظ كلبة في بلد أجنبي قد يكون أفضل من مصير إنسان في وطنه. حين يصل الإحباط إلى هذا المستوى، وتصبح حياة حيوان أكثر إغراء من حياة مواطن، لا يتبقى للتعبير عن هذا الواقع سوى السخرية المبطنة التي تختزل كل الألم. وأستحضر هنا دعابة تتناقلها الألسن حول تبادل كلب مغربي وكلب أمريكي الأماكن، وبعد مدة اتصل أحدهما بالآخر. فقال الكلب الأمريكي المقيم مؤقتا في المغرب لصديقه: لأول مرة في حياتي أحس أنني كلب.